عرض مشاركة واحدة

قديم 27-09-09, 02:53 PM

  رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

السيادة في ظل فصل الأمة عن الدولة:
الطرح الأول الذي يرد في كتاب Gotliep المعنون Nation against State، يقوم على اتخاذ إجراءات على المستوى المؤسساتي تحدد سلطة الدولة في القضايا الأمنية، بينما تُنَاطُ السلطة في القضايا الثقافية إلى هيئات محلية أو فوق قومية ويبرر ذلك بفشل التدابير المتخذة لحماية الأقليات، أما المبرر الثاني فهو عدم واقعية الحل القائم على منح الحق في التدوّل لكل المجموعات التي تطالب بتقرير المصير. لأن ذلك سيؤدي إلى وضع فوضوي، فقد شهد العالم قيام كيانات مثل الضفة الغربية وقطاع غزة، وجمهورية Srbska الصربية، وجمهورية أرض الصومال وكوسوفو.

وقد أدى هذا الوضع إلى انقسام العالم إلى دول سيّدة كأمر واقع، بتوفرها على القدرة للتحكم في شؤونها الداخلية إضافة إلى القوة على المستوى الخارجي تمكنها من تأكيد حقوقها وامتيازاتها السيادية. وبالمقابل، فهي تفرض ذلك بالنسبة للدول الأخرى والكيانات الهجينة - حسب تعبير Gotliep – التي تتقاسم بعض خصائص السيادة ولكنها لا تستوفي تعريفها التقليدي.

وكبديل لذلك، يرى Gotliep بضرورة خلق وضع دولي خاص للأمم يكون متميزا عن الدول، وذلك بإناطة بعض الوظائف السلطوية (دون تضمين وظائف السياسة العليا بينها) للمجموعات التي تتميز بهوية مختلفة، ويقوم ذلك على البحث عن مصدر لحقوق المواطنة والجنسية يكون متميزا عن الدولة. ولكن الاستفهام الأساسي يدور حول كيفية تجسيد مثل هذا النظام، وبالنسبة لـ Gotliep فإن الإتحاد الأوروبي يعتبر نموذجا رائدا لطرحه، إذ يبدو وأنه يتحرك ببطء نحو الهدف القاضي بفصل الأمم عن الدول.

غير أن إحدى الدراسات حول الاتحاد الأوروبي أفضت إلى أن أكبر خطر يتهدد الاتحاد سيأتي من الأمم التي تحس باللاّأمن والخطر على بقائها، فالأمة لا تقبل بوضع دولي معيّن إلا إذا ضمنت بأن هويتها لن تتعرض لأي تهديد وبأنها يمكن أن تتعزز إذا تفاعلت مع هويات أخرى. ويجدر التنويه إلى أن الحديث هنا هو عن أمم مثل ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وليس عن الأمم المضطهدة أو تلك التي تعاني من النزاعات المسلحة.

والتساؤل المطروح إذن، هو أنه إذا كانت الأمم الأوروبية الآمنة والمتحررة نسبيا من التهديد، تبدي هذا الهوس والمخاوف تجاه هويتها. فما الذي نتوقعه بشأن الأمم التي تعيش صراعا حقيقيا للبقاء. فهل سترضى بأقل من تشكيل دول مستقلة لتأمين هويتها.
إنه من المبكر جدا الاعتقاد بأن أكراد شمال العراق، الأفخاز، أو فلسطينيو الضفة الغربية وصرب Srbska يشكلون قاطرة لفصل الأمم عن الدول، فهي تبدو كيانات انتقالية نشأت بسبب نزاعات عنيفة وسياق دولي معين، وهي لن تكون أكثر من إجراءات تهدئة، وسرعان ما تتحول إلى المطالبة بالاعتراف بحقها في التدوّل، إذن هناك حاجة إلى تصور أكثر واقعية.

السيادة كمسؤولية وإجازة التدخل:
الطرح الثاني الخاص بإعادة صياغة مفهوم السيادة يتزعمه Francis H. Deng وآخرون في كتابهم المعنون Sovereignty as Responsibility، حيث يعتبرون أن السيادة التي تحظى بها الدولة لا يجب النظر إليها كامتياز مطلق وإنما يمكن تعليقه إذا ما أخفقت في أداء واجباتها ومسؤولياتها تجاه مواطنيها. فللحصول على امتيازات السيادة، يتعين على الدول أن تحافظ على السلام والأمن الوطني، وأن تهتم برفاهية مواطنيها وحمايتهم. أما إذا عجزت ذلك فعليها أن تدعو أو ترحب بالمساعدة الخارجية، وإلا فستتعرض لرد فعل وضغوطات خارجية، ولا يكتفيDeng بذلك، بل يرى أن السيادة يجب أن تتضمن واجبا خارجيا يقضي بالتدخل، عسكريا إن لزم الأمر، إذا أخفقت الدول الأخرى في تحمل مسؤولياتها.

إلا أن مثل هذه الأفكار تلقى مقاومة عنيفة من أغلب الدول التي ترى أنها ستخسر كل شيء دون أن تستفيد كثيرا من نسق كهذا، وتقف في هذا الاتجاه دول مثل الصين وسنغافورة اللتان تحددان التزاماتهما الداخلية بشكل مختلف عن الغرب. ولكن وحتى ولو تم التغلب على هذه المقاومة فإننا سنكون إزاء واقع يشير إلى أن أغلب دول العالم لا يمكنها أن تلتزم بمعايير المسؤولية الداخلية (وحتى الخارجية التي تتضمن التزاما إيجابيا بالتدخل) فحسب الباحث محمد أيوب، هناك هوة كبيرة بين معايير سلوك الدول المستند إلى التجربة الغربية وبين قدرات أغلب الدول الفقيرة. وهذا يصعّب من الحديث عن نسق دولي موحد ومقبول للتعامل مع الأقليات.

ولأدل على ذلك مما يحصل حاليا في نيجيريا وإندونيسيا، فهو مجرد محاكاة لما حدث في أوروبا عندما كانت كل كياناتها بصدد تأسيس دولة – أمة، فدول الجنوب التي تشهد أعمال اضطهاد يمكن أن تتحجج بمقولة Massimo d'Aeglio بعد توحيد إيطاليا عام 1860: "لقد صنعنا إيطاليا والآن سنصنع الإيطاليين". ومقاومة الإندونيسيين والنيجيريين لاستقلال تيمور الشرقية وبيافرا عادة ما يرجع إلى سابقة خوض الو.م.أ. لحرب ضارية للحؤول دون انفصال الجنوب عن الاتحاد.

وفي مستوى آخر، فإن مقاومة هذا الطرح ستأتي من الدول الغربية ذاتها، فمن الذي سيقنع الشعوب الغربية بضرورة التزامها بالتدخل لتوفير الدعم لصالح المجموعات ضحايا الدول غير المسؤولة. هنا مكمن التناقض في مقاربة السيادة كمسؤولية، فإذا رفض الشعب التدخل خارجيا، فهل يتعين على حكومات هذه الدول أن تتجاهله أو ترغمه على تنفيذ التزاماته الخارجية؟ وإذا حدث ذلك ألا يعتبر إضرار بالغا بالمسؤوليات الداخلية للدول؟ إذن فالمسألة بالنسبة للدول الغربية تتمثل في الانعكاسات السلبية المحتملة للتدخل العسكري على الشرعية الداخلية، أما بالنسبة للدول الأخرى فإن المسألة تتعلق بموارد نادرة، إن كانت ستخصص لتلبية الحاجيات الملحة لمواطنيها أم أنه سيتم اعتمادها لتمويل تدخلات خارجية.
إذن فالسيادة كمسؤولية تتطلب إقناع الدول بتنفيذ التزاماتها الداخلية تجاه مواطنيها، والتزامها الخارجي بالتدخل لصالح المجموعات المضطهدة. ورغم صعوبة تجسيد هذه المقاربة بشكل صحيح إلا أنها تتضمن بعدًا إيجابيا جدا يتمثل في أن الدول ستفعل كل ما من شأنه أن يسمح بتنفيذ واجباتها حتى تكون بمنأى عن الإجراءات العقابية، وهذا لا يتأتى إلا إذا أدركت أنها ستكون هدفا لتدخل خارجي.

 

 


   

رد مع اقتباس