عرض مشاركة واحدة

قديم 15-05-10, 08:04 PM

  رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

أزمة سياسية
يرجع باسيفتش جذور أزمة النظام السياسي الأمريكي إلى متتالية أزمات الأمن القومي التي بدأت منذ صيف العام 1940 عندما شرع الرئيس فرانكلين روزفلت في تعبئة الأمة لخوض الحرب العالمية الثانية. كما تأكدت ديمومتها في ربيع العام 1947 عندما بدأ الرئيس هاري ترومان سلسلة إجراءات لتهيئة الأمة لحرب عالمية من النوع البارد بعد مرور ثمانية عشر شهر فقط على يوم النصر في الحرب السابقة. هذه الحالة شبه الدائمة في أزمات حقيقية أو متصورة أفرزت نظاماً سياسياً تراجع فيه دور السلطة التشريعية الممثلة في الكونغرس بمجلسيه الشيوخ والنواب، لصالح هيمنة السلطة التنفيذية ممثلة في الحكومة الفيدرالية، ورئيس إمبراطوري الصلاحيات هو الشاغل الكلي للبيت الأبيض بصرف النظر عن انتمائه الحزبي. وفي ظل تراجع أداء وتواضع أدوات التشريع والرقابة لدى السلطة التشريعية بفعل رغبة أعضاءها في حيازة مزايا حزبية، وبنشاط تشوبه النرجسية والفساد والسعي لضمان إعادة الانتخاب مرة أخرى بوسائل مشروعة وغير مشروعة، فإن الأمر انتهى في واشنطن بمجموعة من السياسيين التنفيذيين الذين يتصف أدائهم -بغض النظر عن الحزب القائم في السلطة- بسوء التقدير والتهور والإسراف فضلاً عن التضليل.
ولتمحيص الخلل في النظام السياسي الأمريكي وجوهر أزمة السياسة يتناول باسيفتش ثلاثة أبعاد أساسية: فكرية تتناول أيديولوجية الأمن القومي، وتنظيمية تستعرض مؤسسة الأمن القومي في الولايات المتحدة، وأخيراً شخصية تتعامل مع نوعية الرجال الحكماء المؤثرين في السياسات الخارجية لهذه القوة العظمى.

في البعد الأول الفكري الخاص بأيديولوجية الأمن القومي يرى باسيفتش أن أسباب الفشل في سياسات الأمن القومي الأمريكية، والتي كشفت عنها أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول وما تلاها من تورط في حرب كونية بلا نهاية في الأفق القريب وبلا حدود دنيا للتكلفة البشرية والمادية والأخلاقية، أن أسباب الفشل هذه لا تكمن فقط في نوعية استجابة إدارة بوش لهذه الأحداث وابتكارها ردودا جديدة أكثرها شهرة وأسوأها أثراً "عقيدة الحرب الوقائية"، ولكن وبالأساس ذلك السياق الأيديولوجي لمفهوم الأمن القومي الذي التزمت به كل الإدارات الأمريكية السابقة لإدارته. وكان فضل بوش المعترف به هو صياغته وإعلانه لها بهذه الدرجة من التوهج والحماس والوضوح. وهذه الأيديولوجية المؤسسة على قناعات أربعة أبرزها الرجل في خطاب تنصيبه الثاني في 20 يناير/ كانون الثاني 2005، أولها: أن "التاريخ لديه حتمية واضحة محددة وهي الحرية"، وثانيها أن الولايات المتحدة "منذ لحظة تأسيسها هي التجسيد الدائم للحرية"، وثالثها أن الخالق استدعى الولايات المتحدة لتحقيق النصر النهائي للحرية "إنها المهمة التي من أجلها خلفت هذه الأمة". أما آخر هذه القناعات وأهمها فهو أن "المصالح الحيوية الأمريكية ومعتقداتها العميقة هي الآن مسألة واحدة". وهو ما يعني أن سعي الولايات المتحدة وممارستها التأثير خارج حدودها، أياً كانت الأدوات، يجد تبريره الأخلاقي في كونه عملاً من أجل الحرية، بدءاً من عمليات التوسع التي مارسها الرئيس جيمس بولك في منتصف القرن التاسع عشر ووصولاً إلى غزو العراق وأفغانستان في مطلع القرن الحادي والعشرين.

هكذا إذاً توظف أيديولوجية الأمن القومي في السياق الأمريكي إذ هي الضامن الشرعي لكل ممارسات السلطة التنفيذية، ومصدر الامتيازات الواسعة للرئيس الإمبراطوري ودائرته المقربة في متى وكيف يتم استخدام القوة، ثم هي الوسيلة النافذة لإضفاء المظهر الأخلاقي الجذاب لكل ممارسات تحقيق المصالح الحيوية في الخارج طالما كان الغطاء لها السعي من أجل الحرية والديمقراطية.

في البعد الثاني التنظيمي الخاص بمؤسسة الأمن القومي الأمريكية والتي حددها باسيفتش في أجهزة مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية ومكتب وزير الدفاع ورئاسة الأركان والأفرع الرئيسية للقوات المسلحة ووكالات الاستخبارات المختلفة ومكتب المباحث الفيدرالية. يرى الرجل أن كلا من السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية تشاركان معاً منذ الحرب العالمية الثانية في خلق هذه المؤسسة المتضخمة التي هي في سعي دائم للتوسع التنظيمي والوظيفي. ويشير باسيفتش إلى ثلاث سمات رئيسية لهذه المؤسسة أولها: تقديس السرية في عملها ظاهرياً بدعوي العمل ضد خصوم الولايات المتحدة وفعلياً بهدف التحكم في تدفق المعلومات للداخل الأمريكي لخدمة ما تراه أو ترغب فيه، ولتوجيه الرأي العام نحو ذلك. ثانية هذه السمات: تقديم المصلحة المؤسسية على حساب المصلحة العامة للأمة. والثالثة والأخيرة: التضليل المعلوماتي لخدمة أغراض سياسية على غرار ما حدث في مسألة الزعم بحيازة العراق لأسلحة دمار شامل أو بتقليل حجم الخسائر في المدنيين في كل من العراق وأفغانستان، وإعفاء الزعماء السياسيين والقادة العسكريين الكبار من الخلل الاستراتيجي والميداني في عمليات الخارج.

ويبدو أن عثرات أزمة خليج الخنازير في العام 1961 والتي كشفت عورات كل من وكالة الاستخبارات المركزية ورئاسة الأركان معاً أمام الرئيس كيندي ودفعته إلى ثلاثة ردود أفعال قوضت بالفعل من الدور البيروقراطي التشاوري لهاتين المؤسستين والتزم بها كافة الرؤساء الأمريكيين فيما بعد. وقد تمثلت ردود أفعال كيندي في تغيير قيادات هذين الجهازين بأشخاص يتوافر فيهم الولاء والثقة لشخص الرئيس، ثم خلق بديل استشاري من خارج هذه المؤسسة يوفر للرئيس نصحاً ذا مصداقية، وأخيراً تأسيس كيانات خاصة لإدارة كل أزمة علي حدة.

هكذا ومنذ كينيدي يرى الرؤساء الأمريكيون في مؤسسة الأمن القومي كياناً معطوباً يصعب إصلاحه ويجب الالتفات حوله، لكنَّ بقاءَه في نظرهم يظل أمراً مطلوباً لأنه يوفر المنطق الدائم لترتيبات سياسية معينة هي مصدر للمكانة والتأثير وللثروة معاً.
ويبدو أن هذا ما فعلته تماماً إدارة بوش وهي في طريقها لشن حربها الكونية في استجابتها على أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول حيث عمدت إلى تهميش عناصر مؤسسة الأمن القومي المثيرة للمشكلات كما حدث على نحو خاص مع وزارة الخارجية ووزيرها كولين باول. أو تنصيب موالين لها في المناصب الكبرى دون اعتبار لمدى أهليتهم لذلك وهو ما حدث بتعيين متتال لرؤساء أركان من جنرالات متوافقين ومتوسطي القدرة من أمثال ريتشارد مايرز وبيتر باس. وكذلك الإبقاء على جورج تينيت مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية رغم ثبوت فشله في أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول حيث المهم هو أن الرجل شغوف بقول ما يريد الرئيس سماعه. وأخيراً الالتفات كلما أمكن حول مؤسسة الأمن القومي بكاملها وهو ما وضح في إنشاء الوزير رامسفيلد لمكتب الخطط الخاصة OSP الذي سيتولى مهمة اصطناع أدلة حول برنامج أسلحة الدمار الشامل العراقية توفر مبررات شن حرب على هذا البلد.

في البعد الثالث الشخصي الخاص بنوعية الرجال الحكماء النافذين في رسم وصياغة السياسة الخارجية والذين يشكلون الدوائر الصغيرة للمشورة والنصح حول رئيس إمبراطوري يعتبرهم أفضلية مقارنة مع بيروقراطية صعبة المراس مسربة للمعلومات هي مؤسسة الأمن القومي. يرى باسيفتش أن هذه الظاهرة الحديثة في النظام السياسي الأمريكي بلغت ذروتها في إدارة فرانكلين روزفلت إبان أحداث الحرب العالمية الثانية عندما برزت في واشنطن أسماء لامعة تحلقت حول الرئيس في مقدمتها وزير الخارجية ووزير الحرب فيما بعد هنري ستمسون، واتسمت بالاستقامة والحكمة والرصانة وردود الأفعال المعتدلة، وشكلت فيما بينها وجه واشنطن آنذاك. ويشير باسيفتش إلى تحول نحو الأسوأ وقع في سبتمبر/ أيلول 1945 بتولي جورج فورستال وزارة الحرب الأمريكية خلفاً لهنري ستمسون حيث مثل بتركيبته الشخصية المعقدة مزيجاً من عدم الاستقرار وسوء التقدير في المواقف والأزمات والجموح للرد العاجل عند بروز أدنى خطر.

وسيؤسس هذا الوضع لوجه واشنطن الجديدة القائم إلي الآن عبر سلالة من أتباعه وتلاميذه الذين تحكمهم عقلية عسكرية ترى في القوة أداة مثالية لحل مشكلات العالم ويشوبهم قلق عصبي من أن الوضع الأسوأ هو الاحتمال الأرجح وأن العمل العاجل السريع لإحباط كارثة قادمة أمر لا مفر منه.

يشير باسيفتش إلى بول نيتزه كوريث مباشر لفورستال الذي هيمن على سياسات الأمن القومي الأمريكية على مدى أربعة عقود تالية، وكانت أبرز مساهماته وثيقة الأمن القومي NSC 68 التي تمثل أحد أهم الوثائق المؤسسة لإدارة الدولة الأمريكية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهي تقرير سري قدم للرئيس هاري ترومان في ربيع عام 1950 لتوصيف الوضع وطرح الخيارات الإستراتيجية في مواجهة حدثين اعتبرهما الرئيس على درجة بالغة من الأهمية للأمن القومي الأمريكي، أولهما: نجاح السوفيت المفاجئ في أغسطس/ آب 1949 في تفجير جهاز نووي أنهى الاحتكار النووي للولايات المتحدة، وثانيهما: نجاح الثورة الشيوعية في الصين في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول من ذات العام. وقد نجح نيتزه بأستاذية، ليس فقط في تمرير توصياته في الشروع بإعادة بناء متسارعة وهائلة للقوة العسكرية الأمريكية والتي مثلت الخيار الثالث في عرضه للموقف بعد استبعاد خياري الانعزالية أو الإسراع بشن حرب وقائية، وهو ما أطلق عليه آنذاك "عقيدة نيتزه". ولكن نجاح نيتزه الحقيقي كما يراه باسيفتش أنه أسس نموذجاً يقتدي به الرجال الحكماء من نخبة الأمن القومي الأمريكي إلى الآن والذي يشمل على أركان أربعة أولها شيطنة الخصوم، وثانيهما استخدام أسلوب استعراض الخيارات المصطنعة التي تدفع نحو نتائج معدة سلفاً تجعل من المحلل صاحب القرار عملياً. وثالثهما توظيف القيم المثالية كالحرية والسلام للتمويه على المصالح الحيوية الأمريكية، وأخيراً بث الذعر بأساليب عدة لدفع عملية صنع القرار دون إبطاء.

هكذا وجدت أحداث الحادي عشر سبتمبر/ أيلول في انتظارها بول ولفيتز الوريث المباشر لبول نيتزه كما كان الأخير وريثاً مباشراً لجورج فورستال. كان ولفيتز آنذاك الرجل الثاني في وزارة الدفاع في إدارة الرئيس بوش وكان الحدث مبرراً لدى الرجل لإطلاق القوة العسكرية والدعوة بعد ساعات فقط من وقوعه لغزو العراق وإزاحة صدام حسين. لم يكن هدف ولفيتز العراق ونظامها تحديداً بقدر ما كان هدفه وضع معايير جديدة أقل تقييداً لاستخدام القوة العسكرية تعتمد الحرب الوقائية على مستوى كوني كـ"حملة واسعة ومستمرة ضد كل الدول التي تشكل ملاذات آمنة للإرهابيين أو تدعمه". وهو بذلك تجاوز رفض أستاذه نيتزه للحرب الوقائية كمسألة غير أخلاقية، ومن ثم فالتاريخ سيذكر الرجل ليس فقط كمهندس لحرب العراق بقدر ما أنه المسئول عن شرعنة الحرب الوقائية كمبدأ أساسي في السياسة الأمريكية، فضلا عن كونه الملهم لـ"عقيدة بوش الوقائية" باعتبارها أخطر مبادرات الأمن القومي الأمريكية منذ تدشين مشروع مانهاتن لبناء أول قنبلة نووية. وقد أسست هذه "العقيدة" لحرب كونية مفتوحة بلا نهاية، لا في الزمن ولا في التكلفة، بدأت في أفغانستان ومروراً بالعراق ولم تنتج حتى الآن سوى حطام سفينة أمريكية.

 

 


الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس