عرض مشاركة واحدة

قديم 20-04-09, 08:53 AM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي المعركة الحاسمة وحروب المستقبل



 

تبقى معارك الفتوح الإسلامية - نموذجاً واضحاً للمعارك الحاسمة، إذ عادة ما كان يتم حسم المعركة في يوم، أو بعض يوم، أو حتى عدد قليل من الايام، وذلك باستثناء إعمال حصار المدن؛ وجاءت الحروب الحديثة (حروب نابليون بونابرت بصورة خاصة 1795-1814م) لتعيد أهمية المعركة الحاسمة في الحروب، ثم جاءت الحرب العالمية الأولى، ثم الثانية، لتعيد من جديد مبدأ (المعركة الحاسمة) وتضعه في المرتبة الأولى من قائمة مباديء الحرب.

ولم تكن المعارك الحاسمة في (حرب الصاعقة الألمانية) سواء في أوروبا وروسيا أو حتى في شمال أفريقيا (1941-1943م) بلا محاولات واضحة للإفادة من خصائص المعركة الحاسمة وميزاتها، وأول ذلك الحد من الخسائر والاستنزاف والتخفيض من ويلات الحرب والدمار، والاقتصاد في الجهد القتالي. غير أن الاضطراب في موازين القوى العسكرية والتباين الكبير حمل الأطراف الأقل قوة على التماس أساليب (حرب المطاولة - أو الحروب الطويلة الأمد) ونموذجها حروب التحرير في الصين والهند الصينية والجزائر. والسؤال المطروح هو: ما هو دور المعركة الحاسمة في حروب المستقبل على ضوء تجارب الحروب الحديثة؟

1- الحسم في التجربة الأفغانية والعراقية

احترقت (كابول) بالشرر المتطاير من برجي مركز التجارة العالمي في (نيويورك) وحرائق (واشنطن) يوم 11 ايلول - سبتمبر 2001م، غير أن رحلة الشرر الأمريكي من أمريكا إلى أفغانستان استغرقت زهاء أربعين يوماً، وبعد ذلك بعام أو بعض العام تقريباً، انطلقت شرارات الحرب من أفغانستان إلى العراق (في 20 آذار - مارس 2003م)، فها هي الحرب الأمريكية في أفغانستان تدخل عامها الخامس، فيما تمضي الحرب على العراق خلال شهور سنتها الرابعة، فهل يمكن وضع هذين النموذجين من الحروب في إطار (حروب الصاعقة - المميزة بمعركها الحاسمة)؟ أم أنهما النماذج المتجددة من الحروب طويلة الأمد التي تتوارى فيها المعارك الحاسمة وراء ضباب أعمال الاستنزاف؟ قد تكون الإجابات على مثل هذه التساؤلات كامنة في متابعة بعض المواقف ذات العلاقات الوثيقة بهذه الحروب؛ ولنبدأ في ذلك من الجبهة الأفغانية، ففي يوم 30 كانون الثاني - يناير 2006م، صدرت صحيفة (التايمز) للندنية وعلى صفحاتها تصريح للأمين العام لحلف شمال الأطلسي - الناتو - (ديهوب شخيفر) جاء فيه: "لاتستطيع أفغانستان في الوقت الحاضر حل مشاكلها بمفردها، وعلينا أن نساعدها؛ ومن الخطأ الكبير أن نتركها في مثل هذه الظروف، وإعطاء الفرصة لعودة الإرهابيين إليها؛ وإن قوات حلف شمال الأطلسي هناك هي على أعلى مستوى من التدريب والقدرة للقيام بواجباتها، غير أن الحكومة الهولنديه لا تستطيع حالياً اتخاذ قرار لإرسال قوات إضافية إلى أفغانستان بسبب الأخطار، وإن إرسال قوات والمشاركة في المهمة، لن يتم بدون التعرض للأخطار، ولهذا السبب نحن موجودون ضمن تشكيل القوات التابعة لحلف شمال الأطلسي، إذ إن مهمتنا هناك هي مواجهة الأخطار والقضاء عليها".

ويذكر أن قوام القوات الهولندية في أفغانستان يضم حوالي 1400جندي، تم نشرهم في منطقة آمنه نسبياً في جنوب أفغانستان، ولاريب أن استمرار الوضع الخطير في أفغانستان كان هو الدافع الرئيس لعقد (مؤتمر أفغانستان - في لندن) يوم 10 كانون الثاني - يناير 2006م، الذي جرى عقده تحت رعاية هيئة الأمم المتحدة والحكومة الأفغانية، وشارك فيه الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة (كوفي عنان) والرئيس الأفغاني (حامد قرضاي) ووزيرة الخارجية الأمريكية(كوندوليزا رايس) ورئيس الوزراء البريطاني (توني بلير) بالإضافة إلى ممثلي ستين دولة مانحة للمساعدات لأفغانستان.

واعتبر هذا المؤتمر تكميلاً لمقررات (مؤتمر بون) الذي عقد في نهاية العام 2001م - بعد سقوط نظام طالبان - وكان هدفه تقديم الدعم لأفغانستان، وقد صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية - تعقيباً على مؤتمر أفغانستان في لندن - بما يلي: "إن الهدف من مؤتمر أفغانستان هو التأكيد للشعب الأفغاني أن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي مازالا ملتزمين بمساعدة أفغانستان التي شاركت في الحرب على الإرهاب. إن الولايات المتحدة لن تنسحب من أفغانستان في الوقت الراهن، لقد ارتكبنا خطأ في الماضي، عندما انسحبنا من أفغانستان بعد جلاء القوات السوفيتية، ودفعنا ثمن ذلك في هجمات يوم 11 ايلول - سبتمبر 2001م في الولايات المتحدة، ونلتزم الآن باستمرار وجودنا هناك حتى يتم إنهاء عملنا.

ولقد انطلقت مسيرة أفغانستان من الأيام المظلمة لحكم طالبان. وهذا مما أدى إلى انتخاب البرلمان الأفغاني في شهر ايلول - سبتمبر 2005م، وشكل ذلك قصة نجاح جيدة. إلا أن أفغانستان تعاني من مشاكل تجارة المخدرات، والفساد المستشري، وهي من أفقر دول العالم، ويظهر ذلك أن الطريق ما يزال طويلاً وشاقاً أمامنا في أفغانستان. وقد دخلت المسيرة الأفغانية مرحلة جديدة، أعطتنا الفرصة للحديث عن التنمية التي تعتمد أفغانستان على نفسها من خلالها، إن الهدف هو أن يقف الشعب الأفغاني على قدميه".

أما الرئيس الأفغاني (حامد قرضاي) فأعلن أنه يسعى للحصول على المزيد من الدعم المادي الدولي لتنفيذ خطته الخمسية التي أطلق عليها اسم (عقد أفغانستان) أو (أفغانستان كومباكت)، والتي تحتاج لمبلغ 4 مليارات من الدولارات كمعونات سنوية، لتطوير البلد المدمر بسبب الحروب خلال العقود الثلاثة الماضية، وذكر أن الؤتمر سيشهد التوقيع على عقد شراكة مدتها خمس سنوات بين الحكومة الأفغانية، والدول المانحة التي تقدم مساعدات تشكل 90% من الموازنة الأفغانية، وبذلك حصلت أفغانستان منذ العام 2001م على أكثر من 8 مليارات من الدولارات في صورة معونات. لكن ذلك لم يمكِّن من القضاء على الفساد أو القضاء على زراعة الأفيون وتجارة المخدرات المنتشرة في أفغانستان، بحيث أن تجارة الأفيون شكلت ثلث الاقتصاد الوطني في العام 2005م (والتي وصلت إلى 7ر2 مليار دولار).

وأعقب ذلك تصعيد في الاقتتال على أرض أفغانستان. وفي اليوم الأول من آذار - مارس 2006م، قام الرئيس الأمريكي (جورج بوش) بزيارة لأفغانستان، وعقد مباحثات (في كابول) مع الرئيس الأفغاني (حامد قرضاي)، صرح بعد اختتامها بما يلي: "إنني على ثقة من أنه سيتم اعتقال زعيم تنظيم القاعدة (أسامة بن لادن) وتقديمه إلى المحاكمة، وإن القوات الأمريكية لا تطارد (بن لادن) وحده؛ بل إنها تلاحق كل من يتآمر ويخطط معه. وتعمل القوات الأفغانية والباكستانية بدورها على مطاردة زعيم القاعدة؛ واغتنم الفرصة للتعبير عن إعجابي بالتقدم الذي حققته أفغانستان، والذي يعود الفضل الكبير فيه لحكومتكم بقيادة الرئيس قرضاي".

ورد الرئيس الأفغاني بكلمة جاء فيها: (إن أفغانستان مدينة للولايات المتحدة التي قادت الحملة العسكرية التي أطاحت بنظام طالبان، ونحن مدينون لدعمكم وقيادتكم في إعادة بناء السلام والديموقراطية اللذين يعتبران خطوات قوية نحو المستقبل).

ولكن، أين تقع كلمات الرئيسين الأمريكي والأفغاني من تحذير رئيس بعثة هيئة الأمم المتحدة في أفغانستان (توم كوينفز) الذي وجهه إلى مجلس الأمن (يوم 15 آذار - مارس 2006م) وجاء فيه: (لقد عمل تنظيم طالبان بعد الحرب الأمريكية في أفغانستان في العام 2001م على إعادة تجميع قواته في بعض المناطق؛ لكن التفاصيل المتوافرة لدينا قليلة. وهناك حوادث وقعت بعد أن أعلنت طالبان مسؤوليتها عنها وأكدت أنها مازالت موجودة. وإن استعادة طالبان لفاعليتها، يشكل تهديداً خطيراً في أفغانستان.

وأطلب من مجلس الأمن توسيع بعثة هيئة الأمم المتحدة حتى تتمكن من دعم الحكومة الأفغانية بشكل أفضل في المناطق النائية من البلاد، وإن غياب الأمن، وضعف مؤسسات الحكومة الأفغانية الجديدة - وبخاصة في المناطق النائية - هما المشكلتان اللتان تواجهان البلاد، وبالتالي فيجب دعم الحكومه لمنع طالبان من استعادة تنظيمها وخلق بيئة من عدم الأمن والتهديد في أرجاء البلاد، فهناك مفجرون انتحاريون بشكل دائم، مما يؤدي إلى تشكيل مناطق غير آمنة).

فهل عودة طالبان للعمل على جبهه أفغانستان هو سبب غياب الأمن والسلام، أم أن الاحتلال هو الذي ساعد - بأخطائه - على دعم قدرة طالبان بصورة غير مباشرة وغير مقصودة بالتأكيد؟ وهل يمكن توقع الوصول إلى مخرج من هذا المأزق الصعب الذي تجابهه القوات الأمريكية وقوات التحالف (إيساف) في أفغانستان؟
وكما يحدث في أفغانستان، يقع في العراق، ولكن بوضوح أكبر، فالحرب العراقية قد تجاوزت كل التوقعات الأمريكية والغربية في استطالة مدتها وفي شدة معاركها، وفي وفرة خسائرها، وفي انعكاسات نتائجها، ليس في الأفق العربي فحسب، وإنما في المحيط العالمي عبر إعادة التوازنات الدولية.

لقد صدرت عن الإدارة الأمريكية، وعن مراكز الأبحاث السياسية والاستراتيجية في الولايات المتحدة، مجموعات ضخمة من الدراسات الهامة خلال السنوات الخمس الماضية من مرحلة ما أطلق عيها اسم (الحرب على الارهاب)؛ ويمكن التوقف عند واحد منها أصدرته وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في 15 آذار - مارس 2006م وحمل عنوان: (احتمال دخول الولايات المتحدة الأمريكية حرباً طويلة الأمد على عدد من الجبهات في إطار "الحرب على الارهاب" وتحولها إلى حرب عسكرية باردة - طويلة الأمد)، لا تكون مدتها محددة بمدة شهر واحد أوسنة، وإنما قد تستمر عقوداً وحتى أربعين سنة، وتضع الولايات المتحدة في حالة حرب دائمة مع الارهاب. وتتلخص هذه الدراسة الاستراتيجية - التي ضمتها حوالي أربعين صفحة، والتي عادة ما تصدر كل أربع سنوات - بأنها عملية مراجعة للاستراتيجية الأمريكية الشاملة للحرب ضد الإرهاب، وتختزلها الكلمات التالية: " ما إن تجرد الارهابيين من متطلباتهم واحتياجاتهم للبقاء حتى تكون قد حققت الانتصار عليهم". وتتلخص الخطوط العامة لما يجب على الجيش الأمريكي تنفيذه والعمل به خلال السنوات الأربع القادمة في حربه طويلة الأمد ضد الإرهابيين بما يلي: "اعتماد تكنولوجيا استخباراتية جديدة، وزيادة معدل العمليات الخاصة لاعتقال عناصر القاعدة تحت شعار: اعثرْ، وثبِّتْ، وانهِ، وهناك ثمة تسعة عناصر لابد من تحديدها في التعامل مع الشبكات الإرهابية، وهي: القيادة، والملاذ الآمن، والتمويل، والاتصالات، والتحرك، والاستخبارات، والأسلحة، والأفراد، والأيديولوجية.

ويجب على الجيش الأمريكي أن يتمكن من المشاركة في تأسيس وتكوين محيط عالمي يرفض استضافة أو احتضان الإرهابيين، أو تقديم الدعم لهم أو حمايتهم، حتى يتم تجريد خلايا الإرهابيين وعزلها عن قيادتها، هذا مع الاستعداد الدائم لمهاجمة شبكات الإرهابيين في الخارج وتعطيلها. وبذلك يمكن حرمان الأعداء من قدرتهم - أو حتى من رغبتهم - في مهاجمة الولايات المتحدة الأمريكية".

وفي الواقع، فإن هذه الخطة الأمريكية الموصوفة بالجديدة (الحرب طويلة الأمد) ضد الإرهاب، لا تحمل أي شيء جديد، إلا الاعتراف بواقع طبيعة الحرب - طويلة الأمد - والتي قابلها العراقيون بدورهم بالإعداد لحرب طويلة الأمد؛ وفقاً لما ذكرته يوميات الحرب العراقية (يوم 20 نيسان - إبرايل 2006م) التي أعلنت ما يلي: "تستعد تنظيمات مسلحة عراقية لخوض حرب طويلة الأمد في بغداد، حيث أكدت قوات حفظ الأمن أن مئات المسلحين انتقلوا من الرمادي إلى بغداد، ونقلوا معهم كميات كبيرة من الأسلحة إلى الأعظمية. وفيما تنتشر ميليشيات الشيعة (جيش المهدي وفيلق بدر) في أحياء الصدر والشعب، ينتشر (الجيش الإسلامي - وكتائب ثورة العشرين) في العامرية والخضراء، أما (القاعدة) فتنتشر في "الدورة"، وإنها لحرب طويلة الأمد في مواجهة حرب طويلة الأمد.

 

 


 

   

رد مع اقتباس