عرض مشاركة واحدة

قديم 28-05-09, 08:01 PM

  رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

حماس وقوى المقاومة

السياق العسكري

استدعت الحرب منذ البداية مقارنة مستبطنة بين مقاومة القطاع للحملة ومقاومة حزب الله في حرب 2006. ولكن من الخطأ إجراء مقارنات بين هذه الحرب وحرب 2006. الشبه الوحيد بين الحربين هو صمود قوة مقاومة صغيرة في مواجهة جيش مدجج وقوة عسكرية متفوقة.

ولكن إمكانات المقاومين وكفاءتهم القتالية في قطاع غزة أقل بكثير من إمكانات وكفاءة مقاتلي حزب الله؛ كما أن القطاع لا يتمتع بالعمق الاستراتيجي (اللبناني، السوري – الإيراني) المباشر، الذي تمتع به حزب الله؛ وبينما قاتل حزب الله في تضاريس جغرافية بالغة الصعوبة بالنسبة للجيش الإسرائيلي، قاتلت المقاومة في قطاع غزة في تضاريس سكانية مدنية ومكتظة.

أظهر مقاتلون من كافة الفصائل مقاومة باسلة في مواجهة القوات الإسرائيلية، خاصة في مناطق شمال قطاع غزة (بيت لاهيا وجباليا)، التي كانت هدف الاختراقات الإسرائيلية البرية المبكرة.
وقد استمرت هجمات وحدات المقاومة على القوات الإسرائيلية المتمركزة في هذه المناطق حتى نهاية الحرب. كما شهدت الأحياء شرق مدينة غزة، في الزيتون والتفاح، مقاومة لا تقل بسالة. في بعض المواقع، استمر مقاتلون أياماً طويلة في خنادق تحت الأرض، يعتاشون على قليل من الماء والطعام، بانتظار فرصة سانحة لمهاجمة المدرعات أو الوحدات الإسرائيلية.

وقد اتضح أبرز الأدلة على صمود المقاومة في الاحتفاظ بالقدرة على إطلاق الصواريخ، بما في ذلك صواريخ غراد، طوال أيام الحرب، وحتى بعد ساعات من وقف إطلاق النار. ولكن أداء المقاومة العسكري شهد قصوراً أيضاً.

كان إقامة حفل لتخرج وحدات جديدة من الشرطة يوم بدء الحرب، بالرغم من تزايد المؤشرات على دنو لحظة الهجمة الإسرائيلية، خطأً فادحاً، أتاح للإسرائيليين إيقاع خسائر كبيرة بقوات الشرطة. كما أن العديد من مواقع قوات الأمن لم تكن قد أخليت.

من جهة أخرى، بدت قوى المقاومة وكأنها فوجئت بحجم ومدى الحملة الإسرائيلية، وقد فقد الكثير من العناصر والوحدات الصلة بالقيادات؛ ولم يكن ثمة تنسيق بين أفرع قوى المقاومة المسلحة، لا محلياً ولا على مستوى مركزي.

كلا العاملين الأخيرين أفقدا المقاومة القدرة على التكيف مع التكتيك الذي اتبعه الإسرائيليون في الاختراقات البرية، عندما تجنبت القوات الإسرائيلية الشوارع المفخخة وشقت طريقها وسط الأحياء وعبر المنازل.
في عدة محاور، لم تكن كفاءة عناصر المقاومة، سيما أولئك الذين جندوا بأعداد كبيرة بعد سيطرة حماس على القطاع، بمستوى المواجهة؛ وقد دخلت القوات الإسرائيلية منطقة تل الهوى، مثلاً، بدون مقاومة ملموسة من المقاتلين.

السياق السياسي

أدارت حماس منفردة تقريباً الجانب السياسي من المعركة، وأظهرت قيادتها في الداخل والخارج حنكة وصلابة، مؤيدة باصطفاف قيادة الجهاد والتنظيمات الأخرى خلف الخط الذي تقرره حماس؛ كما ارتكبت أخطاء أيضاً.

بدأ العد العكسي للحرب بفشل المشروع المصري للحوار الوطني الفلسطيني في القاهرة، بعد أن قررت حماس، مؤيدة من الجهاد، مقاطعة الحوار.

لكن قيادة حماس لم توضح مطلقاً الأسس السياسية التي دفعتها لإفشال الحوار، سيما أن تصريحات د. موسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، في القاهرة، قبل أيام من بدء الحوار الوطني في 9 نوفمبر/ تشرين ثاني، أوحت بأن الحوار سيعقد في موعده، وأن ما تبقى من عقبات قد ذلل بالتفاهم مع الجانب المصري. كان فشل الحوار في القاهرة إهانة بالغة للقاهرة، وساهم مساهمة مباشرة في انكشاف الغطاء العربي عن قطاع غزة.

ما إن بدأت الهجمة الإسرائيلية، ونظراً لأجواء عدم الثقة والإشارات الصادرة حول الموقف المصري السلبي، أصبح الهم الرئيس لحماس أن لا تستفرد القاهرة بقيادة التحرك السياسي ومفاوضات وقف الحرب، وأن تكون تركيا شريكاً كاملاً في المفاوضات.
وقد أحجمت حماس عن إرسال وفد تفاوضي إلى القاهرة حتى 5 يناير/ كانون ثاني، بالرغم من رغبة القاهرة في وصول مثل هذا الوفد. ولكن ما إن بدأت الاتصالات بين حماس والقاهرة، حتى نجح المصريون، بدعم أوروبي وأميركي، في تهميش الدور التركي والاستفراد بالملف التفاوضي.

في الأسبوع الثالث من الحرب، وما إن اتضحت الدعوة القطرية لمؤتمر قمة عربي طارئ، واتضح التباطؤ المصري في العمل على إنهاء الهجمة الإسرائيلية، لاحت فرصة قصيرة أمام حماس لتحديد موقفها بوضوح، ومن ثم الانسحاب من المفاوضات وتكليف مصر وتركيا وقطر بالتفاوض نيابة عن الجانب الفلسطيني.
ولكن بطء عملية اتخاذ القرار، وربما عدم تقدير كاف للمردود الإيجابي لمثل هكذا موقف، أضاع الفرصة.

بيد أن قيادة حماس أظهرت صلابة لا تخفى خلال أسابيع الحرب الثلاثة، سواء قبل أو بعد انطلاق المفاوضات في القاهرة. أخذت قيادتا حماس في الداخل والخارج موقفاً واضحاً وعلنياً بالتصميم على مواجهة الهجمة الإسرائيلية، وعززتا ثقة الفلسطينيين والشارع العربي بأحقية الموقف الفلسطيني وتصميم المقاومة على الصمود.

وما إن بدأت المفاوضات حتى رفضت حماس الخضوع لضغوط الهجمة والخسائر الكبيرة في صفوف المدنيين، وقدمت اعتراضات تفصيلية على المقترحات المصرية، بغض النظر عن الزمن الذي أخذته المفاوضات.

رفضت حماس وقوى المقاومة الأخرى مقترح القوات الدولية، رفضت الموافقة على هدنة طويلة وغير محددة الأجل، رفضت الموافقة على وجود شريط عازل في الجانب الفلسطيني من الحدود مع مصر، ورفضت التعهد بعدم تهريب السلاح للقطاع، وأكدت على الارتباط بين الهدنة ونهاية الحصار، وعلى أن الحوار الوطني لابد أن ينتظر إلى ما بعد انتهاء الحرب وتوفير أجواء مواتية.

بالرغم من اصطفاف الجهاد وكافة تنظيمات المقاومة في القطاع ودمشق خلف قيادة حماس للتحرك السياسي، لم يكن هناك تنسيق دائم وتفصيلي بين حماس وحلفائها، ولا استطاعت حماس ترسيخ شعور بالشراكة لدى التنظيمات الأخرى.

ولأن متغيراً ملموساً طرأ على موقف الجبهة الشعبية خلال الحرب، قرب بينها وبين معسكر قوى المقاومة الفلسطينية، فقد كان بالإمكان تعزيز هذا المتغير وإقامة شراكة بين حماس والجهاد والجبهة الشعبية والتنظيمات الحليفة الأخرى. ولكن حركة حماس لم تبذل جهداً ملموساً في هذا الاتجاه.

والمدهش، أنه بالرغم من حاجة حماس لحلفائها في المفاوضات، للوقوف أمام الضغوط الإسرائيلية والعربية، فقد خاضت المفاوضات مع الجانب المصري منفردة.

السلطة الفلسطينية


كانت الحرب كارثة سياسية على سلطة الحكم الذاتي. إذ من غير الواضح ما إن كان هناك تواطؤ بين بعض أطراف السلطة والإسرائيليين في التحضير للحرب، أو أثناء أسابيعها الثلاثة.
ولكن الواضح أن الأصوات الأولى التي صدرت من بعض رموز السلطة خلال الساعات الأولى للحرب سعت إلى تحميل حماس (وليس الدولة العبرية) مسؤولية الحرب.

ولكن حجم الخسائر في صفوف الأهالي، وصمود القطاع والمقاومة، ورد الفعل الشعبي العربي والعالمي، دفع السلطة إلى إجراء تعديل على خطابها. أصبحت تصريحات الرئيس عباس والمقربين منه أكثر صراحة في إدانتها للدولة العبرية، وبدأ إطلاق الدعوات إلى حوار وطني فلسطيني وتوحيد الصف الفلسطيني.
خلف تلك الدعوات، لم تخف السلطة عزمها على منع توسيع نطاق التحرك الشعبي في الضفة الغربية؛ وفي حالات، لم تتردد حكومة رام الله في إصدار أوامر للشرطة بمواجهة المتظاهرين بقنابل الغاز.

وقد أظهر ضعف التحرك الشعبي وغياب التضامن المقاوم في الضفة الغربية حجم الدمار الذي أوقعته سلطة الحكم الذاتي في المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية، سيما على مستوى تجريد الضفة من السلاح، إغلاق العشرات من المؤسسات الاجتماعية المدنية، واعتقال المئات من كوادر تنظيمات المقاومة السياسية والمسلحة.

كما أظهر بروز ياسر عبد ربه كمعبر عن موقف عباس والسلطة خلال الحرب، وغياب قيادات فتح شبه الكلي عن الساحة السياسية، حجم التهميش الذي قام به الرئيس عباس لدور حركة فتح؛ وهو الوضع الذي رسب مرارة عميقة في صفوف قيادات وكوادر فتح، وعزز التوجهات في الحركة للوصول إلى مصالحة جدية مع حماس.

ارتكزت السلطة الفلسطينية إلى الدعم المصري والأوروبي في المحافظة على دور ما لها أثناء الحرب؛ ولكن السلطة ارتكبت خطئاً كبيراً عندما خضعت للضغوط المصرية – السعودية وامتنعت عن الذهاب لقمة الدوحة. وقد وجه الموقف القطري، بدعوة حماس والجهاد ومجموعة تنظيمات دمشق لحضور المؤتمر، صفعة كبيرة للسلطة لم تكن في حسبانها.
من جهة أخرى، كانت السلطة مطمئنة إلى الموقف المصري القائم على عدم فتح معبر رفح رسمياً بدون العودة إلى اتفاقية المعبر، التي تنص على وجود مراقبين أوروبيين وإدارة وقوات أمن من السلطة الفلسطينية.

كما أن توكيد الأوروبيين والأميركيين على، وإشارات بعض دول معسكر الاعتدال العربية إلى أن إعادة إعمار قطاع غزة لن يتم بدون عودة السلطة إلى قطاع غزة، أعاد التوكيد على موقع السلطة ودورها. وكان هذا أحد أبرز أسباب انطلاق الحوار الوطني الفلسطيني بالقاهرة من جديد في نهاية فبراير/ شباط، وإن لم يكن السبب الوحيد.

مصر وانقسام الموقف العربي


خسر معسكر الاعتدال العربي بعضاً من تماسكه حتى قبل اندلاع الحرب؛ فقد بدأ الأردن في إظهار توجسه من المفاوضات الجارية بين السلطة الفلسطينية والدولة العبرية منذ شهور، وهو ما أدى إلى تدهور علاقة الأردن بالرئيس عباس.

فتح الأردن قناة اتصال مع حركة حماس، وأظهر ابتهاجاً مكتوماً بفشل الحوار الوطني الفلسطيني في نوفمبر/ تشرين ثاني. وقد حرص الأردن خلال الحرب على الحفاظ على مسافة بينه وبين مصر والسعودية؛ فلم توجه عمان اللوم لحماس، وأفسحت المجال للحركة الشعبية الاحتجاجية، وأرسلت مساعدات سريعة للقطاع.
ولأن ابتعاد الأردن عن الموقفين المصري والسعودي كان محدوداً، فإن دوره في الحراك الدبلوماسي كان محدوداً أيضاً؛ وسرعان ما تعرض الأردن لضغوط أعادته إلى معسكر الاعتدال العربي في أبو ظبي.

ثمة عدد من العوامل التي حددت الموقف المصري من حركة حماس وسيطرتها على قطاع غزة. بالرغم من أن القاهرة فتحت قنوات اتصال مبكرة مع حركتي حماس والجهاد، إلا أن التوجهات الإسلامية لهاتين الحركتين لا تروق للحكم في مصر؛ فضلاً عن أن حركة حماس تعتبر جزءاً من حركة الإخوان المسلمين.
وبالرغم من العلاقات الوثيقة بين حماس والجهاد، من جهة، والقاهرة، من جهة أخرى، فإن القاهرة لم تستطع تحويل الإسلاميين الفلسطينيين إلى تابع.

وقد أصبح التوجس المصري الرسمي من حماس أكثر عمقاً في العامين الأخيرين، نظراً للعلاقات الوثيقة التي تربط حركة حماس بطهران وحزب الله، والدعم الكبير الذي قدمته طهران لحكومة حماس في غزة منذ سيطرة الحركة على القطاع. وينظر في القاهرة، إضافة إلى ذلك، إلى أن حركة حماس تقف في الجانب السوري من معسكر الانقسامات العربية.

ولأن الولايات المتحدة والكتلة الأوروبية اعتبرت حركة حماس عقبة في طريق عملية السلام، فإن السياسة المصرية تقوم على محاولة إضعاف حماس ما أمكن، أو إزاحتها من سياق العملية السلمية، أو تطويعها للقبول بهذه العملية. لكل هذا، شابت العلاقة دائماً بين القاهرة وحماس الشكوك، وقد أصبحت هذه الشكوك أكثر عمقاً بعد سيطرة حماس على القطاع في صيف 2006، وتحولت إلى خصومة لا تخفى بعد إفشال الحوار الوطني في نوفمبر/ تشرين ثاني 2008.

كما موقف السلطة الفلسطينية، حملت التصريحات الأولى لوزيري الخارجية المصري والسعودي حركة حماس مسؤولية الحرب. وربما كانت كل من القاهرة والرياض تنتظران انهياراً معنوياً لدى قيادة حماس في قطاع غزة، وبالتالي انهيار حكومة حماس في القطاع.

ولكن الدولتين سرعان ما أعادتا ضبط موقفيهما بعد انطلاق حركة التضامن الشعبية، واتضاح تصميم القطاع على الصمود. وبالرغم من الزيارة المبكرة التي قام بها وزير الخارجية المصري لأنقره، وما بدا أنه تشجيع من القاهرة على أن تساهم تركيا في الجهد التفاوضي، فإن هدف القاهرة ظل الحفاظ على الملف الفلسطيني في اليد المصرية الرسمية.
ولذا، فإن المسؤولين المصريين لم يسمحوا للمفاوض التركي بدور فعال في تحديد مسائل التفاوض مع حماس أو في أن يكون شريكاً كاملاً في المفاوضات.

ولكن الأهم في الدور المصري أنه لم يخرج عن دور الوسيط بين الدولة العبرية وحماس، اللهم إلا في خطاب الرئيس مبارك الذي وجه إدانة مباشرة للدولة العبرية، وفي موقف الرفض الغاضب لبروتوكول التفاهم الإسرائيلي – الأميركي، الذي لم يخف على القاهرة أنها كانت المقصودة به.

تعرض الموقف المصري من معبر رفح لإدانات شعبية واسعة النطاق. وبالرغم من أن الموقف المصري من المعبر (القائم على أن قطاع غزة منطقة محتلة) ظل على ما هو، فقد فتح المعبر للمساعدات الإنسانية وخروج الجرحى طوال معظم أيام الحرب.
وليس ثمة شك في أن القاهرة استشعرت عبء الحرب الكبير على السياسة المصرية وصورة هذه السياسة أمام الرأي العام في مصر وفي العالم العربي، وهو ما دفع القيادة المصرية إلى محاولة بلورة مبادرة لإنهاء الهجمة الإسرائيلية ومعالجة الانقسام الفلسطيني منذ الأيام الأولى للحرب.

ولكن المبادرة المصرية لم تعلن في خطوطها العامة إلا في المؤتمر الصحافي المشترك بين الرئيسين مبارك وساركوزي في 7 يناير/ كانون ثاني.
خلال الأسابيع التالية، وبدعم أوروبي صريح، ودعم أميركي أقل صراحة، ظلت المبادرة المصرية الإطار الذي حافظ على دور القاهرة كمرجع لمفاوضات الخروج من الحرب، ومن ثم العودة إلى محاولة إنهاء الانقسام الفلسطيني، بما يوفر للرئيس عباس تفويضاً وطنياً لمواصلة مفاوضات السلام.

وقد تضمنت المبادرة ثلاثة عناصر أساسية: وقف إطلاق نار؛ اتفاق على هدنة طويلة؛ مصالحة وطنية فلسطينية. وبالرغم من عدم توفر صيغة مكتوبة للمبادرة، إلا أن الذي فهم عند إطلاقها أن العناصر الثلاثة تعبر عن تحرك تفاوضي متتال زمنياً، وأن رفع الحصار عن القطاع، بما في ذلك فتح معبر رفح، مشروط بالتقدم في التحرك السياسي التفاوضي إلى نهايته.

الهدف الثاني للقاهرة خلال الحرب كان التحكم الكامل في التحرك العربي؛ ونظراً لأن الموقف المصري – السعودي كان يعمل على عدم تصعيد الموقف العربي السياسي، وأن الأمانة العامة للجامعة العربية أدركت حدود الموقف المصري – السعودي، فقد أثر هذا الموقف تأثيراً سلبياً وفادحاً على صورة الجامعة ومصداقيتها لدى الرأي العام العربي.

قاومت مصر والسعودية كل الدعوات المبكرة (قطر، سورية، اليمن) لعقد قمة عربية عاجلة؛ ولم يجتمع مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية إلا في نهاية الأسبوع الأول من الحرب (1 يناير/ كانون ثاني). وقد اتسم لقاء الوزراء بخلافات حادة، ولم ينجم عنه سوى بيان ضعيف، تمحور حول عزم النظام العربي اللجوء إلى مجلس الأمن.
بيد أن التحدي الأبرز لما يسمى بمعسكر الاعتدال العربي جاء من إصرار قطر في الأسبوع الثالث من الحرب على عقد قمة عاجلة، مؤيدة برأي عام عربي كاسح.

ارضت مصر والسعودية عقد القمة الطارئة، بحجة انعقاد قمة عربية اقتصادية مجدولة أصلاً في الكويت خلال أيام؛ ولكن قطر ومؤيديها جادلوا بأن من غير اللائق ولا الجدي أن تناقش مسألة الحرب على غزة على هامش القمة الاقتصادية.

خلال اليومين السابقين على عقد القمة في 16 يناير/ كانون ثاني، عملت السعودية، ومصر على وجه الخصوص، على منع تحقق النصاب في الدوحة؛ كما أجبر الأمين العام للجامعة العربية والرئيس الفلسطيني عباس على عدم الالتحاق بقمة الدوحة. وقد أخذ القطريون قراراً كبيراً وغير مسبوق عندما أصروا على عقد القمة بمن حضر، وعندما دعوا تنظيمات المعارضة الفلسطينية لتمثيل فلسطين في القمة، وأعطوا خالد مشعل الكلمة الرئيسية في الجلسة الافتتاحية.

من ناحية النتائج، ربما لم تسهم قمة الدوحة في إنهاء الحرب، وكان أبرز قراراتها إغلاق السفارة الإسرائيلية في موريتانيا والمكتب الاقتصادي في الدوحة.
ولكن القمة قدمت دليلاً قاطعاً على أن الموقف المصري – السعودي لا يتحكم في القرار العربي الرسمي، ولا حتى في قرار كل الدول المعتدلة، وأن هناك بقية في النظام العربي يمكن أن ترتفع إلى مستوى الرأي العام. كما قدمت الدوحة لقوى المقاومة الفلسطينية نافذة شرعية لم تفتح لها من قبل.

الانقسام العربي الذي اتضح في مؤتمر الدوحة، عاد للبروز في قمة الكويت الاقتصادية، حيث دافع الرئيس مبارك بحدة وغضب عن الموقف المصري، وحاول الرئيس عباس أن يجاري الموقف المصري، الذي وفر له المظلة والملجأ طوال أسابيع الحرب؛ في حين فاجأ الملك عبد الله المؤتمر بخطاب تصالحي، دعا فيه إلى وضع نهاية للخلافات العربية.

ولكن بيان مؤتمر الكويت فيما يتعلق بالحرب، لم يخرج كثيراً عن الموقف المصري – السعودي، مما أثار شكوكاً عميقة في حقيقة النوايا خلف الخطاب السعودي التصالحي.
ليس ثمة شك في أن الحرب شكلت تحدياً لكافة الأطراف العربية، ما يعرف بالمعتدل منها والممانع، وأن كافة الأطراف التقت في الأسبوع الأخير من الحرب على هدف وضع نهاية للحملة الإسرائيلية.

المشكلة أن مصر والسعودية لم تدركا أن سياساتهما في تجنب المواجهة مع السياسة الأميركية، وتجنب التصعيد مع الدولة العبرية، هي التي أدت إلى استباحة المصالح العربية، وإلى حالة التشظي في النظام العربي الرسمي واستهانة أغلب دوله بدور القاهرة والرياض، وحتى إلى تعثر مسار السلام الذي تريد القاهرة والرياض التقدم به.

ولكن خلف هذا كله، كان ثمة تطور لا يخفى تتركه الحرب وراءها: أن سعي القاهرة والرياض إلى تركيع سورية، وإعادة حماس إلى بيت الطاعة، لم يعد ممكناً، لا في الموازين السياسية الواقعية ولا في الزمن السياسي القريب.
حلفاء سورية في المنطقة يثبتون في الحروب، والنوافذ الإقليمية والدولية تفتح الواحدة تلو الأخرى على دمشق، والإشارات الأميركية والأوروبية تلوح بسياسة أكثر واقعية في التعامل مع الخارطة الفلسطينية السياسية.

تركيا وإيران


بين القوى الإقليمية غير العربية، كانت الحرب تعني تركيا وإيران كما تعني أياً من الدول العربية الرئيسية. اعتبرت إيران حليف حماس الإقليمي الرئيس، وهي مصدر دعم مالي كبير لحكومة حماس في غزة، كما تشكل مباشرة أو عن طريق حزب الله مصدر دعم عسكري لحماس والجهاد. ولكن الإيرانيين رأوا منذ بداية الحرب أن ثمة حدوداً لتدخلهم في مجرياتها العسكرية والسياسية.

وبالرغم من أن الموقف المصري من معبر رفح تعرض لهجوم صارخ من زعيم حزب الله، السيد حسن نصر الله، فإن الخطاب الإيراني من الحرب تجنب الدخول في الجدل والخلافات العربية، معلناً ثقته في قدرة الفلسطينيين على الدفاع عن أنفسهم.
ولكن القيادة الإيرانية كانت تدرك، على أية حال، أن حركة التضامن والاحتجاج الشعبي، عربياً وإسلامياً، وأن إحراج دول الاعتدال العربية، وفشل الإسرائيليين في قطاع غزة، سيصب أيضاً في صالحها.

لم تكن تركيا حليفة لحماس، وإن حافظت على علاقات هادئة معها منذ نجاحها في الانتخابات الفلسطينية؛ وقد دعت حكومة العدالة والتنمية واشنطن والعواصم الغربية دائماً إلى الانفتاح على حماس والحوار معها، مما أسس لثقة راسخة بين الحكومة التركية وقيادة حماس. ونظراً لعلاقات تركيا الغربية والإسرائيلية، وعلاقاتها بمختلف الدول العربية، فقد كانت في وضع أفضل للعب دور بارز في التحركات السياسية التي أطلقتها الحرب.

أثارت مشاهد الحرب منذ يومها الأول غضب وحزن رئيس الوزراء التركي، الذي سارع إلى شجب الموقف الإسرائيلي بعبارات لا مساومة ولا لبس فيها.
خلال الأسابيع القليلة التالية، سيؤدي الموقف التركي من الحرب إلى تأزم في العلاقات التركية – الإسرائيلية. ولكن الحقيقة أن موقف إردوغان لم يخرج كثيراً عن سلسلة من مواقف سابقيه من القضية الفلسطينية، منذ 1967، سيما وصف رئيس الوزراء الأسبق، بولنت إيجيفيت للاجتياح الإسرائيلي للضفة الغربي في 2002 بالمذبحة.

الموقف التركي من الحرب لم ينبع من موقف شخصي لرئيس الوزراء وحسب؛ فقد اتبعت حكومة العدالة والتنمية منذ توليها في 2002 سياسة خارجية تقوم على توثيق العلاقة بالجوار العربي والإسلامي لتركيا، بدلاً من الاقتصار على البعد الأورو – أميركي للسياسة الخارجية التركية.

كما حرص القادة الأتراك الجدد على بناء علاقات اقتصادية خارجية موازية؛ مما جعل تجارة تركيا الخارجية مع دول الاتحاد الأوروبي تنخفض في 2008 إلى أقل من 50 بالمائة من حجم تجارتها الخارجية للمرة الأولى منذ عقود.

وليس ثمة شك في أن حكومة إردوغان تدرك الموقع المركزي للقضية الفلسطينية، عربياً وإسلامياً؛ وقد راقبت الشعب التركي بكل أطيافه يتحرك في كافة أنحاء البلاد، تضامناً مع الفلسطينيين.
إضافة إلى ذلك، فإن رئيس الوزراء التركي، الذي تلعب حكومته دور الوسيط والمضيف للمفاوضات الإسرائيلية – السورية، استشعر الخديعة والإهانة، بعد أن استقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي في أنقره، بهدف تطوير المفاوضات مع سورية، قبل أربعة أيام من بدء الحرب.

خلال أيام قليلة من اندلاع الحرب، سارع رئيس الوزراء التركي إلى جولة أوصلته إلى عدة عواصم عربية. تلخص الموقف التركي بالعمل على وقف سريع للحملة الإسرائيلية، مبادلة الهدنة بانتهاء الحصار على قطاع غزة، وإدراج حماس في العملية السياسية.
كما استقبلت أنقره وزير الخارجية المصري، في زيارة وصفت بأنها استبطنت طلباً مصرياً من تركيا للمساعدة في جهود وقف الحرب.

وقد أعربت قيادة حماس في دمشق عن ترحيبها بوساطة تركية إلى جانب الوساطة المصرية؛ وهو ما انعكس في وصول مستشار رئيس الوزراء التركي للشؤون الخارجية، أحمد داوود أوغلو، إلى القاهرة للمشاركة في المباحثات المصرية مع وفد حماس.
وعندما بدا أن الجولة الأولى للمفاوضات بين المسؤولين المصريين ووفد حماس (5-7 يناير/ كانون ثاني) لم تؤد إلى نتيجة ملموسة، غادر أوغلو القاهرة إلى دمشق للقاء قيادة حماس، وعاد مرة أخرى للقاهرة بمقترحات جديدة.

ولكن هناك ما يكفي من المؤشرات إلى أن الجانب المصري حرص طوال أسابيع الحرب على استبعاد أي دور فعال لتركيا، وعلى التخلص من المقترحات التركية، بهذه الصورة أو تلك. تسبب الموقف المصري في تراجع مستوى ثقة المسؤولين الأتراك بالقاهرة؛ وهو ما استدعى زيارة الرئيس مبارك لتركيا بعد نهاية الحرب، في محاولة لإعادة العلاقات إلى طبيعتها.

شهدت المدن التركية حركة تضامن واسعة النطاق مع الفلسطينيين في غزة. كما استقبلت تركيا أعداداً من الجرحى الفلسطينيين، وأرسلت مساعدات طبية وعينية أخرى إلى قطاع غزة. وحتى زوجة رئيس الوزراء ساهمت في النشاط التضامني مع قطاع غزة بدعوتها لعدد من زوجات الزعماء العرب والمسلمين للقاء تضامني في اسطنبول.

ولم تتردد حكومة إردوغان في إرسال مندوب تركي رسمي إلى قمة الدوحة، بالرغم من إدراكها للانقسام العربي حول القمة.
أثار موقف حكومة إردوغان ردود فعل إيجابية واسعة النطاق في الشارع العربي وبين الأوساط العربية السياسية غير الرسمية. أما في الأوساط العربية الرسمية، فربما استدعى إعادة نظر في تصور أنظمة الاعتدال العربية إلى أن تركيا ستكون مجرد شريك في مواجهة النفوذ الإيراني، سيما أن موقف أنقره من الحرب أظهر قدراً كبيراً من الاستقلالية عن المحاور الإقليمية.

وبالرغم من ردود الفعل السلبية التي ولدها موقف حكومة إردوغان في الأوساط العلمانية التركية والدوائر المؤيدة للدولة العبرية، فإن من الواضح أن إردوغان تلقى دعماً من الجيش، عكسه بيان مجلس الأمن القومي التركي الذي أعرب عن القلق تجاه حجم الحملة على غزة وحجم الخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين.

والواضح أن شعور إردوغان بالمسؤولية والواجب تجاه الفلسطينيين في غزة تحول تلقائياً إلى فرصة سياسية، وأن شجبه القاطع للدولة العبرية سيدعم حظوظ العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية المقررة في نهاية مارس/ آذار.

وحتى في واشنطن، فإن الموقف التركي لم ينعكس سلباً على موقف إدارة أوباما من حكومة إردوغان، التي تضع في الحسبان أهمية الدور والموقع التركي في المنطقة. أما في الدولة العبرية، فبعد تعبيرات المرارة والتهديدات المبطنة، سارعت أركان الدولة العبرية إلى محاولة استيعاب الغضب التركي وتجاوز الأزمة.
الموقف التركي من الحرب، باختصار، عكس شعوراً تركياً بالثقة بالذات، وإدراكاً لما تملكه تركيا من أوراق، وما هو الأجدى للمصالح التركية القومية وإستراتيجية الانفتاح السياسي والاقتصادي على الجوار العربي والإسلامي.


 

 


الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس