عرض مشاركة واحدة

قديم 08-04-09, 10:21 AM

  رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

لقد كان العراق خلال الثمانينات يقف موقف العداوة الشرسة من ايران التي كانت وقتها في قبضة النظام الديني. وحينها كان المسؤولون الاميركيون ينظرون الى بغداد باعتبارها القلعة الحصينة في وجه التطرف الشيعي. وكان ذلك كافيا لجعل صدام حليفا استراتيجيا، وكان مبررا قويا بالنسبة للدبلوماسيين الاميركيين في بغداد ليتحدثوا عن القوات العراقية باعتبارها تمثل «قوات الاخيار» التي تحارب «قوات الاشرار» التي كانت تمثلها القوات الايرانية. وتوضح مراجعة آلاف الوثائق الحكومية السرية التي نشرت اخيرا والمقابلات مع صناع القرار السابقين، بما لا يدع مجالا للشك ان الاستخبارات الاميركية لعبت دورا حاسما في دعم القوات العراقية في وجه الهجمات الانتحارية التي كانت تقوم بها «الموجات البشرية» الايرانية. وقد قررت ادارتا ريجان وجورج بوش الاب، بيع العراق معدات كثيرة ذات استخدام مزدوج، مدني-عسكري، ومن ضمنها المواد الكيماوية السامة والفيروسات القاتلة مثل الجمرة الخبيثة وجراثيم الطاعون.
وما تزال هناك خلافات في الرأي بين خبراء الشرق الاوسط والمسؤولين الحكوميين السابقين، حول اسباب الانعطاف الاميركي نحو العراق، وما اذا كان من الممكن ان تلعب واشنطن دورا اكبر في حجب تقنيات صناعة اسلحة الدمار الشامل عن بغداد. وقال كينيث بولاك، المحلل العسكري السابق مع وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي ايه» ومؤلف كتاب « نذر العاصفة» : « كان ذلك خطأ بشعا، ولكننا الآن اعدنا الامور الى نصابها. كنت واصدقائي المحللين بوكالة الاستخبارات المركزية، نحذر من التعامل مع صدام باعتباره شخصية بشعة، وكنا في عراك دائم مع وزارة الخارجية». ويدعو بولاك في كتابه المذكور الى شن الحرب ضد العراق.
ويقول ديفيد نيوتن، السفير الاميركي السابق في بغداد الذي يدير حاليا اذاعة معادية لصدام من براغ، بالجمهورية التشيكية: «كانت تلك سياسة مبررة في عمومها. كان يهمنا الا يفقد العراق حربه ضد ايران، لان ذلك كان سيهدد الخليج. وكان أملنا ان تصبح حكومة صدام على المدى الطويل اقل ميلا للقمع، واكثر شعورا بالمسؤولية». ويقول الخبراء في شؤون الشرق الاوسط، ان ما يجعل صدام اليوم مختلفا عن صدام الثمانينات، هو تراجع الثورة الايرانية وغزو صدام للكويت عام 1990، مما حول الحاكم العراقي، بين عشية وضحاها، من حليف الى عدو مقيت. يضاف الى ذلك ان الولايات المتحدة نفسها قد تغيرت. فبعد هجمات 11 سبتمبر(ايلول) 2001 على نيويورك وواشنطن، صار صناع القرار اكثر شعورا بالخطر الذي تمثله اسلحة الدمار الشامل وانتشارها. عندما بدأت الحرب العراقية الايرانية في سبتمبر (ايلول) 1980، كانت الولايات المتحدة تجلس على مقاعد المتفرجين، اذ لم تكن تربطها علاقات دبلوماسية لا بايران ولا بالعراق. ولم يكن المسؤولون الاميركيون يتعاطفون مع النسخة العراقية من القومية العربية التي يدعو لها صدام حسين، الا بقدر تعاطفهم مع النسخة الايرانية من الاصولية الاسلامية التي كان يمثلها آية الله الخميني. وطالما بقيت الحرب سجالا بين الدولتين، دون ان تتغلب احداهما على الاخرى، فان مسؤولا اميركيا واحدا لن يدعو للتدخل. ولكن الصورة الاستراتيجية تغيرت تغيرا كليا بحلول صيف عام 1982، فقد تحول العراق بعد المكاسب التي حققها في البداية الى الموقف الدفاعي، وتقدمت القوات الايرانية لتقف على بعد عدة اميال من البصرة، المدينة العراقية الثانية. وكانت تقارير الاستخبارات الاميركية تشير الى ان الايرانيين ربما يحققون اختراقا هاما من خلال البصرة، مما يمثل خطرا حقيقيا على الكويت وعلى دول الخليج وهذا كله يمثل تهديدا مباشرا لامدادات اميركا النفطية.
وقال هوارد تايشر، المسؤول السابق بمجلس الامن القومي، والذي كان يعمل في مجال السياسة العراقية اثناء ادارة ريجان: «يجب استيعاب الموقف الاستراتيجي وقتها، وقد كان موقفا مختلفا جدا عما نحن فيه الآن. وكانت السياسة الواقعية تقتضينا ان نمنع الموقف من ان يتدهور اكثر مما كان عليه». وفي محاولتها لمنع سقوط النظام العراقي، كانت ادارة ريجان توفر معلومات استخبارية للعراقيين حول اوضاع القوات الايرانية، وكانت تفعل ذلك في بعض الاحيان من خلال اطراف ثالثة.
لقد حدث الانعطاف الاميركي نحو العراق بموجب توجيه رئاسي حول الامن القومي صدر يوم 26 نوفمبر (تشرين الثاني) 1983، ويحمل الرقم 114، وهو احد اهم القرارات الخاصة بالسياسة الخارجية التي اصدرتها ادارة ريجان وما يزال سريا. ولكن مسؤولين سابقين كباراً يقولون ان ذلك القرار نص على ان الولايات المتحدة «ستفعل كلما تراه ضروريا وقانونيا» للحيلولة دون خسارة العراق للحرب مع ايران. وصدر القرار الرئاسي وسط خضم من التقارير التي تشير الى ان القوات العراقية لجأت الى استخدام الاسلحة الكيماوية لصد الهجوم الايراني. من الناحية النظرية كانت واشنطن تعارض معارضة شديدة استخدام الاسلحة الكيماوية التي حرمتها اتفاقيات جنيف عام .1925 ولكن من الناحية العملية كانت ادانة استخدام العراق للاسلحة الكيماوية من الاولويات المتدنية في اهتمامات الادارة الاميركية، وخاصة بالمقارنة مع الهدف الاكبر وهو منع النصر الايراني. وهكذا، وفي مثل تلك الاجواء، وفي الاول من نوفمبر(تشرين الثاني) 1983، قام موظف كبير بوزارة الخارجية هو جوناثان هاو، باخطار وزير الخارجية جورج شولتز، بأن التقارير الاستخبارية تشير الى ان القوات العراقية «تستخدم الاسلحة الكيماوية على اساس يومي تقريبا» ضد الايرانيين. ولكن ادارة ريجان كانت وقتها قد تورطت في التزامات ضخمة، دبلوماسية وسياسية، تجاه بغداد، وذلك من خلال عدة زيارات قام بها رامسفيلد، المبعوث الخاص الذي كان الرئيس قد عينه وقتها للشرق الاوسط.

 

 


   

رد مع اقتباس