عرض مشاركة واحدة

قديم 04-09-09, 12:14 PM

  رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
سعد الدين الشاذلي
مشرف قسم القوات البرية

الصورة الرمزية سعد الدين الشاذلي

إحصائية العضو





سعد الدين الشاذلي غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

ثانياً: أسباب القرصنة قبالة السواحل الصومالية

يشهد الرحّالة (ابن بطوطة) لمقديشو بسلامة السفن التي ترسو على شواطئها، حيث قال: "ومن عادة أهل هذه المدينة أنه متى وصل المركب إلى المرسى، تصعد الصنابق وهي القوارب الصغيرة إليها ويكون في كل صُنْبُوق جماعة من شبان أهلها، فيأتي كل واحد منهم بطبق مُغطّى فيه الطعام، فيقدمه لتاجر من تجار المركز، ويقول: هذا نزيلي، وكذلك يفعل كل واحد منهم، ولا ينزل التاجر من المركز إلاّ إلى دار نزيله من هؤلاء الشبان، إلاّ من كان كثير التردد إلى البلد، وحصلت له معرفة أهله". وشهد (ابن بطوطة) بسلامة وصول السفن لساحل مقديشو، لأنه تحدَّث كثيراً عمّا تعرّض له من سلب ونهب وقرصنة خلال رحلته بالبلاد الهندية وغيرها(9).

وحتى عهد قريب، لم تعرف مياه البحر العربي أو المحيط الهندي قرصنة مثلما يحدث للسفن المارة في الخطوط المائية الدولية، فقد أثار التصاعد الكبير لعمليات القرصنة في هذه المنطقة التساؤل حول أسباب هذه الظاهرة وتضخمها السريع، وهو ما يمكن رده إلى أسباب متنوعة من أبرزها انهيار الدولة في الصومال، وصعوبة استخدام القوات المسلحة ضد هذه الأعمال.

1 انهيار الدولة الصومالية

لم يشهد الصومال مرحلة استقرار منذ انهيار نظام (سياد بري) عام 1991م، إذا لم يكد يخرج من أزمة انهيار هذا النظام إلاّ ونشبت حرب أهلية ضروس، وقد سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى استغلالها بإيجاد موطئ قدم جديد لها في القرن الإفريقي، عبر تدخلها عسكرياً فيما سمّته عملية (استعادة الأمل)، فكانت النتيجة سحل جنودها في شوارع مقديشو، وخروج القوات الأمريكية من هناك خروجاً مهيناً. وطوال النصف الثاني من عقد التسعينيات لم تتوقف الحرب الأهلية والنزاعات المسلحة بين عدة فصائل، ورغم استبشار الصوماليين خيراً بتشكيل حكومة وطنية موحدة، إلاّ أن هذا التفاؤل سرعان ما تبدد بانهيار السلطة الوطنية أمام التدخلات الأجنبية، وضعف الإمكانات والنزعات الانفصالية لبعض القوى الصومالية، وعمالة البعض الآخر لأطراف خارجية، سواء مجاورة أو دولية.

ويمكن تلخيص الوضع العام في الصومال طوال السنوات الخمس عشرة الماضية إلى ثلاثة عناصر أساسية، تمثلت في: انقسام القوى الصومالية على نفسها بعد غياب السلطة المركزية؛ وظهور الدور الخارجي في كل التفاعلات والتطورات بمختلف أنماطها ودرجاتها؛ وتراجع دور الشعب الصومالي نفسه في تقرير مصيره، حيث أصبح قليل الحيلة عديم الوسيلة أمام حرب أهلية لا تعبّر عنه ولا تعيره اهتماماً.

ونتيجة لذلك، شهد الصومال إفراز قوة جديدة تماماً، حيث صعدت (حركة المحاكم) التي قامت على أساس التناقض مع العناصر الثلاثة، فهي ضد الوجود الأجنبي بكافة صوره، ولا تمثّل أياً من القوى التقليدية الموجودة، كما أنها غير موصومة بأهداف القوى والفصائل الصومالية، ولكن الولايات المتحدة التي تركت المرارة في فم الصوماليين مرات عديدة؛ فهي رفضت فكرة الصومال الموحد عام 1944م، والتي ساعدت (سياد بري) بكل قوة أثناء حكمه التسلطي، ثم هي التي أنزلت قواتها بعد سقوط نظامه من دون تجمّع السلاح من يد الصوماليين، استمرت في هذا النهج فاختارت العمل بواسطة استخدام (أثيوبيا) كرأس حربه ضد الصومال، واستصدرت من مجلس الأمن القرار رقم (1725) في 6-12-2006م، بالسماح بإرسال قوات إفريقية للصومال، وذلك كله من أجل تجسيد محاولات انتزاع الصومال من تحت سيطرة المحاكم، ومحاولة إقامة نظام يعكس التصورات الأمريكية لما يجب أن تكون عليه منطقة القرن الإفريقي وفق الرؤية الأمريكية، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى استمرار الحرب الأهلية، ودمار ما تبقى من الدولة، واستمرار صراعات الحدود، وفتح الساحة لتدخلات إقليمية أضر معظمها بإمكانية حل المعضلة الصومالية(10).

جاء في تقرير لمكتب الملاحة الدولي: إن سبب الطفرة التي يشهدها العالم في القرصنة على الشواطئ الصومالية هو الإطاحة بسلطة المحاكم الإسلامية، من قِبل القوات الأثيوبية المدعومة أمريكياً. وكانت حركة المحاكم قد وصلت للسلطة عام 2006م، بدعم من التجار وزعماء القبائل والقيادات المدنية الصومالية، وتمكنت خلال فترة حكمها التي لم تتجاوز السنة من تحقيق ما عجزت عن تحقيقه وخلال عقد كامل دول العالم التي تدخلت في الصومال وكذلك الهيئات الدولية، وكانت الحركة قد أعلنت منذ اليوم الأول لوصولها للسلطة أنها ضد الإرهاب ولن تؤوي إرهابيين ولن تستعمل العنف لتطبيق الشريعة الإسلامية، وأنها منفتحة للتعاون الدولي، فرحّبت الأمم المتحدة بهذا التوجه(11).

ويرى الخبراء أن قراصنة البحر الأحمر هم نتاج تلك الحرب، والأوضاع السيئة التي تمر بها المنطقة منذ فترة بعيدة؛ فتفكك الدولة الصومالية جعل أرض هذا البلد المنكوب بصراعات القبائل وأمراء الحرب مرتعاً لكل الخارجين على القانون ولكل أشكال التطرّف الجنائي والديني، وضمن الظواهر الإجرامية تنامت عمليات السطو على السفن الصغيرة التي تعمل بالصيد في منطقة بحر العرب وخليج عدن من قبيل قراصنة محترفين أو عسكريين صوماليين سابقين كانوا ضمن القوات البحرية الصومالية، والتي لم تتم مواجهتها بأي ردع إقليمي أو دولي، مما أغرى القراصنة بالتوسّع، ووفّر لهم الأموال الضرورية لتوسيع نطاق أعمالهم وتطويرها وشراء المعدات المتطورة الضرورية لها، كما أن الفقر المدقع الذي انحدر إليه الشعب الصومالي في غياب الدولة، وفي غياب أية عملية منظّمة للتنمية الاقتصادية وللضمان الاجتماعي، جعلت المجتمع الصومالي مستعداً لحضانة المجموعات الإجرامية عسى أن يناله من عائداتها شيئاً(12).

والحق أن المجتمع الدولي أهمل الصومال، وحسب أن مشكلته منذ هزيمة الأمريكيين هناك عام 1993م مشكلةٌ تعصى على الحل، الأمر الذي جعل مشكلة القراصنة تتعاظم.

2. صعوبة استخدام القوة البحرية المسلحة

أظهر نجاح القراصنة في اقتناص الناقلة السعودية بسهولة شديدة مدى هذا الخطر بالنظر إلى حجمها العملاق(13).

وأصبح من أكثر ما يثير الدهشة، كيف لا تستطيع القوات البحرية الهائلة للدول الكبرى وأساطيلها المرعبة مواجهة هذا التحدي؟! ويرى جانب من المراقبين أن استخدام القوة البحرية المسلحة في هذه الحالة قد يكون ضرورياً حيناً، وقليل الجدوى حيناً آخر، فضلاً عن أنه يهدد السفن المخطوفة وطواقمها المرتهنة لدى القراصنة في أحيان ثالثة(14).


وفي هذا الاتجاه يقلل البعض من دور العملية البحرية التي أطلقها الاتحاد الأوروبي لمحاربة ظاهرة القرصنة قبالة السواحل الصومالية تحت اسم (تالانتا)، وهي العملية التي ستتولى طبقاً لما أعلنه منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي في 7-12-2008م مسؤولية الحراسة والردع والحماية من خلال قواعد صارمة جداً للاشتباك مع القراصنة لمدة عام كامل(15).

وهكذا يبدو نشاط القرصنة في وضع خارج نقاط السيطرة، نظراً لأن مواجهتهم تصطدم بعدد من المعوقات، أبرزها: قلة عدد الأساطيل البحرية الأجنبية، واتسام عمليات القرصنة بالخفية وصعوبة تفاديها مسبقاً، وقيام القراصنة بتنويع استراتيجياتهم لإيجاد أماكن أخرى للهجوم في ظل وجود السفن الأجنبية، وامتلاك القراصنة مواقع آمنة في البر تمكنهم من التفاوض واحتجاز السفن المختطفة وأطقمها كرهائن لفترة طويلة.

ثالثاً: الاتجاه إلى تدويل البحر الأحمر ومخاطره

تؤكد عمليات القرصنة على وجود إمكانات وتقنيات هائلة لدى المختطفين تقف خلفها دول كبيرة، وهو ما أشارت إليه صحيفة (الجارديان) البريطانية في افتتاحية يوم 20-11-2008م، بعنوان: (مخاطر البحار)، فذكرت أن كثيراً من الهجمات عند القرن الإفريقي حدثت تحت سمع وبصر وجود عسكري أمريكي كبير، وأضافت: رغم تحديد الأسطول الخامس الأمريكي ممر ملاحة يمكن مراقبته إذا سارت السفن فيه، إلاّ أن التدخل لا يحدث(16). وتشير التحركات الأوروبية والأمريكية في البحر الأحمر، وخليج عدن، والبحر العربي سواء على أرض الواقع، أو من خلال القرارات الدولية إلى وجود مخطط دولي يجري تنفيذه بخطى حثيثة تحت لافتة العمل ضد القرصنة البحرية قبالة السواحل الصومالية، ومما يعزّز هذه النظرة الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر، وسعي إسرائيل لتوسيع تواجدها العسكري فيه، واهتمام الولايات المتحدة بالقرن الإفريقي، وتلاقي المصالح في هذه المنطقة.

1 أهمية البحر الأحمر

بالرغم من أن أعمال القرصنة تتم قبالة السواحل الصومالية الطويلة على خليج عدن، إلاّ أن الحديث الدائر الآن في الأوساط العربية والدولية يتعلق ليس فقط بالحديث عن أمن خليج عدن، وإنما على أمن البحر الأحمر، نظراً لأن أمن هذه المنطقة الممتدة من البحر العربي، وخليج عدن، وباب المندب، والبحر الأحمر لا يمكن أن يتجزأ، بل إن البعض يضيف لهذه المنطقة قناة السويس، وخليج العقبة وهي الأطراف الشمالية للبحر الأحمر(17).

وترجع أهمية البحر الأحمر الاستراتيجية إلى كونه طريق الاتصال البحري الوحيد الذي يصل بين معْبَرين مائيين هما: مضيق عدن في الجنوب، وقناة السويس في الشمال، ليكمل السلسلة البحرية بين البحار الشرقية والغربية، ويبدو البحر الأحمر كما لو كان جسراً عائماً يمتد بانحراف بين الشمال الغربي، حيث قناة السويس والبحر المتوسط، والجنوب الشرقي، حيث مضيق عدن والمحيط الهندي، بحيث يربط بينهما كأقصر طريق، فهو يشغل من درجات العرض الخط 18 نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
(12 30نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة) شمالا، ويشغل من درجات الطول الخط 11نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة (32نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة 43نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
)، وبهذا تتحقق له مع قناة السويس صفة أقصر وأسرع طريق بين الشرق والغرب بشكل عام، وبين المحيط الهندي والبحر المتوسط بشكل خاص.
ويقع مضيق عدن إلى الجنوب منه بالقرب من ميناء عدن وتتحكم في مدخله جزيرة (بريم)، وتقسم المضيق إلى ممرين: الممر الشرقي، ويسمى (باب الإسكندر)، وعرضه نحو (3) كلم، وعمقه نحو (85) قدما، والممر الغربي ويسمى (ممر ميمون)، ويبلغ اتساعه نحو (16) كلم، وعمقه نحو (990) قدما وهو الممر الرئيس، ويعتبر المضيق بوابة البحر الأحمر الجنوبية التي تصله بخليج عدن، وبحر العرب، والمحيط الهندي(18).


ويعد البحر الأحمر أهم ممر ملاحي لنقل البترول العربي إلى الدول الأوروبية والولايات المتحدة، كما أن مرور السلع الصناعية من هذه الدول إلى قارتي آسيا وإفريقيا يكسبه أهمية خاصة، وتشير التقديرات إلى (10%) من إجمالي الشحنات البحرية العالمية تمر سنويا عبره، ويكتسب إلى جانب ذلك أهمية عسكرية خاصة لدى الولايات المتحدة التي استخدمته إبان حرب الخليج الثانية لتحرير الكويت، كما أنه أداة الربط بين أسطولها السادس في البحر المتوسط، والخامس في الخليج العربي المتواجد قبالة سواحل البحرين، وأيضا أسطولها السابع الكائن في المحيط الهندي.

 

 


   

رد مع اقتباس