عرض مشاركة واحدة

قديم 20-08-09, 07:55 PM

  رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
المنتصر
مشرف عام

الصورة الرمزية المنتصر

إحصائية العضو





المنتصر غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

المرحلة الثانية : محمد الثاني سلطاناً على البلاد :

بعد أن اتضح لنا في المرحلة الأولى كيف تربى محمد ليكون قائداً ربانياً يجب أن تنتقل لمرحلة ما بعد الولاية والحكم وهي منقسمة لعدة مراحل .

1- مرحلة التجديد الجهادي : وهي المرحلة التي استمرت طيلة حياة الفاتح بدءاً من فتح القسطنطينية مروراً بفتح جنوب اليونان وشمال رومانيا وبلاد البوسنة حتى محاولة فتح إيطاليا حتى مات رحمه الله أثناء خروجه للجهاد في سبيل الله لفتح إيطاليا , وتلك المرحلة استولت على معظم حياة الفاتح المليئة بالفتوحات والغزوات ولعل الطريقة والإعداد لفتح القسطنطينية تحتاج إلى حلقة خاصة للتكلم عنها وأسباب الانتصار والفتح .



2- مرحلة البناء الحضاري : يخطئ البعض عندما يظن أن الكلام عن البناء الحضاري والتوسع العمراني نوع من الركون إلى الدنيا والخلود إلى الأرض وأنه مذموم بالكتاب والسنة وهذا الأمر وهذا التصور الخاطيء بالغ الخطورة ذلك لأن البناء الحضاري هو القاعدة الضرورية الصلبة للتحقق من أي انتصار في ميادين الجهاد فما معنى الانتصار والغزو والفتح إذا لم تتحول تلك الانتصارات لإنجاز حضاري يستوعب شعوب البلاد المفتوحة فلا قيمة لهذه الفتوحات وهذا الفهم أدركه تماماً السلطان محمد الفاتح فكان مشروعه

الحضاري متكاملاً كما يلي :

- اهتم بالناحية العلمية اهتماماً بالغاً تبعاً لتربيته العلمية والإيمانية فأنشأ الكثير من المدارس والمعاهد وعمل على جلب العلماء والأدباء من شتى أنحاء الدنيا وعمل على تطوير مناهج التعليم وكان من أوائل الناس الذين وضعوا فكرة الامتحان الذي لابد من النجاح فيه للجواز للمرحلة التالية وأنشأ مكتبة ضخمة بمسجده الذي بناه بالقسطنطينية وعمل على ترجمة أمهات الكتب الأجنبية في شتى فروع المعرفة خاصة الطب والصيدلة والفلك .

- اهتم الفاتح ببناء المساجد والمستشفيات والحمامات والأسواق الكبيرة والحدائق العامة وأنشأ مستشفاً عاماً بالمعنى المعروف وعلى النظم المعمول بها الآن وكان العلاج فيها مجانياً بدون تمييز بين الرعية .

- توسع الفاتح في الاهتمام بالتجارة والصناعة والتنظيمات الإدارية وشكل لجنة من خيار العلماء لتشرف على وضع 'قانون نامة' المستمد من الشريعة وجعله أساساً لحكم دولته واهتم بتنظيم العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين ووضع نظامًا لحكام الأقاليم ونواب الولايات بصورة تشبه لحد بعيد التقسيم السائد الآن .

كل ذلك وكان محمد الفاتح على دراية تامة بما يجري على أرض دولته وكان كثيراً ما ينزل ليلاً يستمع لكلام الناس وشكواهم بنفسه بيقظة واهتمام وأعانه على ذلك رجال دولته الأكفاء .

ومما سبق عرضه من حياة السلطان محمد الثاني الملقب بالفاتح أثناء ولايته على المسلمين بقى أن نقول أن هذا القائد الرباني كان عنده بعض الصفات القيادية التي يجد أن تتوافر في القادة الربانيين منها :

الإخلاص : فإن كثيراً من المواقف التي سجلت في تاريخ الفاتح تدلنا على عمق إخلاصه لدينه وعقيدته ومما يؤثر عنه في مناجاته لربه عز وجل أنه قال :

- نيتي : امتثالي لأمر الله 'وجاهدوا في سبيل الله ' .

- وحماسي : بذل الجهد لخدمة ديني دين الله .

- عزمي : أن أقهر أهل الكفر جميعاً بجنودي جند الله .

- وتفكيري : منصب على الفتح على النصر على الفوز بلطف الله .

- جهادي : بالنفس وبالمال فماذا في الدنيا بعد الامتثال لأمر الله .

- وأشواقي : الغزو مئات الآلاف من الموات لوجه الله .

- رجائي : في نصر الله وسمو الدولة على أعداء الله .

العلم : فلقد نشأ الفاتح على حب العلم والعلماء وخضع منذ صغره لنظام تربوي علمي متكامل فتعلم القرآن والحديث والفقه والعلوم العصرية وكانت يكتب الشعر بالتركية , وبرع في علم الفلك وكان يشرف بنفسه على صناعة المدافع ويجربها بنفسه وهذه الصفة جعلته يجل ويحترم العلماء ويجعلهم خاصته ومستشاريه , وأكبر دليل على علمه وذكائه الوقاد ما فعله أثناء حصار القسطنطينية عندما نقل سفن الأسطول العثماني على ألواح خشب ضخمة مدهونة بالزيت والشحم وذلك لمسافة ثلاثة كيلو مترات على أرض اليابسة في فكرة عبقرية تدل على سعة علمه وذكاهء الفذ .

العزيمة والإصرار : وهذا يتضح جلياً من إصراره لفتح القسطنطينية رغم المتاعب الجمة التي لاقها أثناء ذلك ومما يؤثر عنه أنه لما جاءه رفض قسطنطين بتسليم المدينة قال كلمته الشهيرة 'حسناً عن قريب سيكون لي في القسطنطينية عرش أو يكون لي فيها قبر' وعندما استطاع البيزنطيون أن يحرقوا القلعة الخشبية الضخمة المتحركة كان رده 'غداً نصنع أربعاً أخرى' وكان من شدة حزمه أنه كلما ظهر تقصيراً أو تكاسل من قواده فأنه كان يعزله فوراً كما فعل مع قائد أسطوله بالطه أوغلي عند حصاره للقسطنطينية وقال له 'إما أن تستولي على هذه السفن وإمام أن تغرقها وإذا لم توفق في ذلك فلا ترجع إلينا' .

وكان من عزمه أن يواصل الغزو والفتح حتى يفتح إيطاليا ويربط حصانه بكنيسة القديس بولس 'الفاتيكان' ويعلف الشعير في مذبح الكنيسة لحصانه ومات وهو خارج للجهاد لفتح إيطاليا .

الشجاعة : كان رحمة الله يخوض المعارك بنفسه ويقاتل الأعداء بسيفه وفي إحدى المعارك في بلاد البلقان تعرض الجيش العثماني لكمية من قبل زعيم البوغدان 'جنوب رومانيا' استفان حيث تخفى مع جيشه خلف الأشجار الكثيفة المتلاصقة وبينما المسلمون بجانب تلك الأشجار انهمرت عليهم نيران المدافع الشديدة من بين الأشجار وانبطح الجنود على وجوههم وكاد الاضطراب يسود صفوف الجيش لولا أن سارع محمد الفاتح وتباعد عن مرمى المدافع وعنف رئيس الإنكشارية محمد الطرابزوني على تخاذل جنده ثم صاح فيه 'أيها الغزاة المجاهدون كونوا جند الله ولتكن فيكم الحمية الإسلامية ' وأمسك بالترس واستل سيفه وركض بحصانه واندفع به إلى الأمام لا يلوي على شئ وألهب بذلك نار الحماس في جنده فانطلقوا وراءه واقتحموا الغابة على من فيها ونشب بين الأشجار قتال عنيف بالسيوف استمر من الضحى إلى الأصيل .

وصية القائد الرباني محمد الفاتح لابنه :

هذه الوصية قالها الفاتح لابنه وهو على فراش الموت والتي تعبر أصدق التعبير عن منهجه في القيادة والحكم بعد حياة حافلة في سدة الحكم لأكثر من ثلاثين سنة وتعبر عن قيمه ومبادئه التي آمن بها والتي يتمنى من خلفائه من بعده أن يسروا عليها والتي تحتوي على صيانة الدين وحراسة الأمة وصناعة الحياة في توازن فريد لا يكون إلا في دين الإسلام وقادته الربانيين 'كن عادلاً صالحاً رحيماً وابسط على الرعية حمايتك بدون تمييز واعمل على نشر الدين الإسلامي فإن هذا هو واجب الملوك على الأرض , قدم الاهتمام بأمر الدين على كل شئ ولا تفتر في المواظبة عليه ولا تستخدم الأشخاص الذين لا يهتمون بأمر الدين ولا يجتنبون الكبائر وينغمسون في الفحش وجانب البدع المفسدة وباعد الذين يحرضونك عليها , وسع رقعة البلاد بالجهاد , احرس أموال بيت المال من أن تتبدد وإياك أن تمد يدك إلى مال أحد من رعيتك إلا بحق الإسلام واضمن للمعوزين قوتهم وإندل إكرامك للمستحقين , وبما أن العلماء هم بمثابة القوة المثبوتة في جسم الدولة فعظم جانبهم وشجعهم وإذا سمعت بأحد منهم في بلد آخر فاستقدمه إليك وأكرمه بالمال حذار حذار لا يغرنك المال ولا الجند وإياك أن تبعد أهل الشريعة عن بابك وإياك أن تميل إلى أي عمل يخالف أحكام الشريعة فإن الدين غايتنا والهداية منهجنا وبذلك انتصرنا ' .

الخلاصة.
وهكذا تكون حياة القادة الربانيين وهكذا تكون وصاياهم وحرصهم على دين الله عز وجل حتى بعد مماتهم , ولقد توفى رحمه الله في 4 ربيع أول سنة 886هـ وهو خارج للجهاد في سبيل الله واسمع شهادة كبير مؤرخي زمانه عبد الحي بن العماد الحنبلي في كتابه شذرات الذهب 'كان من أعظم سلاطين بني عثمان وهو الملك الضليل الفاضل النبيل العظيم الجليل أعظم الملوك جهاداً وأقواهم إقداماً واجتهاداً وأثبتهم جأشاً وقواداً وأكثره توكلاً على الله واعتماداً , وله مناقب جميلة ومزايا فاضلة جليلة وآثار باقية ومآثر لا يمحوها تعاقب السنين وغزوات كسر بها أصلاب الصلبان والأصنام من أعظمها فتح القسطنطينية الكبرى '


 

 


المنتصر

يقول احد القادة القدماء وهويخاطب جنوده . ( اذا لم تكونوا مستعدين للقتال من أجل ما تروه عزيزاً عليكم , فسوف يأخذه أحد ما عاجلا أو اَجلا , واذا كنتم تفضلوا السلام على الحرية فسوف تخسرونهما معاً , واذا كنتم تفضلوا الراحة والرخاء والسلام على العدل والحرية فسوف تخسروهما جميعا ) .

   

رد مع اقتباس