عرض مشاركة واحدة

قديم 20-04-09, 08:33 AM

  رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

عالم أكثر تعقيداً

لقد تسببت أحداث الحادي عشر من سبتمبر في حدوث تحولات استراتيجية مهمة لا يقل زخمها أهمية عما أحدثه تفجير القنبلة الذرية في "هيروشيما" عام 1945م، فلم تعد الهجمات الإرهابية تحدث في مناطق نائية مثل الشيشان، والشرق الأوسط فحسب، وإنما انتقلت بكل وحشيتها إلى عقر دار الولايات المتحدة الأمريكية، وكما ألغى يوم 6 أغسطس 1945م الاستراتيجية الدفاعية التي كانت سائدة في ذلك الوقت، فإن أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد أبطلت مفعول ما كان سارياً قبلها من استراتيجية دفاعية، فقد اكتسبت الاستراتيجية ذات البعدين النووي والتقليدي بعداً ثالثاً يتمثل في الإرهاب.

ورغم أن إيجاد توازن بين القوتين النووية والتقليدية قد أثقل كاهل الرؤساء الأمريكيين على مر العقود السابقة، فإن الرئيس الأمريكي الحالي "بوش" تعيّن عليه أن يبحث عن استراتيجية دفاعية ذات ثلاثة أبعاد. وفي حين أن الأسلحة التقليدية لم تتوقف عن استنزاف معظم الموارد الدفاعية في مناطق مثل: البلقان، وهايتي، وكوريا الجنوبية، والمحافظة على الجاهزية للتصدي لأعداء محتملين مثل: كوريا الشمالية، وإيران، والعراق في وقت من الأوقات، فإن التهديدات النووية رغم انحسارها بعد انتهاء الحرب الباردة مازال شبحها يلوح في الأفق في مناطق مثل: الصين، وروسيا، وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، وإيران، وكوريا الشمالية.
وثالثة الأثافي أن الإرهاب قد أطل برأسه كبعد ثالث في المعادلة، وهو نوع جديد من أنواع الحرب على المستوى الاستراتيجي لا يدخل ضمن إطار النموذجين النووي والتقليدي. وتعاني الاستراتيجية الأمريكية وتشكيلة قواتها من قصور في مواجهته. والإرهاب كتكتيك ليس ظاهرة جديدة، إذ اكتوت الشعوب بنيرانه على مدى قرون من الزمان، ولكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر أظهرت استعداد المتطرفين لشنِّه بأشكال استراتيجية جديدة لا تخطر على بال أحد. وتتطلب مكافحة هذا الشكل الجديد من أشكال الإرهاب طريقة جديدة في التفكير، وتقنيات متطورة، واستخدام العمليات السرية والقوات الخاصة على نطاق واسع، وتخصيص موارد إضافية، فضلاً عن الاحتفاظ بمقدرات نووية وتقليدية، وتتمثل المسألة الأكثر إلحاحاً في صياغة عقيدة استراتيجية لا تقتصر على بعدين من أبعاد الحرب، وإنما حرب ثلاثية الأبعاد.

وفي شهر يونيو 2002م، قدَّم الرئيس "بوش" استراتيجية للتصدِّي لهذه التهديدات المتعددة الجوانب، وذلك في خطبة ألقاها بكلية "ويست بوينت" العسكرية، فعلى خلفية انتهاء الحرب الباردة خاطب طلاب الكلية قائلاً: "إن الاستراتيجية الدفاعية الأمريكية إبان الحرب الباردة كانت تعتمد في السابق على عقيدتي الردع والاحتواء، وربما مازال من الممكن تطبيق هاتين الاستراتيجيتين في بعض الحالات، ولكن ثمة تهديدات جديدة تتطلب نوعاً جديداً من التفكير".

ولخوض هذا النوع الجديد من الحرب ضد الإرهاب داخل الولايات المتحدة وخارجها، حدّد الرئيس "بوش" استراتيجية الحرب الاستباقية، والتي تُعرف في بعض الدوائر باسم "عقيدة بوش"، حيث مضى قائلاً: "إذا ما انتظرنا حتى تستكمل التهديدات استعدادها، فمعنى ذلك نكون قد انتظرنا لأكثر من اللازم، ويتطلب أمننا أن يتحلى جميع الأمريكيين ببعد النظر والعزيمة، وأن نكون مستعدين للقيام بعمل استباقي". وتعلن تفاصيل الحرب الاستباقية الموضحة في استراتيجية الأمن القومي أن الولايات المتحدة "لن تتردد في العمل بمفردها إذا لزم الأمر لممارسة حقها في الدفاع عن نفسها بشن حرب استباقية ضد الإرهابيين، ومنعهم من إلحاق أضرار بشعبنا وبلدنا". وإذ تؤكد استراتيجية الأمن القومي الأمريكي على ما كفله القانون الدولي من حق الدول في العمل ضد "خطر من هجمات وشيكة"، فإنها تقترح إعادة النظر في تفسير كلمة "وشيكة" بسبب الطبيعة الثورية للعدو الإرهابي، وتمضي الوثيقة قائلة: "ينبغي أن نكيِّف مفهوم التهديد الوشيك مع مقدرات وأهداف أعداء اليوم؛ فكلما كان التهديد أكبر، كلما ازدادت مخاطر السلبية، وأصبح من الضروري اتخاذ عمل بالاعتماد على توقعاتنا لحماية أنفسنا، وحتى لو اكتنف الغموض زمان ومكان هجوم العدو، فإن الولايات المتحدة سوف تقوم بأعمال استباقية عند الضرورة. وحتى لا يشكِّل العدو تهديداً وشيكاً، فإن الولايات المتحدة سوف تشن الضربة الأولى ضد الإرهابيين، ومن يأويهم بعلم منه، أو يقدّم لهم المساعدة".

 

 


   

رد مع اقتباس