عرض مشاركة واحدة

قديم 20-08-09, 06:57 PM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
المنتصر
مشرف عام

الصورة الرمزية المنتصر

إحصائية العضو





المنتصر غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي قضية القيادة الربانية



 

قضية القيادة الربانية : قراءة في فكر قائد رباني



المقدمة.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد ..

إن الجائل ببصره وبصيرته في تاريخ أمتنا منذ نشأتها إلى وقتها الحاضر يجد أن هذه الأمة تعاني من أزمة حقيقة وفقر شديد في القيادة الربانية الراشدة هذا إذا استثنينا عصر الخلاقة نجد أن عصر الأمويين ثم العباسيين والأندلسيين ثم المماليك ثم العثمانيين ثم عصر اللاخلافة ثم عصرنا الحديث لا تكاد ترى في هذه الأعصر المتعاقبة إلا قائداً واحداً أو اثنين من الربانيين في كل عصر .

هذا على الرغم من أن القيادة الربانية من أهم أسباب نهوض الأمة والتمكين لها لأن قادة الأمة هم عصب حياتها وبمنزلة الرأس من جسدها وكم من قائد رباني قيضه الله عز وجل لقيادة سفينة الأمة في بحر متلاطم الأمواج من الفتن والابتلاءات فأحسن قيادتها وحقق آمال الجماهير وطموحات الشعوب اليائسة وكم من قيادة خائنة باعت دينها وأمتها وآثرت رضا أسيادها طالما سيحفظون لها أن تبقى جاثمة على صدور المسلمين .

وللتدليل على أهمية القيادة نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمر بطاعة الأمراء والقادة 'اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي' وبايع صحابته على السمع والطاعة وعلى ألا ينازعوا الأمر أهله 'أي القادة' إلا أن يروا كفراً بواحاً عندهم فيه من الله برهان وجعل طاعة القائد من طاعته صلى الله عليه وسلم 'من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقط أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني' .

لكن من هم الربانيون ؟ وأين هم ؟ وكيف كانوا ؟ وما كانت هي أولوياتهم ؟ وكيف يحيون ؟ وعلى ماذا يموتون ؟ وكيف يكون عندنا مرة أخرى قيادة ربانية ؟ .

إنهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية وعمر بن عبد العزيز والمهتدي بالله ونور الدين محمود وصلاح الدين وقطز ومراد الأول ومحمد الفاتح وعثمان الأول وعبد الحميد إنهم طابور ليس بالطويل إنهم النجوم التي لا تأفل بموت أصحابها والشموس التي لا تغيب بانقضاء عصورها وأيامها , إنهم الذين رأوا أن ولايتهم وقيادتهم للمسلمين تكليف لا تشريف وتبعة ومسئولية لا متعة ورفاهية فترى الواحد منهم يفر منها ولا يسعى إليها ولا يرضاها إلا عند حتمية القبول وإجماع الأمة عليه , إنهم الذين أجهدوا أنفسهم وأهليهم من أجل حماية الأمة والسهر على راحتها وصيانة دينها من عبث العابثين .

إن دولة القيادة الربانية كانت النموذج الفذ في تاريخ البشرية والمثال الأقوم لحقائق هذا الدين , ولقد قاد هؤلاء الربانيون إنقلاباً في حياة الأمة البشرية عامة والمسلمة خاصة بل في الوجود المادي كله وحققوا نجاحاً منقطع النظير على كافة المستويات رغم تباين الزمان مرة أخرى وفي أي فترة زمانية فالانقلاب الذي قاده وأحدثه عمر بن عبد العزيز وجد من يقوده ويحدثه بعد عدة قرون على يد نور الدين محمود ثم بعده بعدة قرون محمد الفاتح وهذا يؤكد أيضاً على حقيقة هامة يشهد لها تاريخ أمتنا وهي أن الإسلام كعقيدة ومنهج حياة كاملة قادر في أية لحظة تتوافر فيها قيادة ربانية على تغيير شكل الواقع مهما كان انحطاطه وبعده عن المنهج الأصيل .

ومن خلال تلك الدراسة التاريخية السريعة سوف نعرض لعدة نقاط على شكل حلقات تاريخية .

الحلقة الأولى : قراءة في فكر قائد رباني .

الحلقة الثانية : كيف تعد قائداً ربانياً - محمد الفاتح نموذجاً .

الحلقة الثالثة : صناعة العملاء – أتاتورك , محمد علي نموذجاً .

الحلقة الرابعة : اغتيال الأمل .

الحلقة الأولى : قراءة في فكر قائد رباني.

دائماً ما تكون طريقة التفكير هي التي تحدد كيفية العمل وتحدد الأولويات وتحدد خطة القيادة ودائماً السؤال الذي يثور في الأذهان عند دراسة سير القادة الربانيين هو كيف يفكر هؤلاء القادة ؟ وماذا يدور في عقولهم ؟ وإنما يتضح لنا ذلك جلياً من مواقفهم وأقوالهم وقراراتهم التي هي إنعكاس صادق لطريقة تفكيرهم .

بعد يوم السقيفة ومبايعة الخاصة لأول قائد بعد نبيها صلى الله عليه وسلم دخل أبو بكر المسجد النبوي واعتلى منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرص على أن ينزل درجة دون مقام النبي صلى الله عليه وسلم وبدأ في طرح برنامجه العملي للقيادة وطريقة تفكيره وتصوره العقيدي بكلمات ولكنها تمثل الحقائق الأساسية والركائز الأصلية التي يجب الإعلان عنها والالتزام بها .

قال : 'أيها الناس إني قد وليت عليكم ولست بخيركم إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني الصدق أمانة والكذب خيانة والضعيف فيكم قوي عندي حتى أخذ الحق له والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله , لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلى ضربه الله بالذل , ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء , أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم' .

قد يظن البعض أنها كلمات مترجلة سريعة لا تعبر عن خطة عمل اقتضتها الظروف الانتخابية أو مجرد خطب حماسية تستثار بها العواطف الجياشة لأمة فقدت للتو نبيها وقائدها ومعلمها ليضمن بها القائد الجديد إسكات المعارضين كما فعل بعد ذلك من الذين رمت بهم الأقدار لسدة الحكم بلا سباقة ولا فضل ولا ميزة إنما هي إنعكاس صادق لفكر هذا القائد الرباني .

إني قد وليت عليكم ولست بخيركم :

مع أول قراءة لفكر القائد الرباني يتضح لنا أنه يريد أن يسير على نفس الدرب الذي بدأه القائد الأعلى كبير الربانيين محمد صلى الله عليه وسلم فالقائد إنما هو رجل من الناسب واحد من جماهير الأمة اختارته للقيادة لما فيه من مزايا خاصة ولكن لا يعني ذلك أنه فوق مستوى البشر أو من طينة غير طينتهم بل هو مثلهم تماماً حتى لا يضفي على نفسه عصمة أو قدسية أو ظلال لرب السماء في الأرض كما تصور الناس في الجاهلية القديمة وفي عصور الصنميات والوثنيات والتي نكاد نراها الآن بصورة أو بأخرى بأقنعة زمنية مختلفة , فالقائد الرباني يرى نفسه واحداً من الناس هو مسئول أمامهم وليسوا هم مسئولين أمامه .

إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني :

هذا البند من بنود المشروع العملي للقيادة الربانية هو تأكيد آخر على البند الأول فهو بشر يخطئ ويصيب وهو غير معصوم من ميل أو خطأ لذلك فهو يحتاج للمعونة والمشورة والنصح والإرشاد وهو بذلك يقر مبدءاً هاماً في معادلة القيادة والحكم الرباني فالمسئولية مشتركة بين الطرفين القائد والرعية فله عليهم حق الطاعة ولهم عليه حق النصح والإرشاد والنقد والرقابة الدائمة وعندما ينمو هذا الحس النقدي والوعي الرقابي لدى أفراد الأمة وآداءها وبالتالي فهي أمة نشيطة متحركة واعية قادرة على تغيير المنكر والواقع مهما كان سوءه وبالتالي هي أمة حية فإن الأمة التي لا تنتقد ولا تعارض لهي أمة ميتة وإن بان للعيان غير ذلك .

الضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله :

هذا البند من بنود الفكر والتطبيق معاً هو بند لا يتخلف في أي برنامج قيادي عملي ألا وهو بند ومفهوم العدل الذي جاء به الإسلام هو أساس وركيزة أي حكم حتى وإن كان كافراً والعدل الذي يقرره هذا القائد الرباني هو العدل بمفهومه الواسع الشامل ابتداءاً من مسألة الطعام والشراب وانتهاء بموقف الإنسان في العالم فيأمن من الجميع الجور والظلم , ولعل الظلم هو السبب الأول والرئيسي في هلاك الأمم واستبدالها حتى قال ابن تيمية 'إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة والدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والإسلام , وقال الرازي في تفسيره لقوله عز وجل 'وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون' قال 'إن المراد من الظلم في هذه الآية الشرك والمعنى أن الله تعالى لا يهلك أهل القرى بمجرد كونهم مشركين إذا كانوا مصلحين في المعاملات فيما بينهم يعامل بعضهم بعضاً على الصلاح وعدم الفساد' وقال القرطبي على ذات الآية 'إن الله تعالى لم يكن ليهلكهم بالكفر وحده حتى ينضاف إليه الفساد' .

الصدق أمانة والكذب خيانة ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء :

ينتقل القائد بعد إقرار مبادئ العدل والنقد الذاتي والتقويم والمسئولية المشتركة يؤكد القائد الرباني في برنامجه الحركي على الأهمية القصوى للالتزامات الأخلاقية للمجتمع المسلم هذه الالتزامات هي التي تميزه عن المجتمعات الجاهلية المنحلة وهي أيضاً الشعار الذي يميز المجتمع المسلم وبمثابة الهوية التي لا يمكن التفريط فيها وهو يعبر بعبارة واسعة لكل ما هو مخالف للأخلاق الإسلامية فيقول 'الفاحشة' فإن العفن والفساد إذا تسربا لأي مجتمع دون أن يكون لدى هذا المجتمع الإرادة الجادة والقيادة الربانية لوقفهما واستئصالهما فسوف يتحولان إلى بلاء جارف يأخذ الجميع في طريقه ولا يميز بين الصالح والطالح لأن البلاء ليس عقلاً يعمل في التاريخ إنما هو عذاب ينصب على تاريخ الأمة وعندما تعجبت أم سلمة من هلاك الأمة وفيها الصالحون قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم 'نعم إذا كثر الخبث' .

لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل :

بعد أن أعلن القائد الرباني عن برنامجه العملي للقيادة على المستوى الداخلي والجبهة الشعبية يبلور مفهومه بالتزامه الأساسي على المستوى الخارجي وهو ليس جبهة بعينها بل هو العالم بأسره لذلك فهو يحذر من تركه لأن معنى ذلك بمنتهى البساطة هو الذل والصغار وكأن بأبي بكر الرباني يرى من خلال فراسته ما ستؤول إليه حال الأمة عند ترك الجهاد الذي هو بمثابة حركة الأمة الدائمة في العالم لإسقاط القيادات الجاهلية الضالة وإتاحة حرية الاعتقاد للإنسان حيثما كان مكانه دون التقيد بزمان أو جنس أو لون أو لغة أو انتماء وبالتالي فالجهاد هو مبرر وجود الجماعة المسلمة في كل زمان ومكان وهدفها العقيدي ومعامل توحدها ومجال تطورها , والجهاد كهدف إيماني حركي دائم يشد أفراد المجتمع المسلم بعضهم إلى بعض ويوجههم صوب بؤرة واحدة ويجعلها تقود حركة التحرير على مستوى الإنسانية ومت يتخلف هذا البند من بنود القيادة فإن الأمة تفقد ريادتها ومواقعها الأمامية في قيادة البشرية وبدلاً من أن يحطموا معاقل الجاهلية والشرك إذا بتلك المعاقل توجه الضربات المتلاحقة على أمة الإسلام وقد كان .

أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم :

ويختتم القائد الرباني برنامجه بالركيزة الخاتمة والضامنة لتطبيق كل البرنامج والحافظة لمصداقيته والدالة على شرعيته فيؤكد على أن الطاعة التي يتحتم على الأمة أن تمارسها إزاءه إنما هي مستمدة من طاعته هو شخصياً لله ورسوله وإنها ليست طاعة مؤبدة لا تسقط مهما كانت الظروف بل هي مرتبطة بطاعة الله ورسوله وجوداً وعدماً فالجميع في نهاية الأمر قيادة وقاعدة سواء أمام الله ورسوله ولن يكتسب فعلهم التاريخي قيمته إلا بمدى استمداده من شريعة الله ومعطيات رسوله صلى الله عليه وسلم .

مما سبق عرضه يتضح لنا بعد قراءة في فكر هذا القائد الرباني أن هدفه الأسمى هو المحافظة على دين الله عز وجل وصيانته من العبث والتحريف ثم سياسة المجتمع المسلم به بوضع ركائز الضمان الاجتماعي ومقومات استمرارية الحركة والحيوية التي بني عليها الرسول صلى الله عليه وسلم المجتمع الأول في المدينة فمجتمع نظيف رباني حركي فعال يعرف دوره المطلوب منه تماماً وقيادة ربانية تسوس هذا المجتمع بدين الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لذلك نجد أن التطبيق التنفيذي لهذا البرنامج المعلن من أول يوم جاء على أكمل وجه

وأدق تصوير وأوضح انعكاس لهذا البرنامج ويتضح لنا ذلك من أهم أعمال الصديق التي قام بها خلال فترة حكمه الوجيزة :

- أول قرار اتخذه تسيير جيش أسامة بن زيد.

- القضاء على فتنة الردة ومانعي الزكاة.

- بدء الفتوح الإسلامية الكبرى في الشام والعراق .

- جمع القرآن عملاً بنصيحة عمر بن الخطاب [قبول النصح والإرشاد والتوجيه لصيانة الدين بالجملة كان التزامهم العملي ينزل على أرض الواقع في صورة حكم رباني يعكس الصورة المثلى للمجتمع المسلم الفذ في أجلى صوره] .

 

 


 

المنتصر

يقول احد القادة القدماء وهويخاطب جنوده . ( اذا لم تكونوا مستعدين للقتال من أجل ما تروه عزيزاً عليكم , فسوف يأخذه أحد ما عاجلا أو اَجلا , واذا كنتم تفضلوا السلام على الحرية فسوف تخسرونهما معاً , واذا كنتم تفضلوا الراحة والرخاء والسلام على العدل والحرية فسوف تخسروهما جميعا ) .

   

رد مع اقتباس