عرض مشاركة واحدة

قديم 20-04-09, 08:56 AM

  رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

4- لمن تقرع أجراس النصر؟

وجه الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) رسالة إلى البرلمان الروسي (يوم 10 آيار - مايو 2006م) كان مما تضمنته ما يلي: " 00 لابد من التوقف عن خداع النفس بتعليق الآمال أن يعمل الآخرون على ترك روسيا لمتابعة تطورها السلمي، وتنمية اقتصادها واستعادة مواقعها في العالم، وهذا ما يفرض بالضرورة تطوير القدرة الدفاعية، وإن موسكو ترى وتتابع ما يجري في هذا العالم الذي تكثر فيه الذئاب النهمة غير المصغية لأحد، ويكثر فيه أولئك المتشدقون بشعارات الدفاع عن حقوق الإنسان والديموقراطية لتحقيق أغراضهم الخاصة دون الالتزام بأي قيود"، ويمكن اعتبار هذه الرسالة هي أقوى رسالة توجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية وسياساتها منذ انتهاء عصر الحرب الباردة (1991م)، وهي تعبر بصدق عما حققته (روسيا الاتحادية) وريثة الاتحاد السوفيتي من مكاسب عبر استنزاف أمريكا في حربها على أفغانستان ثم على العراق.

ولئن كان إغراق أمريكا في رمال أفغانستان هو من وجهة نظر السياسة الروسية - غير المعلنة - بمثابة انتقام لهزيمة القوات السوفيتية في حربها على أفغانستان (1981 - 1989م)، فإن فشل أمريكا على أرض العراق قد أظهر لصانعي السياسات الأمريكية قوة النفوذ الروسي في المنطقة، فالمفروض أن الأهداف الأمريكية المعلنة عند غزو العراق - وتلك غير المعلنة أيضاً - هي حرمان روسيا من مناطق نفوذها في طهران وبغداد ودمشق.

واستطاعت روسيا - بطرائقها الخاصة - دعم المقاومة العراقية بما تحتاجه من الوسائط القتالية - وبخاصة ضد المدرعات والحوامات - وأفادت روسيا من انصراف أمريكا لمتاعبها في الحرب ضد أفغانستان والعراق وفلسطين والعالم العربي والإسلامي، فعملت موسكو على تنظيم قواعدها وعلاقاتها مع طهران ودمشق ودعمهما بشبكات صاروخية مضادة للطائرات وبوسائط متنوعة، مع تقديم دعم سياسي قوي (ظهر في أزمة طهران مع المجتمع الدولي في موضوع الملف النووي الإيراني، وكذلك في أزمة سوريا تجاه علاقاتها مع دول الجوار).

ولابد من ربط هذه التطورات الروسية بتطورات أكثر قوة وصلابة من خلال تطوير التحالف الاستراتيجي (الروسي - الصيني - الهندي) خلال السنوات الأخيرة بخاصة، فكان ماتضمنته رسالة الرئيس (بوتين) بمثابة إعلان واضح وصريح لتحذير أمريكا من أجل الابتعاد عن مناطق النفوذ الروسي في إيران وسوريا، وهذا ما أكدته التصريحات الروسية عبر الاتصالات الثنائية مع هذه البلاد، والتي عكستها مواقف قادة طهران ودمشق؛ فهل يمكن القول إن السياسة الروسية قد حرمت أمريكا من الوصول إلى الحسم العسكري، ومن قطف ثمار النصر؟ ولكن، هل يمكن بالمقابل طرح فرضية أخرى، وهي دفع أمريكا للرد على هذا التحدي الجديد بتوجيه ضربات لطهران ودمشق، وبالتالي المزيد من الغرق الأمريكي في محيط (الاستنزاف المادي والمعنوي) مما يخدم سياسات التحالف الآسيوية الروسية - الصينية - الهندية، ويمنحها مزيداً من القدرة على الوصول إلى توازن استراتيجي حقيقي - اقتصادي - عسكري - سياسي - على مستوى العالم؟.

تظهر خلاصة تجربة الحرب الأمريكية على أفغانستان والعراق أهمية تقدم العمل السياسي على العمل العسكري، وضرورة هيمنة السياسة الاستراتيجية على السياسة العسكرية، وتتطابق هذه الخلاصة مع خلاصة تجربة الحرب العالمية الثانية، فعندما ألهب الزعيم الانجليزي (ونستون تشرشل) مشاعر العالم الغربي - بخاصة - بفصاحته الشهيرة وبكلماته النارية ليعلن الحرب على (الديكتاتورية - النازية)، لم يكن يدرك أنه بإعلانه هذا إنما يعلن نهاية عمر الامبراطورية البريطانية التي حكمت العالم لأكثر من ثلاثة قرون، وسيطرت على أربعة أخماس الكرة الأرضة؛ ولو أنه عرف مسبقاً أن لعبة الحرب لن تلقح إلا ثماراً محرمة، لما تمسك (بالممر البولوني) سبباً لإشعال فتيل الحرب الذي كان يملك وحده القدرة على إشعال طرفه، بل ربما كان قد تنازل عن حماية بولونيا كلها للوصول إلى تسوية سليمة مع الزعيم الألماني (هتلر)، وكان ذلك أمراً ممكناً. وهكذا قاد (تشرشل) بريطانياً والعالم إلى حرب - وهو معصوب العينين برباط من العمى السياسي - وعندما انتهت الحرب، كان هناك عالم بكامله قد اختفى (عالم الغرب الاستعماري) لينهض على أنقاضه عالم جدد هو عالم الثنائي (الأمريكي - الروسي)، فهل ستتكرر أخطاء سياسات الحروب الامريكية حتى تصل إلى وضع أمريكا في هامش بعيد عن العالم، أم أنها ستدرك أعماق اللعبة الدولية وتطوراتها الراهنه، فتترك إسرائيل وسياسات الصقور، لتعيد علاقاتها مع عالم المستقبل، عالم الوطن العربي والاسلامي؟ ألم يكن تحالف أمريكا مع المسلمين هو الذي مهد لانتصار السياسة الامريكية على آلة الحرب السوفيتية التي كانت أنذاك آلة الحرب الأولى في العالم؟.

وعودة بالبحث إلى بدايته، ففي صراع مثل الصراع الامريكي العراقي، ليس هناك فخر لأمريكاً إن انتصرت قدراتها العسكرية على قدرات عسكرية من حجم ونوع القدرات العسكرية العراقية؛ ورغم ذلك لم تحقِّق نصراً عسكرياً حاسماً، وليست هناك مهانة أو مذلة تنزل بالشعب العراقي أن أصابت قدراته القتالية هزيمة في حرب مع قدرات عسكرية من حجم القدرات الأمريكية ونوعها، بل يمكن القول إنها النصر بالهزيمة للعراق، والهزيمة بالنصر الأمريكي، فكيف إذا كانت الخسارة الفادحة من نصيب الطرفين المتحاربين، فيما ذهبت ثمار نصر الحرب إلى اطراف أخرى أفادت من الحرب حتى أبعد الحدود لدعم (قدرة الكمون الحربي) بكل مكوناتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية؟!

 

 


   

رد مع اقتباس