عرض مشاركة واحدة

قديم 10-02-11, 08:09 PM

  رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
البواسل
مشرف قسم العقيدة / والإستراتيجية العسكرية

الصورة الرمزية البواسل

إحصائية العضو





البواسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

محاولات الالتفاف على الثورة
عقب رحيله ربما أراد زين العابدين بن على ونظامه أن يضمنا حدا أدنى من السياج الخلفي المحتمل للأمان، عبر بقاء رموز من الحكومة السابقة، وقيام الغنوشي بتولي مهام رئيس الدولة وهو ما لم يصح دستوريا، فتولى فؤاد المبزع رئاسة الدولة، بينما شكل الأول الحكومة التي ضمت ثمانية حقائب وزارية لأعضاء التجمع الدستوري والحكومة السابقة بينها ستة حقائب رئيسية، منها الداخلية والدفاع، ولكن أمام المظاهرات الرافضة لهذا الالتفاف ولوجود رموز النظام الفاسد للرئيس في الحكومة الانتقالية، وهو ما أكدت عليه كل القوى الحية في المجتمع التونسي، بدءا من اتحاد الشغل حتى الحقوقيين والحزب الشيوعي والإسلاميين والشارع التونسي، ربما باستثناء فصيل نجيب الشابي الذي استقال بعض رموزه مؤخرا اعتراضا على عدم انسجامه مع مطالب الشارع والثورة وهو ما اعتبر انشقاقا داخله من قبل معارضي توجهاته، كما استقال الوزراء الممثلون لاتحاد الشغل من الحكومة الانتقالية التي تم تشكيلها من قبل محمد الغنوشي، كما استقال وزير ممثل لحزب التجمع الدستوري الحاكم سابقا.

واستجابة لضغوطات الشارع والقوى الحية في الثورة الخضراء تراجعت الحكومة وأعضاؤها بحركة التفافية عبر تقديمهم الاستقالات من التجمع الدستوري وبقائهم في الحكومة، ونراه وضعا يكشف في عمقه عن اختلال أخلاقي ومبدئي بالأساس، حيث يكون التضحية بالانتماء دون التضحية بالمنصب، ولا زال الشارع التونسي يطالب الحكومة حتى يوم أول اجتماعاته بحل حزب التجمع الدستوري الحاكم في عهد كل من بورقيبة وبن على، بل طالب منصف المرزوقي أثناء وجوده في مدينة القصرين باسترجاع الشعب مقاره واستردادها بالقوة.

قد ينطرح في وجه ما يراه جسد الثورة والشارع محاولة لفوفية من بقايا نظام الرئيس المخلوع بن على من ضرورة حل الحزب الحاكم لنظامه والإصرار على خلو الحكومة الانتقالية من وزراء سابقين في حكومته، الحديث عن الشرعية التاريخية لهذا الحزب، حزب الاستقلال الأول، وعن كون بن على قد ركب جدرانه وتم فصله ومعاونيه منه، والقبول بفكرة استقالة وزراء الحكومة الانتقالية الجديدة منه، وتأكيدات رئيسها المستمر وكذلك رئيس الجمهورية المؤقت على القطيعة الكلية مع الماضي، واستحالة عودة بن على والفصل بين الحكومة والأحزاب، ولكن إذا كان كل ذلك هدفا وأمكن لرموز هذا الحزب الاستقالة السريعة منه لماذا لا يتم حله وقص صفحته من الكتاب الجديد، خاصة وأن شرعية الاستقلال قد قضت منذ نيف وخمسين عاما ونحن في لحظة استقلال ثان، تستعيد المواطن كما استعاد التجمع الدستوري وغيره الوطن ولكن احتكروه في السابق.

ولكن نرى رغم ذلك أنه ربما يحتاج الأمر لشيء من التوازن وعدم تمديد الفترة الانتقالية عبر الاعتراضات العائقة لحكومتها، والتعجيل بتعبيد الطريق للانتخابات البرلمانية القادمة، وقد اتخذت الحكومة في أول اجتماعاتها قرارا بالعفو العام عن جميع الحركات والأحزاب السياسية المحظورة في عهد الرئيس السابق، بما فيها حركة النهضة الإسلامية(1)، كما تم الإفراج على مدار يومي 18 و 19 يناير عن مختلف السجناء السياسيين، الذين اقترب عددهم من 1800 سجين سياسي في البلاد.
لذا ينبغي ألا يطول التركيز فقط على حل التجمع الدستوري رغم ما يمثله من مرحلة طويلة من الخديعة الشعبية الداعمة للمستبد في السابق، ووضع دور الجيش وحدود العلاقة معه في الحسبان، فقد قدم الجيش التونسي درسا نبيلا لكل الجيوش العربية بأنها تحمي الأمة قبل أن تحمي حكامها، وتحترم خياراتها وتحميها وليست تقمعها، ومن هنا من الضروري ضم عناصر والاكتفاء بتنازلات واستقالات أعضاء الحكومة الحالية منه، والتركيز على إصدار العفو القانوني الشامل عن كل القوى والأحزاب المحظورة وتحديد الإجراءات المطلوبة والموضوعية لهندسة الدولة المرتقبة والوليدة، ومن المهم كذلك تأطير جهود كل التيارات الداخلية الداعية للتغيير في هيئة تمثيلية أو مجلس حكماء لمتابعة سير الحكومة، بعد خروج بعض ممثلي الثورة منها، لمتابعة تنفيذ كل التعهدات وتعبيد الطريق نحو تونس الجديدة.

ومن المهم تجاوز هذه القوى الجديدة والقديمة، التي طالما دعت للتغيير، للظنون واتهامات ركوب الموجة، خاصة وأن تاريخ كثير منها في النضال الحقوقي والمدني والسياسي في تونس الحديثة معروف للجميع ومحل تقدير وإن بقيت التحفظات التي تحتمل اختلافا، وهذا سيجعل الانشقاق يخترق إجماع القوى الحية والشارع السياسي ويتيح السبيل للمستبدين القدامى أو الجدد، فتونس بحاجة لعملية الجمع لا الطرح والقسمة لا الضرب.
فزاعة الإسلاميين وتشتيت الأفكار
رغم أني ليبرالي التوجه لكن أشدد على رفض الأصولية العلمانية التي تتمسح بها وتتدعم الآلة الاستبدادية منذ قديم، في ترويج الخوف الأصولي، وهو ما بدأ يتبدى بقوة في الحالة التونسية من قبل عدد من المراقبين والمحللين غير التونسيين والتونسيين كذلك، منذ أن أعلن عن عودة حركة النهضة ورفض الحظر عنها، واحتمالات عودة رئيسها الأستاذ راشد الغنوشي قريبا من منفاه في لندن.
وهو ما بدأت بعض الجرائد الغربية والكتابات العربية تحذر منه، وتصنع منه فزاعة تهدف فقط لاستئناف الحجة القديمة لنظام بن على في تبرير استبداده، والحجة الدائمة لعدد من الأنظمة في تبرير وجودها وهيمنتها ونظامها الكلي بفزاعة الإسلاميين، كما هو باد في مصر والجزائر وغيرهما.
ونظن أن حضور هذه الفزاعة الآن في الحالة التونسية هو جزء من محاولة احتكار الثورة والشرعية، والعودة للمربع القديم، وإنكار للتطورات الهائلة التي شهدتها حركة النهضة على المستويين النظري والعملي، في قبولها بقيم التعددية والديمقراطية وتوسيع حدود المرجعية وعدم انجرافها لأي عمليات عنفية رغم محاصرة النظام السابق لها بكل الوسائل العنيفة.

ونزيد أن حركة النهضة التونسية رغم أنها لم تكن مؤثرا في الهبة الأخيرة التي بدأت من سيدي أبوزيد، ولم تدع شيئا من ذلك، ويعاني حضورها من ندرة في الشارع التونسي في الوقت الحالي، إلا أنها النموذج العربي الأقرب كما يتجلى في كتب رموزها للنموذج التركي للعدالة والتنمية، والأكثر قربا من طرحه عربيا حتى الآن، رغم أننا نستبعد صعود الإسلاميين وهيمنتهم على النظام السياسي في مجتمع حر وحي شأن المجتمع التونسي، وهم بديل شرعي يأتي احتجاجا على ممارسات الأحزاب والأنظمة المستبدة، وليس اختيارا مرجحا حين تكون كل الاختيارات متاحة، وحين تتعدد النخب- القبلة التي يمكن أن يقصدها الناس ويثقون بها يستحيل أن يبقى الإسلاميون قبلة راجحة، فهم قبلة راجحة متى عدمت القبلات الأخرى أو فسدت.

وهذا مرجح في ظل ميزة واضحة من ميزات ثورة الياسمين أنها أتت خالية من الشعارات الأيديولوجية، سواء الإسلامية أو القومية، فقد خرجت من مخاض احتياجات الإنسان العادي اعتراضا على السلطة المطلقة والمفسدة المطلقة، وتأكيدا على حقوق المواطنة والعدالة الاجتماعية، وهذه المخاضات الآنية واليومية والاحتياجات التي لا تقبل التأجيل يصعب أن تزاح من أجل دولة دينية صار حتى خطاب النهضة بعيدا عنها بكثير.
ومن المهم في هذا السياق التأكيد على أن تونس أوسع من تيار واحد أو اتجاه واحد، وإن هذه الفزاعات، الإسلاميين أو حتى مجموعات اليسار الجديد الصاعدة والفاعلة في الشارع التونسي الآن، هي تبريرات لاحتكارات ممكنة وسيناريو معروف في احتكار الثورات كما سبق أن أسلفنا، أو مغازلة للغرب المهووس بالإسلاموفوبيا والخوف الأصولي في شرعنة وجود المستبد لا غير.
ونؤكد كذلك على أن الديمقراطية يمكن أن تحمي نفسها، وقد نجحت حركات حقوق الإنسان، منظمات ومقولات، في إحداث تطورات بنيوية في مواقف العديد من الإسلاميين في تونس والمغرب بالخصوص من مسألة الديمقراطية ومنظومة الدولة، عبر ما كان يسميه الراحل النبيل محمد السيد سعيد" التعلم بالديمقراطية" الناتج عن الحوار مع الحركات ذات الإسناد الديني، وفي المجتمعات التي تمكن للديمقراطية والتعددية تحمي هذه المبادئ نفسها، ومن هنا لا نرى أي شرعية لفزاعة الإسلاميين في تونس حاضرا أو مستقبلا بأي حال، وكفانا أن هذه الفزاعة كانت أداة المستبد- سابقا وحاليا- في شرعنة استبداد وشرعنة وجود جماعات العنف الديني في مواجهته، التي تلح على عدم نجاعة السبل السلمية في تعيير الجماعات المعتدلة عن رؤاها.

ولعل التركيز على هذه الفزاعات أو تبادل الاتهامات بين قوى الثورة أو محاولة احتكار الشرعية الثورية والانحباس في لحظتها دون التحول للمعمار التوافقي لها الذي يقبل التعددية ويركز على قضايا الوطن دون قضايا الفصيل، فقد كان التحزب أكبر عائق أعاق ثورة مصر الكبرى سنة 1919 عن تحقيق هدفها في الاستقلال بل والحفاظ على الدستور لخلاف الرفقاء وسعى بعض قادتها لاحتكار زعامتها، رغم تجاوب كل الشعب معها حين انطلقت شرارتها الأولى.
النخبة التونسية ومعمار الثورة
لما سبق ووعيا بالمشاكل البنيوية التي أعاقت ثورات العرب السابقة، فأحالتها لأنظمة ثورية ولكن عسكرية وأحادية، تسئ لمنطق السلطة وفلسفة الأمر، والبقاء عقودا في لحظة الثورة وشرعيتها عقودا دون تشييد معمارها، الذي أعلنته أهدافا ومبررات لها، التي خرجت من رحم المجتمعات لتحقيقها، التي اجتاحت من الضروري التحول من منطق الثورة الملتهب إلى فلسفة العمران وبناء الدولة الهادئ والتوافقي! من لحظة بوعزيزي لمنطق ابن خلدون، وضرورة تحلى النخب المتصدرة للمشهد جميعا بالتجرد ونكران الذات، تقديم المجال العام على المجال الخاص، والتحلي بلغة جديدة تتجاوز لغتنا العتيقة في الحوار السياسي التي تشبه لغة المفاخرة والمنافرة في أدب المعارضات في العصر الجاهلي، حين تصر على الظن والاهتمام وترويج الإشاعات المتبادلة.

يقوم معمار الثورة على مبدأ أساس وهو الاتفاق على الأهداف الكلية وتجاوز التفاصيل الاختلافية، وضرورة اعتماد مرجعيات مفتوحة في سياقاتها لا تحتمل اختلافا ضيقا أو تختنق داخل منظور أيديولوجي ضيق، فالأحادية النظرية والمنظورية هي أساس التسلطية والشمولية السياسية.
ربما يكون صوابا القول أنه لا توجد ثورات ناجحة قدر ما توجد إخفاقات دول، ولكن الأصح أنه قد لا تنجح الثورة في تحقيق دولتها التي لا حملتها وعودها الثورية، وهذا هو التحدي البنيوي الذي يواجه القائمين عليها، ويستدعي الانتقال من لحظتها لفلسفتها ومعمارها وتحديد تحدياتها واستجابتها وإستراتيجيتها في إنفاذ ما تريد دون إغراق في التفاصيل أو في معارك فرعية، وهو ما يمثل العلامة الأبرز على جدارة النخبة التونسية الفاعلة الآن بهذا الشعب الذي سبقها واستطاع أن يجبر مضطهديه ونظام بن على الديكتاتوري على الفرار والاختفاء في زوايا النسيان.

ربما يمكننا القول أن النخبة التونسية كانت أصدق فعلا وأكثر قدرة على التغيير، وعدم إرباك حركة الشارع أو تعويقه، أكثر من سواها في مصر والجزائر، البلدان الأكثر ترشحا الآن لتمثل الحالة التونسية على المستوى الشعبي، خاصة وأن نظام بن على لم يستطع تدجين وتحريف كثير من عناصر هذه النخبة الفاعلة عن مساراته، بينما استطاعت الحكومات الأخرى تدجين وتشويه كثير من النخب وقوى المعارضة والإصلاح، فغدا معارضا كبيرا من لم ينل مغنما كان يسعى إليه على موالاته، وغدا مواليا كبيرا من نال ما أراد، وتوافق قوى معارضة ومعترضة سياسات تعود الناس معارضتها لها لمجرد بعض المكاسب العارضة، فضلا- وهو الأهم- صار السجال- وليس غير السجال- هو سمة الخطاب العام والمجال العام، اتهامات متبادلة وتحيزات واضحة تتوزع على كل الجوانب.. وفي هذه الحالة نقول هذه هي الحاجة الملحة لإنتاج نخب بديلة، وصارت عملة المثقف المستقل الذي يتماهى مع ضميره ورسالته في الإصلاح عملة نادرة، وكثيرا ما يكون بعيدا مقصى لأنه بعيد عن الولاءات والموالاة! وفي الحالة المصرية تاريخيا كان دور المثقف مهما في التغيير، وقراءة سير العديد من الفاعلين في التاريخ السياسي المصري يلاحظ علو ثقافتهم واتساع أفقهم المعرفي بشكل كبير، بدءا من مصطفى كامل مرورا بسعد زغلول حتى كثير من ضباط ثورة يوليو.

أما في الحالة الجزائرية فالملاحظ هو أن "سير الفاعلين السياسيين في الجزائر، مستوياتهم الثقافية بسيطة جدا، وأن المثقفين وأصحاب الشهادات دورهم محدود جدا. ومن ميزات التاريخ السياسي في الجزائر ضعف دور المتعلم والمثقف" وأنه تحول في الجدل السياسي إلى دور قطاعي، كما يقول عبد الناصر جابي فيحاور" المثقف المعرب جمهورا معينا والمثقف المفرنس يخاطب جمهورا آخر، وكل واحد يستعمل لغة محددة ومفاهيم محددة ولا يتوجه إلا إلى جزء من الأمة. وعندما نصل إلى المستويات السياسية يتحوّل الأمر إلى قطاعية. هناك جرائد تتوجه إلى جمهور معين. جريدة ''الوطن'' ذات تأثير كبير جدا لكن في قطاع معين، في الفئات الوسطى والإطارات وكبار السن. أما ''الشروق'' فلها تأثير لدى قطاع آخر الذي يمثله المتعلمون باللغة العربية. نحن في مستويين متباينين والنتيجة هي ضعف تأثير المثقف وعدم وجود مثقفين يقومون بعملية تجسير. ''المثقف الوطني'' غير موجود في الجزائر لكنه موجود في تونس وموجود أيضا في المغرب وفي مصر"(2).

ونحن نظن أن المثقف المصري الفاعل- الآن- هو مثقف سجالي خاصة المعتبرين اجتماعيا وقاعديا والأقرب للشهرة، في جزء كبير منه، ورغم دفع مشكل كالتوتر الطائفي له للعودة للدائرة الوطنية إلا أنه سريعا ما ينتقل لدوائر السجال المعروفة الأخرى، فضلا عن أن أغلب التأطيرات القائمة تمارس التوصيات والنصائح المنظمة أكثر منها تمارس نقدا جذريا وفعلا اجتماعيا تغييريا واضحا.
ونظن أن الحالة التونسية التي حفلت بمثقفين أكثر اتساعا وأكثر تسامحا سياسيا مع المختلفين معهم أيديولوجيا، وإصرار كثيرين منهم على الاحتفاظ باستقلالية المثقف، تماهت مع الحالة الاجتماعية الجديدة التي حركتها نخب وسيطة وجديدة ووسائط الاتصالات الحديثة، ويبقى الاختبار الأكبر لها هو في تحديدها إستراتيجية تونس- المستقبل من مرجعية توافقية وتعددية بشكل رئيس.
_______________

كاتب وباحث مصري

الإحالات:

1 – انظر جريدة الحياة في 21 يناير سنة2011 .
2 - انظر حوار أحميدة عياشي مع الدكتور عبد الناصر جابي، جريدة الجزائر نيوز في 17 يناير سنة 2011، على الرابط التالي: http:// w w w .djazairnews.info

المصدر: مركز الجزيرة للدراسات

 

 


البواسل

ليس القوي من يكسب الحرب دائما
وإنما الضعيف من يخسر السلام دائما

   

رد مع اقتباس