عرض مشاركة واحدة

قديم 02-09-20, 07:58 AM

  رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

مشيخة للعلماء
وللحظوة الخاصة لجواري المدينة المنورة المثقفات لدى الأندلسيين كان تجار الرقيق المشارقة يتكبدون السفر بهن إلى الأندلس، فيعرضوهن على علية القوم هناك -حتى ولو كانوا من كبار القضاة وأولي العلم- مستعرضين لهم مهاراتهن ومعارفهن.

فقد جاء في رواية للمحدّث الحميدي عن شيخه الإمام ابن حزم "أن رجلا من أهل المشرق يُعرف بالشيباني دخل الأندلس فسكن قرطبة..، فخرج قاضي الجماعة (= قاضي القضاة) ابن السليم (أبو بكر ت 367هـ//978م) يوما لحاجة فأصابه مطر اضطره إلى أن دخل بدابته في دهليز [دار] الشيباني..، فرحب بالقاضي.. وأدخله إلى منزله.. فقال له: أصلح الله القاضي! عندي جارية مدينية لم يُسمع بأطيب من صوتها، فإن أذنتَ أسمعتْكَ عَشْراً من [آيات] كتاب الله عز وجل وأبياتا، فقال له: افعلْ، فأمر الجارية فقرأتْ ثم أنشدتْ؛ فاستحسن ذلك القاضي وعجب منه"، ثم أهدى للجارية عشرين دينارا وودَّعهما!!
ومن الجواري المثقفات المشرقيات أيضا "قمر البغدادية" جارية إبراهيم بن حَجّاج اللخمي (ت 298هـ/912م) والي إشبيلية في زمن الأمير عبد الله بن محمد الأموي (ت 300هـ/912م)؛ فقد كانت -وفقا لابنُ الأبّار- "من أهل الفصاحة وَالْبَيَان والمعرفة بصوغ الألحان، لا تُدانَى أدباً وظَرْفا وَرواية وحفظا، مع فهم بارع وجمال، وكانت تقول الشِّعر بفضل أدبها".
ومن بديع شعرها ما رواه المقري -في ‘نفح الطيب‘- من "قولها تتشوق إلى بغداد":
آهاً على بغــدادها وعـــراقها ** وظبائــــــها والسِّحْر في أحــداقها!
ومجالُـها عند الفـرات بأوجه ** تبدو أهلــــتُها على أطــــــــــواقها
متبخــتراتٍ في النعــيم كأنما ** خُلِق الهــوى العذريّ من أخـلاقها
نفسي الفداءُ لها فأيُّ مَحاسنٍ ** في الدهر تُشـرِق مِن سَنا إشراقها!

وإذا كان جلبُ الجواري المثقفات من المشرق هو القاعدة العامة في الأندلس؛ فإنه حصل أحيانا أن بعض هؤلاء الجواري كُنّ أندلسياتِ الولادة لكن تداولتهن أيدي النخاسين حتى أوصلتهن إلى المشرق، حيث تثقفن بمعارفه الأدبية ثم "أعيد تصديرهن" إلى بلادهن الأندلس. ومن النماذج الشهيرة لذلك قصة "الجارية قَلَم" التي قال المقري إنها نالت "الحظوة عند الأمير عبد الرحمن، وكانت أندلسية الأصل رومية من سبي البَشْكُنْس/البَشْكُنْش (= اليوم إقليم الباسك الإسباني)، وحُملت صبيّةً إلى المشرق فتعلمت الغناء بالمدينة، ثم جُلبت إلى الأندلس للأمير عبد الرحمن..، وكانت أديبة ذاكرة حَسِنة الخط، راوية للشعر حافظة للأخبار، عالمة بضروب الآداب"!!
ولئن بلغت بعض هؤلاء الجواري شأوا عظيما في الذكاء والبيان وسرعة البديهة في الرد شعرًا كان أم نثرًا في المشرق، فقد رأينا في المغرب أمثالهن أيضا؛ فقد أورد المقّري أنه كانت لأحد أعيان شاطبة بالأندلس جارية اسمها "هند الشاطبية" اشتهرت بأنها من الماهرات في الشعر والغناء، وقد أُعجِب بمهارتها وشعرها أدباءُ وعلماءُ وقتها مثل أديب شاطبة ومؤرخها أبي عامر محمد بن يحيى بن ينق (ت 547هـ/1152م)، الذي أرسل إليها "يدعوها للحضور عِنْده بعُودِها":
يَا هِنْدُ هَل لَكِ فِي زِيَـــــارَة فتيةٍ ** نبذوا المَحَارِم غير شرب السَّـلْـسَلِ
سمِعُوا البلابلَ قد شَدَتْ فتذكَّرُوا ** نغمـــاتِ عُودِكِ فِي ”الثقيلِ الأولِ“!

فَكتبت إِلَيْهِ على ظَاهر رقعته:
يَا سيداً حَاز الــــــعُلَا عَن سادةٍ ** ”شُمِّ الأنوف مِن الطِّــراز الأوَّلِ“
حسبي من الْإِسْرَاع نَحْوَكَ أنني ** كنتُ الجوابَ مَعَ ”السودِ المُقبل“!

ومنهن من تعلم على يديها بعض علماء الأندلس مثل الجارية "إشراق السويداء" (ت بعد 443هـ/1052م) المعروفة بـ"إشراق العَروضية" لمهارتها في علم العروض الشعرية، وقد برعت في عدة معارف حتى تجاوزت مستوى أستاذها الذي علمها إياها!! ويقول ابن الأبّار إنها كانت "أخذت عن مولاها أبي المطرف (ابن غَلْبون القرطبي ت 443هـ/1052م) العربية واللغة والآداب..، وكانت قد فاقته في كثير مما أخذته عنه وأحسنت في كل ما تناولته، وكان لها علم بالعَروض وأوزان الشعر؛ قال [شيخُ قُـرّاء زمانه بالأندلس] أبو داود سليمان بن نجاح المقرئ (ت 496هـ/1102م): أخذتُ أنا عنها العَروض وقرأتُ عليها [كتابيْ] ‘النوادر‘ لأبي علي (القالي ت 356هـ/967م) و‘الكامل‘ لأبي العباس المبرد (ت 286هـ/899م)، وكانت تحفظ الكتابين ظاهرا تنصُّهما حفظاً وتتكلم عليهما" شرحا وتفسيرا!!
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةتمكُّن واثق
كما بلغت جاريات أخريات درجة من التمكن في فن معيّن خولتهن الحق في تحدي علماء بلدهن في معرفة دقائق هذا الفن؛ ومن هؤلاء "الجارية العبّادية" التي كانت في قصر أمير إشبيلية المعتضد بن عباد (ت 461هـ/1070م) وكانت متبحرة في فقه اللغة، وقد وصفها ابن الأبار بأنها "كانت أديبة ظريفة كاتبة شاعرة ذاكرة لكثير من اللغة"، ثم ذكر ألفاظا من عويص اللغة "أغربت [بها].. على علماء إشبيلية..، فما كان بإشبيلية -في ذلك الوقت- من عرف منها واحدا"!!

ومنهن من كانت عالمة بالحديث النبوي الشريف ترويه عن كبار العلماء؛ فالمؤرخ ابن حيان الأندلسي (ت 469هـ/1080م) يقول -في ‘المُقتبَس‘- إنه "لما حجَّ حبيب [الملقب] دحّون (ابن الوليد الأموي ت بعد 200هـ/815م) اجتمع بمكة مع ابن عمه محمد بن يزيد بن سلمة..، فوهب له محمد جارية تسمى عابدة [المدنية]، وكانت سوداء حالكة من رقيق المدينة، وكانت تروي عن مالك بن أنس (ت 179هـ/795م) وغيره من العلماءِ شيوخِها، فتُسنِد عشرة آلاف حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقدم بها دحّون إلى الأندلس وهو قد أعجب بعلمها وفهمها"!
بل إن بعض هؤلاء الجواري بلغن غاية المهارة في تعلّم بعض العلوم التجريبية، مثل جارية الخليفة الحكم المستنصر (ت 366هـ/977م) التي اشتُهرت بالذكاء والنباهة؛ فأرسلها الحكمَ إلى "سليمان بن أحمد بن سليمان الأنصَارِي المعرُوف بالرصافي أن يعلمهَا التَّعْدِيل وخدمة الأَسْطُرْلابُ (= آلة فلكية قديمة) وما يجري في مجرى هذا، فقبلت ذَلِك كُله وحذَقته، وأعانتها قريحتها واستكملت علمه فِي ثلاثة أَعْوَام أَو نحوهَا، وأُعجِب الحكَم بها وألزمها خدمَة مَا تعلّمته في دَاره"!!
وبعضهن كُنَّ يُتقن عددا من هذه العلوم مع ثقافتهن الأدبية والغنائية بحيث تغدو الواحدة منهن موسوعة معارف متكاملة؛ مثل جارية أمير منطقة السهلة شرقي الأندلس هُذَيل بن خلف ابن رَزين (ت 436هـ/1044م) الذي يفيدنا الشنتريني -في ‘الذخيرة‘ نقلا عن المؤرخ ابن حيان الأندلسي (ت 469هـ/1077م)- بأنه كان "أول من بالغ الثمن بالأندلس في شراء القينات، [فقد] اشترى جارية أبي عبد الله المتطبب ابن الكتاني بعد أن أحجمت الملوك عنها لغلاء سوْمها، فأعطاه فيها ثلاثة آلاف دينار (= اليوم نصف مليون دولار أميركي تقريبا) فملكها…، وابتاع إليها كثيرا من [الجواري] المُحْسِنات المشهورات بالتجويد، طلبَهن بكل جهة؛ فكانت ستارتُه (= مجلسه الغنائي) في ذاك أرفعَ ستائر الملوك بالأندلس"!!
ثم يحدثنا ابن حيان عن الثقافة الغنية التي حازتها هذه الجارية بإشراف مالكها العالم الموسوعي الكتاني؛ فيقول إنها "كانت واحدة القيان في وقتها، لا نظير لها في معناها، لم يُرَ أخفُّ منها روحا..، ولا أطيب غناء، ولا أجود كتابة، ولا أملح خطاً، ولا أبرع أدبا، ولا أحضر شاهدا على سائر ما تُحْسنه وتدَّعيه، مع السلامة من اللحن فيما تكتبه وتغنّيه، إلى الشروع في علم صالح من الطب ينبسط به القول في المدخل إلى علم الطبيعة وهيئة تشريح الأعضاء الباطنة، وغير ذلك مما يقصر عنه كثير من منتحِلي الصناعة، إلى حركة بديعة في معالجة صناعة الثـِّقاف (= تقويم الرماح) والمجاولة (= المقاتلة) بالحَجَفِة (= تُرْسٌ جِلْدي) واللعب بالسيوف والأسنّة (= الرماح) والخناجر المرهَفة، وغير ذلك من أنواع اللَّعِب المطربة، لم يُسمع لها بنظير"!!
وكان بعضُ الأمراء إذا سمع عن شُهرة جارية -بإقليم من الأقاليم البعيدة- وحَذْقِها لفن من الفنون حرص على جلبها بكل سبيل ممكنة، ومن هؤلاء "قمر البغدادية" المذكورة آنفا. فقد قال ابن عذاري (ت بعد 712هـ/1312م) -في ‘البيان المُغرب‘- إن الوالي الأندلسي إبراهيم بن حجاج اللخمي سمع بمهارتها وثقافتها "فوجَّه بأموال عظيمة إلى المشرق في ابتياع هذه الجارية إلى أن استقرت بدار مملكته إشبيلية، وكانت كالبدر المنير ذات بيان وفصاحة ومعرفة بالألحان والغناء..، وكان لها شِعر يُستحْلَى ويُستحسَن؛ فمِن قولها ترد على من عَذَلَها (= عاتبها):
قالُوا أتتْ "قَمَـــرٌ" في زِيِّ أطمَارِ ** مِنْ بَعدِما هَتَـــــكَتْ قَلباً بِأشفَارِ
تُمسِي علىَ وَحَلٍ تغـدو على سُبُلٍ ** تَشُقُّ أمصارَ أَرْضٍ بعدَ أَمصَارِ
لا حُرَّةٌ هَيَ مِن أحـرار مَوضِعِها ** وَلاَ لَهَا غَيرُ تَرســــــيلٍ وأشعَارِ
لَو يعقلون لَمَا عَـــــابُوا غَريبَتهم ** لله مِن أمَةٍ تُـــــزرِي بأحـــرارِ!
ما لابنِ آدمَ فــــخرٌ غَيرَ هِمَّــــتِهِ ** بَعدَ الدِّيَانةِ والإخلاصِ للبارِي"!!


المصدر : الجزيرة نت

 

 


الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس