عرض مشاركة واحدة

قديم 06-10-09, 11:28 AM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
المنتصر
مشرف عام

الصورة الرمزية المنتصر

إحصائية العضو





المنتصر غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي مكافحة "الإرهاب" الدولي



 

مكافحة "الإرهاب" الدولي



المقدمة.
يعد العنف بمختلف مظاهره من أقدم الظواهر المتأصلة في المجتمعات الإنسانية التي يعتبر الصراع أحد أهم سماتها، وقد تعاظمت ظاهرة العنف هاته في المجتمع الدولي والعلاقات الدولية بشكل ملفت، المنظمات التي تمارسها.سواء من حيث مظاهرها أو على مستوى النطاق الذي تجرى فيه أو بالنسبة لعدد

ورغم الجهود الداخلية والدولية الكبيرة والمهمة التي بذلت للحد من هذه الظاهرة التي أرقت بال الحكام والشعوب إلا أنها لم تأت بنتائج مريحة، وما تنامي الحروب والعمليات الإرهابية في الفضاء الدولي والداخلي إلا دليل على ذلك.

وتعد ظاهرة الإرهاب مظهرا من مظاهر العنف الذي يتفشى في المجتمعات الدولية أو في المجتمع الداخلي, وعلى الرغم من تنامي خطورة هذه الظاهرة التي لا يختلف بشأنها اثنان، فإن وضع تعريف دقيق وقار لها واجهته عدة صعوبات ومشاكل تحكمها الخلفيات الإيديولوجية والمصلحية والمذهبية سواء بالنسبة للباحثين أو المفكرين وكذا بالنسبة للدول التي حاولت مقاربة هذه الظاهرة، وهذا طبعا ما سيثير عدة إشكالات وصعوبات عند تصنيف الإرهاب أو عند تحديد إطار قانوني واتفاقي لمكافحته.

أولا: الإقرار الدولي بمخاطر الإرهاب.

تعاظمت مخاطر الإرهاب بشكل ملفت خلال العقود الثلاثة الأخيرة، فبعدما كانت العمليات الإرهابية تتم وفق أساليب تقليدية وتخلف ضحايا وخسائر محدودة في الفئات والمنشآت المستهدفة, أصبحت تتم بطرق بالغة الدقة والتطور مستفيدة من التكنولوجيا الحديثة وأضحت تخلف خسائر جسيمة تكاد تعادل خسائر الحروب النظامية سواء في الأرواح أو الممتلكات والمنشآت…

فحتى وقت قريب كانت العمليات الإرهابية عادة ما تستهدف اختطاف الطائرات المدنية أو اختطاف الأفراد وأخذ الرهائن واحتجازهم (شخصيات بارزة، ديبلوماسيين وحتى أفراد عاديين) وكذا إلقاء القنابل وزرع المتفجرات التي لا تحتاج لمهارات . لكن مخاطرها الآن تصاعدت تبعا لتطور الوسائل المستخدمة والفئات والمنشآت المستهدفة، فقد أصبحت الجماعات الإرهابية تستغل كل ما من شأنه أن يمكنها من تنفيذ عملياتها ولو على حساب الأبرياء، وشهدنا مؤخرا مظهرا جديدا لهذه العمليات التي تم خلالها تحويل طائرات مدنية في الجو من أداة لنقل ركاب عزل إلى ما يشبه صواريخ موجهة نحو أهداف حساسة وهو ما خلف عددا كبيرا من الضحايا المتميزين وخسائر اقتصادية ومالية أصابت كل دول العالم وخسائر معنوية جسيمة تجلت في سيادة جو من الهلع والترقب وعدم الطمأنينة في كل بقاع العالم.

مظهر جديد لهذه العمليات نرى أنه أضحى يتزايد بشكل مطرد بدوره أيضا, وهو المرتبط بتدمير المعلومات من خلال شبكات الاتصال الدولية، فقد أصبح بإمكان جماعات أو أشخاص تحركهم دوافع سياسية وحتى شخصية, بل وبإمكان مراهقين تحركهم اندفاعيتهم وفضولهم وهم داخل غرفهم ومكاتبهم وأمام حواسيبهم, تدمير معلومات وبرامج ضخمة لكبريات الشركات والمؤسسات الوطنية والدولية البعيدة عنهم كل البعد, بعدما أصبح العالم عبارة عن قرية صغيرة بفعل تطور وسائل الاتصال وتدفق الأخبار من خلال الطريق السيار للمعلومات. مما ينتج عنه خسائر مالية وخدماتية كبيرة في ظرف زمني قصير, وهلع وخوف كبيرين في أوساط مالكي هذه البرامج والمؤسسات.

وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي طرح اكثر من سؤال حول مصير ترسانته النووية وقد زادت التخوفات بشأن هذه الترسانة بعدما أضحى من السهل حصول بعض الجماعات على هذه الأسلحة من الأسواق السوداء في ظل المشاكل والإكراهات الاقتصادية والاجتماعية التي رافقت التحولات في روسيا عقب هذا الإنهيار وما صاحبها أيضا من أوضاع صعبة لفئة كبيرة من العلماء في هذا الشأن, بالشكل الذي قد يجعلهم لا يصمدون أمام الإغراءات المالية لهذه الجماعات مقابل تمكينهم من معلومات هامة بهذا الخصوص.

ومؤخرا ظهرت أيضا مظاهر جديدة لهذه العمليات تجلت في الرسائل المجرثمة وخاصة بالجمرة الخبيثة التي خلفت بدورها خسائر محدودة في الأرواح بأمريكا ومظاهر من الفزع والخوف في كل أرجاء العالم, حقيقة أن استعمال الأسلحة البيولوجية التي تسبب وباء الجدري والطاعون والكوليرا وشلل الأطفال والكلب ومختلف الإعاقات، قديم، حتى أنه استخدم في القرن الرابع عشر الميلادي عندما كانت بعض الجيوش تحاصر المدن وتقذف بالمنجنيق جثث المصابين بالطاعون او الجدري وكذا بعض النباتات الملوثة من فوق سور المدينة بقصد نشر الوباء داخل صفوف العدو(1), كما استعملت في الحرب العالمية الأولى والثانية, وقد اتهم النظام العراقي باستخدامها ضد الأكراد في أواخر الثمانينيات…

لكن مخاطر استخدامه من قبل أشخاص وقوى غير نظامية وبوسائل مستحدثة أصبح يخيم على الساحة الدولية بشكل ملح و كبير خاصة وأن العديد من الدول كالولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، الصين، روسيا تمتلكه فيما يعتقد أن دولا أخرى مثل: كوبا، العراق، ليبيا تمتلكه أيضا رغم وجود اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية لعام 1979 الموقعة بجنيف التي تمنع إنتاج أو امتلاك أو استخدام هذه الأسلحة, حيث وقعت عليها لحد الآن 143 دولة. نفس المخاطر أيضا يمكن أن تنتج عن المواد الكيماوية السامة.

وخلاصة القول أن مخاطر الإرهاب الدولي تصاعدت وشكلت هاجسا بالنسبة للحكام كما الشعوب ومحورا مهما في خطاب المجتمع الدولي بدون استثناء.

ثانيا: تعدد مفاهيم وتعاريف ظاهرة الإرهاب.

منذ بداية القرن الماضي وموضوع الإرهاب كظاهرة عنيفة يحظى باهتمام المفكرين والفقهاء ورجال السياسة ويشكل محورا أساسيا لعدة لقاءات ومؤتمرات دولية (مؤتمر بروكسيل لسنة 1926 وكوبنهاجن لسنة 1936). غير أن مجمل المحاولات التي تمت في هذا الصدد من أجل صياغة مفهوم محدد ودقيق للظاهرة، انتهت بفشل نسبي جراء اعتمادها على صيغ شمولية فضفاضة ومتباينة أحيانا.

إن الإرهاب كلمة قديمة، ففي المعجم الوسيط، هو وصف يطلق على الذين يسلكون سبل العنف لتحقيق أهدافهم السياسية، ومنه ما يقوم به بعض الأفراد والجماعات والدول بالقتل وإلقاء المتفجرات والتخريب. وعلى مستوى التأصيل الفقهي للظاهرة، فقد بدأ استخدام كلمة إرهاب (Terrorism) في نهاية القرن الثامن عشر للتعبير بشكل أساسي عن أعمال العنف التي تقوم بها الحكومات لضمان خضوع الشعوب لها، ثم تطور الأمر وأصبحت الكلمة تطلق بشكل أساسي على إرهاب التجزئة الذي يقوم به أفراد أو جماعات (2 ).

في حين هناك من يعتبر أفعالا محدودة عملا إرهابيا من قبيل إلقاء القنابل واختطاف الطائرات والأفراد واحتجازهم كرهائن إلى غير ذلك من أشكال الاعتداء على الأرواح والأموال والممتلكات العامة أو الخاصة بالمخالفة لأحكام القانون الدولي العام لأسباب سياسية أو بهدف الحصول على فدية (3).

أما الأستاذ أدونيس العكرة فيعتبره بمثابة "منهج نزاع عنيف يرمي الفاعل بمقتضاه وبواسطة الرهبة الناجمة عن العنف إلى تغليب رأيه السياسي أو إلى فرض سيطرته على المجتمع أو الدولة من أجل المحافظة على علاقات اجتماعية عامة أو من أجل تغييرها وتدميرها" (4).

أما الأستاذ عصام رمضان فيعرفه ب: "استخدام أو التهديد باستخدام العنف ضد أفراد ويعرض للخطر أرواحا بشرية بريئة أو يودي بها أو تهديد الحريات الأساسية للأفراد لأغراض سياسية بهدف التأثير على موقف أو سلوك مجموعة مستهدفة بغض النظر عن الضحايا المباشرين" (5).

أما على صعيد المؤتمرات العالمية وجهود المنظمات الإقليمية والدولية، نجد أن المؤتمر الدولي الذي عقدته عصبة الأمم في 1937 والذي تمخضت عنه اتفاقية دولية لقمع ومنع الإرهاب, اعتبر الإرهاب هو تلك الأعمال الإجرامية الموجهة ضد دولة ويكون هدفها أو من شأنها إثارة الفزع والرعب لدى شخصيات معينة أو لدى جماعات من الناس أو لدى الجمهور.

أما الميثاق الأوربي لقمع الإرهاب لسنة 1977 فنص في مادته الأولى على نزع الصفة السياسية عن مجموعة من الجرائم التي اعتبرها بمثابة عمل إرهابي.

وبخصوص منظمة الأمم المتحدة، فبعد أن قررت منذ 1979 إنشاء لجنة خاصة بالإرهاب توزعت عنها ثلاث لجان إحداها تكلفت بوضع تعريف للإرهاب الدولي، عجزت هذه الأخيرة في مهمتها بعد سنوات وذلك بفعل تباين المواقف بين الدول، وخاصة بين تلك التي تميز بين الإرهاب الفردي وإرهاب الدولة، وبين الإرهاب والنضال الشرعي ضد المحتل (6).

وخلال اجتماع لوزراء الخارجية بالاتحاد الأوربي في هولندا لبحث أهم القضايا المرتبطة بخطط مكافحة الإرهاب بتاريخ 16-11-2001، قدمت بلجيكا صيغة مشروع لتعريف هــذه الظاهرة حددتها في: "مختلف الأفعال الإجرامية التي ترتكب بنية الإرهاب الجسيم للعامة بهدف إجبار سلطة مثل دولة أو منظمة دولية على التصرف على نحو معين أو بهدف تدمير هياكل دولة أو مجتمع أو منظمة دولية" (7).

ومن خلال ما سبق يمكن القول أن الإرهاب هو استعمال منظم للعنف بشتى مظاهره المادية والمعنوية بشكل يثير الرعب والخوف ويخلف خسائر جسيمة في الفئات والمنشآت والآليات المستهدفة بغية تحقيق أهداف سياسية أو شخصية بالشكل الذي يتنافى وقواعد القانون الداخلي والدولي.

ثالثا: العنف الإرهابي المحرم والعنف النضالي المشروع.

إن غياب تعريف موحد ودقيق متداول بين الفقهاء وبين أعضاء الجماعة الدولية للإرهاب، يدفعنا إلى تسليط المزيد من الضوء على هذه الظاهرة من خلال التطرق لأهم التصنيفات المتضاربة حولها.

تتعدد وتتنوع أصناف وأوجه الإرهاب بتعدد وتنوع المدى والنطاق والأطراف والفاعلين والطبيعة والأهداف المرتبطة بهذه الظاهرة.

ولذلك يمكن القول بداية بأن محاولة الإحاطة بكل صوره ومظاهره صعبة للغاية بالنسبة لأي باحث، ومع ذلك هناك محاولات لتصنيفه من قبيل ما قام به الأستاذ عبد الناصر حريز(8) حيث حدد مجموعة من المعايير التي تمكن من التمييز بين أنماطه، فتبعا للمعيار التاريخي يمكن التمييز بين إرهاب الماضي والإرهاب المعاصر، وعلى مستوى الطبيعة هناك الإرهاب الثوري المميز عن الإرهاب الرجعي وبين الانفصالي والانتحاري الذي يضحي من خلاله الفاعل بنفسه وهو يقدم على عمله والذي يعتمد على المتفجرات ويستهدف أماكن آهلة بالأشخاص كالأسواق ومنشآت عامة، والإرهاب الفكري الذي يهدف إلى سلب الفرد معنوياته وتوازنه.

ووفقا لمعيار النطاق يتم التمييز بين الإرهاب المحلي والإرهاب الدولي، فالأول تتم ممارسته داخل حدود دولة معينة من قبل أفراد أو قوى محلية لا تحصل على مساعدات أو دعم خارجي ويكون ضحاياه محليون في الغالب. وللإشارة فهذا النوع من الإرهاب لا يثير مشاكل دولية، خاصة وأنه يخضع للاختصاص القضائي الجنائي الداخلي. أما الصنف الثاني فيستمد صفته الدولية هاته من اختلاف وتباين جنسيات المشاركين في العمليات واختلاف جنسيات ضحاياه وتنوع مدى نطاقه الذي لا يخضع بالضرورة لسيادة الدولة التي ينتمي إليها الجاني أو الجناة, ناهيك عن نتائجه الدولية (خطف الطائرات، تفجيرات…) وغالبا ما يتم ذلك بتحريض أو بدعم من جهات أجنبية، وعلى خلاف النمط الأول، فهذا النوع من الإرهاب لا يخضع للاختصاص القضائي الداخلي وإنما تحكمه مقتضيات الاتفاقيات والمعاهدات الدولية…

ووفقا لمعيار الفاعلين يتم التمييز بين الإرهاب الفردي وإرهاب الدولة. وبالنظر إلى أهمية هذا التصنيف الأخير وخاصة في ارتباطه بالكفاح المشروع ضد المحتل سنحاول التركيز عليه بنوع من التفصيل.

يقصد بالإهاب الفردي: "ذلك الإرهاب الذي يرتكبه عادة أشخاص سواء بشكل فردي أو تنظيم جماعي وعادة ما يوجه ضد نظام أو دولة أو حتى ضد فكرة الدولة عموما، وهو إرهاب منتشر ومستمر ومتنوع في أهدافه ووسائله" (9).

أما إرهاب الدولة، فهو: "تلك الأعمال الإرهابية التي تقودها الدولة من خلال مجموع الأعمال والسياسات الحكومية التي تستهدف نشر الرعب بين المواطنين لإخضاعهم داخليا أو في الخارج بهدف تحقيق الأهداف التي لا تستطيع الدولة ولا تتمكن من تحقيقها بالوسائل المشروعة"(10).

أما الدكتور إسماعيل الغزال فيرى بأن إرهاب الدولة أو الإرهاب الرسمي كما يطلق عليه: "يقصد منه تخويف المعارضة وإجبارها على طاعة الحكومة أو إرهاب تقوم به دولة وتمارسه ضد نظام أو شعب يسعى للتحرر والتخلص من الاستغلال والسيطرة الخارجية" (11).

وفي مستهل تقديمه لكتابه "قراصنة وأباطرة " يذكر ناعوم تشومسكي مثالا طريفا ومهما يقارب هذا التصنيف مفاده أن القديس أوغسطين يروي حكاية قرصان وقع بين يدي الإسكندر العظيم، وحين سأله هذا الأخير: كيف تجرؤ على ممارسة المضايقات في البحر؟ يجيب القرصان قائلا: كيف تجرؤ على مضايقة العالم بأسره؟ لأني أفعلها بسفينة صغيرة فقط يقال بأنني لص، وحين تفعلها بأسطول كبير يقال بأنك إمبراطور (12).

وفي نفس إطار هذا التصنيف، يميز الأستاذ أدونيس العكرة بين إرهاب الضعفاء وإرهاب الأقوياء ويؤكد على أن "المثير في الواقع السياسي الدولي هو أن أصابع الاتهام والتجريم تدل دائما على إرهاب الضعفاء، أي المقهورين ومهضومي الحقوق، ولكن الإرهاب النووي يحتجز اليوم كرهائن جميع سكان العالم لدى مالكي هذا السلاح… فهل يعني هذا أن سارق الحقل بطل وسارق الرغيف مجرم؟"(13) ويضيف بأن إرهاب المقهورين يولد من إرهاب القاهرين.

أما الدكتور إبراهيم أبراش فيفضل استعمال مسميات أخرى للدلالة على نفس الصنفين، فيسمى إرهاب الأفراد بالعنف الآتي من أسفل ويسمي إرهاب الدولة بالعنف الآتي من أعلى ويعتبر أن الأول يمارسه الأفراد وبعض المنظمات وغالبا ما تكون مظاهره وأخطاره محدودة، أما الثاني فهو أخطر أشكال الإرهاب الدولي لأنه أداة لسيادة الدولة والعدوان والبطش والسيطرة والتدخل في الشؤون الداخلية للدول(14). وهذا النمط الأخير من الإرهاب الذي تشرف عليه الحكومات يتم على مستويين: داخلي من خلال منظمات الدولة أو مجموعات إرهابية تنشئها لهذا الخصوص بغرض إرهاب المجتمع ككل أو جزء منه للقضاء على المعارضة وضمان استمرار النظام السائد, وخارجي من خلال إرسال الدولة لمجموعات إرهابية لاغتيال بعض معارضيها في الخارج مثلا أو تخريب منشآت دولة أخرى بشكل مباشر أو من خلال تقديم مساعدات مالية وتسهيلات وتدريبات ومعلومات وجوازات وتأشيرات مرور لجماعات معينة بغية تحقيق الأهداف المتوخاة.

ويعتقد الأستاذ إسماعيل الغزال أن الفقه الغربي ركز جل اهتمامه على إرهاب المنظمات (أي الإرهاب الفردي) أو ما يسمونه بالإرهاب الثوري الذي تقوم به حركات التحرر الوطني… وتغاضوا عن إرهاب الدول الإمبريالية (15), ونعتقد أن موقف الفقه الغربي هذا لا يثير الدهشة ما دام يتماشى ويعكس مواقف الحكومات الغربية ذاتها والتي لا تقر بشرعية الأعمال التي تنهجها حركات التحرر في العالم, وتغض الطرف عما تمارسه أجهزتها (الدول الغربية) من زجر وإرهاب في حق الشعوب والدول المستضعفة، من خلال عمليات عسكرية مباشرة أو ضغوطات سياسية متباينة أو إكراهات اقتصادية قهرية من قبيل استنزاف خيراتها وثرواتها عن طريق الديون أو من خلال الشركات الكبرى أو تجميد الأموال المشتبه في علاقتها بالإرهاب وهي طريقة قديمة راجت مؤخرا بشكل كبير كوسيلة "إرهابية" في مواجهة الإرهاب.

ومن مظاهر الإرهاب الرسمي الذي يمارس في حق الدول الضعيفة نذكر على سبيل المثال: ضرب إسرائيل للبنان سنة 1982 وقصفها للمفاعل النووي العراقي (تموز) عام 1981 وقصفها لمقر منظمة التحرير الفلسطينية بتونس سنة 1985. وضرب جنوب إفريقيا لكل من زامبيا وزيمبابوي وبوستوانا سنوات حكم النظام العنصري, وضرب الولايات المتحدة الأمريكية ليبيا سنة 1986 وهو المشكل الذي كان بالإمكان مواجهته بوسائل أخرى غير العمليات العسكرية (16). وإسقاطها لطائرة إيرانية سنة 1988 وقصف السودان سنة 1998، و عمليات فرنسا ضد تشاد سنة 1983…

ومعلوم أن الدول التي تقوم بمثل هذه الأعمال غالبا ما تبرر سلوكها هذا بحق الدفاع الشرعي في مواجهة الإرهاب أو لرد الاعتداء…

وقد يصعب على البعض أحيانا التمييز بين الكفاح المسلح المشروع ضد المحتل وبين الإرهاب باعتبارهما مظهرين من مظاهر العنف السياسي المنظم، لكن الفرق بينهما واضح وكبير.

فالكفاح المسلح أو ما يسمى بالمقاومة الشعبية والحركات التحررية هو سلوك يحمل قدرا من العنف في مواجهة المستعمر من أجل تحقيق الاستقلال والتحرر من الإمبريالية، وتختلف مظاهره بين ما هو فردي أو جماعي، مباشر أو غير مباشر، مسلح أو غير مسلح، ويرى البعض أن: "الطابع الشعبي والدافع الوطني وعنصر القوى التي تجري ضدها عمليات المقاومة هي العناصر الأساسية والمرتكزات التي تميز الكفاح المشروع عن غيره من أعمال العنف ولا سيما الإرهاب" (17)، وهو ما لا يتوافر في الإرهاب مطلقا، ويستمد هذا الشكل المميز من العنف مشروعيته الدولية من مبادئ الثورتين الفرنسية والأمريكية ومبدأ مونرو ومن قواعد ومبادئ القانون الدولي الإنساني التي تؤكد على حماية أفراد المقاومة الشعبية المسلحة والتي تجسدها اتفاقية جنيف ومؤتمر فيينا ومبادئ وميثاق الأمم المتحدة التي تؤكد على شرعية تقرير المصير والحق في الدفاع الشرعي الجماعي والفردي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر بتاريخ 10-12-1948 هذا إضافة إلى ما ذهب إليه الفقه الدولي في غالبيته باعتبار هذا العمل مشروعا.

 

 


 

المنتصر

يقول احد القادة القدماء وهويخاطب جنوده . ( اذا لم تكونوا مستعدين للقتال من أجل ما تروه عزيزاً عليكم , فسوف يأخذه أحد ما عاجلا أو اَجلا , واذا كنتم تفضلوا السلام على الحرية فسوف تخسرونهما معاً , واذا كنتم تفضلوا الراحة والرخاء والسلام على العدل والحرية فسوف تخسروهما جميعا ) .

   

رد مع اقتباس