عرض مشاركة واحدة

قديم 07-04-09, 11:45 AM

  رقم المشاركة : 65
معلومات العضو
جيفارا
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

وفي هذا السياق، من المجدي أن نشير الى الظاهرة التي تحدثت عنها بداية المقال (المذكور أعلاه) (صفحة 691) وهي: «تعلم التجربة أن الأنباء التي تحذر من خطر داهم ويجب أن تؤخذ بالاعتبار (signals)، انما يجب أن تكون منافسة في بعض الأحيان للأنباء التي تدل على الاتجاه المعاكس، حتى لو كانت تلك أنباء كاذبة أو غير واقعية (noise). من هنا فإن من شأن هذه (الأنباء) الأخيرة أن تشوش معنى الانذار الكامن في أنباء النوع الأول وتلقي عليها ضبابية. وبنظرة الى الوراء، تقول الكاتبة، يمكن التفريق ما بين «التحذيرات» و«الصخب»، وهو الأمر الذي لا يحدث بشكل دائم قبل أن يقع الحدث الخطير.

وهكذا، يجب أن نلاحظ في هذه الظاهرة، بأنه إذا التصقنا بصورة متعنتة بفرضية معينة تتعلق بالتقدير الاستخباري، من دون مراقبة وفحص دائمين، فإن الأمر سيخلق «صخبا من شأنه أن يغطي على التحذيرات».

على أية حال، في نظرنا انه لم تكن مشكلة خاصة في أن نفهم منذ يوم الخامس من أكتوبر (وحتى في الأيام التي سبقته)، بأنه ازاء الأنباء التحذيرية والاشارات التي تدل على وجود استعدادات هجومية ميدانية لدى العدو (والتي سنفصلها لاحقا في البند «ب» و«د»)، يحوم خطر حقيقي مفاده ان مصر وسورية ستخرجان الى الحرب الشاملة وفي آن واحد ضد اسرائيل. وإذا كانت شعبة الاستخبارات العسكرية قد قدرت، رغم كل شيء، بأن هذا الخطر هو «ذو احتمالات ضعيفة»، فإن ذلك يعود فقط الى الفرضية التي أخلصوا لها والتي أبعدت جانبا كل تلك الأنباء والاشارات، لدرجة بدا انهم لا يريدون الدخول في مواجهة معها. من هنا، فإن المعلومات التضليلية وغير المجدية (مثل «التدريبات» في مصر والمخاوف السورية والمصرية من عمليات اسرائيلية هجومية) بالذات، والتي لاءمت أو لم تنقض الفرضية، هي التي احتلت موقع الصدارة في تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية، بالرغم من انه كان من المفروض ان يكون واضحا بأن الاعتماد عليها ليس مضمونا، كما سيتم التوضيح لاحقا.

صحيح ان الجنرال زعيرا رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية قال في شهادته أمام اللجنة انه في الأسبوع الأخير قبل نشوب الحرب، بحث في الأساس فيما إذا كانت هناك «معلومات عن حرب»، ولكنه لم يجدها، وأن «الفرضية كانت فقط بمثابة نظرة خلفية» (صفحة 1059). بيد انه أراد بأقواله هذه أن يضعف الانطباع بأنه في تلك الأيام كان للفرضية أثر حاسم لتقديراته المذكورة. ونحن مقتنعون بأنه في هذا المجال يجدر الاعتماد أكثر على أقوال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية خلال جلسة المشاورات التي عقدت في ظهيرة يوم الخامس من أكتوبر بين رئيسة الحكومة والوزراء في تل أبيب. فكما نذكر، على الرغم من الشكوك التي ساورته ازاء الأنباء عن اخلاء عائلات الخبراء السوفيات من سورية ومصر، فقد أعرب عن رأيه بأن السوريين والمصريين «مدركون جدا لحقيقة تدني مستوى سلاح الجو لديهم وطالما انعدم الشعور بأنه بالامكان التوصل الى وضع مريح في الجو، لن يذهبوا الى الحرب وبالتأكيد ليس لحرب كبرى» (انظر خاتمة البند 49 (ط) سابقا).

على مثل هذه الحالات كتبت روبرتا وولشتتر (الكتاب المذكور أعلاه، صفحة 393): «واضح ان البشر يتسمون برابط عنيد مع قناعاتهم القديمة، وبمقدار العناد نفسه يقاومون المعلومات الجديدة التي تزعزع قناعاتهم». تفسير لنقض الفرضية المذكورة 52. حتى الآن وجهنا نقدنا باتجاه عملية التقولب (نسبة الى قالب) المتعنتة، التي تميزت بها تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية. وإذا انتبهنا الى نقاط ضعف هذا التوجه، تعالوا نفسر ما توصلنا اليه في البند 11 من التقرير الجزئي، وقلنا فيه: حتى لو كانت الفرضية الخاصة، التي احتاجتها شعبة الاستخبارات العسكرية، فرضية صحيحة في حينه، فإنها في كل الأحوال لم تفحص من جديد بالشكل الملائم، لا في جزئها الأول الحاسم ولا في أعقاب ضغط الظروف السياسية المتغيرة. وهذا يصح بشكل خاص اثر المعلومات الاضافية التي وصلت الى شعبة الاستخبارات العسكرية حول تعزيز قوات العدو بأسلحة اضافية. ولهذا فإنها مرفوضة عمليا.

أ. يجب الموافقة على ما جاء في وثيقة «الأساس المصري» للفرضية من مواد، كما وردت في المواد الاخبارية التي قدمها الجنرال زعيرا الى اللجنة (وثيقتا البينات رقم 3 و4). من هذه المواد، التي يمكن اعتبارها ذات طابع موثوق، تتضح الأمور التالية: (1) رغبة مصر القوية منذ حرب الأيام الستة (1967) لاستعادة الأراضي التي احتلتها منها اسرائيل وتمسكت بها حتى بعد حرب الاستنزاف. (2) مع الزمن، وبعد ان صعد الرئيس السادات الى الحكم توصل الى قناعة بأن على مصر ألا تكتفي بالوسائل السلمية فقط، وانه لكي يكسر الجمود في الوضع السياسي، تفتح أمامها (أمام مصر) الطريق للخيار العسكري ولو كان ذلك فقط على سبيل اعطاء دفعة للمسار السياسي بالاتجاه الذي تريد. (3) على الرغم من ذلك، اعترف حاكم مصر بعجزه عن شن حرب شاملة ضد اسرائيل طالما تتمتع بالتفوق الجوي، آخذا في الاعتبار تجربة الجيش المصري القاسية مع سلاح الجو الاسرائيلي في الحربين السابقتين وللأضرار الفادحة التي لحقت بمصر بسبب الضربات في العمق المصري خلال حرب الاستنزاف. (4) وعليه، فقد اشترط السادات ان لا تخرج مصر الى حرب شاملة ضد اسرائيل إلا إذا ضمنت لنفسها تفوقا جويا بواسطة امتلاك طائرات تفجيرية مقاتلة، تطير لمدى بعيد، بحيث تستطيع ضرب المطارات العسكرية في اسرائيل وشل حركة طائراتها عن ضرب العمق المصري أو التمكن من الرد على هذه الضربات في وسط التجمعات السكانية الاسرائيلية. لكن من يمعن النظر في هذه المواد يجد ان هذه الآراء تبناها السادات حتى ربيع 1973. فإذا كانت هذه المواد قادرة على البرهنة بأن المصريين فعلا تمسكوا بهذه الفرضية (أي الامتناع عن الحرب طالما لم يضمنوا التفوق الجوي)، فإنه لا يوجد اثبات على انها يمكن أن تشكل أساسا ثابتا للاعتقاد بأنهم استمروا في هذه القناعة لاحقا. ومن هذه الناحية فإن ما قاله رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية بأن من جاء ليضعضع الفرضية عليه أن يقدم البرهان على انها غير صحيحة (انظر البند 46 سابقا)، هو قول في غير محله. بل بالعكس، فما كان يحتاج الى اثبات ايجابي، هو القول انه على الرغم من الأنباء الجديدة التي وصلت في حينه الى شعبة الاستخبارات العسكرية كان من المنطق أن يستنتجوا بأن الفرضية صحيحة بالنسبة لمصر أيضا عشية نشوب الحرب.

 

 


   

رد مع اقتباس