عرض مشاركة واحدة

قديم 30-05-09, 08:06 PM

  رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
المنتصر
مشرف عام

الصورة الرمزية المنتصر

إحصائية العضو





المنتصر غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي القرصنة فى خليج عدن والصومال الى اين...الجزء الرابع



 

تأثير القرصنة في المسألة الصومالية.

لقد نشأت القرصنة في الصومال منذ انهيار الدولة في أوائل التسعينيات، وبسرعة مذهلة أصبحت ظاهرة خطيرة ومزعجة بشكل يهدد أمن التجارة العالمية، وإلى تحول النقل البحري عبر رأس الرجاء الصالح وإلى تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية بارتفاع سعر النفط وتكاليف شحن السفن وازدياد نفقات التامين البحري بنسبة عشرة أضعاف ومن ثم ارتفاع أسعار السلع في وقت ينوء فيه العالم أصلا بأكبر أزمة اقتصادية ومالية طاحنة في تاريخه الحديث.

تجويع شعب.

ونزلت القرصنة بكل ثقلها لتحارب الشعب الصومالي في أرزاقه بفرض حصار عليه بتعقبها للسفن المتجهة إلى موانئه وبتعريضها حياة الملاحين للخطر وبطلبها فديات طائلة، الأمر الذي أدى إلى توقفها عن العمل والمساهمة في تجويع الشعب بتوقف التجارة وغلاء الأسعار وتعطل إمداد البلاد بالمواد الغذائية، في وقت يعانى فيه الصومال من الغزو الإثيوبي الذي دمر المدن، وأدى إلى نزوح مليون ونصف من العاصمة إلى العراء بدون غذاء أو مأوى وأصبح أكثر من ثلاثة ملايين إنسان مهددين بالموت جوعا، ناهيك عن الجفاف والفيضانات بشهادة منظمات الإغاثة الدولية، ولاسيما برنامج الغذاء العالمي، وفى ظل منع قوات الاحتلال من توزيع المساعدات الإنسانية كسلاح لكسر شوكة المقاومة.

برنامج الغذا العالمى.

ولم يفلت أحد من هذا الحصار، حتى البواخر المحملة بالمعونات الغذائية الإنسانية لحساب برنامج الغذاء العالمي تعرضت للسطو المسلح مما أدى إلى توقف النقل البحري من وإلى الصومال. وهذا الحصار مفروض حتى الآن، وإن استطاع برنامج الغذاء العالمي فك الحصار حينا بالاتفاق مع الدول الغربية وخصوصا فرنسا وأسبانيا وكندا وهولندا على حراسة سفنها الحربية للبواخر المؤجرة له التي تحمل المعونات الإنسانية المتجهة للصومال. فعلاوة على الحصار المفروض على الصومال من قبل كل من أثيوبيا وكينيا بعد الغزو، جاء حصار القرصنة ليشد حبل المشنقة على رقبة الشعب الصومالي.

فقدان السيطرة.

وتمتد جذور القرصنة من فقدان الدولة الصومالية سيطرتها على برها وبحرها منذ انهيار السلطة المركزية في الصومال جراء تورط الدولة الصومالية في عصر الحرب الباردة في نزاعات الدول الكبرى بتحالفها مع السوفييت حينا ثم تمردها عليه وانحيازها للولايات المتحدة وانخداعها بوعودها المعسولة وذلك بالدخول في حرب الأوغاد ين 1976، ثم اتفاق الدولتين الأعظم على إنذارها بالانسحاب وإلا تعرضت لعقاب عسكري مشترك. ولما انسحب الصومال بدأت إثيوبيا تلاحقه بالتحرش على حدوده وتسليح حركات التمرد المناوئة للنظام الصومال وتوجيهها لتنفيذ مخططاتها الإستراتيجية التي هي تفتيت الصومال الموحد إلى كيانات عشائرية صغيرة حماية لأمنها الوطني كما تزعم، وللحصول على موانئ في البحر.

وفى الوقت الذي كانت إثيوبيا تجد فيه الدعم العسكري من الاتحاد السوفييتي امتنع الغرب وقتها عن تقديم السلاح للصومال، مما أثر في توازن القوى، واستمرار انهيار الدولة الصومالية، بفضل تضافر هذه العوامل جميعا.

فشل التدخل الامريكى.

وفى عام 1993 عندما فشل التدخل الأمريكي في الصومال بعد كارثة مقتل 18 من أفراد الجيش الأمريكي قررت الولايات المتحدة ترك الصومال وشأنه واعتبرته مرتعا للإرهاب الذي يتوجب يجب استئصاله، ومكنت إثيوبيا من أن تتدخل في شؤونه وتغزو أراضيه، ومن ثم تفرض حقائق سياسية على الأرض على مرأى ومسمع من العالم وبمباركة أمريكية.

وكانت الخطوة الأولى رعايتها لإنشاء كيان ذاتي في صومالي لاند ومن بعد خلق إقليم بونت لاند، ثم الإشراف على شن حروب بين المليشيات المتعددة في الجنوب التي كانت تمولها بدون استثناء. وهنا يلتقي المخطط الإثيوبي لزعزعة الاستقرار وتفكيك الدولة الصومالية والمشروع الأمريكي لمحاربة الإرهاب.

مجموعة الازمات الدولية.

وفى تقرير لمجموعة الأزمات الدولية رقم 95 بتاريخ 11
يونيو/حزيران جاء فيه "إن للولايات المتحدة قاعدة عسكرية في جيبوتي، الوحيدة من نوعها في أفريقيا للتنسيق وكمركز إقليمي لمحاربة الإرهاب، ودائرة اختصاص عملها الصومال، وميزانيتها السنوية 100 مليون دولار. وقد مولت المخابرات المركزية الأمريكية عددا من الشبكات والتنظيمات الصومالية لمحاربة الإرهاب، وبمساعدة من هذه الوكالة كونت في بوتلاند قاعدة مركزية لجهاز إقليمي، ومن مهماتها الاستخبارية الإشراف والتحقيق واعتقال المشتبه بهم كإرهابيين، وفرض الرقابة على الموانئ والمطارات وحماية الأجانب".

وفى تقرير آخر لمجموعة الأزمات الدولية ورد "أن جهاز الأمن في كل من حكومة بوتلاند وصومالي لاند يخضعان للإشراف المباشر للحكومة الأثيوبية، وهى التي تسدد رواتب ضباطه". وتأسيسا على هذه السلطات الواسعة التي تتمتع بها واشنطن في إقليم بوتلاند الذي تجرى في شواطئه تقريبا كل عمليات القرصنة تستطيع واشنطن التحرك لوضع حد لها، لاسيما وأن الإقليم واسع الأرجاء، قليل السكان، عدد قاطني مدنه لا يتجاوز بضعة آلاف ويسوده النظام العشائري، بمعنى أنهم خاضعون لولاءات قبلية، وهو الأمر الذي يسهل الرجوع إلى عناوين وانتماءات كل المتورطين في عمليات القرصنة، ومن ثم اعتقالهم بسهولة.

التواطؤ.

هذا وقد حدث عدة مرات أن تدخلت الحكومة المحلية لفك أسر السفن المختطفة التي كانت تحمل بضائع مملوكة أو ركاب من مواطني الإقليم بدون إراقة دماء أو دفع فدية، الأمر الذي يثبت التواطؤ في حالات القرصنة الأخرى. إذن تستطيع الولايات المتحدة التدخل لوقف عمليات القرصنة من المنشأ ولكنها لا تفعل لغرض في نفس يعقوب.

وكما أن زعزعة الاستقرار في البر الصومالي ساعدت على تكوين كيانات انفصالية وتبرير الغزو الإثيوبي بتمويل أمريكي وحمايته من العقاب الدولي، فإن زعزعة الاستقرار في المياه الإقليمية الصومالية ستؤدى إلى تهديد المصالح التجارية الدولية وتبرير استصدار قرارات من مجلس الأمن ومن غيرها من المنظمات الدولية للسيطرة على الموقع الجغرافي الإستراتيجي للصومال بحكم إطلاله على شبه الجزيرة العربية وعلى البحر الأحمر وعلى الخليج العربي وعلى المحيط الهندي.

وقد ساندت الولايات المتحدة مشروع القرار الذي تقدمت به فرنسا في أكتوبر/ تشرين أول الماضي (القرار رقم 1838) الذي أقره مجلس الأمن بالإجماع، وسمح للدول الأعضاء باستخدام كل الوسائل الضرورية لمكافحة القرصنة جنوب البحر الأحمر قبالة السواحل الصومالية بما في ذلك استخدام القوة المسلحة ونشر السفن وطائرات عسكرية، بل طالب دول العالم التي تملك قوات عسكرية في المنطقة (الولايات المتحدة وأوربا) باستخدام كل الوسائل الضرورية في عرض البحر وفى المجال الجوى لمكافحة القرصنة. كما نشرت المدونات الالكترونية الإثيوبية مقالات مماثلة بمناسبة خطف الباخرة الأوكرانية المحملة بالأسلحة المتطورة والمتوجهة إلى جنوب السودان بتغطية كينية، داعية إلى الإلحاق الفوري لكل من صومالي لاند وبونت لاند بالأراضي الإثيوبية.

وقد تقرر قبل أسبوعين في مؤتمر قمة طارئ لدول الإيجاد عقد في أديس أبابا أن ترسل كينيا قوات لإحلال السلام في الصومال على نقيض قرار مجلس الأمن الذي يحظر إرسال قوات من الدول المجاورة للصومال إليه تحت أية ذريعة. وتقرر أيضا وبمبادرة إثيوبية وتحت مظلة منظمة الوحدة الإفريقية إنشاء قوات خاصة مكونة من ثلاثة عشر دولة من شرق إفريقيا من بينهما إثيوبيا وكينيا للقيام بمهمات خاصة في الصومال، وقد اجتمع قادة هذه القوات من جميع الدول الأعضاء للتدرب في كينيا وانتظارا لصدور الأمر بتنفيذ هذه القوات لمهامها داخل الصومال.

وفى كل مرة عندما تثير وسائل الإعلام الانتباه إلى عمليات القرصنة الخطيرة ذات الصدى العالمي، وبعد أن حصلت على القرارات اللازمة من المنظمات الدولية ذات العلاقة للتصدي لهذه العمليات تطلع أصوات أمريكية مدافعة بأنه لا يمكن فعل شيء يذكر إزاء هذا الأمر، وبأن الرد محفوف بالمخاطر على أمن الملاحين والسفن والشحن، وبنفي علاقات القراصنة بالقاعدة أو بالإرهاب أو بارتباطهم بالإسلاميين.

وفي تقديري أنه يتم غض الطرف عن عمليات القرصنة بل ويتم تشجيعها لتكوين رأي عام معاد للصومال يستسيغ تمرير بعض المشاريع، ويكفى أن نسرد هذه القصة التي أذاعتها محطة التليفزيون الأمريكية في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2008، وكذلك ما كتبه كولن كلارك في الموقع الإلكتروني "ميلاتارى كوم" في 25 نوفمبر 2008 للتدليل على علاقة الاستخبارات الأمريكية بالقرصنة.

الثرية ميشيل.

ويقول الخبر "إن مختطفي ناقلة النفط السعودية" سيرس ستار "المختطفة قطعوا مفاوضاتهم مع مالكي السفينة السعودية مفضلين التحدث مع سيدة أمريكية ثرية تدعى ميشيل لين بالارين لها ارتباطات وثيقة بالجيش الأميركي وبالمجتمعات الاستخباراتية". وهذه السيدة لها تاريخ عريض من شبكة علاقات مع الصومال من بينها اتهامات من مطبوعات محترمة مثل "أفريكان كون فيدنشيال"بأنها كانت تساعد في تخطيط عمليات عسكرية في الصومال في عام 20006.

و أنها كانت على اتصال منتظم مع القراصنة بالتليفون الفضائي، وكان آخر اتصال بهم الاثنين الماضي الساعة الخامسة مساء، وأنها راجعة توّا من الصومال في 18 نوفمبر". وأضافت إ أنها لا تتفاوض مع محتجزي الناقلة السعودية فحسب، ولكنها على اتصال أيضا بالباخرة الأوكرانية المحملة بالأسلحة ومنصات الصواريخ والذخيرة و33 دبابة روسية الصنع ت-72"، واستطردت "إنني على اتصال بهاتين السفينتين بشكل منتظم". وتدير هذه السيدة شركة أمنية مقرها في فرجينيا "سيليكيت آرمور". وفى تعاطف بين مع القراصنة، قالت "أن هذه ليست مهنتهم رغم كسبهم مبلغ 150 مليون دولار من هذه العمليات وأنها تريد تشجيعهم بتجنيد 500 منهم للعمل في خفر السواحل انطلاقا من ميناء بربرة".

ارسال قوات افريقية.

إن ما يجرى من مساع حثيثة لفرض إرسال قوات إفريقية بناء على تمويل وأجندة أمريكية في جنوب الصومال، والقرارات المستخرجة من مجلس الأمن التي تستبيح السيادة الصومالية في شماله برا وبحرا تحت ذريعة مقاومة القرصنة هي وجهان لعملة واحدة، فالسياسة الأمريكية إزاء الصومال تتلخص في كلمة واحدة وهى محاربة الإرهاب. في إطار سياستها الكونية المعروفة بالحرب ضد الإرهاب. أسوة بما تفعل في أفغانستان والعراق. وكما تحشد هناك تحالف الراغبين، فإنها تستنفر هنا الدول الإفريقية التي تعيش على مساعداتها للقيام بالمهمة نيابة عنها.

صومالى لاند وسياسة الفصل.

وتستكمل الولايات المتحدة المهمة التي بدأتها إثيوبيا بممارسة سياسة حازمة لفصل صومالي لاند عن الجنوب، ولذلك صرح متحدث رسمي للقوات الأمريكية في جيبوتي في أوائل هذا العام بأن بربرة قاعدة مثالية للولايات المتحدة لا نظير لها، ولذلك تحبذ الولايات المتحدة منح الاستقلال لهذا الإقليم، إلاّ أن البنتاغون ينتظر رأى وزير الخارجية في هذا الصدد.

كما استقبل وفد في نفس الفترة من صومالي لاند برئاسة رئيسه في واشنطن بترحاب من قبل وزارة الدفاع ووزارة الخارجية الأمريكية، وتم خلاله تقديم الوعود بالمساعدة والترحيب بالسير على نهج الانفصال، وتعامل الولايات المتحدة هذا الإقليم كدولة مستقلة.

السيدة جنداى فرايزر.

وقد قامت نائبة وزير الخارجية الأمريكي السيدة جنداى فرايزر بزيارة عمل لهرجيسا كالت خلالها المديح لإنجازات صوماليلاند. وفى رد على سؤال حول موقف الولايات المتحدة من إعلان استقلال صومالي لاند، قالت فرايزر أنها تفضل أن تقوم منظمة الاتحاد الإفريقي باتخاذ مبادرة في هذا الشأن، في تلميح لتأييد الانفصال لكنها تأخذ في الحسبان بعض الإشكالات الدبلوماسية التي تحول دون أن تقوم الولايات المتحدة باتخاذ قرار أحادى الجانب قبل إنضاج الموضوع على مستوى منظمة الوحدة الإفريقية.

وتعتبر إثيوبيا الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في القارة الإفريقية، فموقعها الإستراتيجي الفريد بسيطرتها على منابع النيل وعلاقاتها الوثيقة مع كينيا وأوغندا ودول البحيرات الكبرى، وفى قدرتها على التأثير في مسار الأحداث في جنوب السودان وفى دارفور، الأمر الذي يؤهلها لتحجيم دور كل من السودان ومصرفي إفريقيا والعالم العربي. ناهيك عن كثافتها السكانية ودورها القيادي لمنظمة الاتحاد الإفريقي بحكم وجودها في أديس أبابا، كما أن علاقاتها الإستراتيجية بإسرائيل يتيح لها أن تلعب دورا محوريا في سياسات الشرق الأوسط.

لكل هذه الأسباب فإن الغرب يعتمد على إثيوبيا اعتمادا كليا في استراتيجياتها في إفريقيا والشرق الأوسط. وتستمع إليها دول الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالشأن الصومالي، كما أنها تدفع كل فواتير الحساب للمخططات الإثيوبية في الصومال بدءا من نشاط الحكومة المؤقتة إلى تثبيت الوقائع على الأرض بعد الغزو.

وترى دول الاتحاد الأوروبي أن الأمن في القرن الإفريقي مهم بالنسبة لأمنها ورخائها لكونه يطل على البحر الأحمر، وهو الممر الإستراتيجي لحاجاتها من الطاقة والوقود ولتجارتها العالمية بين أوربا والعالم، وهذا ما يبرر انغماسها في نزاعات القرن الإفريقي.

ونظرا لكون الغرب لا يثق في العالم العربي بحكم التناقضات المتراكمة بين الطرفين والصراع العربي الإسرائيلي والكراهية المتبادلة بينهما وعدم ثقة الغرب باستمرارية النظم العربية الموالية له فإنه (الغرب) يعتمد على محور إثيوبيا-إسرائيل في المنطقة. ونظرا لأن استقرار السودان ورخائه وموارده الاقتصادية يعتبر إضافة إلى القوة العربية، كما أن وجود دولة الصومال المستقلة الآمنة في القرن الإفريقي من شأنها أن تشكل رصيدا ايجابيا آخر للعالم العربي فلا بد من كسرهما وتفتيتهما، ولذلك فإن إثيوبيا تقدم السلاح والتدريب لجنوب السودان لفصله عن الشمال، وتتآمر لاقتطاع دارفور عن سائر السودان ودائما يتم ذلك بالتنسيق والتعاون مع حليفتها المخلصة كينيا، وحادثة الباخرة الأوكرانية المختطفة التي كانت تحمل الأسلحة الثقيلة المتطورة والمتجهة إلى جنوب السودان بتغطية كينية، والطائرة الإثيوبية التي ضبطت وهى تنزل حمولتها العسكرية في مطار جوبا خير دليل على ذلك.

دور الاعلام.

ساهمت الضجة الإعلامية التي رافقت عمليات القرصنة على إعطاء الأولية لمعالجة آثارها السلبية على المصالح الدولية، وأدت إلى خلق ردود فعل صاخبة وإن كانت مشروعة أفضت إلى تشويه سمعة البلاد وتبرير إصدار قرارات من مجلس الأمن ومن المنظمات الدولية الغربية تعتبر شكلا جديدا للاحتلال وتسوغ للعدوان على الصومال، وألقت ظلا كثيفا على القضية الجوهرية، ألا وهى الاحتلال الإثيوبي وعواقبه الوخيمة على الصومال، وقد تجاهل الإعلام العالمي أنه قبل الغزو استطاعت سلطة المحاكم الإسلامية بما كان لها من هيبة وشرعية داخلية القضاء على ظاهرة القرصنة وساد الأمن والاطمئنان في كل ربوع الصومال، ولم تنتعش القرصنة من جديد إلاّ بعد الغزو الإثيوبي الذي جلب الفوضى والدمار والنهب والسلب والتشريد والقتل، والقرصنة هي السلاح الفتاك الذي استخدمه الاحتلال لإكمال "ذبح" الصومال دولة ووطنا وشعبا ووجودا.

أما في المجال السياسي فإن المفاوضات الجارية بين الحكومة المؤقتة والتحالف من أجل إعادة التحرير تحت رعاية الأمم المتحدة رغم الترويج لنجاحها بإعلان وقف إطلاق النار وتكوين قوات مشتركة والمشاركة في السلطة فإنها لا تبشر بالخير. وقد تسببت الاتفاقيات المبرمة بينهما إلى كسر شوكة المقاومة وتصدع الجبهة العريضة المكونة من فصائل مختلفة وحدوث انشقاقات متلاحقة لا بين الأطراف الرئيسية فحسب، بل حتى في داخل الطرف المؤيد للاتفاقات. وقد أحبطت هذه المساعي الجماهير المؤيدة للمقاومة وحطمت الروح المعنوية لدى المناضلين الحاملين للسلاح، وأضعفت بصفة عامة قدرة المقاومة على كسب معركة عسكرية حاسمة رغم سيطرتها على كافة البلاد باستثناء مدينتي مقديشو وبيدوة.

ويرجع هذا التراجع إلى تفرد القيادة باتخاذ القرارات دون الرجوع إلى المؤسسات أو القاعدة ودون التشاور مع كل من يهمه الأمر وعدم وجود رؤية إستراتيجية واضحة، وقد كانت بنود الاتفاقيات غامضة بل وتمنح إثيوبيا الفرصة للتنصل من كل التزام، كالنص على انسحاب إثيوبي إذا وصلت قوات كافية من الأمم المتحدة، وفى اتفاقية لاحقة بالتنازل عن هذه الصياغة وإحلالها بأخرى تتضمن إحلال قوات من الإيجاد، وهذا يعنى أن القوات الإثيوبية ستكون متواجدة بغطاء جديد.

وفى الوقت الذي تنسق فيه إثيوبيا جهودها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ومنظمة الاتحاد الأفريقي لتنفيذ مخططاتها الإستراتيجية فإن فريق التفاوض الممثل للتحالف قانع بانتظار تحقيق الوعود الخلابة التي يوزعها الدبلوماسيون المحنكون بالمجان.

المشروع الاثيوبى.

والخوف اليوم في أن ينتهي الفريق الموقع على اتفاقيات المصالحة بالوقوع في فلك المشروع الأثيوبى بعلمه أو بدون علمه بعد قبوله الرضوخ للأطر المتفق عليها في مواثيق مباجاتى التي على أساسها يقوم النظام السياسي في مقديشو، الحائز على رعاية الأمم المتحدة وتمويل الاتحاد الأوروبي، التي يرتكز على جعل الصومال كانتونات عشائرية متناثرة خاضعة للهيمنة الإثيوبية. وطالما أن الشكل الإطاري للنظام مضمون من الأمم المتحدة وممول من الاتحاد الأوروبي فإنه لا بد من الانحناء والامتثال له.

وفى ظل هذه الظروف يتطلب الأمر إعادة كل الأطراف المشاركة في المقاومة الوطنية النظر في مواقفها، والإجماع على القاسم المشترك بينها وهو تحرير البلاد من براثن الاحتلال الإثيوبي وضمان استقلاله الوطني ووحدته الترابية، والدخول في العملية التفاوضية بعد تنسيق المواقف وتوفيق الرؤى. وما يجعل هذا الأمر ملزما هو أن المقاومة (المعارضة للاتفاقات) لا تزال مسيطرة على معظم القطر، وأنها تملك أوراقا قوية يمكن أن تلعبها وأنه لا يمكن تجاهلها إطلاقا.

وإذا لم يتم هذا فإن الفريق المفاوض للحكومة المؤقتة سيصبح ضحية لتنفيذ المشروعات الأجنبية. وقد هللت إثيوبيا لتفاهمات جيبوتي ووصفتها بأنها نصر إستراتيجي لها، إذ أنها أفضت إلى تشتيت المقاومة وإضعافها، وفى تقديرها أنها كسبت معركة حاسمة، وقادرة على تجاوز مشكلة انسحاب القوات الإثيوبية بإقناع البرلمان بطريقة أو بأخرى على إصدار قرار جديد يصادق على بقاء القوات الإثيوبية في الصومال.

إن الأجندات الأجنبية التي تحاك خيوطها في الصومال وفى السودان بهدف تمزيقهما وكذا السيطرة على الموقع الإستراتيجي للصومال وفرض هيمنة عسكرية أجنبية على باب المندب والبحر الأحمر لا تستهدف هذين البلدين فحسب، وإنما تستهدف المنطقة العربية برمتها. ولذلك فإنه يقع على عاتق العالم العربي ضرورة إدراك الخطر المحدق، واتخاذ مواقع دفاعية في الخطوط الأمامية بدعم السودان والاهتمام بمشاكل الصومال وبناء جسور الثقة مع كل الأطراف المشاركة في العملية السياسية لمساعدتها على الخروج من المحنة وتقديم يد العون وتعزيز قوى الرفض للاحتلال الإثيوبي.

 

 


المنتصر

يقول احد القادة القدماء وهويخاطب جنوده . ( اذا لم تكونوا مستعدين للقتال من أجل ما تروه عزيزاً عليكم , فسوف يأخذه أحد ما عاجلا أو اَجلا , واذا كنتم تفضلوا السلام على الحرية فسوف تخسرونهما معاً , واذا كنتم تفضلوا الراحة والرخاء والسلام على العدل والحرية فسوف تخسروهما جميعا ) .

   

رد مع اقتباس