عرض مشاركة واحدة

قديم 11-04-09, 05:08 PM

  رقم المشاركة : 33
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

ساتر ترابي يفصل جرود عكار عن الأراضي السورية والجرارات تعبره بلا رقيب (الحلقة السابعة)
«الشرق الأوسط» على الحدود اللبنانية السورية: الحديث عن تهريب الممنوعات... «ممنوع» * التقاط الصور في المناطق الحدودية يتم خلسة.. خوفا من «المساءلة» * بعد انتهاء معارك مخيم نهر البارد توقف تهريب البشر عبر معابر عكار
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةمرحلة من مراحل التهريب على ظهر الدواب («الشرق الأوسط»)نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةالمازوت والترابة مادتا تهريب اساسيتان («الشرق الأوسط»)
بيروت: سناء الجاك
اما الحديث عن تهريب الممنوعات فيكتنفه الخوف. لا أحد يبوح بما يجري. لكن البعض يشير الى عنصر عادي في الجمارك او الامن العام يملك فيللا وعدة سيارات من طراز حديث. تلك هي الاشارات التي يجب ان نلتقطها. كما نلتقط معلومات أكثر عندما يقول احد العابرين بين الضفتين ان المنطقة تشهد بشكل شبه دائم اطلاق رصاص في الليل. يقول ابو معتز: «احيانا يتقاتل المهربون ويبدأ اطلاق الرصاص. فهم يسرقون بعضهم ويختلفون. وقد يرحلون عن سهلتهم (اي المكان الذي تتم فيه عمليه التهريب)». يقودنا الى جهة خالية على ضفة النهر ليؤكد مقولته. نجد مستودعات كبيرة فارغة الا من بقايا طعام وفرش وارض داكنة تشير الى تشربها بمادة المازوت. يضيف: «النسبة الاكبر من التهريب تمر حاليا من معبر شهيرة على العرموطة. هناك تمر البضائع المهربة قرب الهجانة. لا أحد يسأل».
لكن ماذا عن الممنوعات؟ يقول ابو رزوق: «انا لا شفت ولا سمعت. لكن أعرف ان طريق السلاح لا يحتاج الى هذا الاسلوب من التهريب. فالجسور الصغيرة على النهر تكفي للتهريبات الصغيرة. اما التهريبات الكبيرة فهي مؤمنة بطريقة افضل». يحكي لنا ابو رزوق عن تهريب السكر مثلا. يقول: «كنا نهرب السكر في شاحنات تنقل البطيخ. نخفيه تحت البطيخ. الباشا المسؤول عن الشاحنة يعرف قوة المخابرات الموجودة في سورية وقوة الجمارك اللبنانية. لا يضطر الى النزول من سيارته ليمشّي الحال. يأتون هم اليه». ويضيف: «نعرف بتهريب السلاح اذا تم القاء القبض على المهرب صدفة. مرة كشفت عملية تهريب في شاحنة تحمل جهاز عروس. كانت الاسلحة مخبأة داخل الفرش والاغطية الصوفية. كما ان كسر الحديد يسهّل إمرار السلاح. من يبعثر خردة حديد بدقة ليكتشف ما اخفي فيها؟». ويصر ابو رزوق على ان كشف تهريب السلاح لا يتم الا لدى حصول خلاف بين الجهات الرسمية والمهربين. يقول: «يتباخل المهرب قليلا، فيأكلها ويتربى».
القاطرة والمقطورة (شاحنة موصولة بمستوعب كبير) تستخدم ايضا في عمليات التهريب الكبيرة. يحكي ابو رزوق: «ذات مرة طلب الينا توضيب طحين في قاطرة ومقطورة. اكتشفنا ان فيها خزانين كبيرين مقفلين يحتلان نصفها الاسفل. لم نعرف ماذا يحتويان. اما النصف المكشوف فهو مكان تحميل الطحين. وضعنا الشوالات. وتم ختم الشاحنة بالرصاص. عندما وصلنا الى الحدود. طلب المسؤول على الحاجز من السائق ان ينزل الطحين ليفتش الشاحنة. استأذنه السائق لإجراء اتصال هاتفي. بعد قليل خرج زميل المسؤول وابلغه امرا بوجوب دخوله الى المركز ومن ثم أعطى الاذن للشاحنة بالمرور». عمليات تهريب المخدرات تتم أحيانا في الاطارات القديمة التي تنتقل بلا سبب بين ضفتي النهر. بيت شهيرة
* مرافقي اللبناني يحذر ابو رزوق من الوقوف الى جانبي وانا اسرق الصور. يقول له: «السوري الذي يرافق الصحافة تنتهي اخباره. انت دلنا على بيت شهيرة واجلس في زاوية ولا تطلع كثيرا». يوافقه أبو رزوق ويقول: «السوري يحب رغيف الخبز اكثر من اي شيء سواه. لكني اتألم عندما يتحدث أحد بالسوء عن بلدي. واصون نفسي بالتزام قاعدة: لسانك حصانك». ابو رزوق التزم هذه القاعدة عندما اكتشف ان نسبة غير قليلة من العاملين السوريين في حسبة سوق الخضار في طرابلس من الامن الجنائي في سورية». ابو رزوق لا يعتمد معبر شهيرة ليتسلل الى قريته في شمال سورية من دون دفع تكاليف بطاقة الدخول. يذهب الى سهلة اخرى تشرف عليها ام عمار المتزوجة من احد اقربائه. نكتشف ونحن نرافقه ان للنساء حصة لا بأس من من عمليات التهريب. فالهجانة قد يوقفون الرجل ويسجنوه اذا ضبطوه متلبسا بالتهريب. لكنهم لا يعترضون النساء الا استنادا على «دسّة»، فإذا تلقت عناصر الخابرات معلومات عن إمرأة تثير الارتياب يصار الى تفتيشها، لتسجن عندما يتبين انها تحمل ممنوعات. وغالبا ما يحصل هذا الامر جراء حزازات بين المهربين.
ام عمار لبنانية من وادي خالد. تقيم في ارض اسمها «عين فراش» عند ضفة النهر منذ عشر سنوات. تقول: «كانت خربة. شوي شوي مشي الشغل. وأصبحت شاحنات الباطون تأتي من شكا حيث معمل الترابة وتفرغ حمولتها هنا». حيث تقيم ام عمار لا كهرباء ولا ماء. الكهرباء بالمولد والماء من النهر والارض لأولاد خالتها. وهذه الشركات حولنا كلها لهم. هنا شركة خالد الحجي وشركة بيت ابو جاسم. الشركات هي المستودعات المخزنة فيها الترابة التي يتولى الجانب السوري تهريبها عبر النهر.
عندما يتوقف عمل التهريب تبيع ام عمار الخضار. تقول: «بعت اليوم شوية لوبياء». وتضيف: «اليوم حملة. وهذه الحملة تحوّش الناس حيالله (اي تؤدي الى القبض عليهم بشكل عشوائي). بعيد منتصف الليل ما سمعنا الا اطلاق رصاص وخطوط نار حمراء تكسر العتمة».
ما هي حكاية بيت شهيرة؟ تقول ام عمار: «شهيرة هي حرمة (إمرأة) كانت ماشية بأعمال التهريب. بيتها عند ضفة النهر. كانت تعترض طريق كل من يخالف شروطها وتمنعه من العمل. كذلك كانت تمنع دخول من ليس له عمل الى سهلتها. الحرمة كبرت في العمر وحجت الى بيت الله الحرام. استلم السهلة عنها اولادها وبقي اسمها مرتبطا بالمكان». اعمال عائلة شهيرة ازدهرت مع الوقت. أصبح زوجها سليمان الابراهيم صاحب شركة. بعد ان كانت شغلتهم الحمير. لا تصوريني تقول ام عمار وتضيف: «ما ان يأتي صحافي الى المكان، حتى تأتي الدولة في اليوم التالي وتعمل كبسة (مداهمة). ثم تأتي جرافة وترفع السواتر الترابية عند ضفة النهر. بعد يومين يعود المهربون بجرافة أخرى ويفتحون الطريق». ماذا عن التهريب الآخر يا أم عمار؟ يحاول ابو رزوق ان يشرح لها، فتقاطعه وتجيب: «فهمت عليها. كان المعبر يشهد تهريب جماعات من الناس. غالبا ما كانوا يمرون ليلا او عند الفجر. ترافقهم جماعة تسهل عبورهم. لولا ان بعضهم يتكلم مصري اي باللهجة المصرية لا نعرف انهم غرباء. كانوا يقولون انهم دفعوا ثلاثة آلاف دولار ليدخلوا الى لبنان. ناس توصل ناس. نسمع اصواتا ونحاول الكلام معهم لا يجيبون. الآن توقف مرور الناس. وتحديدا بعد حرب مخيم نهر البارد. ألقى الأهالي القبض على ثلاثة سعوديين كانوا يتسللون وسلموهم الى السلطات اللبنانية. لم يعودوا يمروا. فأهل وادي خالد صاروا يتصدون لهذه الحركات والتفاجير (التفجيرات) بعد كل ما حصل. كل الذين ماتوا في العسكر خلال حرب البارد من هناك. الناس يحرصون على منع دخول اي غريب أكثر مما تحرص الدولة. قبل حرب المخيم كان تهريب البشر مزدهرا وفي حالة فوضى. بعد حرب المخيم صار الأخ يراقب أخاه. فقد كشفت محاولة تهريب عدد من اليمنيين في سيترن (مستوعب) المازوت. لكن الاهالي شعروا بحركة غير عادية داخله وانتبهوا الى عدم اقفال فوهته، فاكتشفوا الامر وقبضوا على المتسللين وسلموهم الى الامن».
عندما يخف التهريب تعمل ام عمار في حقول الذرة، وعندما ينشط التهريب «المشرّق» يبحث عن رزقه. «المشرّق» هو الذي يأتي من الشرق اي من سورية. لا خيار آخر غير العمل على ما يبدو. تضيف ام عمار: «من به مروة يعمل ويحمل الشوالات على ظهره. ومن لا مروة لدية يذبحه الجوع. لكن التهريب هنا على قد الحال لماذا لا تذهبون الى حنيدر وقرحة والمجدل؟ هناك عزوة (اي قوة) المشرّقين».
أم عمار لا تخاف الجيش أو التهريب او إطلاق الرصاص ليلا. تخاف النهر عندما يطوف في الشتاء.
على بعد بضع مئات من الامتار عن سهلة أم عمار تنشط حركة شفظ المازوت.
قرية قرحة او اللاحدود
* نسمع نصيحة ام عمار ونتوجه الى حيث اشارت. نتوغل في جرود عكار نبتعد اكثر من 100 كلم صعودا عن الساحل. وكلما توغلنا تشابكت الحدود بين الاراضي اللبنانية والاراضي والسورية. كذلك كلما توغلنا تغيرت صيغة الحركة. المكانة الابرز هنا للدراجات والجرارات الزراعية مع ان لا حقول في المنطقة. حنيدر يفصلها ساتر ترابي بسيط عن الاراضي السورية. يقول احد المواطنين: «لا تصدقي اذا قال احدهم ان لا تهريب هنا. لكن اهالي المنطقة لا يستفيدون منه. وحدها الجرارات السورية تعبر من دون حسيب او رقيب. وثلاثة ارباع جراراتنا واقفة. الجرارات السورية تدخل وتخرج وتقطع رزقنا. رحنا عند الدولة وطالبنا بضبط الوضع، فقالوا ان لا أوامر لديهم. وطلبوا الينا ان نمنعهم بأنفسنا. نحن لا نستطيع ذلك. تحصل مشاكل كبيرة اذا اعترضناهم، فيتربصون بنا ويعتدون علينا ولا احد يحمينا. الدولة قوية على الفاضي وعلى الفقير فقط».
هنا اضافة الى الترابة والدراجات مقابل المازوت ينشط تهريب المواشي. ايضا حركة البناء ناشطة في المكان. لا نعرف اين الحدود الرسمية. الدكاكين تضع اعلانات بأن لديها بطاقات تعبئة للخطوط الخلوية السورية. نصل الى قرية قرحة نسأل احد الاولاد عن المعبر الحدودي يجيبنا بلهجة اهل الهرمل في البقاع. نقترب اكثر نصادف شابا من آل عبيد. اللهجة البقاعية لها ما يبررها. اهالي قرحة هم من العشائر هربوا من الهرمل بعد مشكلة ثأر. واستقروا منذ 55 عاما في قرحة مع سكانها العلويين. يقول احدهم: «لكننا على علاقات اخوة مع عرب وادي خالد». ثم يستطرد: «نحن معارضة. الا ان هذا لا يمنع ان علاقات نسب وزواج تجمعنا بأهالي وادي خالد. بيننا دعوات وإفطارات واحتفالات وأعياد وافراح. لم يشهد اي بيت من بيوتنا خلافا مع عرب وادي خالد. لكن علاقتنا بالجانب السوري متينة ايضا. نتعالج في مستشفياتهم ونحضر الدواء من عندهم. في الجانب السوري ثلاث قرى شيعية قريبة. بيننا زواج من الشيعة والسنة في سورية ولكن لا زيجات بين الشيعة والعلويين».
يرفض ان يسمح لنا بالتصوير ويقول: «هنا منطقة حساسة. لا احد يرغب بالتعرض الى الاذى. عيون الدولة مفتحة علينا. هنا الضيعة تعتمد على الوظيفة في الجيش والدرك والتعليم وعلى التهريب. القرية تتسوق من سورية. كل شيء نحضره من هناك. الطحين الممتاز والمواد الغذائية. في دكاكيننا كل البضاعة سورية. الادوية ايضا سورية. الوصول الى الطبيب في سورية اقرب واسرع وافضل. لكننا نتعذب لإنجاز المعاملات. فالمختار علوي مقيم في الجهة السورية ونحن نذهب اليه لننجز المعاملات. العلويون اللبنانيون من اهالي قرحة يقيمون في سورية وينتخبون في لبنان. اذا رزقنا بولد، علينا ان ننتظر اسبوعا او اكثر لنسجله. نذهب الى المختار في سورية وننتظر حتى يأتي الى لبنان ويقصد مركز وزارة الداخلية في المنطقة ويسجل لنا اولادنا».
نسبة العلويين في حرقة تبلغ حوالي 60/%. كانوا يعملون فلاحين عند الاغوات (الاقطاعيين) اخذوا جنسية لبنانية ايام الانتداب الفرنسي. بعضهم يعمل في التدريس والبعض الآخر في الجيش ويأتون يوميا الى مراكز عملهم ثم يعودون الى بيوتهم في سورية.
نقترب اكثر من الحدود على رغم نصائح الشاب بالابتعاد حتى لا نثير غضب المهربين. نكتشف بعد دخولنا طريقا غير معبدة بأن الحدود الترابية واسعة وممتدة وخارجة عن اي رقابة او حراسة بما يكفي لدخول كتيبة جيش.
في قرحة يكفي ان يطل غريب ليصبح تحت المراقبة فورا. تلحقه دراجة نارية اينما توجه، تماما كما هي الحال في مناطق سيطرة «حزب الله». السيارات والدراجات وكل ما يخطر بالبال يعبر من سورية الى لبنان من دون أي مانع. شاهدنا شاحنة تعبر من سورية. حمولتها كانت داخل مستوعب مقفل. لحقنا بالشاحنة، حتى وصلت الى طريق فرعية ترابية فدخلتها. اما القوة المشتركة الموجودة في مركز بعيد نسبيا عن الحدود فهي في خبر كان.
حتى ارقام الهاتف على اللافتات سورية تبدأ بـ095 و096. لماذا؟ يوضح احد الشباب بأن الاهالي يستخدمون خطوطا هاتفية سورية، ثابتة ومحمولة، يقول: «الخط السوري افضل من الخط اللبناني وارخص ويسمح بأيام سماح أكثر».
شاب آخر كان يلحق بنا اينما توجهنا في القرية على دراجة نارية. يستوقفنا ويسألنا ماذا نفعل. نشرح له اننا نقوم بتحقيق عن المناطق الحدودية. فيقول مشيرا الى الجهة السورية: «والله العظيم ان الخير من هون». اي الخير يأتي من هنا. ويضيف: «نحن ندخل ونخرج ولا احد يسألنا من اين اتينا. يكفي ان نحترم انفسنا لنعامل باحترام. يعالجونا ويقدمون لنا الدواء مجانا». نسأله اذا كانت المعاملة هذه تشمل جميع اللبنانيين، فيجيب: «انا لبناني لكن موقفي حيادي تجاه ما يجري بين لبنان وسورية. لكن لنضع انفسنا مكان السوريين. هل اسمح لمن يسبّني بأن يدخل بيتي؟».
الشاب الذي يتحفظ عن اسمه وان قال انه ايضا من آل عبيد يضيف: «اسم ابني حافظ، تيمنا بالرئيس السوري حافظ الاسد. علاقتي بالدولة اللبنانية غير جيدة. عبرتم الطريق غير المعبدة والوعرة جدا الى القرية. الدولة لا تعرفنا ولا تحضر الا لتغريم من يخالف في البناء. اذا سألنا احد النواب ان يهتم بنا يقول: مش طالع بإيدي». يشدد الرجل على «ان شعب وادي خالد متمدنون وغير طائفيين. هم بأكثريتهم من السنة. ويقول ان مشكلة حصلت قبل فترة وكان اهالي قرحة مسؤولين عنه. وحضرت القوى الامنية لقمع الاشكال، فسارع أهالي حنيدر الينا ليطيبوا خاطرنا». ويشدد على ان هذه المنطقة لا علاقة لها بلبنان من قريب او بعيد. «انا بعثي ابا عن جد ولكني على علاقة جيدة بتيار المستقبل في المنطقة». نغادر المنطقة ونعود ادراجنا بعيون جديدة. يلفت نظرنا احد المتاجر. يحمل اسم «السوق السوداء».

 

 


   

رد مع اقتباس