عرض مشاركة واحدة

قديم 20-04-09, 08:36 AM

  رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

الحرب الاستباقية في الحاضر

في عام 2002م، حدث انقلاب ملحوظ في الإجماع الوطني الرافض للحرب الوقائية خلال الخمسينيات، حيث تقبلت الولايات المتحدة الأمريكية استراتيجية الحرب الاستباقية (التي كان يُطلق عليها في الخمسينيات اسم الحرب الوقائية) حسبما ورد في عقيدة بوش. فمنذ صدور استراتيجية الأمن الوطني عام 2002م، شغلت الحرب على العراق وسياسات الانتخابات الرئاسية الأمريكيين، فانصرفوا عن مناقشة أول استراتيجية قومية تصدر في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، إلاّ أن المنظرين الاستراتيجيين وخبراء الشؤون الدفاعية شرعوا في عملية تقويم مزايا وعيوب الحرب الاستباقية كاستراتيجية لخوض الحرب على الإرهاب، فكثُر الحديث عن المصطلحات والقانون الدولي، وتعدد الأقطاب، والفاعلية العسكرية، والمصداقية الأخلاقية وغير ذلك. فلم يعد التمييز بين الحرب الاستباقية والحرب الوقائية الذي كان سائداً في حقبة الخمسينيات مطروحاً للنقاش حالياً، رغم أن الاستخدام الخاطئ لمصطلح الحرب الاستباقية بدلاً عن الحرب الوقائية قد يؤدي إلى نتائج وخيمة، فقد أشار (فرانكو هيسبورغ) مدير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن إلى أن القانون الدولي الحالي يميز بينهما بوضوح، وربما يؤدي عدم الدقة في استخدامهما إلى الخلط بين الصديق والخصم.

وقد يفهم حلفاء الولايات المتحدة هذا النوع من عدم الدقة على أنه عدم حذق من الولايات المتحدة للدبلوماسية وخباياها، مما يضعف المصداقية الدولية، ويقف حجر عثرة في سبيل تكوين جبهة موحّدة ضد الإرهاب، كما يؤدي عدم التمييز بين المصطلحين إلى تضليل الأعداء المحتملين ويدفعهم للمضي قدماً في تطوير وسائط الردع المتمثلة في أسلحة الدمار الشامل، ليتمكنوا من التصدي لتهديد محتمل من الولايات المتحدة، رغم عدم وجوده في الواقع، وخلص (هيسبورغ) إلى إمكانية تعزيز عقيدة الحرب الوقائية من خلال العمل مع الحلفاء وتوضيح خطوطها العريضة بدقة، وبخاصة مدلول التهديد "الوشيك".

كما تعدّ قضية التهديد الوشيك محوراً أساسياً في الأسئلة المطروحة حول شرعية الحرب الاستباقية (أو على الأصح الحرب الوقائية)، ففي نظر القانون الدولي حسب إفادة أستاذ القانون الدولي (أنتوني كلارك آرند) تعتبر الحرب الاستباقية شرعية لو اكتسبت مفهوم الحرب الوقائية، فالقانون الدولي يعترف بحق الدولة في اتخاذ عمل استباقي للدفاع عن نفسها فيما لو توفّر شرطان:
(1) إثبات ضرورة ذلك العمل، أي إثبات أن دولة أخرى تمثل تهديداً وشيكاً عليها.
(2) أن العمل الذي تم اتخاذه يتناسب مع التهديد، وتجنّب الإفراط في استخدام القوة.

واستراتيجية الحرب الاستباقية الحالية حسبما ورد في عقيدة بوش تجادل بأن عالم ما بعد 11 سبتمبر، يتطلب إعادة النظر في معنى "التهديد الوشيك"، حيث إن انتشار أسلحة الدمار الشامل وارتباطها الوثيق بالإرهابيين قد ألغى المفهوم المألوف للضرورات التي نص عليها القانون الدولي، وبخاصة جوهر "التهديد الوشيك". وحتى الآن، لم تقدم "عقيدة بوش" تفسيراً واضحاً للتهديد الوشيك، بينما ظلت بنود القانون الدولي على حالها دون إدخال تعديلات عليها، وخلص خبير القانون الدولي (آرند كلارك) إلى أنه فيما لو قبل القانون الدولي تفسير عقيدة بوش الضمني للتهديد الوشيك، فإن الحرب الاستباقية ستصبح شرعية، حتى لو اعتبرت عملاً طائشاً وأحمق من وجهة النظر السياسية.

ولكن السؤال المطروح هو: كيف يمكن إدخال تعريف جديد للتهديد الوشيك والحرب الاستباقية ضمن بنود القانون الدولي؟ خصوصاً وأنه لم ترد في بنود القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة إشارة للبيئة الاستراتيجية الحالية، التي يشكِّل فيها إرهابيون وليست دول قومية تهديداً لأرواح الآلاف من المدنيين. يطرح المفكر الاستراتيجي (تيرانس تيلور) ثلاثة معايير لوضع تعريف جديد للتهديد الوشيك في عالم ما بعد 11 سبتمبر، وهي:
أولاً: أن يشكل التهديد خطورة كبيرة، كتلك التي تشكّلها أسلحة الدمار الشامل.
ثانياً: أن تؤخذ وسائط الإطلاق في الحسبان عند تعريف التهديد، لأن اعتماد الإرهابيين على العمل السري والمفاجأة يحول دون إصدار إنذار مبكر، ولذا فإن التهديد العام قد يعتبر تهديداً وشيكاً في نظر القانون الدولي.
ثالثاً: إعلان الإرهابيين عن عزمهم على شن هجوم، كالبيانات التي يبثها تنظيم القاعدة عن نيتهم القيام بأعمال مدمرة أخرى ضد الولايات المتحدة.

 

 


   

رد مع اقتباس