الموضوع: تاريخ سوريا
عرض مشاركة واحدة

قديم 15-04-09, 12:17 PM

  رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
جيفارا
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

يمكننا أن نلاحظ أن الفريقين الموجودين على رأس السلطة في دمشق وبغداد ينتميان لكتل تكونت داخل الجيش والحزب، وهي في واقعها كتل طائفية أو عشائرية (مثل) كتلة "التكارتة" في العراق.. لقد قفز كل من حكام دمشق وبغداد إلى السلطة عبر انقلاب عسكري يعتمد على تحالف كتل عشائرية أو طائفية في الجيش . وفي مقالاتهم الموجهة ضد الأسد لم يذكر أنصار جديد البعثيون أن مراكز سلطتهم السابقة في سورية كانت أيضاً معتمدة على الكتل الطائفية والعشائرية والإقليمية في القوات المسلحة وفي الحزب. وبعد انقلابه في نوفمبر (تشرين الثاني) 1970 حاول حافظ الأسد وضع حد لعزلة سوريا السياسية في العالم العربي والتي كانت قد زادت حدتها في الفترة منذ 23 فبراير (شباط) 1966. فقد سعى إلى التقارب مع "دول المواجهة" –مصر والأردن- وكذلك مع الدول الأكثر محافظة مثل السعودية، وذلك بقصد بناء جبهة عسكرية وسياسية موحدة ضد إسرائيل. أما جديد وحلفاؤه فقد سبق لهم أن رفضوا أي تعاون جاد مع مصر التي يحكمها الرئيس جمال عبد الناصر ومع الدول الأكثر محافظة، بحجة أن التقدميين هم وحدهم القادرون على كسب الصراع النهائي ضد إسرائيل. وقد أظهرت سياسة الأسد الجديدة المتمركزة على التعاون العربي نتائج حاسمة في حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، حيث استطاعت القوات المسلحة المصرية والسورية تنسيق جهودهما العسكرية بشكل فعال ضد إسرائيل. وتوحي التطورات الواردة في هذا الكتاب بوجود علاقة ارتباط واضحة بين الاستقرار السياسي ودرجة التشرذم الطائفي والإقليمي والعشائري داخل نخبة السلطة السياسية: فكلما أظهرت الجماعات المعنية تبايناً عظيماً كانت النتيجة انعدام الاستقرار السياسي. إن فترة الاستقرار الطويلة نسبياً التي تمتعت بها سورية منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 1970 يمكن أن تعزى إلى حد كبير لعدم تقويض الانضباط العسكري والحزبي حينذاك بالشكل الذي كانت الأوضاع عليه فيما سبق، بسبب الانقسام الطائفي والإقليمي والعشائري، بجانب أنه لم يبق سوى جماعة واحدة من الضباط العلويين ، ألا وهي جماعة حافظ الأسد، الذي تقلد زمام السلطة العليا واستطاع أن يفرض إرادته على الآخرين. إن التأثير الهدام الذي يمكن أن يفرضه الشقاق الحزبي على الانضباط العسكري قد بدا واضحاً من خلال الإنجازات التي حققتها القوات المسلحة السورية: ففي حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 كانت الإنجازات أفضل بكثير منها في يونيو (حزيران) 1967 عندما تأثر سلك الضباط وتنظيم حزب البعث بتشكيلات طائفية وإقليمية وعشائرية.
وفي عام 1976 تم تقويض مركز حافظ الأسد بصورة خطيرة لأول مرة منذ قيام "حركته التصحيحية" في نوفمبر (تشرين الثاني) 1970، والسبب الرئيسي في ذلك يرجع إلى إصداره الأوامر للجيش السوري بالتدخل في الحرب الأهلية اللبنانية. وقد دارت هذه الحرب التي أخذت في الاشتعال تارة والخمود تارة أخرى منذ إبريل (نيسان) 1975 بين الأحزاب السياسية اليمينية اللبنانية المتكونة أساساً من المسيحيين الموارنة وبين الأحزاب السياسية اليسارية التي كان معظم أتباعها من الطوائف الإسلامية المتعددة والتي دعمت عسكرياً في مرحلة لاحقة من قبل المنظمات الفدائية الفلسطينية. وقد تدخل الأسد في المعارك اللبنانية بغية الوصول إلى وضع يمكن فيه استخدام الوسائل الدستورية والشرعية لتحقيق تسوية سلمية بين الأطراف المتنازعة. بيد أن هذه المحاولة قد باءت بالفشل: فقد تصاعدت حدة المعارك بشكل لم يكن متوقعاً على الإطلاق وتورط السوريون في البداية في مواجهة عسكرية عنيفة مع الفدائيين الفلسطينيين ومليشيات اليسار اللبنانية، وهم الحلفاء التقليديون لنظام البعث السوري . وقد كان لهذا الجانب بالذات تأثير مزعج على وضع الأسد داخل البلاد، وارتفعت أصوات المعارضة القوية ضد تدخله في لبنان، وبعد اكتشاف وإحباط مؤامرات لإسقاط النظام القائم ذكر أن هناك العديد من الاعتقالات قد تمت داخل القوات المسلحة والجهاز المدني لحزب البعث . وعقب التدخل العسكري السوري في لبنان وقعت سلسلة من الاغتيالات السياسية والهجمات على قادة حزب البعث في سوريا. ولم يكن واضحاً حينذاك ما إذا كانت تلك الأحداث وليدة معارضة سياسية داخلية ضد التدخل العسكري السوري في لبنان مثلاً، أو نتيجة المنافسة بين نظامي البعث الحاكمين في كل من بغداد وسوريا، أو ما إذا كان حتى المقصود بذلك هو إثارة "الانقسامات الطائفية". وعلى أية حال فمن الملاحظ أن معظم الذين تم اغتيالهم كانوا من العلويين . واتهمت إذاعة دمشق ما أسمته بـ "الزمرة الفاشية العشائرية التكريتية" الحاكمة في بغداد بتدبير تلك الاغتيالات .
أما المصادر المعارضة لسوريا فقد أعزت الجهود المبذولة للإطاحة بنظام الأسد، ليس فقط لدوافع سياسية، بل أيضاً للاستيلاء المزعوم ضد الهيمنة العلوية في سورية. فعلى سبيل المثال، في 26 إبريل (نيسان) 1976 ادعت إذاعة القاهرة أن ما سمي بالانقلاب الفاشل الذي قام به الضباط السوريون في بداية ذلك العام يمكن نسبته بصورة كبير إلى ما أسمته بـ"التمرد الذي قام به ضباط الصف والجنود في حزب البعث ضد قيادة الحزب لفرضها سلطة الطائفة العلوية الدينية على البلاد . وفي بث آخر في 5 يونيو (حزيران) 1976 وصفت إذاعة القاهرة نظام حافظ أسد في مصطلح دعائي بأنه "نظام البعث السوري العلوي". وفي مارس (لآذار) 1978 ذهب الرئيس المصري أنور السادات –الذي انتقد بشدة من قبل سوريا لقيامه بزيارة إسرائيل في نوفمبر (تشرين الثاني) 1977، ولبدئه المباحثات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجين – إلى حد التصريح بأن نظام البعث في سوريا كان " أولاً علوياً وثانياً بعثياً وثالثاً سورياً " . وعلى نقيض ما يمكن استخلاصه من كل هذه الدعاية الطائفية فإن المعارضة الأكثر خطورة على نظام حافظ الأسد كان من الممكن أن تأتي أولاً من قبل الضباط التابعين للطائفة العلوية، ثم من قبل الآخرين. وفي عام 1977 ساهم تطور آخر لمجرى الأمور في سوريا في تدهور مركز الأسد، ففي 18 أغسطس (آب) 1977 – ربما على أمل استعادة بعض الاعتبار الذي فقده نظامه إثر تدخله في لبنان- أعلن الأسد تكوين لجنة للتحقيق في الكسب غير المشروع "للتحقيق في جرائم الرشوة وبسط النفوذ والاختلاس واستغلال المناصب والمكاسب غير المشروعة" . ويبدو أن ما كان مقصوداً بهذه الحملة ضد الفساد هو تبديد السخط الشعبي ضد سبل معالجة الحكومة للسياسة الاقتصادية وضد الفساد المتفشي في البيروقراطية الحكومية والقطاع العام. وحقيقة، كانت الحملة محكوماً عليها بالإخفاق منذ البداية، حيث أن بعض الضباط العسكريين من ذوي المناصب العليا –وهم من الحاشية المباشرة للرئيس حافظ الأسد والذين كانوا يشكلون لب جماعته من الضباط– قد وجدوا مذنبين بالتورط في ممارسات الفساد. وتصفية هؤلاء الضباط من الجيش أو اتخاذ إجراءات تأديبية صارمة ضدهم كان من الممكن أن يقوض مركز قوة جماعة الأسد بشكل مباشر، وبالتالي النظام ككل. لذلك، كان من المحبذ عدم التعرض بالإساءة لمراكز أبرز الضباط، ونتيجة لهذا، فقد تمت المخاطرة بمصداقية النظام في تدبير الحملة ضد الفساد. وتعرض هيبته للضرر مرة أخرى. ويمكن أن نستنتج أن الفشل الذي منيت به الحملة ضد الفساد يعتبر مثالاً آخر للمأزق الذي وجد النظام البعثي السوري نفسه فيه مراراً وتكراراً منذ استيلائه على السلطة في عام 1963. ويرجع ذلك لبنية لب نخبة القوى السياسية: أي الحزب السياسي أو إحدى جماعاته التي رغم إتباعها أيديولوجية معينة لإبعاد الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية، إلا أنها وجدت نفسها مضطرة إلى حد ما للرجوع لتلك الولاءات التقليدية عندما تقلدت زمام السلطة، حتى لا تفقد القوة المطلوبة لتحقيق أيديولوجيتها. وأصبحت المشكلة تدور في حلقة مفرغة: فمن ناحية نجد أن السلطة كانت ضرورية لتنفيذ التغيرات الاجتماعية الجذرية اللازمة، وما تستتبعه مع قمع للولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية، ومن ناحية أخرى نجد أن الاحتفاظ بالسلطة كان يستتبعه الاعتماد على تلك الولاءات وبالتالي إعاقة قمعها

 

 


   

رد مع اقتباس