عرض مشاركة واحدة

قديم 11-04-09, 05:06 PM

  رقم المشاركة : 31
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

الدوريات السورية تحمي «غزو» المواشي السورية لأراضي دير العشاير (الحلقة الخامسة)
«الشرق الأوسط» على الحدود اللبنانية ـ السورية: في عكار مافيات «متخصصة» لكل مادة تهريب
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةتهريب المازوت.. دارجنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةحدود العريضة.. مفتوحة عمليا («الشرق الاوسط»)
بيروت: سناء الجاك
دير العشاير: بلدة الهوية الضائعة
* على بعد أقل من 7 كيلومترات عن العاصمة السورية دمشق تشرف جبال بلدة «دير العشاير» الواقعة ضمن قضاء راشيّا على مساحات واسعة من الأراضي السورية، إذ تشكل هذه البقعة الكبيرة من سلسلة جبال لبنان الشرقية حدوداً طبيعية مع سورية، على ارتفاع 1550 مترا عن سطح البحر. واللافت أن معظم هذه الأراضي تعود ملكيتها الى أهالي الدير وعائلاتها من آل نصر وأيوب وعريان وذيب والقنطار وغيرها.
قبل الوصول الى الحاجز نخبئ الكاميرا تحت المقعد. ندعي اننا من مفتشي وزارة التربية ونريد الوصول الى مدير المدرسة في دير العشاير. يفتح لنا الجندي الحاجز المقفل. نعبر بسلام طرقا جبلية. يشير مرافقي الى الارض الخصبة الممتدة تحتنا. يقول: «هذه دير العشاير الذي تسرق مياهها». نصل الى مفترق طرق تحدده لافته كتب عليها «دير العشاير ـ دمشق». يقول مرافقي: «لا يفصلنا عن دمشق أكثر من رمية حجر». المحطة الاولى في البلدة لدى بائع سجائر. نستغرب كمية البضائع المخزنة في محله. تبدو كبيرة جدا حيال حاجة هذه البلدة المعزولة. يتحفظ عن ذكر اسمه. لكنه لا يتحفظ عن النقمة حيال «الاقامة الجبرية» المفروضة على المنطقة. يقول: «هذه بلدة لبنانية. لكن لا نعرف اذا كانت الدولة تعتبرنا لبنانيين. يشددون علينا كثيرا ويمنعوننا من إدخال كل شيء. احيانا صعب ادخال الخبز».
اسأله:«هل يضيقون عليكم للحد من التهريب؟». يعلق محتدا: «تهريب من لبنان الى لبنان؟». استدرك: «ومن لبنان الى سورية». يرد: «ماذا يضيرهم؟ انا أحرك العجلة الاقتصادية في البلد. عندما اشتري بضائع مثل السجائر التي تعود ارباحها الى دائرة الريجي في وزارة المالية، تستفيد الدولة كثيرا. بعد ذلك لا يهم اين تذهب البضاعة».
* اين تذهب البضاعة؟
ـ هناك من يأتي ويشتري كميات كبيرة. أحيانا كان الضباط السوريون يشترون مني ويهربون. لماذا أهتم؟ لا علاقة لي بما يحصل بعد ذلك. انا لا أبارح متجري. فليهربوا البضاعة او يفعلوا بها ما يشاؤون. انا اعمل ضمن القانون ولا اريد خصاما مع جيراني.
* طريق التهريب الوحيدة في دير العشاير هي بإتجاه سورية عبر الجبال التي تحيط بنا. اعود الى السؤال: «يبدو ان لديك علاقات جيدة مع السوريين، الهذا السبب يأتون اليك؟».
يقول «نحن لا نقول اننا نريد السوريين. لكننا نريد ان نرتاح».
يصمت التاجر لحظة. ثم يقول: «نحن نخاف ان نتكلم». ثم يسألني: «هل ستكتبين هذا؟» اجيبه: «بالتأكيد. فأنت لم تذكر اسمك». يتابع: «ما يضايقنا ان الاراضي لبنانية. ونحن نريد ان نبيع بضائعنا فيها. لكن الجيران يضعون ايديهم عليها. نحن نرفض كل ما هو ضد القانون. أي شيء خطر لا نرضاه. بضائعنا غير ممنوعة. لماذا يضيقون علينا لا نفهم؟ نريد ان يبعدونا عن السياسة. نحن نعمل في النظام. حاول رجال الجمارك مرة ضبط البضائع. وجدوها شرعية مائة بالمائة».
التاجر يملك أراض شاسعة في الجبل. اهله كانوا يزرعوها. واليوم هو لا يعرف عنها شيئا. يقول: «من أين أحصّل رزقي وأرضي محرمة عليّ؟ هي تقع في الطريق الى سورية. مشكلتنا اننا لسنا مع لبنان ولسنا ايضا مع سورية. نحن ضائعون. هناك ملابسات غامضة بشأن ملكية الاراضي التي كانت تمتد من ميسلون الى هنا. قبل عهد الرئيس الراحل فؤاد شهاب كان يجب ان ندخل الى الاراضي السورية ثم نخرج منها لنصل الى لبنان. شهاب شق الطرق ليربط المنطقة بالوطن. كنا نطحن قمحنا في الزبداني (قرب دمشق). قبل حوالي 30 عاما كنا نذهب دائما الى هناك. تأتي سيارة سورية وتنقلنا. ثم تغيرت الأحوال. أصبحنا نتوجس من الذهاب».
خطوط الهاتف اللبنانية لا تعمل في المنطقة. البث مقطوع. يقول التاجر: «بالنسبة الى عملنا نحتاج الى خط هاتفي سوري». يشير مرافقي الى ان «مصادر مطلعة كانت قد كشفت عن ان الجهات السورية عمدت الى تركيب شبكات جديدة وأجهزة متطورة لتقوية إرسال الخطوط الهاتفية الخليوية في تلك المنطقة، بحيث أصبحت الشبكة قادرة على تغطية قسم من البقاع لجهة الحدود السورية».
ويقول احد سكان القرية: «ان القوات السورية قضمت اكثر من خمسة عشر ألف دونم من تلك الأراضي ومنعت المزارعين من الوصول إلى أراضيهم. الانتهاكات كثيرة بحيث يقدم وبشكل مستمر رعاة الماشية من قرى ريف دمشق ورخلة ورأس العين وديماس والصبورة بإدخال آلاف القطعان إلى محميات حرجية لأهالي الدير بحماية الدوريات العسكرية السورية والمواقع المتمركزة في تلك الجبال». ويؤكد: «أن ثمة أراضي لبنانية تمتد إلى منطقة ميسلون السورية، وصولاً الى طريق الزبداني. وكذلك تتداخل الأراضي اللبنانية ـ السورية في منطقة مزرعة دير العشاير لجهة الشمال، وكانت الدولة السورية قد حددت أراضيها في تلك المنطقة قبل عشر سنوات ووضعت إشارات ونقاط حدودية. وقد أفيد عن انتهاكات من الجانب السوري أيضاً في تلك المنطقة، خصوصاً في الأراضي الزراعية التي تعرف باسم «شعيا» و«القيشونية» و«جبل المزار»، علماً أن القوات السورية لم تكن متمركزة في تلك الاراضي اثناء وجودها في لبنان، وأنما دخلتها بعد انسحابها».
نغادر دير العشاير. نراقب مركز الفيلق الرابع السوري في الوادي. الطريق اليه واضحة كصفحة الكف بالكاد تبلغ عدة مئات من الامتار. لاحواجز، لا سواتر. لا شيء. يقول مرافقي: «دير العشاير مستعمرة سورية».
شمالا: «النهر الكبير الجنوبي»
* يرسم النهر الكبير الجنوبي حيث يمر في قضاء عكار ما تيسر من الحدود الشمالية بين لبنان وسورية. اما في الاراضي التي لا يعبرها النهر، فالترسيم غائب والتداخل واضح. لا سيما ان مراكز ضبط الحدود بإمرة الجمارك والامن العام غالبا ما تكون بعيدة عن الحدود الفعلية. ولدى سؤال المراجع المختصة يأتي الجواب أن العمل جار لمعالجة هذه الثغرة في عملية ضبط الحدود. المفارقة الابرز تتجلى في التفاوت بين المناطق العكارية فالبعيدة منها عن الحدود هي مناطق منكوبة ومحرومة، اما حيث المناطق متاخمة للحدود، فالصورة تبدو مختلفة عن الفقر المجاور. هنا وضع اقتصادي مقبول ومترف في بعض الاحيان تدل عليه السيارات الفخمة والحديثة الطراز المركونة قرب الدور الرحبة او المقبولة المواصفات على أقل تقدير. ناهيك بحركة بناء مزدهرة ونشيطة. وكلما اقتربت الطرق من الحدود ندرت حركة العبور لتقتصر على المهربين، سواء على ظهور الدواب او في سيارات او شاحنات او على دراجات نارية. السبب لا يخفى على أحد. فالحدود الشمالية ومعابرها الشرعية وغير الشرعية مصدر رزق لا يستهان به. عنوانه الاوحد هو: «التهريب والفساد». اين السلطات الرسمية المختصة من هذا العنوان؟
أين تطبيق القرار 1701 القاضي بضبط الحدود؟
أين التنسيق الرسمي بين ضفتي النهر؟
بعض هذه الاسئلة يجد اجوبته. فقد اوضح مصدر امني لـ«الشرق الاوسط» ان زيارات متتالية للجان ضمت خبراء أمنيين دوليين، منذ إصدار القرار 1701، كانت قد درست كيفية ضبط الحدود البرية الشمالية. ومن ثم رفعت توصياتها بضرورة إيجاد غرفة عمليات مشتركة ومراقبة حازمة عند الحدود «الشرعية». وكانت الحكومة اللبنانية قد اقرت خطة تضمنت في مرحلة أولى إنشاء قوة أمنية مشتركة لمراقبة وضبط الحدود البالغ طولها 100 كلم بتكاليف قدرها نحو مليون يورو يغطيها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وتقضي الخطة بتجهيز معابر العريضة والعبودية والبقيعة في وادي خالد بتجهيزات إلكترونية وأجهزة كشف «سكانر» للمراقبة، وتدعيم الجهاز العامل فيها تدريبه وتسيير دوريات وتركيز نقاط لمراقبة نحو 70 معبرا غير شرعي بمشاركة المروحيات. وأشار المصدر إلى أن الانتشار الذي يشارك فيه 700 عنصر من مختلف الأجهزة الأمنية اللبنانية سيأتي على مراحل عديدة مع فواصل زمنية ولن تكون هناك عملية كبيرة دفعة واحدة.
وقد ترافق اقرار هذه الخطة مع ارتفاع أصوات معارضة تؤكد ان لا مبرر لنشر هذه القوة، وتحميل الخزينة أعباء إضافية. ونفت «ما يشاع عن انفلات كبير على الحدود»، واعتبرت ان «المسألة لا تتعدى تزود المواطنين فرديا بحاجاتهم اليومية من مواد غذائية ومحروقات بأسعار تناسب مداخليهم في ظل ارتفاع هائل للأسعار في لبنان».
الا ان عملية ضبط الحدود بدأت من خلال «القوة المشتركة». التجهيزات المطلوبة لا تزال غير متوفرة، كما يشير المصدر الامني، الذي يضيف: «هي مشروع تجريبي يجمع الجيش والامن العام والجمارك ويهدف الى ضبط تهريب السلاح والمخدرات وتهريب الاشخاص الى لبنان. والعملية لم تظلم المواطنين في تلك المناطق. فالتوصيات غير الرسمية اذا صح القول تقضي بغض النظر عن تبادل المواد المعيشية والغذائية تسهيلا لحياة المواطنين على جانبيّ ضفة النهر. وهي على أي حال لا تضر بالمسألة الامنية».
لكن قطبة مخفية تسود عمل القوة المشتركة حتى الآن، ربما لعلة في التنسيق، او لمصالح خاصة من قبل عناصر رسمية «غير منضبطة». المفروض ان القوة المشتركة هي المسؤولة عن المراقبة. لكن البعض يفتح على حسابه. التجاوزات كثيرة. قد ينتصب حاجز طيار بعد آخر حاجز للقوة المشتركة عند مدخل قرية دير عمار البعيدة نسبيا عن الحدود. السبب الوحيد هو «الارتزاق» من خلال «رشوة عابرة» بعد مضايقة مقصودة للقادمين من سورية الذين يفترض انهم انجزوا معاملاتهم عند الحدود. لا ينكر المصدر الامني «ان الحدود اللبنانية سائبة لأن لا وسائل تقنية لمراقبتها. فالدولة اللبنانية لا تملك آلات لكشف المستندات المزورة او لمعرفة محتويات الشاحنات. ونأمل الحصول على هذه الوسائل». كما انه يشير الى «تحسن مقبول لجهة تهريب البشر والسلاح، على الاقل عند الحدود الشمالية، وذلك بفضل مساعدة الفريق المختص في قوات الامم المتحدة». الكلام الرسمي لا يغلق باب الاسئلة التي لا تجد أجوابة عليها، والتي تفتح الباب لحكايات تدور فصولها حول ضفتي النهر جمعتها «الشرق الاوسط» في جولات ميدانية وبمساعدة بعض المرافقين من ابناء المنطقة او من السوريين الملمين بعمليات العبور والتهريب.
عكار: مركز مافيات التهريب
* يقول أهالي المنطقة ان الحدود الفالتة على النهر الكبير الجنوبي ارست اسس التهريب في عكار، فتولت جماعات مسنودة الى عشائرها عمليات التهريب. وتخصصت كل جماعة بصنف معين. فكانت مافيا المخدرات ومافيا الدخان ومافيا المواشي ومافيا البشر. وكل مافيا يحميها وجيه عشيرة غالبا ما يكون مدعوما الى مرجعيات سياسية في كل من سورية ولبنان. بعض هؤلاء يملك مؤسسات تجارية على طول الخط الساحلي في عكار. تتوقف عندها شاحنات التهريب وتكدس في مخازنها «البضاعة». ولا تجرؤ اي جهة امنية على اقتحامها. وغالبا ما يبني هؤلاء قصورهم على مسافة 200 متر من مراكز التهريب. ويحكى عن كبار تجار المخدرات في زغرتا وبشري ومدى نفوذهم، كما يحكون عن صغار التجار. يقولون: «قد يهرب أحدهم كيلو من حشيشة الكيف، فيقبر الفقر. معظم هذه الدور الفخمة التي تنتشر في القرى تعود الى المهربين». اما عمليات التهريب فتتم في معظم الاحيان فجرا. ويمكن لأي كان ان يراقب الشاحنات التي تعبر بمواكبة سيارات «شبح مفيمة» اي من طراز مرسيدس وزجاجها داكن اللون. كل يوم تتم عمليات تهريب بملايين الدولارات. والمهربون اقوى من الدولة. قبل فترة اشتبكوا مع قوة من الجيش عند نبع السكر في منطقة الضنية، فأطلقوا النار على القوة وتابعوا سيرهم.
هناك صيغة خاصة من التهريب البشري ترتبط بالعمال السوريين. فالعامل السوري يدخل الاراضي اللبنانية بموجب بطاقة مدفوعة قيمتها الف ليرة سورية او ثلاثين الف ليرة لبنانية او عشرين دولارا، وهي تخدم حاملها مدة ستة أشهر، على ان لا يغادر لبنان طوال هذه المدة. لكن الدخول الرسمي يقابله دخول وخروج عبر النهر من دون المرور بنقاط التفتيش في مراكز الامن العام والجمارك. وبعد انتهاء مدة البطاقة يجددها وكأن شيئا لم يكن.
العبودية: حدود الممنوع والمسموح
* الزيارة الميدانية الى العبودية تكشف صورا ووقائع عديدة. كأننا في بقعة مستقلة لها قوانينها غير المدرجة في اي دستور، ولها اعرافها المتوارثة وفق متطلبات حياة ابنائها. هنا المفروض ان تتولى ضبط الوضع الحدودي القوة المشتركة لمراقبة الحدود. هذا هو المفروض. لكن المشهد الاول عند مفرق العبودية هو الترانزيت البشري العابر من ضفة النهر السورية الى الضفة اللبنانية، ويعكسه يوسف الحسين او «الشاويش» الذي يتزعم حياً من الخيم عند قارعة الطريق المؤدية الى العبودية. يوسف يستورد العمال السوريين. كيف ووفق اي معاملات رسمية؟ يبدو السؤال ساذجا حد السخافة. لا جواب بالطبع. يأتي بهم لا أكثر ولا أقل. على اي حال لا أحد يحاسبه فهو يعبر النهر على راحته. يوسف من قرية سرادق في ادلب السورية. يؤجر الفتاة للعمل في المزارع والبساتين بثمانية آلاف ليرة لبنانية يوميا، اي سبعة دولارات. اما الشاب فأجرته 15 الف ليرة اي عشرة دولارات يوميا. لماذ هذا التمييز بين الرجل والمرأة؟ امازحه بالسؤال. يجيب: «لأن الرجل أقوى».
يوسف يعمل في لبنان منذ 22 عاما. يؤكد انه لم يعتد على أحد طوال هذه الفترة. ويشير الى انه يعبر الى سورية بسيارته وبشكل طبيعي. ويضيف: «الحمد لله. لا احد يتهمنا بأي شيء. صفحتنا نظيفة». أطفال يوسف يلعبون بأمان الى جانبنا. أسأل احدهم عن اسمه يجيب: بشار. هو في الصف الثاني الابتدائي يحب مادة اللغة العربية.
نغادر مخيم العمال لنصل الى تخوم مخيم آخر. «هنا يقيم النور» يقول مرافقي ويحذرني من الاقتراب منهم. ويضيف: «هؤلاء يلتزمون تصريف كل الامور الوسخة التي تجري. يدخلون من الحدود السورية ويخرجون ولا احد يراقبهم. لا يملكون اوراقا ثبوتية. يؤجرون اطفالهم لملتزم يجمعهم كل صباح في شاحنة صغيرة ويوزعهم ليتسولوا في المناطق التجارية في طرابلس وفي بيروت ثم يأخذ منهم ما حصّلوه طوال النهار.
تسهل معرفة هوية القرى التي نجتازها في الطريق الى معبر العبودية. حيث نجد صورا للرئيس السوري بشار الاسد نعرف اننا في منطقة علوية. اما عندما تطالعنا صور الرئيس الراحل رفيق الحريري وابنه النائب سعد الحريري نعرف اننا في قرى سنية. يحكي اهالي القرى السنية عن «هيمنة علوية» على الشريط الحدودي تلزم ابناء القرى المتاخمة للنهر بـ«التنسيق» معهم. بعبارة أخرى يحرصون على عدم اغضاب لا العلويين اللبنانيين ولا السلطة السورية الموجودة على الضفة الأخرى للنهر.
التهريب: بورصة سياسية ومالية
* الملاحظة الاولى للجولة في منطقة العبودية هي غياب المظاهر التي تدل على وجود سلفيين في القرى المحيطة بالمعبر. ويشير مسؤول امني الى «ان السلفيين اقلية في منطقة عكار الساحلية. وهم لا يغيرون المعادلات. كذلك لا يدعمهم الجانب السوري لأنهم بجواره تماما. يفضل دعم البعيدين من السلفيين حتى لا يهددوا امنه اذا فلت منه قرارهم».
الملاحظة الثانية هي الجولات السيارة لفرق من قوة مراقبة الحدود الى جانب شاحنات تهريب الترابة والمازوت. اما الملاحظة الثالثة والاهم فهي جمال الطبيعة الأخاذ في هذه الرقعة المهملة والمنسية. بساتين وأحراش ومزارع وحقول. كل خيرات الارض التي تكفي لانتعاش اقتصادي وحياتي يغير صورتها ويحرك عجلة النمو فيها. فالنهر الكبير الجنوبي كريم لكن مياهه تذهب هدرا الى البحر. والسبب كما يقول محمد شحادة من قرية شيخ عياش يعود الى اهمال قسري كان مفروضا على الدولة في فترة ما قبل اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري. واليوم نعرف ان اي محاولة لإستثمار النهر سيواجه من سورية بمعزل عن القوانين الدولية المتعلقة بالمياه.
محمد يضيف: «السوريون لم يسمحوا للرئيس رفيق الحريري بزيارة المنطقة. كنا تحت رحمة العلويين المدعومين من النظام السوري. واليوم نحن لا نزال تحت رحمتهم بشكل او بآخر».
* كيف؟ يشرح لنا محمد فيقول: «التهريب يتحكم به الجانب السوري. دور الجانب اللبناني يقتصر على غض النظر. ونحن نعيش من التهريب. تحديدا تهريب المازوت. اما غيرنا فلا شيء ممنوع عليه. والتهريب يتم من كل جوانب النهر». ليستطرد قائلا: «حاليا الوضع بهدلة. لا يقطع غالون او غالونين الا بطلوع الروح. فالاوامر السورية التي صدرت منذ حواليّ الشهر قبل زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قضت بأن تضبط الحدود. فقد قال بشار الاسد ان كل من يضبط ومعه غالون مازوت يحكم بالسجن من سنة الى ست سنوات».
هنا لا بد من ملاحظة إضافية، فاللبنانيون لا يدخلون الى سورية لإحضار المازوت المهرب. يقول محمد: «السوريون وحدهم يملكون هذا الامتياز. يمرون عبر النهر ويحملون الغالونات على ظهور الكدش (الحمير). فيفرغوها لدى وصولهم الى الاراضي اللبنانية ونشتريها منهم. دولتهم لا تتعرض لهم. فهم مدعومون. لا يجرؤ أي سوري على التهريب اذا لم يكن له ظهر قوي في بلده».
ويضيف: «قبل أشهر وتحديدا خلال الشتاء الماضي كان التهريب مربحا أكثر مما هو عليه اليوم. آنذاك كان ثمن غالون المازوت يعادل سبعة دولارات في سورية. اما في لبنان فقد تجاوز 33 دولارا. حاليا ثمن الغالون في سورية 15 دولارا تقريبا وفي لبنان 21 دولارا. نشتريه من المهرب بـ17 دولارا ونبيعه بـ19 دولارا. هذا هو ربحنا. لم يعد يتجاوز دولارين. اما السوريون الذين يهربون فربحهم أكثر بكثير. الغاز السوري يربح أكثر. لكن نوعيته غير جيدة، لذا لا يروج تهريبه كما المازوت».
كيف تتم عمليات التهريب. يقول مصطفى من العبودية: «غالبا ما يمر المهربون بعد الغروب. ينامون في النهار. لكن بضاعتهم موجودة كل ساعة وتحت انظار الجميع. فنحن لا نستطيع العمل الا في التهريب. لا عمل مثمر غيره».
* ماذا تهربون غير المازوت؟
يجيب مصطفى: «لا شيء. لا يسمح لنا الا بالمازوت. اما العلويون فيهربون كل شيء. هم يربحون على الجانبين، السوري واللبناني. والتهريب في المناطق العلوية يشمل كل شيء. كل الممنوعات من سلاح ومخدرات».
المناطق العلوية المتاخمة للحدود الشمالية عند العبودية هي قرى تل حميرة وتل بيرة والمسعودية. هادئة عند الطهيرة. هنا كما في غيرها من مناطق التهريب: ينامون نهارا ويعملون ليلا وكأن الامر بديهي. لا اشارات لفقر مدقع، ولكن بعض الدور تدل على غنى فاقع. مرافقي كان حذرا. قال: «رجاءً لا تصوري ولا تكلمي أحدا. اذا امسكوا بنا لا يعرف الجن الازرق مصيرنا».
نقترب من مركز الامن العام والجمارك عند نقطة العبودية. يشير المرافق الى سيارة مرسيدس ويقول: «انتبهي. سيارات التهريب معظمها من هذا الطراز. يتم رفع صندوقها عن مستوى الارض لتتمكن من تحميل أكبر نسبة من البضائع المهربة. ومعظمها زجاجه «مفيّم» (أي داكن). لاحظي الاشارات التي يتبادلها السائقون عندما يلتقون. لديهم مصطلحاتهم ليفهم كل منهم ماذا يجري في المنطقة التي عبرها الآخر».
يقول احد المواطنين: «هنا القوى الامنية تأتمر بما يمليه عليها جيبها. فيصار الى غض النظر عن كل التجاوزات. ومن يجرؤ على غير ذلك يقفون له بالمرصاد». ويحكي المواطن عن رقيب اول في الجيش اللبناني خالف القاعدة السائدة، فما كان من مافيا الحدود الا ان دبرت له مكيدة بعد جرجرته الى داخل الحدود السورية ولفقت له تهمة الاتجار بالاسلحة على الاراضي السورية. من يجرؤ من جماعتنا على شراء اسلحة في سورية؟ الكل يعرف ان مصيره الاعدام».
المفارقة في العبودية ان بين الحدود اللبنانية والسورية عند نقطة الدبوسية تمتد قرية كاملة. هذا الامر ازعج عمال مراقبة الحدود. لذا تم الاتفاق على شراء قطعة ارض خارج القرية وقريبة من الدبوسية لتقام عليها منشآت الامن العام والجمارك.
محمد صاحب متجر قرب مركز الامن العام اللبناني قال لـ«الشرق الاوسط»: «اذا لم يوقف السوريون التهريب لا يتوقف. هنا لا احد يعترض. الاعتراض يأتي من الجانب السوري. عندما يتشنج الوضع السياسي بين لبنان وسورية يضغط السوريون على اللبنانيبن فيوقفون التهريب. عندما يربح فريق 14 آذار جولة في السياسة يخسر اهالي القرى السنية جولة في الارتزاق من التهريب. فالسوريون يعرفون ان عكار محسوبة على تيار المستقبل، لذا يسارعون الى معاقبتها وتعطى الاوامر الى الهجانة بمنع عبور اي غالون مازوت او اي بضائع أخرى. كلنا نذكر ازمة الشاحنات التي كانت تتحرك مع وتيرة التصعيد السياسي بين البلدين الجارين. يعرفون ان الناس تعيش من التهريب ويمسكون بهم من رقابهم. عندما يطبلون ويزمرون لخطاب ادلى به سعد الحريري يقفل الجانب السوري عبور النهر في وجههم. نجم الحريري ساطع لكنه يكلف الناس كثيرا. لذا خفّت مظاهر الاحتفاء بإطلالاته التلفزيونية حفاظا على الرزق. لكننا لا نزال نملك قوتنا الانتخابية ونكيدهم بولائنا لتيار الرئيس الراحل رفيق الحريري».

 

 


   

رد مع اقتباس