عرض مشاركة واحدة

قديم 07-09-09, 08:03 AM

  رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
المنتصر
مشرف عام

الصورة الرمزية المنتصر

إحصائية العضو





المنتصر غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

(السياسي) و(الاقتصادي)

ثم نأتي إلى دور (السياسي) و(الاقتصادي) في تشكيل محيط للتكامل الاقتصادي: المثال العربي في مقابل المثال الأوربي:
لقد طرح قيام الاتحاد الأوربي مسألة محورية, من الناحيتين النظرية والعملية, هي مسألة العلاقة بين (السياسي) و(الاقتصادي) ودور كل منهما في تشكيل محيط التكامل الاقتصادي. فكيف تحققت إدارة هذه العلاقة في الإطار الأوربي? وأي مسار سلكته في المحيط العربي?

1- الاتحاد الأوربي: النموذج وأبرز إشكالياته:
يشير تقويم تجربة التكامل الأوربية, إلى أن هذه الأخيرة انطلقت أساسا من دوافع ومتطلبات اقتصادية, في الوقت الذي كان المجال السياسي الأوربي على امتداد عقود, بل قرون, موضع نزاعات قومية وعرقية ودينية ولغوية. فقد أملى قيام نظام القطبين على أوربا, خصوصا بعد الحرب العالمية الثانية, العمل على لملمة شتاتها وجمع صفوفها, بالرغم من الانقسامات السياسية الحادة التي كانت تعمل في أحشاء هذه القارة القديمة, وطغى الطابع الاقتصادي على عملية الجمع واللملمة هذه, في بداياتها الأولى, على ما عداه من جوانب. وانطوت هذه التجربة على دروس بالغة الدلالة, وأهمها إمكان التقدم على طريق التنسيق والتعاون والوحدة الاقتصادية, من دون أن يكون تقدم مماثل ومواز قد تحقق على المستوى السياسي. مع ذلك لم يكن التقدم في مجال التكامل الاقتصادي ممكنا لو لم يرفده حد أدنى من التفاهم السياسي. فقد انطوت قرارات التكامل الاقتصادي الكبيرة على تكاليف وتضحيات ومنافع شملت البلدان الأوربية وشرائحها الاجتماعية وقطاعاتها الاقتصادية المختلفة, وإن بنسب متفاوتة, وما كانت مثل هذه التكاليف والتضحيات لتتجسد لو لم يكن هناك حد أدنى من الاستعداد السياسي والاجتماعي لتحملها واستيعاب أعبائها.

وفي المحصلة النهائية وبمعزل عن غلبة الدوافع الاقتصادية على الدوافع السياسية, أفضت التجربة الأوربية إلى نجاحات على غير صعيد: معدلات نمو مرتفعة نسبيا, ارتفاع قياسي في حجم المبادلات البينية وتدفقات السلع والخدمات ورءوس الأموال واليد العاملة, تقسيم عمل يغلب عليه التوازن والتكامل واستهداف النشاطات ذات القيمة المضافة العالية, تحسن حثيث في الأوضاع المعيشية ونوعية الحياة, احترام عام للمعايير البيئية, ميل للتخصيص الأمثل للموارد لا على صعيد البلد الواحد فقط, بل على مستوى بلدان الاتحاد الأوربي كافة, وغير ذلك من المؤشرات. والأهم من ذلك, أن هذا النموذج التكاملي الأوربي قد هيأ بلدان القارة, باكرا, لتقبل واستيعاب اتجاهات العولمة التي اتسعت مفاعيلها وتنوعت في العقد الأخير من القرن المنصرم. وهذا ما أتاح للاتحاد الأوربي أن يصبح فاعلا ومؤثرا في ظاهرة العولمة, ومنكبا على تعظيم منفعته منها, بدلا من أن يكون مجرد متلق لها ومنفعل بها, ولا هم له سوى التكيف معها والحد من خسائرها. وهذا الاستنتاج يبقى قائما, مع الإقرار باستمرار هيمنة الولايات المتحدة - حتى إشعار آخر - على آليات تلك الظاهرة ومحدداتها ومنافعها, على المستويين السياسي والاقتصادي على حد سواء. فأوربا تأتي في المقام الثاني على هذا الصعيد ولكن مستقبل المنافسة والتسابق يبقى مفتوحا على آفاق واسعة.

2- أين العالم العربي?
ثمة فارق جوهري بين حال بلدان الاتحاد الأوربي وحال البلدان العربية, البلدان الأولى أنجزت, بشكل عام, (ثورتها) على الإقطاع, بأشكاله المختلفة, ودخلت منذ قرن أو قرنين في مدار النمو الرأسمالي وآليات السوق وتصنيع الاقتصاد وبناء الدولة - الراعية ومؤسساتها وما يتفرع عنها من حقوق وواجبات مجتمعية وفردية. أما البلدان العربية فإن انتقالها من الإقطاعية إلى الرأسمالية, سيطر عليه الطابع الهجين والمعاق: ففي بعض الحالات ارتدى هذا الانتقال طابع التحول من اقتصاد البداوة إلى (اقتصاد الريع) المستتر خلف أشكال مصطنعة من الحداثة, وفي حالات أخرى ارتدى الانتقال طابع التحول من أشكال جنينية للنمو الرأسمالي إلى أنواع من (الاقتصاد الدولتي). وفي كلتا الحالتين غابت (الثورة) الصناعية, وما يتفرع عنها من نشاطات خدمية (نبيلة) وذات قيمة مضافة عالية.

وبشكل عام لم يجر بناء اقتصادات عربية متدامجة وتقسيم عمل قائم على التنوع والإنتاجية, فبدت حركة التشابك بين القطاعات هزيلة وحركة المبادلات البينية بين الدول العربية أكثر هزالة, وغلبت على الاقتصادات سمات متماثلة يصعب, موضوعيا, تكاملها, ولم تشيد مؤسسات ذكية وكفؤة لرفد عملية التعاون والتنسيق والتكامل الاقتصادي بين الدول المختلفة.
وفي معظم الحالات لم تترجم المرتكزات القاعدية للديمقراطية إلى واقع حي وممارسات, بالرغم مما حفلت به دساتير بلدان المنطقة من شعارات عامة حول حقوق الإنسان ودولة القانون والمؤسسات والشفافية والمساءلة.

لقد شكلت التجزئة السياسية عقبة أساسية أمام تبلور مشروع تكاملي عربي حقيقي. وإذ تتحمل الدول الاستعمارية جزءا مهما من مسئولية التسبب بهذه التجزئة وتعميقها, فإن قسطا أكبر من المسئولية يقع, ربما, على بلدان المنطقة نفسها. وفي أقل تقدير, فشلت البلدان العربية - حيث نجحت دول الاتحاد الأوربي - في ترسيخ قدر من الاستقلالية النسبية في تعاملها مع الموضوع الاقتصادي (المعبر عن مصالح وحاجات مشتركة تخص مروحة واسعة من القوى الاجتماعية العربية) إزاء واقع التجزئة والتخلف السياسي.

هذا ما يجعل الاقتصادات العربية تعاني, راهنا, أشكالا متنوعة من التردي الاقتصادي والاجتماعي, تراجعا في معدلات النمو وانخفاضا في نصيب الفرد من الناتج, انتشارا في أنواع البطالة كافة, ارتفاعا في حجم المديونية والعجوزات الخارجية, استفحالا في مؤشرات عدم المساواة, تضخما غير مبرر في الإنفاق العسكري الذي لا يستخدم في معظمه إلا لأغراض داخلية, تبديد الثروات النفطية عبر التفنن في أشكال التبذير والإنفاق المظهري لدى الفئات الطفيلية المتغذية من بنيات السلطة والحكم, تعاظما في هجرة الموارد المتاحة من خبرات ورءوس أموال, وغير ذلك من أشكال التردي.
ما العمل?

الخلاصة.
فيما ينزع العالم - عبر كتله السياسية والاقتصادية الرئيسية - نحو المزيد من الانفتاح والتكامل والتوسع, وينزع العالم العربي نحو تكريس لحالة التشتت والانقسام, تبرز الحاجة إلى بلورة اتجاهات كلية لمعالجة مكامن الوهن والضعف في الجسم العربي المريض. وتتطلب الرؤية المستقبلية, في هذا المضمار, الكثير من الإبداع والعلم, والجرأة والخيال, ومن منظار هذه الرؤية, ينبغي تعبئة الجهود والموارد في الاتجاهات الأساسية التالية:

أولا: إطلاق إصلاح سياسي يشمل الأنظمة وقوانين التمثيل ويكرس الممارسة الديمقراطية والحريات, على أنواعها, بالتزامن مع إصلاح اقتصادي يؤسس لإعادة النظر في تقسيم العمل والتخصصات القطاعية, مستلهما استثمار الميزات النسبية القائمة والكامنة, وحفز الإنتاجية والقيمة المضافة وتوطين عائدات النفط, وتعميم الخدمة العامة وتحقيق قدر أكبر من العدالة الاجتماعية.

ثانيا: التوجه - على قاعدة هذا الإصلاح السياسي - نحو بلورة شبكات النشاطات والمصالح التي تعزز ارتباط وتداخل اقتصادات المنطقة, مع استعداد مسبق لتحمل تبعات التضحية ببعض جزر المصالح الضيقة, المعلنة منها والمستترة, التي تستظل بها بعض المجموعات والقوى الاجتماعية الطفيلية في هذا البلد أو ذاك, على غرار ما قامت عليه التجربة الأوربية. وهذا ما يفترض تحقيقه عبر معالجة المعوقات والعراقيل التي تكبح الاتجاه نحو التكامل والتي سبقت الإشارة إليها, ليس فقط في مجال التجارة البينية للسلع والخدمات, بل كذلك في مجال تعزيز الربط بين شبكات البنى التحتية وتنسيق السياسات الكلية والمالية والضريبية والقطاعية وتصحيح التشوهات في الأسعار والأجور والتعريفات الجمركية. فمثل هذه المقاربات من شأنها التمهيد أمام التجسيد الملموس والتدريجي لأشكال التكامل الكامنة والقائمة على المصالح المشتركة, من أبسطها (مناطق التجارة الحرة الثنائية والمتعددة الأطراف) إلى أكثرها تعقيدا (الاتحاد الجمركي, الاتحاد الاقتصادي, الوحدة الاقتصادية)... مع الإشارة إلى أن بلدان المنطقة تتميز عن بلدان أوربا بما يجمعها من وحدة انتماء وتاريخ ولغة وتطلعات.

ثالثا: تحويل هذا المحيط التكاملي المنشود إلى محاور وشريك حقيقي في شبكة توازنات القوى الاقتصادية والسياسية الدولية, وتوظيفه - بعد تعبئة موارده وحفز قدراته التنافسية - في عملية انتزاع المزيد من التنازلات السياسية والاقتصادية من نظام العلاقات الاقتصادية المعولم, والمستقطب راهنا بشكل شبه أحادي. إذ ذاك لا تعود المسألة المطروحة أمام العرب: كيف الدخول إلى العولمة والتكيف معها?, بل تصبح: كيف يشارك العرب - عبر تعاونهم وتكاملهم الاقتصادي - بفعالية أكبر في إدارة العولمة وزيادة حساب الربح منها مقابل لجم حساب الخسارة?

 

 


المنتصر

يقول احد القادة القدماء وهويخاطب جنوده . ( اذا لم تكونوا مستعدين للقتال من أجل ما تروه عزيزاً عليكم , فسوف يأخذه أحد ما عاجلا أو اَجلا , واذا كنتم تفضلوا السلام على الحرية فسوف تخسرونهما معاً , واذا كنتم تفضلوا الراحة والرخاء والسلام على العدل والحرية فسوف تخسروهما جميعا ) .

   

رد مع اقتباس