الموضوع: حرب العصابات
عرض مشاركة واحدة

قديم 30-04-09, 08:45 AM

  رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
جيفارا
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

تحليل الوضع الكوبي، حاضره ومستقبله
ها قد مضت سنة كاملة منذ هروب الطاغية[68] نتيجة نضال أهلي مسلح قام به الشعب الكوبي. إن منجزات الحكومة في الميادين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تتجاوز التقدير. ولربما كان ضرورياً أن نقوم بالتحليل، بإعطاء كل حد قيمته الصحيحة، ببيان أبعاد ثورتنا الكوبية بدقة إلى الشعب. إن هذه الثورة، وإن كانت زراعية في الأساس، قد كسبت مساهمة حماسية من جانب العمال والطبقة الوسطى، ونالت الآن دعم الصناعيين. إن تصميم شعبها الذي لا يتزعزع، والأهداف التي تحركه، قد منحت هذه الثورة أهمية قاريّة[69]، بل عالمية.
ليس موضوعنا هو إجراء بحث تركيبي مهما كان موجزاً، لكافة القوانين المبرمة التي هي جميعاً مفيدة للشعب ولا ريب. سوف يكفينا أن نشدد الإشارة على بعض هذه القوانين، مبينين التسلسل المنطقي الذي يقودنا من أولها إلى آخرها، بمسيرة ذات خطى متتابعة ولازمة، مظهرين الاهتمام الذي توليه الدولة لحاجات الشعب الكوبي.
لقد لزمت الحكومة بادىء ذي بدء أن تحطم آمال الطبقات الطفيلية في البلد، فرسمت بخطى سريعة، قانون الإيجارات، وتخفيض أسعار الكهرباء وتعرفة الهاتف. وما لبث الذين كانوا يريدون أن يروا في فيدل كاسترو وصحبه القائمين بهذه الثورة، بعض السياسيين على النمط القديم أو بعض البُلهاء الذين تسهل مداورتهم، إشارتهم المائزة الوحيدة هي اللحى في ذقونهم، ما لبثوا حتى اعتراهم الظن بأن شيئاً أعمق كان يتفجر من صميم الشعب الكوبي ذاته، وأن امتيازاتهم قد أحاق بها خطر الزوال. بدأت كلمة شيوعيين ترتسم حول القادة، حول المغاوير الظافرين، وأخذت كلمة معاداة الشيوعية، بالمقابل، تؤلب الذين قد جُرِّدوا من امتيازاتهم الجائرة.
وجاء قانون الأراضي البور، وقانون البيع لنسيئة[70]، فألحقا شعور انزعاج لدى رؤوس الأموال المرابية. ولكن الرجعية ما كانت لتعاني بعد إلاَّ مناوشات، وكان كل شيء لما يزل ممكناً. كان بعد باستطاعة أمثال دوبوا أو بورتر أن ينصحوا "هذا الطفل المجنون" فيدل كاسترو ويُهْدُوه إلى الطرق "الديمقراطية" الجيدة. كان الوثوق بالمستقبل لما يزل ممكناً.
جاء قانون الإصلاح الزراعي صدمة بالغة، وانجلت الأمور واضحة لكل الذين مسَّهم القانون.
لقد كان غاستون باكويرو، الناطق بلسان الرجعية، قد توقع بدقة قبل هؤلاء ماذا كان يحدث، وانسحب إلى مياه الطغيان في اسبانيا، هي أكثر هدوءاً. كان بعضهم ما زال يحدث نفسه قائلاً: "القانون ما هو إلاَّ قانون"، وإن حكومات أخرى قد أصدرت قوانين سواها، حسنة للشعب نظرياً، غير أن إنفاذها كان شأناً آخر. وأخذوا في البدء ينظرون إلى هذا الطفل الصاخب المعقد، الذي لم يكن وجوده ليعرف إلاَّ من شارته "اينرا"[71]، نظرة أبوية ممجوجة ومُشْفِقة، من أعالي أسوار علم المذاهب الاجتماعية المفاض[72] والنظريات الجليلة في المالية العامة، التي لا تدانيها عقول المغاوير غير المثقفة. ولكن الاينرا أخذت تتقدم مثل الجرارة، أو كالدبابة، لأنها دبابة وجرارة في آن، محطمة بطريقها حواجز الملكيات الكبرى، وخالقة علاقات اجتماعية جديدة لملكية الأرض. لقد أجمل هذا الإصلاح الزراعي الكوبي عدداً من المميزات الهامة بالنسبة لأمريكا. كان معادياً للإقطاع إذ أنه، بالإضافة إلى إزالة الملكيات الكبرى (هذا في ظروف كوبا)، قد ألغى كافة العقود التي تجبر على دفع الريع العقاري نقداً، وصفّى علاقات القنانة التي ما برحت قائمة في منتجاتنا الزراعية الرئيسية، ولا سيما في مزارع البن والتبغ عندنا. غير أنه كان أيضاً إصلاحاً زراعياً يتم في النظام الرأسمالي ليحطم ضغط الاحتكارات التي تمنع الفلاحين، المنعزلين أو المتألبين، من أن يشتغلوا في أرضهم بإخلاص وينتجوا دون خوف من المرابي أو المالك. فقد أخذ الإصلاح الزراعي منذ البدء يؤمن للفلاحين والعمال الزراعيين ملكية الأرض، والدعم المِهاني الضروري، بتوفير العاملين الأكفَّاء، والعتاد، والدعم المالي، بفضل تسليفات الاينرا ومصارف الدولة و"رابطة متاجر الشعب". لقد انتشرت هذه الأخيرة انتشاراً قوياً في مقاطعة أوريينته وأخذت تنتشر في مقاطعات أخرى، حيث تحل متاجر الدولة، محل المرابي القديم، فتدفع قيمة المحاصيل بسعر عادل، معطية بذلك تعويضاً عادلاً عن الاستثمار.
وأهم الموائز التي تميزه عن الإصلاحات الزراعية الأخرى الثلاثة في أمريكا (مكسيك، غواتيمالا، بوليفيا)، هي الإرادة في السير به حتى النهاية، دون مساومة من أي نوع. لا يحترم هذا الإصلاح الزراعي الكامل إلاَّ حق الشعب، ولا يقف لا ضد طبقة ولا ضد قومية خاصة: يقع القانون بنحو واحد على "يونايتد فروت كومباني"[73] و"كينغ رننش" مثلما يقع على كبار الملاك المولَّدين[74].
أخذت منتجات البلد مثل الأرز والبذور الزيتية والقطن، تزداد بشدة في هذه الظروف، فتصبح هي مركز نهوج التخطيط. غير أن الأمة لما ترض بعد. إنها مُزْمِعَة أن تستعيد ثرواتها كافة. وقد تم عملياً، بقانون النفط، إسترداد باطن أرضها التريف، ميدان الصراع بين الاحتكارات وموضوع نهمها. يستجيب هذا القانون، شأن كافة القوانين التي أملتها الثورة، إلى ضرورات لا يمكن مراوغتها، إلى عواجل لم يعد في مُكْنَة الشعب أن يُرجِئها وقد عزم أن يكون حراً، سيداً على اقتصاده، وأن يزدهر ويبلغ تطوراً اجتماعياً متصاعداً في الرقي. إن قانون النفط هو، من هذا القبيل، مثال للقارة بأسرها تحذره الاحتكارات النفطية. إن كوبا لا تعيق الاحتكارات النفطية مباشرة وبشكل جوهري، إذ ليس ثمة ما يدعو لاعتبارها مركزاً هاماً جداً للوقود الثمين، وإن كان هناك أمل في إمكان الوصول إلى كفاية الحاجات الداخلية. غير أنها تضرب المثل، بقانونها، إلى الشعوب الشقيقة في أمريكا، بأنه يمكن إجراء ذلك في أمريكا، في حين وقع كثير من هذه الشعوب فريسة تلك الاحتكارات، ودُفع نفر آخر منها دفعاً إلى الحروب مع بعضه بعضاً، مرضاة لحاجات أو نهماً لاحتكارات متنازعة. إنه يبين في الوقت ذاته في أية لحظة ينبغي إجراء ذلك. لقد أخذت الاحتكارات الكبرى هي الأخرى تميل بأبصارها القلقة إلى كوبا: لم يجرؤ القوم في جزيرة الكاريبي[75] الصغيرة أن يصفُّوا التركة الجَبَّارة التي خلفها السيد فوستر دالز إلى ورثته، وهي "يونايتد فروت كومباني"، بل إن الثورة الشعبية في كوبا قد ضربت أيضاً سلطان "روكفلر" ومجموعة "رويال دتش"[76].
هذا القانون، مثله مثل قانون المناجم، هو جواب الشعب على أولئك الذين يدَّعون إذلاله، بتظاهرات القوة، والغزوات الجوية، والعقوبات المختلفة. يؤكد بعضهم أن قانون المناجم لا يقل أهمية عن قانون الإصلاح الزراعي. إننا لا نعتقد، بعامة، أنه يبلغ هذه الأهمية في اقتصاد البلد. غير أن ثمة ظاهرة جديدة: فالضرائب بنسبة 25% على إجمال المنتجات المصدرة، التي أجبرت الشركات التي تصدر معادننا إلى الخارج على دفعها (فأخذت تخلِّف الآن شيئاً غير الخواء في أراضينا)، لا تسهم في رفاه كوبا وحسب، بل أعطت الاحتكارات الكَنَدية منفعة في صراعها مع مستثمري النيكل الحاليين عندنا. وبذلك أخذت الثورة الكوبية، التي تصفَِّي الملكيات الكبرى، تحدد أيضاً أرباح الاحتكارات والوسطاء الأجانب، وتطلق في أمريكا سياسة جديدة إذ جرؤت على شق النظام الاحتكاري الذي أقامته حاكرات[77] المناجم. في هذا لفت جديد لانتباه جيراننا في بلد هو من أكبر أوطان الاحتكارات، ولكن للأمر رجعاً عميقاً أيضاً في أمريكا كلها. لقد أخذت الثورة الكوبية تحطم حواجز منشآت الإعلام كافة، وتذيع حقيقتها مثل نثار البارود بين الجماهير الأمريكية اللاتينية المتعطشة إلى حياة أفضل. كوبا هي رمز القومية الجديدة، وفيدل كاسترو رمز التحرر.
تضطلع الجزيرة الصغيرة التي مساحتها 114000 كم² وسكانها 6.5 مليوناً، بقيادة النضال المعادي للاستعمار في أمريكا، حيث تركت لها الثغرات البليغة في هذا النضال أن تقوم بدور الطليعة، الذي ملؤه البطولة والمجد والخطر. وراحت الأمم الأضعف اقتصادياً في أمريكا المستعمرة، الآخذة بتطوير رأسماليتها الوطنية متلمسة الطريق وسط صراع دائب وأحياناً عنيف ضد الاحتكارات الأجنبية، راحت تخلي الساحة شيئاً فشيئاً أمام بطل الحرية الجديد، لأن حكوماتها تعوزها القوة اللازمة للمضي بنضالها إلى غايته. فليس هذا النضال بسيطاً أو خالياً من المصاعب والمخاطر، ويلزمه تأييد الشعب قاطبة، كما يلزمه كثير من المثالية وروح الفداء للظفر به في ظروف العزلة التي نعانيها في أمريكا. لقد حاولت بلدان صغيرة أن تخوض هذا النضال في ما مضى: غواتيمالا، غواتيمالا الكويتزال[78]، ذلك الطائر الذي يموت إذا أُدخل القفص، ومثلها بوليفيا، بوليفيا موريلُّو، أول شهداء الاستقلال الأمريكي، الذي تداعى من وطأة القتال الهائلة، بعد أن ضرب ثلاثة من الأمثلة التي قدمت للثورة الكوبية إرشادات ثمينة وهي: ضرورة إزالة الجيش، وضرورة الإصلاح الزراعي، وتأميم المناجم، منبع أعظم الثروات وأعظم المآسي.
تعرف كوبا أمثلة الماضي، تعرف المصاعب والهزائم، ولكنها تعرف أيضاً أنها عند فجر عصر جديد. لقد عصفت نهضة النضالات القومية والشعبية في آسيا وأفريقيا بمعاقل الاستعمار. ولم تعد وحدة هذه الشعوب من شأن الدين والتقاليد والأطماع والأُلفة أو التمايز العرقيين، فلحمتها تشابه الظروف الاقتصادية والاجتماعية، والرغبة الواحدة في التقدم. لقد تصافحت آسيا وأفريقيا في باندونغ، وهنا في لاهايانا، من خلال كوبا، هاهما آسيا وأفريقيا تصافحان أمريكا اللاتينية والهندية[79].
ومن جهة أخرى، فقد تراجعت الدول الاستعمارية الكبرى أمام الشعوب المناضلة. لم تعد بلجيكا وهولندا إمبراطوريتين إلاَ سخرية. وفقدت ألمانيا وإيطاليا مستعمراتهما. وتتخبط فرنسا في مرارة حرب تحققت خسارتها منذ الآن[80]. وأخذت إنكلترا ماكرة، تصفِّي السلطة السياسية للإبقاء على العلاقات الاقتصادية.
تحل الرأسمالية الأمريكية الشمالية محل بعض الرأسماليات الاستعمارية القديمة في البلدان التي بدأت فيها الحياة المستقلة، ولكنها لا تجهل أن هذا أمر موقوت وأنه لن يكون ثمة توسع حقيقي لمضارباتها المالية في هذا الميدان. سوف تقدر الولايات المتحدة أن تمتص مصّ الأخطبوط، لكن دون أن تستطيع إطباق محاجمها بالثبات ذاته. لقد كلّت مخالب النسر الامبراطوري. مات الاستعمار في أنحاء العالم كافة، أو هو على وشك أن يموت ميتته الطبيعية.
أما أمريكا، فلها شأن آخر. لقد سحب الأسد الإنكليزي خطمه الشره من أمريكتنا منذ زمن بعيد، وأنشأ الرأسماليون الشبَّان المحبَّّبون، اليانكي، صيغتهم "الديمقراطية" من النوادي الإنكليزية، وفرضوا سلطانهم على كل واحدة من الجمهوريات العشرين[81].
هذه الجمهوريات هي الإقطاع الاستعماري لاحتكار أمريكا الشمالية، إنها "الباحة الخلفية لبيته الخاص"، إنها سبب بقائه وسبيل عيشه. فلو كانت الشعوب الأمريكية اللاتينية كافة، تعزز مثل كوبا كرامتها، لارتعدت فرائص الاحتكارات واضطرت إلى التكيف بوضع سياسي واقتصادي جديد وبتقلُّص أرباحها. غير أن الاحتكارات لا يعجبها قط أن ترى أرباحها في نكوص، هذا بينما أخذ مَثَل كوبا - هذا "المثل السيء" في الكرامة الوطنية والدولية – يستشري بين بلدان أمريكا اللاتينية. فكلما أطلق شعب صيحة تحرّره، يَشْكون كوبا، وكوبا هي مسؤولة حقاً، على نحو معين، إذ أنها أهدت إلى السبيل، سبيل النضال الشعبي المسلح ضد جيوش زعموا أنها لا تقهر، سبيل حرب الغوار، وبكلمة، سبيل الكرامة.
إن المثل الكوبي سيء، وما أسوأه! لا يسع الاحتكارات أن يغمض لها جفن ما دام هذا المثل قائماً، يكافح الأخطار ويسير نحو المستقبل. لقد أعلن الناطقون باسم الاحتكارات: يجب تدمير هذا المثل. وقال سَدَنة الاحتكارات المتنكرون كممثلين في المجلس النيابي: ينبغي التدخل في هذا المعقل "الشيوعي". وغمغم أمكر المدافعين عن الحاكرات: إن الوضع الكوبي يقلقنا كثيراً، وكلنا يفهم أنهم يعنون: "ينبغي تدمير كوبا".
لنتساءل بعد هذا العرض، ما هي إمكانات العدوان، لتدمير هذا المثل السيء؟ ثمة إمكان اقتصادي بحت: تضييق الاعتمادات المصرفية واعتمادات المصدَّرين في أمريكا الشمالية لكل ما هو كوبي، بما في ذلك مصرف كوبا الوطني. ويمكن أن يمتد هذا التضييق، بفضل الشركاء، إلى بلدان أوروبا الغربية كافة. أما الانفراد بالتضييق، فليس كافياً

 

 


   

رد مع اقتباس