عرض مشاركة واحدة

قديم 11-01-24, 07:46 AM

  رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

قدم في واشنطن وعين على تل أبيب

الطريق إلى القدس يمر عبر نيويورك
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

بنيامين نتنياهو عندما كان ممثل إسرائيل الدائم لدى الأمم المتحدة (الفرنسية)

بدأ نجمُ نتنياهو يعلو، وبوجود فلور الفاتنة إلى جانبه، أشرقت شمسُه على قلوب شباب الجمهوريين. أزعجت نجوميته زملاءه في السفارة، فاشتكوا من كون نائب رئيس البعثة يدير مناسباته الاجتماعية الخاصة منفصلة عن المتطلبات الدبلوماسية وعن برنامج السفارة. لكن أرينز لم يُلقِ لهم بالا، وأفسح لبنيامين المجال لكي يسطع في سماء الولايات المتحدة. خلال تلك الفترة، التقى به ضابط كبير في الجيش الإسرائيلي يدرس في جامعة جورج تاون على متن رحلة جوية وأجرى معه محادثة تكشف طموحات الشاب الثلاثينيّ: "سألت بيبي على متن الطائرة: ’أين ترى نفسك بعد عشر سنوات؟‘، أجاب دون تردد: ’رئيسا للوزراء‘. فقلت له: ’يا رجل! عليك أولا التغلب على ديناصورات الليكود مثل شامير، ومن ثم أمراء الليكود'، أجاب بيبي: ’الديناصورات تموت والأمراء تمنعهم دماؤهم الزرقاء من القتال من أجل التاج‘".
وصلت انتخابات عام 1984 إلى طريق مسدود، حيث فشل شمعون بيريز للمرة الثالثة في الفوز زعيما لحزب العمل، ولم يتمكن بيريز ولا شامير من تشكيل ائتلاف أغلبية. وبسبب أوضاع الحرب مع لبنان والانهيار الاقتصادي، الذي بلغ فيه معدل التضخم السنوي 400%، لانت الأحزاب الكبرى لبعضها، وبعد أسابيع من المفاوضات اضطر بيريز وشامير إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، حيث تولى كلٌّ منهما منصب رئيس الوزراء لمدة عامين. أخذ بيريز دوره أولا، وتولى شامير وزارة الخارجية. لم يكن شامير يحترم نتنياهو أبدا، كان يراه "سطحيا، ومغرورا، وضعيف الهمّة". ظل شامير يردد لسنوات: "البحر هو البحر، ونتنياهو هو نتنياهو!".
كان منصب سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة على وشك أن يصبح شاغرا، وطلب بيبي من أرينز طرح فكرة تعيينه في هذا المنصب على شامير، ولكن شامير رفض، لعدم اقتناعه بالرجل.
سيلجأ نتنياهو إلى استثمار دمِ أخيه مرة أخرى، ويقصد بيريز. كان بيريز لا يزال يشعر بالذنب من مقتل يوني تحت إمرته، حين كان وزيرا للدفاع، وبوصفه رئيسا للوزراء كان لديه الحق في تعيين عدد قليل من السفراء، وقبل شامير قراره على مضض. كان بيريز يمدُّ يد العون للرجل الذي سيُنهي مسيرته في رئاسة الوزراء بعد أن يهزمه بنيامين في 1996.
في نيويورك احتفل نتنياهو بعيد ميلاده الخامس والثلاثين، بعد أن أصبح سفيرا لإسرائيل في الأمم المتحدة. هذه المدينة التي قضى فيها طفلا سنة بائسة في تعلم اللغة الإنجليزية، عاد إليها اليوم وهو خطيبٌ مصقع، ومتحدثُ أنيق. كانت شقة السفير على زاوية الشارع الثاني والثمانين والجادة الخامسة، مقابل حديقة سنترال بارك ومتحف متروبوليتان للفنون. لقد ابتسم الحظ أخيرا لابن أستاذ التاريخ، وصار يعيشُ كأحد الساسة ذوي البدلات الأنيقة، ويأكل في مطاعم منهاتن التي تتهيّبها جيوب الطبقة الوسطى. سيعتاد الرجل على هذا النمط من الرخاء، وحين يعود إلى إسرائيل لاحقا سيخبرنا أحد العاملين في حملاته الانتخابية أنه لم يمد يده قط ليدفع حساب اجتماع عمل!


رجل الدعاية والدراما

ما المانع من أن نجري مقابلة صحفية خلف أقنعة الغاز؟
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نتنياهو ظهر مرتديا قناع الغاز (من مقابلة مع سي إن إن)

أقنعة الغاز تملأ شوارع القدس وتل أبيب مطلع عام 1991 خوفا من الأسلحة الكيماوية، وجنود الاحتلال يفحصون أنظمة صفارات الإنذار، متجهزين لتوعُّدِ صدام بقصف إسرائيل. يصلُ رجلُ الدعاية الأول في إسرائيل إلى استوديو قناة "سي إن إن"، ترحبُ المذيعة ليندا شيرزر بالضيف القادم: "مرحبا سيد نتنياهو. علينا الاعتذار منك، لأن المقابلة قد أُلغيت، فقد جاءنا تحذير من احتمالية حصول قصف قريب من العراق". تلمعُ فكرة شيطانيّة في رأس نتنياهو. السياسيُّ الفذّ مَن يرى فرصة عظيمة في كل مأساة، هكذا يُحدِّثُ بنيامين نفسه، يتذكرُ وصية والده عن أهمية الدعاية، وأحاديثه المكرورة عن الهولوكوست.
هذه لحظة مناسبة لطبخِ مشهدٍ دراميّ يتفوق على كل تصريح رسميّ عن خطر النظام العراقي على إسرائيل. سوفَ يستدعي شبح الهولوكوست المخيف لدى الغرب، فها هو يهودي يلبس قناع الغاز، داخل كيان يهودي تحيط به بلدان معادية، ويحذر من نظام ديكتاتوري يقارنه بالنازيّة. يقول بنيامين: "حسنا ليندا، ما رأيكِ أن نبث الحلقة من وراء أقنعة الغاز؟". تبدو الفكرة مثيرة جدا للصحفيّة، بعد ترددٍ طويل، توافق على الفكرة، يرتديان قناعيهما، وتدورُ الكاميرا، ويبدأ البث.
كان هدف نتنياهو في سنوات سفارته شيئا واحدا؛ حفر صورته في ذاكرة الجمهور. يقول دبلوماسي سابق في البعثة الإسرائيلية للأمم المتحدة: "لم يكن بيبي مهتما كثيرا بالأعمال الداخلية للجان الأمم المتحدة، لكنه رأى خطاباته هناك بمنزلة أحداث تاريخية". "كان يسهر في تدقيق المصطلحات والألفاظ والاقتباسات التي سيُلقيها على مسامع العالم في كل خطاب، وكان يستغرق إعداده لخطاباته عدة أيام. وعندما يلقي خطابه أخيرا، يمنحك انطباعا وكأنه يلقي كلامه من عفو خاطره، وأن أفكاره ابنة ساعتها". كان الشيء الذي صاحبه منذ البداية على منصة الأمم المتحدة حبه لاستخدام الوسائل البصرية على المنصة. قال في مقابلة مع صحيفة معاريف إن أكثر ما يضايقه "الخطب المتكررة ذات النغمة الواحدة".
في أقل من شهرين، بدأ نتنياهو التطواف على وسائل الإعلام التي وثّق بها علاقته من أيام عمله في السفارة في واشنطن، فكان ضيفا دائما في غرفة أخبار صحيفة "نيويورك تايمز"، ولا يرد دعوة لقناة جديدة. سافر مرة إلى أتلانتا وكان مستعدا لإبهار المنتجين في شبكة "سي إن إن" الإخبارية، ثم أصبح ضيفا متكررا في برنامج لاري كينغ المباشر. حين سألوا لاري كينغ عن ضيفه، قال إنه ضيف جيّد، أعطيه 8 من 10، مشكلته أنه لا يملك حسّ الدعابة، وإلا لأعطيته 10 كاملة! أخذ بنيامين النصيحة، وصار يسهر على طبخ نكاتٍ ليقدمها في أي لقاء تلفزيوني يُدعى إليه أو خطاب يلقيه بعد ذلك. لكنْ شيئان يكون انعدامهما خيرٌ من تكلُّفهما: الظرف، والغناء. ظل بنيامين بغيضا حتى وهو يُلقي النكات المطبوخة.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
لحفر صورته في ذهن المشاهد الأميركي، كان بنيامين يحمل إزميل الدراما، ومطرقة المقارنات الشعبيّة ليحفر في ذهن المشاهد الأميركيّ دعايته الصهوينية. في أحد لقاءاته التلفزيونية، اقتربت بعض الحاضرات لتسأل المذيع: "هل هو مواطن أميركي؟ لأنه يجب عليه الترشح للرئاسة يوما ما!".
لكن هذه الدراما أصبحت جزءا من شخصيته ذاتها. ففي 1986، دُعي إدوارد سعيد إلى حوار مع نتنياهو حول الصراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ. حين دخل إلى الاستوديو، لم يجد سعيد سوى المذيع وكرسي يتيم للقاء الذي ينبغي أن يدور بين رجلين. ابتدأ المقدم الحوار بقوله: "يرفض بنيامين نتنياهو وإدوارد سعيد الجلوس في غرفة واحدة لمناقشة الشأن الفلسطيني". يقاطعه سعيد: "ليس لديّ أدنى مانع! وقد تفاجأت من عدم وجوده معنا!". حين سأله المذيع: "سيد نتنياهو، لماذا ترفض الجلوس مع سعيد للحوار؟ ولمَ لم تكتفِ بالجلوس في غرفة أخرى، بل آثرت الجلوس في مبنى آخر؟". بلهجة صارمة يجيب نتنياهو: "لأنه يريد قتلي!". يضحك الجمهور الذي يسمع القصة، ويضحك سعيد، أستاذ الأدب في أرقى جامعات نيويورك، وعازف البيانو، الذي ربما لا يعرف من أين يُمسك المسدس، يُتهم بالإرهاب، فقط لأنه فلسطيني!

بخيل.. غني بمال غيره

سينمو حس التطفل والتملق للأغنياء لدى نتنياهو حتى يصبح الخطر الأكبر على مستقبله السياسي
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

انتخاب بنيامين نتنياهو لزعامة حزب الليكود في 21 مارس/آذار 1993 (غيتي)

"لاَ أَحَدٌ أَقْبَحَ جُرْمًا مِنَ البَخِيلِ"
سفر يشوع بن سيراخ
الإصحاح العاشر
بعد انتهاء فترة عمل نتنياهو في الأمم المتحدة، غادر نتنياهو نيويورك وقد ألِف عيش النجوميّة والفواتير المدفوعة، وأراد أن يعيش حياة الدبلوماسيين حتى في بلده. انتقل الزوجان إلى شقة على الواجهة البحرية في تل أبيب يملكها الملياردير الأسترالي جون غاندل، وقد أعفاهما من الإيجار. وسينمو حسّ التطفل والتملق للأغنياء لدى نتنياهو، حتى يصبح الخطر الأكبر على مستقبله السياسيّ بعد أن يقع بسبب جشعه فريسة لقضايا الفساد التي ظلت تطارده. كان نتنياهو شحيح النفس، محبا للمال، لا يخفى على جليسه بخلُه، يقول عوزي أراد، مستشار الأمن القومي السابق لنتنياهو: "إنه بخيل إلى حد التطرف، لا تسخو نفسه بدفع ثمن وجبات الغداء!". وتتذكر موظفة سابقة عملت معه لفترة وجيزة: "كان بيبي شخصا يتجول بدون محفظة نقود".
لم تطب الحياة لفلور في تل أبيب، فانفصلت عن نتنياهو وغادرت في أوائل عام 1989، عائدة إلى الولايات المتحدة. وعاد بيبي مرة أخرى إلى القدس بعد أن انفصل للمرة الثانية، كهلٌ في الأربعين من عمره، مطلقٌ مرتين ويعيش مع والديه. بعد فشله في حياته الاجتماعية، أقبل نتنياهو بحرارة على انتخابات حزب الليكود. ولم يكن بمستغرب على مَن تروّى من أساليب الدعاية الأميركيّة، وصفقات جماعات الضغط في نيويورك، أن يحقق مركزا متقدما في انتخابات الحزب، فجاء في المركز الخامس على قائمة الحزب. وحين عُيّن صديقه موشيه أرينز وزيرا للخارجية اصطحبه معه نائبا له.
لم يكن لنتنياهو مجدٌ عسكريٌّ يبني عليه حضوره السياسي في الداخل الإسرائيلي، حيث اعتمد الساسة -وخاصة في الليكود- على شرعية عسكريّة، مثل مينحايم بيغن أحد أوجه الإرهاب الصهيوني، ومؤسس الإرغون، وأرييل شارون ملك الحرب الذي لم يتخلف عن حرب خاضها الكيان، وشامير الذي خدم في الهاغاناه، ثم في إرغون. في مجتمع مأزوم بالخوف من الزوال، قدّم نتنياهو نفسه خبيرا عالميا في الإرهاب، لقد حلّ عقدته العسكرية بخطابه. لمّا فاتته الحروب، أحيا روح الحرب داخل المجتمع وبقي يسوقهم بعصا الإرهاب، وجزرة الأمن. وحين أجرى حزب الليكود انتخاباته لقيادة الحزب في 1993، كان نتنياهو يشحذ مخالبه.
استطاع نتنياهو أن يكسب الطبقة القديمة في الحزب بتجويده لأفكار جابوتنسكي، الأب الروحي للحركة والرافد الفكريّ الأول لليكود، وعوّل على قدراته على التلاعب في مواجهة الجيل الجد. اصطدم بنيامين بمجموعة من سياسيي الجيل الثاني من ذوي العلاقات الجيدة الذين يحظون بإعجاب كبير، والمعروفين باسم "أمراء الليكود"، وساهم آباؤهم في تأسيس الحزب، من بينهم إيهود أولمرت، ودان مريدور، وبيني بيغن، وأخذ بنيامين يفعّل قدراته على التلاعب والخداع في تعامله معهم.
يقول أولمرت: "في أحد الأيام تلقيت مكالمة هاتفية، كان المتصل بيبي. طلبَ رؤيتي، لذا التقيت به، وقال لي: "اسمع، هناك شخصان فقط يستطيعان إدارة هذا البلد؛ أنا وأنت. لنعقد صفقة. لا أحتاج إلى أكثر من دورة واحدة، سآخذ دورة، وأنت تأخذ دورة"، قال لي: "فقط لا تقف ضدي"". وبعد بضعة أيام، يقول أولمرت إنه فوجئ بأنه أجرى المحادثة نفسها مع ميريدور، إذ قال ميريدور لأولمرت: "لقد أخبرني أن هناك شخصين فقط يستطيعان إدارة هذا البلد؛ هو وأنا". وفي وقت لاحق التقى أولمرت ببني بيغن الذي قال: "لقد أخبرني بالشيء نفسه!".

سارة.. أبغض امرأة في إسرائيل

أيهما أكبر ضررا على السياسي: الخيانات المتعددة أم الزوجة المكروهة؟
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
سارة نتنياهو (شترستوك)

لم يكن نتنياهو يمارس التلاعب والخداع على زملائه في الحزب فحسب، ولكنه كان يمارسه أيضا على زوجته. أثناء الانتخابات داخل الحزب، اتصلت به زوجته الثالثة سارة وهي تبكي بحرقة.
كانت سارة بن أرتزي مضيفة تعمل في طيران العال، والتقى بها في مطار سيخبول في أمستردام عام 1988 وتركت له رقمها، مع أنه كان متزوجا. كانت سارة امرأة مطلقة تستعد للحصول على شهادة الماجستير في علم النفس. فوجئ العديد من أصدقاء نتنياهو بصديقته الجديدة، التي ظهرت فورا بعد رحيل زوجته الثانية، وبدت مختلفة تماما عن زوجتيه السابقتين المستقلتين المُهتمتين بالعمل. كانت سارة أصغر من صديقها بتسع سنوات، هشة وطفولية.
أثناء حضورها المناسبات الاجتماعية مع بيبي، لم تكن تفارقه، ونادرا ما كانت تتحدث. هل كان منجذبا إلى ضعفها؟ ربما. لكنه، كما هو الحال دائما، كان مترددا في الالتزام معها، خاصة مع شخص تعلق به بشدة. خلال عام 1990، كان بيبي يلهو يمينا ويسارا ويواعد فتيات أخريات، وابتعد عن سارة لبضعة أشهر. ولكن تلك الشقراء الضئيلة في جِرمها كانت تطوي صدرها على إصرار فولاذي لم يلحظه أحد، فأبقت خيوط العلاقة ممدودة، في يناير/كانون الثاني 1990، سيساهم صدام حسين في زواج نتنياهو الثالث، حيث سقطت صواريخ سكود بالقرب من شقة سارة في إحدى ضواحي تل أبيب، فدعاها بيبي للانضمام إليه في القدس. وفي إحدى ليالي القدس الوادعة، أبلغته سارة بأنها حامل، وستلد في 1991 ابنا خارج نطاق الزواج، سيسمونه يائير.
للمرة الثالثة، أُجبر بيبي المتردد على الزواج. بعد أسابيع قليلة من انتهاء حرب الخليج الأولى، أُقيم حفل صغير في منزل والديه بحضور شامير وأرينز. في صباح اليوم التالي، ظهرت في الصحف صورة أُعِدَّت بعناية للزوجين، كانت سارة ترتدي فستانا ورديا يُخفي حملها، وكانت هذه أول صورة لسارة نتنياهو في وسائل الإعلام الإسرائيلية، المرأة التي ستصبح أبغض امرأة في تاريخ إسرائيل.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


بنيامين نتنياهو وزوجته سارة على متن طائرة تابعة للقوات الجوية الإسرائيلية (غيتي)


كان صوت سارة في اتصالها بزوجها، الذي يستعد ليكون رئيس الليكود، يتقطّع بالبكاء والنشيج، وبالكاد فهم نتنياهو منها أن أحدهم اتصل على منزله وقال لسارة: "أخبري زوجك أن لدينا شريطا فاضحا له مع إحدى موظفاته، وأن عليه الانسحاب من الانتخابات وإلا فإننا سننشر الشريط".
في سابقة في السياسة الإسرائيلية سيقف نتنياهو في 1993 ليعترف على الهواء مباشرة على شاشة التلفزيون بأنه كان على علاقة مع روث بار، مستشارته للعلاقات العامة، لكن نتنياهو، الذي اعتذر لزوجته وأعلن لها عن حبه، رفض الاستسلام أو الانسحاب من الانتخابات.
ظهرت تقارير في الصحافة الإسرائيلية حول شائعات مفادها أن سارة وافقت على استعادته فقط بعد أن جعلته يوقع على صيغة اتفاق ينص على أنه لا يمكنه الاتصال أو لقاء نساء أخريات دون علمها، وأن لها حق مرافقته في أي رحلة عمل. وبذلك فُتح بابُ المشاركة السياسية لسارة على مصراعيه، لكن نتنياهو لم يكن يعلم أن وجود سارة في حياته العملية سيكون أكثر ضررا عليه من خياناته المتعددة.
لاحقا سيقول أحد كبار مساعدي نتنياهو: "كان هدفنا كله هو بناء حاجز من الدفاع حول بيبي لحمايته من جنون سارة والسماح له بالقيام بعمله". قد تبدو علاقة نتنياهو بسارة أحد أكثر الألغاز استعصاء على التفسير؛ فهل كانت بتخصصها في علم النفس تتلاعبُ بالمتلاعِب؟ أم كانت تلبي حاجاته النفسية والزوجيّة، وربما شابهته في صفاته خاصة في حسن التدبير؟ نشرت صحيفة "واشنطن بوست" أن موظفي البيت الأبيض تفاجأوا من حمل سارة لكميات من الملابس المتسخة، لتستفيد من خدمة الغسيل المجاني لضيوف البيت الأبيض! يقول أنشيل فيفر، كاتب سيرة نتنياهو: "سارة هي أكثر امرأة مكروهة في إسرائيل، ولو طلّقها لكان على الأرجح أكثر شعبية. إنه يحبها… ويعمل بلا كلل لتبرئة اسمها وحصولها على الثناء الذي يشعر أنها تستحقه، وقد أدت جهوده إلى توريطه في إحدى قضايا الفساد التي يواجه اتهامات بها اليوم".
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
سيكون حضور سارة وتأثيرها في عمله ظاهرا على مدى عقدين. يحكي مدير الموساد مائير داغان عن زيارته لنتنياهو في مقر إقامة رئيس الوزراء، وبينما كان يُطلع داغان نتنياهو على بعض التقارير، دخلت سارة. طلب منه بيبي الاستمرار، لأن سارة مطلعة على كل أسراره، لكن داغان امتنع عن الحديث، وسأل إذا كان لديها تصريح رسمي من الشاباك. غادرت سارة المكتب، ولم يُدعَ داغان لزيارة مقر إقامة رئيس الوزراء بعدها أبدا.
نجحت سارة ويائير في إحاطة بنيامين بجوٍّ من الأمن والارتياح، وساعداه على التغلّب على عقدته في الثقة بأن أصبحا شريكين له في العمل، محاكين النسخ الأخيرة من عائلات الرئاسة الأميركيّة. بعد يومين من الانتخابات 2022، حسب رواية أحد مساعدي نتنياهو السابقين: "دعا مستشاريه إلى اجتماع وأخبرهم أن شخصا واحدا هو المسؤول عن هذا النجاح، ثم التفت مشيرا إلى يائير. أُصيب الحضور في الغرفة بالصدمة".

عائلة من الطفيليين

أن يكون رب البيت بالدف ضاربا
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وابنه يائير (أسوشيتد برس)

كما كانت سارةُ وابنها يائير من أسباب نجاحه، فإنهما سيعودان من أسباب بلائه، حيث شاركاه التُّهم في قضايا الفساد، في القضية المعروفة بـ"قضية رقم 1000" التي وُجِّهت فيها اتهامات إلى بنيامين وزوجته سارة وابنهما يائير بتلقي هدايا من أرنون ميلكان، رجل الأعمال الإسرائيلي، تشتمل على السيجار الكوبي الفاخر، وزجاجات من النبيذ تُقدر بـ125000 دولار، بالإضافة إلى مجوهرات مقدمة إلى سارة، كل هذا مقابل تسهيلات لميلكان في الاستثمار في إحدى الشركات الإعلاميّة الإسرائيلية، وتسخير مرافق الجيش للاستخدام الشخصي. كما يواجه نتنياهو تهما أخرى، منها قضية رقم 4000 التي يُتهم فيها بيبي بعقد صفقة مع شركة "والا" الإسرائيلية لتقديم تغطية إيجابية لرئيس الوزراء، مقابل مساعدة مالك الشركة في تحقيق مكاسب تُقدَّر بـ190 مليون دولار. وما زالت هذه القضايا منظورة أمام المحكمة.
لقد اعتاد نتنياهو مع عائلته الصغيرة نمطا عاليا من الاستهلاك. في تقرير صادر حول إنفاق أسرة نتنياهو أعده مراقب الدولة يوسف شابيرا، تضمن التقرير سجلات الإنفاق الجنوني من قِبل رئيس الوزراء وزوجته في مقر إقامتهما الرسمي، مثل إنفاق 18 ألف دولار على طلبات الوجبات الجاهزة خلال عام واحد، مع تزويد الحكومة لهم بطاهٍ مع طاقم كامل من الموظفين في مقر إقامتهم. ويشير التقرير إلى أن العائلة أنفقت أيضا 2120 دولارا شهريا لتنظيف منزلها على الشاطئ، وتضاعفت تكاليف التنظيف في مقر إقامتها الرئيسي في القدس إلى أكثر من 300 ألف دولار بين عامي 2009-2013. ويتضمن التقرير أيضا ادعاءات بعض موظفي الحكومة الذين طُلب منهم دفع مبالغ من جيوبهم لتغطية العديد من النفقات الشخصية لرئيس الوزراء، ولم تُسدَّد.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

سارة نتنياهو تتوسط ولديها "أفنير" (يمين) و"يائير" (الفرنسية)


لم يستغل نتنياهو جيوب موظفيه فحسب، بل كان يستفيد من كل سانحةٍ تلوح له أو فرصة تصادفه. وقد كان الرجلُ محظوظا. لو قرر موشيه أرينز الترشح لرئاسة الليكود في تلك الفترة، لتأخر صعود نتنياهو في الداخل الإسرائيلي؛ لأنه ما كان لنتنياهو أن ينافس مدرّبه وولي نعمته. ولكن أرينز قد صرف نظره عن المشاركة، فاغتنم الرجل هذه السانحة. بقي أمام بيبي عملاقان في الحزب: أرييل شارون، وديفي ليفي. أما شارون فقد فطِنَ لأجواء الحزب وتعطشهم لقيادة جديدة، فنأى بنفسه، متحرِّفا لمعركة أخرى، فصعدت أسهم المرشّح الجديد، وبرز نتنياهو وجها لوجه لديفيد ليفي. حين عصفت الفضيحة بحملة نتنياهو توجّهت الاتهامات إلى ديفيد ليفي، وأنه الواقف خلف عملية الابتزاز. حين وقف نتنياهو في التلفاز متذللا ومعتذرا لزوجته، شيء ما تغيّر في نفوس الناخبين داخل الحزب، فآثروا أن يصوتوا للمنحل المعتذر على التصويت للمبتزّ القاسي، مع أنه إلى اليوم لا يوجد إثبات على وجود التسجيل المزعوم.

في 1993، جاءت النتائج مفاجئة للجميع، بفوز نتنياهو على ديفيد ليفي وأمراء الليكود بنسبة 52%، وحصول ديفيد ليفي على 26%، وبيني بيغن 15%. كان هذا الفوز علامة لتاريخ جديد، فلأول مرة يرأس الجيل الثاني حزب الليكود، بعد مناحيم بيغن وإسحاق شامير.


يقتل القتيل ويمشي في جنازته

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

في سبتمبر/أيلول 1993، تخلّى ياسر عرفات عن بندقيته في أوسلو، ومدَّ يده إلى إسحاق رابين، ليمنحه دولة أو بعض دولة. لم يقدم له رابين سوى مصافحةٍ ووعدٍ لن يُنجز. كانت الاتفاقية تقتضي أن تتخلى منظمة التحرير عن المقاومة، وتعترف بدولة إسرائيل المسيطرة على 78% من الأراضي الفلسطينية. وفي المقابل تعترف إسرائيل بأن المنظمة الممثل الرسمي للشعب الفلسطيني، وتنسحب من أراضي الضفة وغزة، وتقر بحق الحكم الذاتي للفلسطينيين.
عارض نتنياهو الاتفاقية من أول يوم، وسعى لإفراغها من مضمونها على مدى سنوات حكمه. شارك نتنياهو في مظاهرات رفعت شعارات متطرفة، حملت إحدى اللوحات صورة رابين وفرعون، وكُتب عليها: "تجاوزنا فرعون، وسنتجاوز هذا أيضا!".
لكونه خبيرا في الإرهاب وإدارة الخوف، حاول نتنياهو أن ينزع الشرعية عن حكومة رابين، بالقول إنها تعتمد على العرب (الكتلة العربية التي دعمت الحكومة وأقرّت اتفاق أوسلو في الكنيست الإسرائيلي). في 1995، أعلن الحاخام الرئيسي في مستوطنة إفرات في الضفة الغربية أن نتنياهو هو رئيس وزراء القادم، وفي الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، اغتيل رابين في جنازته رفضت عقيلته ليئا رابين مصافحة نتنياهو، وقالت ليئا رابين التي توفيت 2000 إنها لن تسامح نتنياهو أبدا، لأنه كان مهندس التحريض على رابين. وحين فازَ نتنياهو بانتخابات رئاسة الوزراء في العام التالي، رُدِّدَ اقتباس من التوراة: "قتلتَ وورثتَ".
لم يكن بيريز، وهو أحد مؤسسي الدولة وأبو البرنامج النووي الإسرائيلي، يشك في فوزه على الشاب الذي جاء يستجديه قبل أعوام ليوظفه سفيرا في الأمم المتحدة، وأراد أن يثبت جدارته بأنه لن يستغل مقتل رابين للفوز على خصمه الذي كان مكروها من عامة الشارع الإسرائيلي وقتها، فوافق على تأجيل الانتخابات لستة أشهر، وكان هذا أحد أكبر أخطائه. كان نتنياهو قد حذق أساليب الحملات والضغط والتعبئة وجمع التبرعات، ولم يعول على خبرته فحسب، بل استعان بخبراء أميركيين لإدارة حملته، وعلى رأسهم أرثر فنكلشتاين الذي قاد نجاحات لمرشحين جمهوريين في الولايات المتحدة. وبأجر يساوي 1000 دولار على الساعة، وافق فنكلشتاين على إدارة حملة نتنياهو دون أن يتفرغ لها، فقد كان يشرف على حملات أخرى في الولايات المتحدة في الوقت ذاته، وتكفّل أحد أصدقاء بنيامين الأغنياء بتغطية تكاليف الحملة.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

شمعون بيريز (شترستوك)


استغل نتنياهو مركزية القدس في المخيال اليهودي، فرفع شعار "بيريز سيقسّم القدس"، لتأييد بيريز لاتفاقية أوسلو. حرص بيريز أن يظهر بصورة الرجل القويّ القادر على توفير الأمن للمجتمع الإسرائيلي، فشن حملة عناقيد الغضب على لبنان، التي جناها إدانة دولية بعد مجزرة قانا، وأمر بتنفيذ عملية اغتيال يحيى عياش، فانتقمت حركة المقاومة الإسلامية حماس ونفذت عمليات "الثأر المقدس" الاستشهاديّة في قلب إسرائيل. استغلّ نتنياهو وفنكلشتاين تخبط بيريز، فرفعا شعارا يطمئن الإسرائيليين، جمعا لهم فيه بين طمعهم في إنهاء حالة الحرب، وتحقيق الأمن، فكان الشعار: "نتنياهو: نصنع سلاما آمنا".
كثّف نتنياهو حضوره الإعلامي، وكرّس مهاراته التسويقيّة في نشر الوعود السياسيّة على المجتمع. بدأت الانتخابات بتقدم متوقع لبيريز، وذهب ليغط في نوم عميق، ولم يشهد لحظة التحول، حين انقلبت نتائج الفرز لصالح نتنياهو في الساعة 2:45 فجرا، ونزل أنصار الليكود يهتفون في الشوارع: "ربنا موجود، واذهب يا بيريز لبيتك!". كان "المرشح الذي استخدم الأسلوب الأميركي في الاقتراع ووسائل الإعلام هو الذي فاز"، كما قال ديك موريس المستشار السياسي لبيل كلينتون. حصل نتنياهو على 50.5% من الأصوات، متفوقا على بيريز بأغلبية 29457 صوتا، وكانت أصوات اليهود الشرقيين من عوامل الحسم لصالح نتنياهو، وسيحترف نتنياهو مغازلتهم في كل انتخابات، قال مرة لموشيه كحلوم رئيس حزب كولانو: "لن تحصل أبدا على أصوات الناخبين الشرقيين. أنا الوحيد الذي أستطيع جذبهم لأني أعرف مَن يكرهون. هم يكرهون العرب، وأنا أعرف كيف أبيع لهم هذه السلعة".
قد يكون شامير أول رئيس يمينيّ يغير سياسات إسرائيل نحو اليمين، ولكن مع وصول نتنياهو، لن يكتفي بالسياسات، وإنما سيعمل على تغيير النخبة وتصعيد اليمين في مؤسسات الدولة، وإنشاء مؤسسات يمينية موازية في التعليم، كجامعة بار إيلان، وفي الإعلام كقناة 14 وصحيفة "إسرائيل هيوم"، وسينتهي في آخر أيامه لمعركة القضاء التي لم تستكمل أحداثها بعد أن قطعها يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول. لقد غيّر بنيامين نتنياهو المجتمع الإسرائيلي إلى الأبد على مدى سنوات حكمه المتعاقبة، فقد صار التيار اليمينيّ والجماعات الدينيّة أصحاب كلمة عليا في الانتخابات، بفضل وفرتهم العددية، وقدرتهم على الإنجاب، وحملهم لمرشحهم نتنياهو ليكون أطول رئيس وزراء خدمة متجاوزا بن غوريون المؤسس. وهذا يعني أن التطرف السياسي داخل إسرائيل في قضايا الاستيطان والعداء للعرب يتجه إلى تصاعد مستمر، سواء بوجود نتنياهو، أو بعد رحيله.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

مؤتمر صحفي للرئيس الأميركي بيل كلنتون (يمين) في البيت الأبيض عام 1996مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (شترستوك)


كانت الإدارة الأميركية غضبى من نتائج الانتخابات، فقد كان بيل كلينتون داعما لبيريز، وسيضطر كلينتون لاستقبال بنيامين في البيت الأبيض بعد فوزه على حليفه بيريز. كان لقاء مأساويا لكلينتون الذي أراد الحديث عن مستقبل أوسلو، لكن نتنياهو وضع رجلا على أخرى وبدأ يحاضره عن الوضع الإسرائيلي والشرق الأوسط. سيخرج كلينتون من الاجتماع يقطرُ غيظا وهو يقول: "مَن يظن هذا الرجل نفسه؟ مَن فينا القوة العظمى، أنا أم هو؟!". بعد عقدين سيكرر نتنياهو تصرفه في المكتب البيضاوي، مع أوباما، ولكن هذه المرة سيكون العنوان مختلفا: "الخطر الإيراني".
لم يكن كلينتون وحده مَن يحمل مشاعر البغض لنتنياهو، فقد كان له أعداء في الإدارة الأميركية منذ أن قال في أحد خطاباته: "سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط تقوم على الأكاذيب والتحريف"، فمُنِعَ من دخول وزارة الخارجية. وفعل روبرت غيتس، الذي كان نائبا لمستشار الأمن القومي، الشيء نفسه، وكتب غيتس في سيرته الذاتية: "لقد شعرت بالإهانة من غبائه وانتقاده للسياسة الأميركية، ناهيك بغطرسته وطموحه الغريب"، وأضاف: "أخبرت مستشار الأمن القومي برنت سكوكروفت أنه لا ينبغي السماح لبيبي بالعودة إلى البيت الأبيض". حين تولى بايدن منصب نائب الرئيس في 2009، استضاف نتنياهو، وقال له: "ليس لديك أصدقاء كُثر هنا يا صاحبي، أنا صديقك الوحيد. اتصل بي حين تحتاج إلى مساعدتي". احتفظ نتنياهو بهذا الوعد، وسيستخدمه بعد ربع قرن، حين يحتاج إلى غطاء أميركي لحرب إبادة في غزة.
وحدهما نتنياهو ومن قبله غولدا مائير كانا الأجرأ على الإدارة الأميركية من وزراء الكيان، فربما لعيشهما فيها فقدا مهابتها، وشعرا أمامها بالنديّة. لقد كان غرض نتنياهو من التبغّض للإدارة الأميركية عرقلة أي تقدم لاتفاقية أوسلو التي تحمّس لها كلينتون.
لا يتعلق الأمر بموقف الساسة من نتنياهو بالخلاف السياسي فحسب، بل بسمات نتنياهو الشخصيّة من كذب وتذاكٍ، التي تجعله مكروها لدى كثيرٍ من نظرائه. في عام 2011، أذاع لاقطُ الصوت المعلق في سترة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي شكواه للرئيس باراك أوباما وتذمره من التعامل مع نتنياهو قائلا: "لا أستطيع تحمل نتنياهو، إنه كاذب". فأجابه أوباما: "لقد سئمت منه أيضا، لكن عليّ أن أتعامل معه أكثر منك".
يذكر جاريد كوشنر في مذكراته استثقال دونالد ترمب لنتنياهو، "وقلة صبره على ثرثرته"، وشكواه الدائمة منه. لكن الأمر لم يكن متعلقا بالساسة في الخارج، ففي الداخل الإسرائيلي كان نتنياهو بغيضا لدى الجميع. دعاه مرة شارون إلى مزرعته ليتعرّف عليه ويبني علاقة وديّة معه في بدايات التحاقه بالليكود، وفي نهاية اللقاء قال شارون: "هذا رجل لا يمكن الثقة به". وحين سئل عنه شامير قال: "لا أعتقد أنه يؤمن بأي شيء. غروره لا يُحتمل، ولستُ أحبه". هذا والرجلان يمينيان، يشاركانه المذهب والطريقة، وسلفاه في الليكود، فلا تسل عن بُغض اليسار له.


الحائر بين موسى وتشرشل

لم تفارق فكرة زوال إسرائيل أذهان أبناء بن صهيون
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

بنيامين نتنياهو (الفرنسية)

يقف نتنياهو في وسط داره، التي تغصُّ بحضور الفعاليّة التي يستضيفها بنيامين وسارة في بيتهما في تل أبيب سنويا لمنتدى التوراة الذي يحمل اسم والد سارة "شموئيل بن أرتسي"، ويتنحنح استعدادا للكلام، فتتضاءل أصوات المحادثات الجانبيّة، ويتجه الجميع إلى المضيف ليسمعوا ما لديه، كان هذا عام 2017 وعمر الكيان قد ناهز السبعين. بعد أن هدأت الأصوات يبدأ بنيامين بالحديث: "لا وجود يهودي بدون التوراة، وبرأيي ليس هنالك مستقبل يهودي بدون التوراة، هذا الأساس الأول والأعلى الذي نصرّ عليه!". تضج الغرفة بالتصفيق، لكن نتنياهو يكمل، وخيال والده يلمع في ذهنه: "إن دولة الحشمونائيم [وهي دولة يهودية قامت في فلسطين من 140 قبل الميلاد إلى 63 قبل الميلاد] صمدت ثمانين عاما، ونحن نعمل أن تحتفل إسرائيل بعيدها المئوي، سنقوم بكل ما ينبغي فعله للدفاع عن الدولة. صمدت دولة حشمونائيم 80 عاما وعلينا تجاوز هذا الرقم!"، ويعود الصخب إلى الغرفة بالتصفيق والأحاديث.
لم تفارق فكرة زوال إسرائيل أبناء بن صهيون، فقد عبأهم والدهم بها، وصارت هاجسا يهجسون به. كتب نتنياهو في مذكراته عن تدريبات الغوص، التي خضع لها أيام خدمته العسكرية في جنوب حيفا، عند قاعدة عتليت، أنه وقف على أنقاض قلعة صليبيّة تطل على البحر، وأخذ يسأل نفسه: "هل سنلقى نحن أيضا مصير الصليبيين، الذين سلموا الأرض المقدسة للمسلمين بعد قرنين من الزمان؟".
يرى نتنياهو المتشبّع بهاجس نهاية الدولة اليهوديّة أنه الوحيد القادر على تأخير هذه النهاية وحماية الشعب اليهوديّ، فعندما سئل في لقاء تلفزيوني عام 2011 عن الشيء الذي يرغب أن يتذكره الناس به، أجاب: "أني ساعدت في تأمين حياة الدولة اليهودية ومستقبلها".
تستولي فكرة العظمة على نظرة نتنياهو لذاته، فهو يحبُ أن يُقارَن بالزعماء المؤثرين في التاريخ، ويلذُّ له أن يقارن بتشرشل، وإن كان يرى نفسه كنبي الله موسى الذي استطاع أن ينقذ اليهود ويعبر بهم إلى بر النجاة مع إحاطة الموت بهم. قد يكون اقتران مولده بنشأة الكيان مما يحدوه لفكرة الاتحاد، فلا يتخيّل وجودا لإسرائيل إلا بحضوره وإدارته للأمور. هذا الحس الحلوليّ ليس غريبا عن اليهوديّة؛ "كما تبنَّت المسيحية فكرة حلول الإله في جسد المسيح، تبنَّت اليهودية بوصفها ديانة قومية مقولة حلول الإله في الشعب اليهودي"، كما أخبرني محمد الشنقيطي أستاذ مقارنة الأديان بجامعة حمد في الدوحة. وليس غريبا على نتنياهو الذي بعد سنوات من سيطرته على الليكود سيصرخ في وجه صحفيّ يناقشه في سياساته المخالفة لمبادئ الحزب: "أنا الليكود!". يعاني نتنياهو في معرفة حدوده الشخصيّة وحدود صلاحياته مع وهم العظمة الذي يشغل تفكيره، في أحد اجتماعات حكومته قال بملء فِيه: "ليس هناك حاجة إلى موظفي وزارة الخارجية، فأنا موجود!".
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
حين سألتُ الأخصائي النفسي محمود أبو عادي عن شخصية نتنياهو، وهل يعاني من اعتلال نفسيّ يجعله بغيضا لهذه الدرجة، أجابني محمود: "إن الدراسات النفسية تشير إلى أن شخصية نتنياهو تُشكِّل ما هو أسوأ من مجرد الاعتلال النفسي، حيث يُسجِّل قيما مرتفعة نسبيا فيما يصطلح عليه علماء النفس بـ"الثالوث المظلم للشخصية". تشمل هذه المقاييس مقياس الاعتلال النفسي، ومقياس المكيافيلية، ومقياس النرجسيّة. وحين تجتمع هذه الأبعاد في شخصية واحدة، فأنت أمام إما شخصيّة إجراميّة بالمعنى الحرفي للكلمة، وإما أخطر شخصية تلاعبيّة بالمعنى العاطفيّ للكلمة".
في سنوات خدمته الأولى رئيسا للوزراء، لم يكن أستاذ التاريخ المدمن على عالم الملاحم راضيا عن أداء ابنه، قال بن صهيون في مقابلة نادرة عام 1998: "إن [بنيامين] لا يعرف كيف يأسر الناس أو يستحوذ عليهم بالإحسان أو المديح"، و"لا ينجح دائما في اختيار الأشخاص الأنسب". لم يره والده سوى رجل دعاية وعلاقات، فقال: "ربما كان [بيبي] أكثر ملاءمة لوزارة الخارجية من رئاسة الوزراء". لا شك أن تترك هذه التصريحات ندوبا في وعي نتنياهو، الذي سيبقى عازما على العودة إلى منصبه وإثبات خطأ والده بسياسات أكثر تطرفا، وسيقدم نفسه ليس بوصفه زعيما لإسرائيل فحسب، بل للشعب اليهوديّ في كل العالم، وقائدا للغرب في معركة حضاريّة ضد الإسلام. لم تزل كلمات شمعون بيريز التي قالها في تأبين أبيه بن صهيون نتنياهو في 2012 ترنُّ في أذنيه: "لقد كتبَ أبوكَ التاريخ، وأنت اليوم تصنعُه!".
بعد أحداث مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر/أيلول 2001، عاد نتنياهو للظهور في وسائل الإعلام الأميركية بوصفه خبيرا في مجال "الإرهاب".
غلبته الحماسة في رد فعله الأول على الحدث، الذي سجلته صحيفة "نيويورك تايمز"، عندما سُئل: "ماذا يعني الهجوم بالنسبة للعلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل"، فقال: "إنه جيد جدا"، ثم استدرك قائلا: "حسنا، ليس جيدا جدا، لكنه سيولد تعاطفا فوريا [مع إسرائيل]… وسيعزز الروابط بين شعبينا". كان نتنياهو يرى في شعور أميركا بالتهديد من الجماعات الإسلامية دافعا لها لتبني خطابه ضد حركة المقاومة في فلسطين، ودعمه في سحق أي روح مقاومة لمشاريع الاستعمار في المنطقة. لهذا السبب، ترجم نتنياهو كتاب عائلته عن يوناتان إلى الإنجليزية، ونشره بعد هجمات سبتمبر ليقدم عملية عنتيبي بوصفها "نموذجا" لمكافحة الإرهاب.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة



التوقيع على "اتفاق أبراهام" في البيت الأبيض بين الإمارات والبحرين وإسرائيل في سبتمبر/أيلول 2020 (غيتي)


لم يزل نتنياهو يتبجّح بأنه بخبرته العريضة قد استشرف هجوم 11 سبتمبر/أيلول في كتابه عن الإرهاب، إذ كتبَ نتنياهو أن الغرب إذا لم ينتبه للتهديدات القادمة من العالم الإسلامي، "ففي أسوأ السيناريوهات، قد لا تكون العواقب انفجار سيارة مفخخة، بل قنبلة نووية في الطابق السفلي من مركز التجارة العالمي". جاء الهجوم بطائرات محلّقة، لكن نتنياهو بقي يردد أنه قد تنبأ بالحدث، وأن على الغرب أن يُصغي له فيما يتعلق بالمواجهة بين الإسلام والغرب.
عمل نتنياهو مع حكومات عربيّة على تجفيف ما رآه "مدًّا إسلاميا" في الربيع العربي، وبذل كل ما بوسعه لإعادة الحكم العسكري والاستبدادي وحرق واحات ربيع التحرر في المنطقة، ولفَّ خمار التطبيع على عمائم العرب، حتى وقف في سبتمبر/أيلول الماضي أمام الأمم المتحدة، وفي يده خارطة للمنطقة ولا فلسطين فيها، وإنما إسرائيل فحسب، وسط محيط عربي مهادن. لم يبقَ من فلسطين سوى فائض سكّاني سيعالجه بالمستوطنات، وبمشروع التهجير متى ما سنحت الفرصة، وبدا أن الرجل السبعيني الذي فاق جميع رؤساء إسرائيل مدةً في الحكم قد نجح في تصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد.
ولم يدر في أبشع كوابيس نتنياهو ما كان يعكفُ عليه يحيى السنوار ومحمد الضيف ومروان عيسى ووسام فرحات من تخطيط لليوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بعد مئة عام تماما من مقالة زئيف جابوتنسكي. لقد انهارت فكرة الجدار الحديدي، تحت سمع تلميذه نتنياهو وبصره، دونا عن كل قادة إسرائيل.
--------------------------------------------------------------------------------
الفريق المساعد:


- بثينة فراس: باحثة في السياسة الدولية.
- شهد قايد: باحثة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية.
- علي أصرف: مترجم لغة عبرية.
- زياد كحيل: مصمم.
- ياسر صلاح الدين: رسّام.


المصدر : الجزيرة نت

 

 


الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس