عرض مشاركة واحدة

قديم 23-05-09, 06:53 PM

  رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

أزمة مارس 1954

حينما يعاد كتابة تاريخ مصر , سوف يتوقف المؤرخون طويلا أمام أخطر أزمة في تاريخ مصر الحديثة , فقد حددت هذه الأزمة تاريخ مصر إلي الآن, فلم تكن أزمة مارس مجرد صراع علني علي السلطة بين أنصار اللواء محمد نجيب وأنصار البكباشي جمال عبد الناصر بل كانت الأزمة أكثر عمقا, كانت صراعا بين اتجاهين مختلفين اتجاه يطالب بالديمقراطية والحياة النيابية السليمة تطبيقا للمبدأ السادس للثورة ( إقامة حياة ديمقراطية سليمة) , وكان الاتجاه الآخر يصر علي تكريس الحكم الفردي وإلغاء الأحزاب وفرض الرقابة علي الصحف .

كانت ضربة البداية في أزمة مارس من جانب اللواء محمد نجيب الذي بدء فور عودته إلي الحكم مشاوراته مع مجلس القيادة للتعجيل بعودة الحياة البرلمانية, وفي ليلة 5 مارس صدرت قرارات ركزت على ضرورة عقد جمعية لمناقشة الدستور الجديد وإقراره ، وإلغاء الأحكام العرفية والرقابة على الصحف والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين .

" كانت هذه القرارات في صالح عودة الحياة الديمقراطية , وهنا أدرك الفريق المناوئ للواء نجيب أن كل الخطط التي أعدت للإطاحة به مهددة بالفشل, فبدأ يدبر مخططات أخري من شأنها الالتفاف علي قرارات 5 مارس والعودة إلي الحكم الفردي.

وفي 25 مارس 1954 اجتمع مجلس قيادة الثورة كاملا وانتهي الاجتماع إلي إصدار القرارات التالية : السماح بقيام الأحزاب ، مجلس قيادة الثورة لا يؤلف حزبا، لا حرمان من الحقوق السياسية حتي لا يكون هناك تأثير علي الانتخابات، تنتخب الجمعية التأسيسية انتخابا حرا مباشرا بدون تعيين أي فرد وتكون لها سلطة البرلمان كاملة والانتخابات حرة، حل مجلس الثورة في 24 يوليو المقبل باعتبار الثورة قد انتهت وتسلم البلاد لممثلي الأمة، تنتخب الجمعية التأسيسية رئيس الجمهورية بمجرد انعقادها .

يقول نجيب في كتابه "كنت رئيسا لمصر" : "كانت هذه القرارات في ظاهرها ديمقراطية وفي باطنها فتنة وتوتر, فقد أثارت الناس الذين لم يرق لهم أن تعود الأحزاب القديمة بكل ما توحي من فساد وتاريخ اسود, وبكل ما توحي لهم بنهاية الثورة التي عقدوا عليها كل آمالهم في التطهر والخلاص, وأثارت هذه القرارات ضباط الجيش الذين أحسوا أن نصيبهم من النفوذ والسلطة والمميزات الخاصة قد انتهي"

ووفق نفس الكتاب فقد ضاعف من قلة حيلة اللواء نجيب انشغاله مع الملك سعود الذي كان يزور مصر وقتها , بينما كان معارضوه يدبرون لتوجيه الضربة القاضية إلي اللواء نجيب، فنشرت الصحف الموالية لعبد الناصر أن هناك اتصالات سرية بين اللواء نجيب والوفد , وفي نفس الوقت عقد عبد الناصر اتفاقا مع الأخوان المسلمين لكي يتخلصوا من الأحزاب السياسية ويخلو الجو للطرفان.. ووافق الأخوان وكان هذا خطأ استراتيجيا ,

وفي يوم 28 مارس 1954 خرجت أغرب مظاهرات في التاريخ تهتف بسقوط الديمقراطية والأحزاب والرجعية,و دارت المظاهرات حول البرلمان والقصر الجمهوري ومجلس الدولة وكررت هتافاتها ومنها " لا أحزاب ولا برلمان", ووصلت الخطة السوداء ذروتها, عندما اشترت مجموعة عبد الناصر صاوي أحمد صاوي رئيس اتحاد عمال النقل ودفعوهم إلي عمل إضراب يشل الحياة وحركة المواصلات, وشاركهم فيها عدد كبير من النقابات العمالية وخرج المتظاهرون يهتفون" تسقط الديمقراطية..تسقط الحرية", وقد اعترف الصاوي بأنه حصل علي مبلغ 4 آلف جنية مقابل تدبير هذه المظاهرات .

كسب عبد الناصر ورفاقه المعركة ضد محمد نجيب وصدرت قرارات جديدة تلغي قرارات 25 مارس , وفي 26 أكتوبر وقعت حادثة المنشية والتي اتهم فيها الأخوان بمحاولة التخلص من عبد الناصر ليتم بعدها القبض علي قيادات الجماعة والزج بهم في السجن لينفرد جمال بالحكم .

نجيب في معتقل المرج



انهزم محمد نجيب في معركةمارس1954 والواقع أنها لم تكن خسارته فقط وإنما كانت خسارة لمسيرة الديمقراطية في وادي النيل, أصر نجيب علي الاستقالة لكن عبد الناصر عارض بشدة استقالة نجيب خشية أن تندلع مظاهرات مثلما حدث في فبراير 1954 , ووافق محمد نجيب علي الاستمرار انقاذا للبلاد من حرب أهلية ومحاولة إتمام الوحدة مع السودان .


يوم 14 نوفمبر1954 لم يكن يوما عاديا في حياته , في هذا اليوم توجه محمد نجيب لمكتبه بقصر عابدين لاحظ عدم أداء ضباط البوليس الحربي التحية العسكرية، وعندما نزل من سيارته داخل القصر فوجئ بالصاغ حسين عرفة من البوليس الحربي ومعه ضابطان و١٠ جنود يحملون الرشاشات يحيطون به، فصرخ في وجه حسين عرفة طالباً منه الابتعاد حتي لا يتعرض جنوده للقتال مع جنود الحرس الجمهوري، فاستجاب له ضباط وجنود البوليس الحربي . لاحظ نجيب وجود ضابطين من البوليس الحربي يتبعانه أثناء صعوده إلي مكتبه نهرهما فقالا له إن لديهما أوامر بالدخول من الأميرالاي حسن كمال، كبير الياوران، فاتصل هاتفياً بجمال عبدالناصر ليشرح له ما حدث، فأجابه عبدالناصر بأنه سيرسل عبد الحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة ليعالج الموقف بطريقته .

وجاءه عبد الحكيم عامر وقال له في خجل " أن مجلس قيادة الثورة قرر إعفاءكم من منصب رئاسة الجمهورية "فرد عليهم في شجاعة "أنا لا أستقيل الآن لأني بذلك سأصبح مسئولا عن ضياع السودان أما أذا كان الأمر إقالة فمرحبا" .. وأقسم اللواء عبد الحكيم عامر أن إقامته في فيلا زينب الوكيل لن تزيد عن بضعة أيام ليعود بعدها إلي بيته, لكنه لم يخرج من الفيلا طوال 30 عاما .

خرج محمد نجيب من مكتبه في هدوء وصمت حاملا المصحف مع حسن إبراهيم (ضابط) في سيارة إلي معتقل المرج . وحزن علي الطريقة التي خرج بها فلم تؤدي له التحية العسكرية ولم يطلق البروجي لتحيته , وقارن بين وداعه للملك فاروق الذي أطلق له 21 طلقة وبين طريقة وداعه .

فعندما وصل إلي فيلا زينب الوكيل بضاحية المرج بدأ يذوق من ألوان العذاب مما لا يستطيع أن يوصف, فقد سارع الضباط والعساكر بقطف ثمار البرتقال واليوسفي من الحديقه .. وحملوا من داخل الفيلا كل ما بها من أثاث وسجاجيد ولوحات وتحف وتركوها عارية الأرض والجدران, وكما صادروا أثاث فيلا زينب الوكيل صادروا أوراق اللواء نجيب وتحفه ونياشينه ونقوده التي كانت في بيته.. ومنعه تماماً من الخروج أو من مقابلة أياً من كان حتى عائلته .

أصبح سجينا في فيلا المرج , وأقيمت حول الفيلا حراسة مشددة , كان علي من في البيت ألا يخرج منه من الغروب إلي الشروق , وكان عليهم أن يغلقوا النوافذ في عز الصيف تجنبا للصداع الذي يسببه الجنود , اعتاد الجنود أن يطلقوا الرصاص في منتصف الليل وفي الفجر , كانوا يؤخرون عربة نقل الأولاد إلي المدرسة فيصلون إليهم متأخرين ولا تصل العربة إليهم في المدرسة إلا بعد مدة طويلة من انصراف كل من المدرسة فيعودون إلي المنزل مرهقين غير قادرين علي المذاكرة .

أثناء‏ العدوان الثلاثي ‏علي‏ مصر عام ‏1956 تم نقله ‏من‏ ‏معتقل‏ ‏المرج‏ ‏إلي‏ مدينة طما في سوهاج ‏بصعيد‏ مصر ‏وقيل‏ ‏إنه‏ ‏كان‏ ‏من‏ ‏المقرر‏ ‏قتله‏ ‏في‏ ‏حاله‏ ‏دخول‏ ‏الإنجليز‏ ‏القاهرة‏ ‏‏‏وذلك‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏سرت‏ ‏إشاعه‏ ‏قوية‏ ‏تقول‏ ‏إن‏ ‏إنجلترا‏ ‏ستسقط‏ ‏بعض‏ ‏جنود‏ ‏المظلات‏ ‏علي‏ ‏فيلا زينب‏ ‏الوكيل في‏ ‏المرج‏ ‏لاختطاف‏ ‏محمد نجيب‏ ‏وإعادة‏ ‏فرضه‏ ‏رئيسا‏ ‏للجمهورية‏ ‏من‏ ‏جديد‏ ‏بدلا‏ ‏من‏ ‏الرئيس‏ جمال عبدالناصر ولكن بعد فشل العدوان تم إعادته الى معتقل المرج . وجري التنكيل به حتي إن أحد الحراس ضربه علي صدره، كتب الرئيس نجيب عن ذلك في مذكراته: «يومها هانت علي الدنيا.. فقررت أن أضرب عن الطعام».

وأثناء نكسة 1967 ارسل برقية للرئيس جمال عبدالناصر يطلب منه السماح له بالخروج في صفوف الجيش بأسم مستعار الا انه لم يتلق أى رد منه. وظل علي هذا الحال حتي تم إطلاق سراحه بواسطة الرئيس السادات في عام 1974 عقب الإنتصار الذي تحقق في حرب اكتوبر1973. ورغم هذا ظل السادات يتجاهله تماما كما تجاهله باقي أعضاء مجلس قيادة الثورة .

كانت غرفته في فيلا المرج مهملة بها سرير متواضع يكاد يختفي من كثرة الكتب الموضوعة عليه، وكان يقضي معظم أوقاته في هذه الحجرة يداوم علي قراءة الكتب المختلفة في شتي أنواع العلوم، خاصة الطب والفلك والتاريخ، ويقول محمد نجيب: «هذا ما تبقي لي، فخلال الثلاثين سنة الماضية لم يكن أمامي إلا أن أصلي أو أقرأ القرآن أو أتصفح الكتب المختلفة».

بتاريخ 21 أبريل1983 وفي عهد الرئيس حسني مبارك، تقرر تخصيص فيلا في حي القبة بمنطقة قصر القبة بالقاهرة لإقامة محمد نجيب، بعدما صار مهدداً بالطرد من قصر زينب الوكيل نتيجة لحكم المحكمة لمصلحة ورثتها الذين كانوا يطالبون بالقصر، وهو القصر الذي عاش فيه لمدة 29 سنة منها 17 سنة وهو معتقل .

كانت سلوى محمد نجيب طوال سنوات الإقامة الجبرية في المرج تربية القطط والكلاب .. واعتبر القطط والكلاب أكثر وفاءا من البشر واحتفظ نجيب بصورة نادرة لكلبه ترقد علي جنبها وترضع منها قطة فقدت أمها,, وهذه الصورة كما قال نجيب دليل علي أن الحيوانات أكثر ليونة ورقة في التخلص من شراستها من البشر .

يقول محمد نجيب : ( لقد كان هؤلاء الأصدقاء الأوفياء سلوى وحدتي في سنوات الوحدة تلك السنوات المرة التي وصلت فيها درجة الإفتراء الى حد إشاعة خبر وفاتي وقد سمعت هذا الخبر بأذني من إذاعات العالم .. وقرأته بعيني في كتاب ضباط الجيش في السياسه والمجتمع والذي وضعه كاتب إسرائيلي يدعى اليزير بيير ( أن محمد نجيب توفي عام 1966 !!! ) .

وحينما توفي أحد كلابه دفنه في الحديقة وكتب علي شاهد القبر : هنا يرقد أعز أصدقائي, , فقد اكتوي من الثورة بينما لم يرتكب الرجل جريمة يستحق عليها أن يعامل بمثل هذه المعاملة, وكثيرا ما كان يردد : ماذا جنيت لكي يفعلوا بي كل هذا ؟.

أبنائه

كان علي إبن محمد نجيب يدرس في المانيا وكان له نشاط واسع ضد اليهود هناك كان يقيم المهرجانات التي يدافع فيها عن مصر والثورة وعن حق الفلسطينيين ولم يعجب هذا الكلام , المخابرات المصرية الذين رأوا في نشاطه إحياء للكلام عن أبيه وفي ليلة كان يوصل زميلا له فإذا بعربة جيب بها ثلاثة رجال وامرأة تهجم عليه وتحاول قتله , وعندما هرب جرت وراءه السيارة وحشرته بينها وبين الحائط نزل الرجال الثلاث وأخذوا يضربونه حتي خارت قواه ونزف حتي الموت , ونقل جثمانه إلي مصر فطلب اللواء نجيب ان يخرج من معتقله ليستقبل نعش ابنه ويشارك في دفنه لكنهم رفضوا كان هذا في عام 1968 .

ولم يسلم فاروق الابن الثاني لنجيب من نفس المصير , فقد استفزه احد المخبرين الذين كانوا يتابعونه وقال له :
ماذا فعل أبوك للثورة .. لا شئ .. أنه لم يكن أكثر من خيال مآتة ديكور واجهة لا أكثر ولا اقل .

فلم يتحمل فاروق هذا الكلام وضرب المخبر , ويومها لم ينم فاروق في البيت فقد دخل ليمان طره وبقي هناك خمسة أشهر ونصف خرج بعدها محطما منهارا ومريضا بالقلب وبعد فترة قليلة مات .

أما الابن الثالث يوسف فقد كان أكثر حظا, فقد صدر قرار جمهوري بفصله من إحدي شركات الدولة فعمل سائقا في شركة المقاولون العرب بالإسكندرية في الصباح وعلي تاكسي أجرة اشتراه بالتقسيط في المساء .
وفاته

المشهد الأخير للواء أركان حرب محمد نجيب شهدته أروقة مستشفىالمعادي العسكري بالقاهرة، حيث لم يكن يعاني من أمراض خطيرة، لكنها كانت أمراض الشيخوخة. وعن اليوم الأخير، يقول ابن أخته اللواء حسن سالم: "كان يتحدث بشكل عادي ولكن ببطء وفجأة شعر بتعب ورفع يديه إلى السماء ثم أنزلهما ببطء ومال برأسه قليلا نحو الأرض واسلم الروح بسلام". رحل محمد نجيب بتاريخ 29 أغسطس1984 وفي هدوء بعدما كتب مذكراته شملها كتابه المعنون: كنت رئيساً لمصر، في شهادته للتاريخ، ويُشهد له أن كتابه خلا من أي اتهام لأي ممن عزلوه .

وعلى الرغم من رغبة محمد نجيب في وصيته أن يدفن في السودان، إلا أنه دفن في مصر في جنازة عسكرية مهيبة، وحمل جثمانه على عربة مدفع، وقد تقدم الجنازة الرئيس المصري حسني مبارك شخصيا وأعضاء مجلس قيادة الثورة الباقين على قيد الحياة لتطوى صفحة رجل قاد أهم نقطة تحول في تاريخمصر الحديث .
مؤلفاته

كنت رئيسا لمصر ( مذكرات محمد نجيب )
كلمتي للتاريخ .
مصير مصر .
رسالة من السودان .

 

 


الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس