عرض مشاركة واحدة

قديم 27-09-09, 02:56 PM

  رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

ثالثا- عناصر 'مسئولية الحماية':

تشتمل مسئولية الحماية علي ثلاث مسئوليات محددة، هي :

أ) معالجة الأسباب الجذرية والمباشرة للصراع الداخلي :

أكد مجلس الأمن أهمية اتباع استراتيجيات وقائية فعالة وطويلة الأمد لمنع وقوع صراعات، إذ تعترف المادة (55) من ميثاق الأمم المتحدة صراحة بأن إيجاد حلول للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والصحية وتعزيز التعاون الدولي في مجالات الثقافة والتعليم والاحترام العالمي لحقوق الإنسان، كلها أمور ضرورية من أجل تهيئة دواعي الاستقرار والرفاهية الضروريين لقيام علاقات سلمية ودية بين الأمم.

ورغم أنه لا يوجد اتفاق عالمي علي تحديد الأسباب الجذرية للصراع، أو التفرقة بينها وبين الأسباب المباشرة للصراعات المسلحة، إلا أن هناك اعترافا متزايدا بأنه لا يمكن فهم الصراعات المسلحة دون الإشارة إلي الأسباب الجذرية كالفقر والقمع السياسي والتفاوت في توزيع الموارد. وقد أورد تقرير اللجنة الدولية المعنية بالسيادة والتدخل أربعة تدابير لمنع الأسباب الجذرية والمباشرة للصراع. هذه التدابير منها ما هو داخلي أي ما تتخذه الدول لحماية شعوبها، ومنها ما هو ذو طابع دولي:

- التدابير السياسية : وتنطوي علي التدابير التي يمكن أن تتخذها الدول كإقامة الديمقراطية، وتقاسم السلطات الدستورية، وتناوب السلطة، وتأييد الحريات، وسيادة القانون، كما تشمل أيضا التدابير السياسية والدبلوماسية التي يمكن أن يتخذها الأمين العام للأمم المتحدة كالوساطة والمساعي الحميدة، وبعثات تقصي الحقائق.

- المعالجة الاقتصادية : وتنطوي هذه المعالجة داخليا علي تقديم مساعدة إنمائية وتعاون إنمائي لمواجهة أوجه الإجحاف في توزيع الموارد وتشجيع النمو الاقتصادي والفرص الاقتصادية. كما تشمل - علي المستوي الدولي - وعودا بتمويل أو استثمار جديد أو وعدا بمعاملة الدولة وفقا لشروط تبادل تجاري أكثر يسرا. وقد تشمل هذه التدابير اتخاذ إجراءات ذات طبيعة قسرية كالتهديد بجزاءات تجارية ومالية، وسحب الاستثمارات أو الدعم المقدم من صندوق النقد الدولي.

- الحماية القانونية : وتشمل الجهود الرامية إلي تعزيز سيادة القانون، وحماية وسلامة الجهاز القضائي واستقلاله وتشجيع تنفيذ القوانين. أما فيما يتعلق بالبعد الدولي للحماية القانونية، فتشمل اللجوء للتحكيم أو القضاء الدولي في حالة الصراعات الداخلية، وإن كانت هذه التدابير قد تكون غير مقبولة أو متوافرة لدي كل الأطراف.

- التدابير العسكرية : وتشمل إصلاح المؤسسات العسكرية والأمنية للدول وضمان مساءلة الأجهزة الأمنية للدول وضمان عملها في إطار القانون. وعلي المستوي الدولي، يمكن اتخاذ تدابير عسكرية، منها - علي سبيل المثال - الانتشار الوقائي للقوات، ويعد وجود قوات للأمم المتحدة للانتشار الوقائي في مقدونيا هو أفضل مثال في هذه الحالة.

ب- مسئولية الرد:

وهذه قد تشمل تدابير قسرية كالجزاءات وإقامة دعوي دولية، وأخيرا التدخل العسكري في أقصي حالات التطرف.

- اللجوء للمحاكم الجنائية الدولية :

يعني إنشاء المحكمة الجنائية الدولية والتصديق علي نظامها الأساسي الموقع في عام 1998، أن هناك ولاية قضائية علي سلسلة عريضة من الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي ورد وصفها بالنظام الأساسي للمحكمة، كالعنف الجنسي، وحظر تجنيد الأطفال اللذين يشكلان جرائم بحق الإنسانية. لذا، ينبغي الترحيب بدور المحكمة الجنائية الدولية لتجنب الاتهام بازدواجية المعايير الذي وجه للمحاكم المتخصصة.

علاوة علي هذه المحاكم الدولية، أنشأت معاهدات جنيف الأربع، وبروتوكولاها الإضافيان وكذلك اتفاقية مناهضة التعذيب، ولاية عالمية علي الجرائم المذكورة فيها، وهذا يعني أنه يمكن لأية دولة طرف فيها تقديم أي شخص للمحاكمة في حال اتهامه بأي من هذه الجرائم. وقد سنت تشريعات عدد من البلدان علي ولاية محاكمها علي هذه القضايا. ويلاحظ أن الولاية القضائية العالمية قد بدأت تحمل محملا بالغ الجدية في الفترة الأخيرة. وعلي سبيل المثال، تمت محاكمة عدد من الراهبات الروانديات أمام محكمة بلجيكية عام 2001 بتهمة التواطؤ في إبادة جماعية برواندا، وكذلك حدث تطور قانوني مهم بقرار مجلس اللوردات البريطاني - في الفترة من عام 1998 إلي 1999 - في قضية تسليم الجنرال بيونشيه، الذي قطع شوطا مهما نحو إلغاء الحصانة السياسية لقادة الحكومات في الجرائم التي يرتكبونها ضد الإنسانية أثناء وجودهم في الحكم.

- التدابير الجبرية دون القوة العسكرية :

تعوق الجزاءات قدرة الدول في التعامل مع العالم الخارجي، ولكنها لا تمنع الدولة من القيام بأعمال داخل حدودها، وتهدف هذه التدابير إلي إقناع السلطات المعنية باتخاذ قرار أو عدم اتخاذ تدابير معينة. أما الحل العسكري، فيتدخل مباشرة في قدرة السلطات الداخلية للدولة للعمل داخل أراضيها. ومع أن استخدام التدابير الجبرية دون القوة العسكرية أفضل من استخدام القوة، إلا أن هذه التدابير غير العسكرية مشوبة أحيانا بعيب في تطبيقها، فهي في الغالب لا تميز بين المذنب والبرئ. ولذا، ينبغي توخي الحذر في حال استخدامها لتجنب إحداث ضرر أكبر من الفائدة المنتظرة منها، لا سيما بالنسبة للمدنيين. فالجزاءات الاقتصادية الشاملة في الفترة الأخيرة فقدت مقبوليتها بصورة متزايدة في السنوات الأخيرة نتيجة لتعرض السكان المدنيين لشدائد تكون بعيدة جدا عن التناسب مع الآثار المرجوة من تطبيق هذه الجزاءات.

في السنوات الأخيرة، برزت الجزاءات التي تستهدف القيادات والمنظمات الأمنية المسئولة عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان كبديل مهم عن الجزاءات العامة، وقد اجتذبت الجهود الرامية إلي جعل هذه الجزاءات أكثر فاعلية مزيدا من الاهتمام. ويعترف مجلس الأمن الآن، كما يعترف القانون الدولي بشكل عام، باستثناء المواد الغذائية واللوازم الطبية من هذه الجزاءات. وقد تركزت الجهود الرامية إلي تحديد أهداف الجزاءات، تحديدا أكثر فاعلية لتقليل آثارها علي المدنيين الأبرياء وزيادته علي أصحاب القرار، علي ثلاثة مجالات مختلفة:

- في المجال العسكري: وضع حد للتعاون العسكري وبرامج التدريب، كذلك حظر بيع الأسلحة، الذي يعد أداة مهمة في يد مجلس الأمن والمجتمع الدولي ويمكن التلويح بها في حالة نشوب صراع.

- في المجال الاقتصادي : فرض جزاءات مالية علي الأصول المالية في الخارج لدولة ما أولمنظمة إرهابية أو حركة تمرد. وقد تشمل فرض قيود علي الأنشطة الاقتصادية والمنتجات النفطية، وكذلك حظر الطيران في بعض الحالات.

- في المجالين السياسي والدبلوماسي: فرض قيود علي التمثيل الدبلوماسي، بما في ذلك طرد الموظفين الدوليين أو تعليق أو رفض عضوية الدولة في هيئة أو منظمة دولية.

- اللجوء للقوة العسكرية كخيار أخير في الحالات الاستثنائية وبالغة الشدة أو حالة عدم فاعلية الجزاءات. ويصطدم هذا التدبير بمبدأ عدم التدخل الذي يشكل القاعدة التي يجب تبرير أي خروج عنها. فجميع أعضاء الأمم المتحدة لهم مصلحة في المحافظة علي نظام الدول ذات السيادة، وقاعدة عدم التدخل تشجع الدول علي حل مشاكلها الداخلية بنفسها علي النحو الذي يمنع من اتساع هذه المشاكل إلي الحد الذي يهدد الأمن والسلم الدوليين.

ومع ذلك، توجد ظروف استثنائية تصبح فيها مصلحة جميع الدول في الحفاظ علي النظام الدولي تتطلب نفسها القيام برد فعل، وذلك عندما ينهار النظام كله في دولة ما أو يبلغ الصراع الأهلي حدا من العنف يهدد المدنيين بإبادة جماعية أو تطهير عرقي واسع النطاق. وقد استقر الرأي علي أن هذه الظروف الاستثنائية يجب أن تكون حالات عنف تهز ضمير البشرية، أو تشكل خطرا قائما وواضحا علي الأمن والسلم الدوليين، بحيث تستدعي تدخلا عسكريا. وبالنظر إلي هذا الاتفاق الدولي علي اللجوء للقوة العسكرية في حالات استثنائية، فإن هناك ستة معايير ينبغي التحقق منها قبل اتخاذ قرار التدخل، وهي:

- الإذن الصحيح: ليس هناك أنسب من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لإعطاء إذن للأمم المتحدة للقيام بتدخل عسكري، ويجب علي الذين يدعون رسميا إلي التدخل العسكري أن يقدموا طلبا للحصول علي الإذن، أو أن يطلبوا من الأمين العام للأمم المتحدة أن يثير ذلك بموجب المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة.

- القضية العادلة: التدخل العسكري، كتدبير استثنائي فوق العادة، يجب لتبريره أن يلحق بالناس أذي خطير لا يمكن إصلاحه، مثل خسارة كبيرة في الأرواح واقعة فعلا أو يخشي وقوعها، أوعمليات التطهير العرقي، سواء وقعت بالفعل أو يخشي وقوعها.

- النية الصحيحة: ينبغي أن يكون الغرض الرئيسي للتدخل وقف أوتفادي معاناة الناس، ومن الأفضل لضمان النية الصحيحة أن تكون العملية متعددة الأطراف ومؤيدة بوضوح من الرأي الإقليمي والضحايا المعنيين.

- الملجأ الأخير: فلا يمكن تبرير العمل العسكري إلا بعد استطلاع كل الخيارات غير العسكرية لمنع وقوع الأزمة أو حلها سلميا. ويجب وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن التدابير الأقل من التدخل العسكري لن تنجح.

- التناسب: يجب أن يكون نطاق التدخل العسكري المخطط له ومدته وشدته عند الحد الأدني اللازم لضمان هدف الحماية البشرية.

الاحتمالات المعقولة: يجب أن تكون هناك فرصة معقولة للنجاح في وقف أو تفادي المعاناة التي كانت سببا للتدخل، وأن تبدو عواقب التدخل العسكري أفضل من عواقب عدم التصرف.

ج - مسئولية إعادة البناء :

تنطوي مسئولية الحماية أيضا علي المتابعة وعلي إعادة البناء. ويعني ذلك تقديم مساعدة متكاملة - خاصة بعد تدخل عسكري - وذلك فيما يتعلق بالتعمير والمصالحة ومعالجة أسباب الضرر الذي قصد التدخل أن يوقفه أو أن يتجنبه. وينبغي أن يكون هناك التزام حقيقي بالمساعدة علي إعادة بناء سلام دائم، والعمل علي حسن الإدارة ودوام التنمية. كما ينبغي أيضا تهيئة الظروف الملائمة لإعادة بناء السلامة العامة والنظام العام من قبل موظفين دوليين يعملون في شراكة مع السلطات المحلية بهدف تحويل سلطة إعادة البناء إلي هذه السلطات. وبناء علي ذلك، فإن التفكير في التدخل العسكري يبرز أهمية وضع استراتيجية لما بعد التدخل. هذا الأخير يهدف أساسا إلي منع وقوع صراعات وحالات طواريء إنسانية أو زيادة حدتها أو انتشارها أو بقائها أو تكرارها. لذا، يجب أن يكون هدف هذه الاستراتيجية المساعدة علي عدم ضمان تكرارالأحوال التي أدت إلي التدخل العسكري أو مجرد إعادة ظهورها.

ومن الوظائف الأساسية لقوة التدخل أن توفر الأمن الأساسي والحماية الأساسية لجميع السكان. وقد يحدث في بعض الأحيان، عند انتهاء الصراعات، عمليات تطهير عرقي مضاد، لذلك فمن الضروري جدا أن تخطط عمليات ما بعد التدخل لهذه الحالة الطارئة، كما يجب توفير أمن فعال لجميع السكان حينما يحدث التدخل.

وقد لا يتوافر في البلد الذي حدث فيه تدخل عسكري نظام قضائي يؤدي عمله علي الوجه الصحيح. وقد أصبح لدي الأمم المتحدة إدراك متزايد - خاصة منذ عملية سلطة الأمم الانتقالية في كمبوديا في أوائل التسعينيات - لأهمية اعادة النظم القضائية إلي نصابها في أسرع وقت ممكن بعد التدخل. والمسألة ببساطة هي أنه إذا كان للقوة المتدخلة ولاية حماية حقوق الإنسان من مزيد من الانتهاكات، فإنه دون وجود نظام يعاقب منتهكي هذه الحقوق، فستصبح مهمة القوة غير قابلة للتحقيق، بل وستفقد شيئا من مصداقيتها محليا ودوليا.

ومن المهم أيضا أن تتضمن المسئولية النهائية لأي تدخل عسكري من أجل بناء السلام - قدر الإمكان - تشجيع النمو الاقتصادي وإعادة خلق الأسواق، ليس فقط لأن النمو الاقتصادي له آثار علي القانون والنظام، وإنما لأن ذلك ضروري لإنعاش البلد المعني بشكل عام. وثمة عمل جانبي يجب أن يلازم الهدف باستمرار، وهو أن تجد السلطات المتدخلة في أسرع وقت ممكن أساسا لوضع حد لأي تدابير قسرية تكون قد فرضت علي البلد قبل وأثناء التدخل، وعدم إطالة أمد الجزاءات الشاملة أو العقابية.

 

 


   

رد مع اقتباس