عرض مشاركة واحدة

قديم 20-08-10, 12:42 PM

  رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 



2. الحرب الأهلية الأسبانية

لم تكن الحرب الأهلية الأسبانية التي بدأت بعصيان الحاميات العسكرية في (120) مدينة أسبانية، و (5) حاميات في المواقع الأسبانية على الأرض المغربية يوم 18 تموز-يوليو 1936م ضد (الجبهة الشعبية الاشتراكية)، والتي انتهت بدخول قوات الجيش الأسباني بقيادة الجنرال (فرانكو) يوم 28 آذار-مارس 1939م العاصمة (مدريد)، إلاّ لوحة حزينة وبائسة من لوحات الصراعات الأيديولوجية العقائدية، والتي تعبث بها أصابع الدول الكبرى في كل أرجاء العالم. وتعود قصة هذه الحرب إلى يوم 14 نيسان-أبريل 1931م عندما غادر ملك أسبانيا (ألفونسو الثالث عشر) عاصمة بلاده بسبب فوز القوى الثورية المتحالفة في الانتخابات العامة، وهي القوى التي ضمت (الحزب الشيوعي الأسباني)، والأحزاب الاشتراكية والاتحاد العام للعمال، وعمل (الكالا زامورا) وهو الملكي القديم الذي أصبح رئيساً للجنة الثورية على تشكيل الحكومة الأسبانية الجديدة التي أعلنت قيام الجمهورية الأسبانية.

ولكن هذه الجمهورية لم تعرف الهدوء أو الاستقرار أو الأمن، فقد تمزقت الجبهة الداخلية تمزقاً رهيباً بين الجيش وأنصار النظام الملكي، وبين التنظيمات الفلاحية المطالبة بتطبيق (الماركسية واشتراكية الأرض)، فوقعت انقلابات عسكرية في (أشبيليا) .. وغيرها، كما تشكلت حركات انفصالية. وفي العام 1936م، عرفت أسبانيا أحداث (113) إضراباً كبيراً، و (278) إضراباً محلياً، و (178) عملية نهب شملت ممتلكات عامة وخاصة، و (178) حريقاً متعمداً، و (712) اعتداء على أشخاص قتل فيها (74) رجلاً، وكانت تلك الأحداث ذات تأثير كبيرعلى الجيش الذي كان قادته (المؤيدين للملكية) يتابعون تطورات الأحداث. وكان الجيش آنذاك يضم (145) ألف رجل، و (60) دبابة، و (200) طائرة، و (35) قطعة بحرية حربية منها دارعتان، و (7) طرادات، و (10) زوارق طوربيد. وكانت قوات الجيش موزعة في مواقع متباعدة منها (115) ألفاً على أرض أسبانيا، و (35) ألفاً في المغرب، و (10) آلاف في جزر (الكاناري)، وكانت القوات الأسبانية في المغرب وجزر الكاناري تخضع لقيادة الجنرال (فرانكو)، ومقابل ذلك، كانت حكومة (مدريد) الثورية تسيطر على غالبية سلاح الطيران وقوات الشرطة (17) ألفاً، وحرس الحدود (33) ألفاً، بالإضافة إلى (الميليشيات الشعبية) التي سلّحتها الحكومة ودربتها للحرب.

وكما حدث في الحرب الأهلية الأمريكية، فعندما تشكّل مشروع نظامين متناقضين ومتباعدين تحكمهما أيديولوجيتين مختلفتين؛ فلابد من أن يدمر أحد النظامين النظام الآخر، إذا ما تحوّل النزاع السياسي إلى صراع مسلح؛ وفلن تكون هناك حاجة للبحث عن السبب المباشر للتحول من الصراع السلمي إلى الصراع المسلح، وجاء هذا السبب المباشر يوم 12 تموز-يوليو 1936م عندما تم اغتيال الزعيم اليميني (كالفو سوتبلو)، فارتفعت حدة التوتر حتى درجتها العليا، وأعلن الجنرال (فرانكو) العصيان في (المغرب وجزر الكاناري)، وبدأ بحشد قواته في (تطوان) تمهيداً لنقلها إلى أسبانيا،س وهكذا انطلقت شرارة الحرب التي استمرت (32) شهراً، والتي زجّ فيها كل الطرفين بحوالي (800) ألف مقاتل، وكان من الواضح مع البدايات الأولى لهذه الحرب بأن التدخل الدولي سيمارس دوراً كبيراً وفعّالاً للتأثير على مسارات الحرب وتحولاتها، فقد عملت دول الاتحاد السوفيتي، وفرنسا، وبريطانيا على دعم النظام الثوري (حكومة مدريد الجمهورية)، فيما قدّمت (ألمانيا وإيطاليا) بخاصة دعماً عسكرياً وإداريا (لوجستياً) قوياً للجنرال (فرانكو) وجيشه، وتمثل الدعم السوفيتي بإرسال قادة ومدربين ووسائط قتالية وطائرات وذخائر متنوعة، بالإضافة إلى قوات المتطوعين من ألوية العمال الأممية، والتي شملت (10) آلاف متطوع فرنسي، و (3) آلاف متطوع سوفيتي، ومتطوعين من شعوب كثيرة، كما تعهدت إنجلترا وفرنسا بإرسال قوات بحرية لمراقبة السواحل الأسبانية، وإيقاف كل الإمدادات أو الدعم لقوات جيش (فرانكو)، ومقابل ذلك قدمت إيطاليا (5) فرق من قوات النخبة (القمصان السوداء)، والتي ضمت (40) ألف مقاتل، و (500) مليون مارك، وكميات من الدبابات وقاذفات القنابل من فيلق الكوندور، وعمل الألمان على إرسال أسطول من طائرات النقل العسكرية (يونكرز 52) لنقل قوات (فرانكو) من المغرب إلى أسبانيا، نظراً لصعوبة التحرك البحري عبر مضيق جبل طارق بسبب السيطرة البحرية لجيش مدريد الجمهوري على هذا المضيق.

وكما كان متوقعاً، فقد تميزت الأعمال القتالية منذ بداياتها الأولى بالعنف والشدة والتطرف، إذ اعتبر كل من الطرفين أن هذه الحرب هي حرب مصيرية بالنسبة له، وكان انتصار أسطول (فرانكو) على الأسطول الجمهوري في الجنوب نقطة تحول حاسمة، إذ أصبح باستطاعة قوات (فرانكو) الانتقال إلى أسبانيا عبر مضيق جبل طارق، وتحركت قوات (فرانكو) بسرعة نحو الشمال للالتقاء بالجيش الموالي لجيش (فرانكو) في شمال أسبانيا، والذي كان يتولى قيادته الجنرال (مولا)، واستطاع أثناء تحركه الاستيلاء على مدن الجنوب: (قرطبة، وغرناطة، واشبيليا)، واستمر في تحركه حتى استطاع الاتصال بجيش (مولا) عند مدينة (باداغور) يوم 14 آب-أغسطس 1936م، ولكن (مدريد) لم تسقط بسبب المقاومة الضارية لقوات الجمهوريين ومن معهم من المتطوعين والذين ركزوا دفاعهم عن العاصمة الأسبانية، وكان أهم تطور أمكن تحقيقه لتتويج انتصارات الجيش هو الاتفاق على أن يتولى الجنرال (فرانكو) تشكيل حكومة أسبانية يوم 1 تشرين الأول-أكتوبر 1936م، وبذلك تم توحيد القيادة العسكرية لجيش الشمال والجنوب، مما ساعد على تشديد الحصار على مدريد ومناطق الجمهوريين في وسط البلاد.

أظهرت نتائج الحرب في العام الأول أن الجيش بقيادة الجنرال (فرانكو) قد أصبح مسيطراً على الموقف، ولم يعد هناك سبب لخوض أعمال قتالية حاسمة، لاسيما بعد أن فشلت كل محاولات الاستيلاء على (مدريد) بالقوة، وتحولت الأعمال القتالية إلى حرب استنزاف، فتركزت أعمال الجيش على تطهير مناطق الشمال من الجمهوريين في منطقة (الباسك)، والذين كانوا قد نظّموا دفاعاً قوياً حول مدن (بيلباو)، والمدن الأخرى في السفوح الجنوبية لجبال (البيرونه). وفي يوم 21 تشرين الأول- أكتوبر 1937م كان الجيش الأسباني ومعه القوات الإيطالية قد أنهى عملياته، وتمت تصفية قوات الجمهوريين على امتداد الشريط الساحلي الشمالي.
وأقبل العام الثالث من الحرب (1937م) فنظّم الجنرال (فرانكو) عمليات واسعة النطاق على امتداد جبهة عرضها (85) كيلومتراً، وأمكن له بذلك السيطرة على شواطئ أسبانيا المطلة على البحر الأبيض المتوسط، وبذلك أمكن له ضمان خطوط الإمداد البحرية مع إيطاليا، وفرض حصار محكم على قوات الجمهوريين في وسط البلاد والعاصمة، وتقررت بذلك نتيجة الحرب، حيث أطلق الجنرال (فرانكو) هجومه الحاسم مع نهاية العام 1938م في 24 كانون الأول-ديسمبر، فتم تدمير الجيش الجمهوري في منطقة (كاتالانيا). وفي 25 كانون الثاني-يناير 1939م، احتلت قوات (فرانكو) مدينة (برشلونة) ولم تتأخر بقايا الجيش الجمهوري عن الذهاب بعيداً عن ميدان القتال، فانسحبت إلى فرنسا يوم 5 شباط-فبراير 1939م عبر مضائق جبال البيرونه.

ولم يعد باستطاعة قوات الجمهوريين في (مدريد) الاستمرار في المقاومة بعد أن اجتاحتها أرتال طوابير المواطنين المؤيدين للجنرال (فرانكو)، فتم يوم 28 آذار-مارس 1939م الاستيلاء على (مدريد). وانتهت الحرب التي دمرت أسبانيا، حيث سقط أثناء الحرب أكثر من مليون قتيل من الطرفين، علاوة على الخسائر المادية الكبيرة في الأموال والممتلكات، بالإضافة إلى الخسائر في القدرة البشرية، حيث تسببت الحرب بهجرة أعداد كبيرة من الأسبان إلى فرنسا والولايات المتحدة ودول أمريكا الجنوبية.

وكانت هذه العوامل بمجموعها عاملاً كبيراً في إعاقة أسبانيا عن مواكبة التحرّك الاقتصادي والسياسي الأوروبي، وكانت نتائج الحرب الأهلية الأسبانية أثقل وطأة وأشد قسوة وأكبر تدميراًس من نتائج الحرب العالمية الثانية على أراضي القارة الأوروبية، وكان ذلك برهاناً إضافياً على أن الحروب العقائدية الأيديولوجية أشد خطراً على الشعوب من الحروب الخارجية ذات الأهداف السياسية أو الاقتصادية، كما برهنت الحرب الأهلية الأسبانية أن القيادة الموحّدة للأعمال القتالية والتفوق في التنظيم القتالي وإدارة الحرب مما هو متوافر في الجيوش النظامية، هو عامل حاسم في القضاء على القوات غير النظامية، وغير المؤهلة للتعايش مع الحروب الحقيقية.


 

 


الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس