عرض مشاركة واحدة

قديم 20-04-09, 08:56 AM

  رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

3- حروب بدون حسم

تظهر من خلال ذلك حقيقة علاقة استطالة أمد الحرب بغياب الحسم، فالعلاقة هنا علاقة جدلية (ديالكتيكية) إذ إن غياب الحسم يؤدي إلى تراكم النتائج السلبية للحرب، وهذه النتائج السلبية تمارس دورها باستطالة أمد الحرب، وإبعاد عامل الحسم عن ميادين القتال؛ وهكذا تدور رحى الحرب في دائرتها المغلفة. وقد تحدث رئيس هيئة علماء المسلمين في العراق (الشيخ حارث الضاري) يوم 21 نيسان - أبريل 2006م عن جانب من هذه العلاقة بقوله: "إنني أرفض الاتهامات التي توجهها للمقاومة جهات حكومية، إذ من الخطأ اختزال المقاومة بالزرقاويين جماعة القاعدة بقيادة أبو مصعب الزرقاوي أو الصداميين - نسبة إلى الرئيس العراقي السابق صدام حسين وأنصاره البعثيين - واعتبر أن ما يشهده العراق وأهله هو عنف طائفي وليس حرباً أهلية، إذ تقف وراء هذا العنف بعض مراكز القوى التي لديها تنظيمات مسلحة (ميليشيات) ولها مصالح وأجندات خاصة لاعلاقة لها بمصالح الوطن؛ وهناك فئات سياسية تعمل على استغلال الموضوع الطائفي لتحقيق مصالحها، وهي التي تقف وراء الأعمال الإجرامية التي تنفذها بعض مجموعات المسلحين. إن المقاومة هي التي تستهدف فقط الاحتلال ومن يعاونه، أما الإرهاب بأشكاله المتعددة فيأتي من الاحتلال ومن الحكومة ومن ميلشيات مسلحة، ونحن نرفض الإرهاب الذي يستهدف الأبرياء من أبناء الوطن.

وللأسف الشديد، فالعراقيون اليوم هم هدف لعدد من الجهات الدولية والمحلية؛ فالاحتلال هو المشكلة الرئيسة في العراق، وإن زوال الاحتلال وانسحاب قوات التحالف هو البداية لعودة العراق إلى استقراره، ذلك أن قوات الاحتلال هي التي قامت بارتكاب أعمال إجرامية، كما أن هناك أطرافاً عراقية تسعى للخلط بين الإرهاب والمقاومة، وتعمل على تغذيته لمصالحها الخاصة،بل إنها غلّبت مصالحها الخاصة على مصالح الوطن، إن ما جاء به الاحتلال هو شر مستطير نقل العراقيين من سيء إلى أسوأ".

ويمكن على ضوء ما تضمنه حديث (الشيخ حارث الضاري) العودة إلى تجارب تاريخية متشابهة، وهي تجربة القوات النازية - الألمانية عندما اجتاحت بلاد الاتحاد السوفيتي (السابق)، حيث كان القهر الشيوعي ونظام الإرهاب الأمني (بقيادة الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين) ووزير داخليته (بيريا) وقادة أجهزة الاستخبارات (كي جي بي) قد وصل إلى مرحلة مرعبه، حتى أن سكان الأقاليم الغربية من أوكرانيا - وحتى جورجيا - كانوا يقدمون الخبز والورود (للمحررين المنقذين). ولكن لم تمضِ سوى أشهر قليلة حتى كانت ممارسات (الجستابو - الألماني) وأجهزة الاستخبارات كافية - بشدتها وثقلها - لإيقاظ روح المقاومة، وانتقلت القوات الألمانية من معارك الهجوم الحاسمة إلى معارك الدفاع غير الحاسمة، والتي تحولت سراعاً إلى نوع من الحروب طويلة الأمد. وهنا في العراق، أصيب العرب وغير العرب - أيضاً - بإحباط كبير عندما اقتحمت قوات الغزو الأنجلو - أمريكية بغداد بعد مضي ثلاثة أسابيع فقط على بداية الحرب، وما كان ذلك إلا تعبيراً عن وجود استعداد للتعاون مع قوات الغزو - الطارئة والمؤقته على حياة العراق - والتي ستحرر البلاد من (نظام صدام حسين)، ولكن ها هي القوات الأمريكية وأجهزتها الأمنية واستخباراتها توقظ روح المقاومة العراقية من سباتها عبر ممارساتها المنحرفة، والتي كان من أكثرها إثارة الاعتقالات والتعذيب، حيث أصبحت سجون (أبو غريب) في العراق و (غواتنانامو) - في كوبا - من إبرز رموز (فضائل الاحتلال) في الحروب الحديثة.

لقد كانت قصص التعذيب في سجن (أبو غريب) هي بداية التحول الحاسم في التعامل مع الاحتلال الأمريكي - البريطاني للعراق، وبدأت هذه القصة في 13 كانون الأول - ديسمبر 2003م - أي بعد أشهر معدودات من بداية الحرب - عندما قام مجند أمريكي عمل في سجن أبو غريب بإرسال قرص مدمج (سي - دي) يتضمن مشاهد مثيرة عن ممارسات المحققين في دهاليز وأقبية السجن، واقترن ذلك بصيحات نساء عراقيات من غياهب ظلمات السجن تستثير حمية رجال العراق ونسائها. وكان لزاماً أن تثور تأثرة غضب أحفاد (المعتصم) وبدأت روح الثأر والانتقام في استقطاب وتجميع القادرين على حمل السلاح. وفي يوم 8 أيار - مايو 2006م صدر بيان عن الجيش الأمريكي في العراق أعلن أن مجلس دراسة أوضاع المحتجزين في سجن أبوغريب، قد عمل علي دراسة أكثر من (000ر367) معتقل وأوصى بالإفراج عن (500ر187) معتقل، وهؤلاء كانوا معتقلين، في سجون (أبو غريب، وبوكا، وأم قصر، وسوسا).

أما سجن (غوانتانامو) فقد اكتسب شهرته العالمية من اقترانه بالحرب الأمريكية على أفغانستان، ففي يوم 20 نيسان - أبريل 2006م صدر بيان عن واشنطن، ذكر فيه أن هناك (558) سجيناً قد تم احتجازهم في غوانتانامو منذ العام 2002م، وهؤلاء من جنسيات مختلفة، منهم 130 من السعودية، ومائة سجين من الجنسية اليمنية، و 25 جزائرياً، و22 صينياً، و 13 باكستانياً. علاوة على أعداد قليلة من تشاد وجزر المالديف وروسيا وأوزبكستان. والمهم في الأمر هو أن قضايا التعذيب والاعتقالات الواسعة مما اقترن بالتصعيد المستمر في أعمال المقاومة، قد ترك أصداء عنيفة هزت العالم، وانعكست الأصداء القوية على صفحة المجتمع الأمريكي ذاته، وكان ذلك أمراً متوقعاً في مجتمع (الديموقراطية والحريات)، مما دفع برجال الإدارة الأمريكية وصانعي قراراتها لالتماس كل السبل الممكنة للتخفيف من حدة موجات الغضب المتلاحقة، ولم تكن عملية تنظيم هيئة من أجل (تحسين صورة الولايات المتحدة الأمريكية في الخارج، وبصورة خاصة في الوطن العربي والعالم الإسلامي) ورصد موازنات في محاولات بلوغ الهدف، إلابرهاناً على العلاقة القوية بين استطالة أمد الحرب من جهة، وبين قوة الاستنزاف المادي والمعنوي الناتج عن الحرب ذاتها. ولاريب أن إطالة أمد الحرب لم تكن في صالح الولايات المتحدة الأمريكية وليس في صالح الشعب العراقي الذي دفع غالباً ثمن الحرب على أرض بلاده، مما جعل عملية الغزو محرومة من كل الأهداف التي جرى رفع راياتها قبل عمليات الغزو وبعدها.

لقد أدت استطالة أمد الحرب في أفغانستان والعراق، وما نجم عن ذلك من انحرافات مدمرة ومن صنوف (جرائم الحرب)، إلى إعطاء فرص عمل أمام الهيئات والمنظمات القانونية والإنسانية والاجتماعية لإظهار أنشطتها، ولإثبات دورها على جانب الحرب. ويمكن في مجرى البحث التوقف عندما تم الإعلان عنه يوم 5 آيار - مايو 2006م في مقر هيئة الأمم المتحدة، بالكلمات التالية: بدأت اليوم جلسات مساءلة الولايات المتحدة بخصوص ملف التعذيب الخاص بها، حيث يمثل عشرون مسؤولاً أمريكياً - من وزارتي الخارجية، والدفاع - أمام لجنة مناهضة التعذيب في المنظمة الدولية، ويواجهون أسئلة فريق يضم عشرة خبراء قانونيين تابعين لهيئة الأمم المتحدة. ولهذه الجلسات التي تستمر لمدة أربعة أيام، أهمية ودلالة مميزتان، فهذه هي المرة الأولى التي تتم فيها مساءلة الولايات المتحدة الأمريكية عن ممارستها أساليب تعذيب ضد معتقلين في سجون أفغانستان والعراق وغوانتانامو، إضافة لما يسمى (معتقلي السجون الطائرة، ممن يتم اعتقالم ونقلهم بالطائرات إلى قواعد أمريكية في أوروبا وخارجها).

وقد رفضت واشنطن خلال الجلسة الأولى اتهامها بممارسة التعذيب، مدافعة عن أساليبها في معاملة المعتقلين المشتبه بممارستهم الإرهاب، وذلك في إطار حربها على الإرهاب، ومؤكدة أن استخدام التعذيب هو أمر غير مقبول وأن القانون الأمريكي يحرّمه. وقال مساعد وزارة الخارجية لشؤون حقوق الإنسان (باري لونيكرون) - الذي يرأس مجموعة العشرين مسؤولاً من الأمريكيين - ما يلي: إن موقف حكومتي واضح، فقانون الجنايات الأمريكي يحرّم التعذيب بكل صوره، وتعتبر ممارسته عملاً خاطئاً وغير مقبول. غير أن منظمة العفو الدولية اتهمت واشنطن بأنها تقول مالاتفعله وأن ما تعلنه من مواقف لا يتوافق أبداً مع ما تمارسه في هذه القضية.

أما الناطق باسم المنظمة الدولية (كورت غورينغ) فصرح بما يلي: "إن واشنطن لم تفشل في اتخاذ الخطوات الكفيلة بإزالة التعذيب فحسب، بل إنها أسهمت في صنع المناخ المشجع لانتشار التعذيب وغيره من الممارسات اللا إنسانية، وهي تمارس ضغطاً لتغيير تعريف التعذيب، حيث يشمل حالات محدودة جداً". وفي ذلك اليوم ذاته (يوم 5 آيار - مايوم 2006م) كان وزير الدفاع الأمريكي (دونالد رامسفيلد) يواجه مأزقاً صعباً في ولاية ( اتلانتا) عندما كان يلقي خطاباً في (قاعة التاريخ)، حيث قاطعة الحضور أكثر من ثلاث مرات، فيما رفعت امرأة لوحة كتب عليها (مجرم حرب).

وبعد انتهاء المحاضره سأله محلل عسكري فقال له: "لماذا كذبت علينا لجرنا إلى حرب لم تكن ضرورية وتسببت في هذه الخسائر في الأرواح؟" ولم يكن هذا إلا نموذجاً للأسئلة المحرجة التي ألقيت بلهجات غاضبة؛ فهل من حق الشعب العراقي - وقد تجاوزت خسائره كل الحدود - أن يرفع صوته لاستنكار ما تعرض له من الخسائر المادية والمعنوية - وبالتالي - هل هناك من يستطيع القول إنه ربح الحرب؟

 

 


   

رد مع اقتباس