عرض مشاركة واحدة

قديم 04-09-09, 12:09 PM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
سعد الدين الشاذلي
مشرف قسم القوات البرية

الصورة الرمزية سعد الدين الشاذلي

إحصائية العضو





سعد الدين الشاذلي غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي البحر الأحمر بين القرصنة والتدويل



 

البحر الأحمر بين القرصنة والتدويل

استشرت أعمال القرصنة في ا لمياه المحاذية للساحل الصومالي خلال العام المنصرم، وطبقاً لما أعلنه مبعوث الأمم المتحدة الخاص للصومال فقد: "تمت مهاجمة (32) سفينة خلال شهري نوفمبر وديسمبر 2007م، وتم اختطاف (12) منها بنجاح ، وأن القراصنة حصلوا خلال عام 2008م على فديً تزيد قيمتها على (120) مليون دولار"، وهذا مما يؤكّد أن القرصنة قد تزايدت بدرجة أصبحت تهدد التجارة العالمية، وتنذر بأوخم العواقب على الأمن البحري في المنطقة ، الأمر الذي يحمل على التساؤل عن مستقبل المنطقة في ظل القرارات الأممية التي تعطي الدول حق استخدام كافة السبل المتاحة لمكافحة القرصنة، وإرسال القوى الدولية الفاعلة قوات بحرية لمراقبة حركة الملاحة فيها.

هذه المقالة تسعى لفهم ما آلت إليه المنطقة بين أعمال القرصنة وممارسات التدويل، وبيان مخاطر ذلك على أمن الدول العربية المطلة على البحر الأحمر.

أولاً : القرصنة بين الواقع والفنون والقانون


1. القرصنة .

تعود أعمال القرصنة إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة، ويبدو أن كلمة قرصان قد استخدمت في عام 140 ق.م من جانب المؤرخ الروماني (بوليبيوس)، أما المؤرخ اليوناني (بلوتارك) فقد ذكرها في حوالي عام مئة بعد الميلاد ليعبّر عن أقدم تعريف واضح للقرصنة؛ فقد وصف القراصنة بأنهم أولئك الأشخاص الذين يهاجمون بدون سلطة قانونية، ليس فقط السفن ولكن المدن الساحلية أيضاً. ولقد وٌُصفت القرصنة لأول مرة في عدد من الأعمال الأدبية القديمة، ومن بينها (الإلياذة، والأوديسا). كما انتشر في العصور الوسطى في انجلترا معنى آخر للقراصنة هو أنهم من لصوص البحر، وظهر تعريف كلمة قرصان المعاصرة في القرن الثامن عشر الميلادي، وهو تعريف وصف القراصنة بأنهم أشخاص خارجون على القانون.(1)

ولا يذكر الأمريكيون القرصنة إلاّ ويذكرون الساحل البربري، إشارة إلى اشتباكات عنيفة بين أمريكيين وقراصنة ذُكر أنهم من البربر في شمال إفريقيا قبل أكثر من مئتي عام، ويظل قراصنة البحر الكاريبي هم أشهر القراصة. ومع زيادة السفن التجارية وتطور تكنولوجيا الاتصالات ودوريات الحراسة في معظم الطرق الرئيسة على المحيطات وقوة الإدارة المنظّمة لمعظم الجزر والمناطق البحرية في العالم، واعتبار القرصنة عمل من أعمال الاعتداء، كل ذلك أدى إلى حدوث تراجع كبير في حجم القرصنة في القرن التاسع عشر، لكنها عادت في القرن العشرين في أماكن مثل بحر الصين الجنوبي، وتطورت عمليات اختطاف السفن لتأخذ شكلاً جديداً من أشكال القرصنة، ويعيد التاريخ نفسه الآن، فالعالم كله يعتمد كثيراً على طرقه البحرية، لكن ليس هناك وسائل حماية موحدة ضد أولئك القراصنة بالرغم من المعاهدات الدولية (2).

2. القرصنة والفنون

عندما ظهرت سلسلة أفلام (قراصنة الكاريبي)، ونجحت نجاحاً باهراً محققة في أجزائها الأربعة إيرادات من أعلى ما تحقق في تاريخ السينما العالمية وذلك بخلاف جائزة الأوسكار، وأكثر من سبعين جائزة أخرى متنوعة لم يكن المفهوم السائد عن هذه النوعية من الأفلام سوى أنها أفلام تاريخية أو خيالية، باعتبار أن جريمة القرصنة وعالم القرصنة أمور تنتمي إلى العصور القديمة والوسطى وحتى عصر النهضة، ولا صلة بينها وبين عصرنا الحاضر سوى ما تنتجه (هوليود) عنها من أفلام تحمل صورة القرصان الأعور ذي الساق الواحدة واليد الخشبية ذات الخطاف، وهو يقود رجاله في سفينة شراعية قديمة ذات صف من المدافع، وعليها علم أسود تتوسطه جمجمة، فعلى عكس هذه الفكرة السائدة لم تنقرض جريمة القرصنة تماماً في القرن الماضي، بل استمرت ولكن بصورة ضعيفة ومنقطعة، ثم ازدادت بحدة في مطلع القرن الحادي والعشرين حتى أن تقرير المكتب البحري الدولي بيَّن أنه في النصف الأول فقط من عام 2004م قُتل أكثر من (20) بحاراً خلال عمليات قرصنة صغيرة زادت على (182) حادثاً تركز أغلبها أمام نيجيريا، والفيليبين، وبنجلاديش، وهي مناطق فقيرة أو غير مستقرة نوعاً ما(3).

إلى أن عادت الظاهرة مرة أخرى خلال تسعينيات القرن الماضي، وفي الآونة الأخيرة تصاعدت حوادث القرصنة، وبخاصة في المحيط الهندي، وخليج عدن، وبطول السواحل الصومالية، فبعد أن كانت أعمال القرصنة مقصورة على اختطاف واحتجاز سفن الصيد تحوّلت إلى السطو المسلح على الناقلات العملاقة، وكانت أكبر الغنائم التي حصلوا عليها سفينة أوكرانية متجهة إلى ميناء (مومباسا الكيني) وعلى متنها شحنة من الدبابات والأسلحة، أما الغنيمة الكبرى الثانية فهي ناقلة النفط السعودية (سيريوس ستار) في 15-11-2008م، وتمكّنوا من الإبحار بها حتى ميناء (هرار ديري) أشهر معاقلهم الواقعة على مسافة (300) كلم شمال العاصمة الصومالية (مقديشو)، ولاتزال رهن الاختطاف(4).

3. نظرة القانون الدولي للقرصنة

جاءت النصوص الدولية بتحديد واضح لمعنى القرصنة، ومن ذلك ما جاء بالمادة رقم (101) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار الموقعة عام 1982م، إذ عرّفتها بأنها: أي عمل غير قانوني من أعمال العنف، أو الاحتجاز، أو أي عمل سلب يُرتكب لأغراض خاصة من قِبل طاقم أو ركاب سفينة خاصة، أو طائرة خاصة، ويكون موجهاً في أعالي البحار ضد سفينة أو طائرة أخرى، أو ضد أشخاص أو ممتلكات على ظهر تلك السفينة أو متن تلك الطائرة، أو ضد سفينة أو طائرة أو أشخاص أو ممتلكات في مكان يقع خارج ولاية أية دولة(5). وتضمنت المادة (105) من الاتفاقية نصاً خاصاً بمبدأ الاختصاص العالمي لمحاكمة مرتكبي جرائم القرصنة البحرية.

ولخطورة القرصنة البحرية المسلحة على السفن التجارية أُبرمت معاهدة جنيف الدولية لأعالي البحار عام 1988م، وتضمنت مجموعة من القواعد أبرزها(6): تخويل سلطات جميع الدول ضبط القراصنة ومحاكمتهم، وتوقيع العقوبات الجنائية عليهم بصرف النظر عن المنطقة التي وقعت فيها جريمة القرصنة، وعن العَلَم الذي كانت ترفعه السفينة، وجنسيات القراصنة، وأن مطاردة القراصنة والقبض عليهم مقصور على الدول فقط.

وتضمنت معاهدة 1988م الأعمال غير المشروعة التي يتم اقترافها في البحار، والتي منها: القرصنة البحرية التي ترتكبها العصابات الدولية ضد السفن في أعالي البحار وفي المياه الإقليمية في الدولة، التي تجيز مكافحة هذه الجريمة وملاحقة مرتكبيها والقبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة الجنائية.

وبالإضافة إلى ما تقدم، نظّمت المعاهدات الدولية الأمور المتعلقة بسلامة النقل البحري للركاب والبضائع، وتجريم أعمال الإرهاب الدولية، ثم التشريعات والقوانين البحرية الإقليمية والوطنية، وقوانين العقوبات التي تصدرها الدول، وكذلك ميثاق المحكمة الجنائية الدولية الذي تضمّن توصيف الأعمال غير المشروعة، والتي تنطبق في أحد أنواعها على جريمة القرصنة البحرية(7).

وصدرت مؤخرا من مجلس الأمن الدولي ثلاثة قرارات متدرجة بشأن جرائم القرصنة التى ترتكب أمام سواحل الصومال، أولها القرار رقم (1816) في 2 يونيو 2008م الذي أدان جميع أعمال القرصنة والسطو المسلح في المياة الأقليمية للصومال وأعالي البحار قبالة سواحله، ويحث القرار الدول التي لها سفن بحريه وطائرات عسكرية في أعالي البحار وفي المجال الجوي قبالة سواحل الصومال على توخي اليقظة؛ والقرار الثاني: رقم (1839) بتاريخ 7أكتوبر 2008م، والذي أعتبر أن هذة الحوادث مازالت تشكل خطراً يهدد السلم والأمن الدوليين في المنطقة؛ أما القرار الأخير: رقم (1846) الصادر في 2 ديسمبر 2008م، فقد رحّب باتفاقية السلام والتوفيق بين الحكومة الصومالية الفيدرالية الانتقالية وبين التحالف من أجل تحرير الصومال الموقع في 91 أغسطس 2008م، واتفاق وقف إطلاق النار الموقع بينهم في 26 أكتوبر 2008م، وأكّد من جديد إدانته لأعمال السطو المسلح في المياه الإقليمية وأعالي البحار قبالة السواحل الصومالية، وحيّا مبادرات بعض الدول مثل: كندا، والدانمرك، وفرنسا، والهند، وهولندا، وروسيا للتصدي لعمليات القرصنة، وطلب من السكرتير العام للأمم المتحدة أن يقدّم تقريراً خلال ثلاثة أشهر على الأكثر عن الوسائل الكفيلة بضمان سلامة الملاحة البحرية الدولية قبالة السواحل الصومالية. وبناءً على ذلك شكّل الاتحاد الأوروبي وحدة مساندة بحرية من ست قطع لتأمين السفن الأوروبية المارة في بحر العرب والبحر الأحمر، وإرسال أسطول من سبع سفن حربية على الأقل مدعومة بطائرات استطلاع حربي إلى خليج عدن لمواجهة القرصنة، كما قام حلف شمال الأطلسي بإرسال أربع سفن إيطالية ويونانية وبريطانية وتركية قبالة سواحل الصومال، بينما أرسلت الهند وروسيا وجنوب إفريقية سفناً حربية للمنطقة، حتى اليابان التي عليها التزام دولي بعدم إرسال قوات خارج أراضيها بعد الحرب العالمية الثانية عرضت على البرلمان الاستثناء من هذا القانون وأن يوافق على إرسال بواخر لتحمي الملاحة قبالة السواحل الصومالية، ودعت الدانمرك ودول أخرى إلى إنشاء وحدة جنائية خاصة في إطار المحكمة الدولية لمحاكمة القراصنة الدوليين(8).

 

 


 

   

رد مع اقتباس