قراءة في وثائق 1971 البريطانية (23) ـ لندن تحاول تكوين صورة عن حافظ الأسد من فرنسا وهولندا وقبرص لغياب التمثيل الدبلوماسي
باريس: الأسد صفقة جيدة * نيقوسيا: براجماتي يشبه ناصر في سنواته الاولى * هولندا: يواصل اعتماده على القوات المسلحة
حسن ساتي
دفع غياب التمثيل الدبلوماسي بين لندن ودمشق، بسبب حرب يونيو (حزيران) 1967، الاولى الى محاولة تكوين صورة عن الرئيس حافظ الأسد خارج اسلوب العين المباشرة والمصادر الاصيلة، ولذلك كان اللجوء الى الهولنديين والفرنسيين والقبارصة كما توضح الوثائق السرية البريطانية في عام 1971 التي افرج عنها اخيرا.
باريس قطعت بداية بأن الرئيس الأسد صفقة جيدة خلافاً لسابقيه فيما ذهب اليساري القبرصي ليساراديس الى تشبيه الأسد بعبد الناصر في سنوات حكمه الاولى، والهولنديون توجسوا من وجود عناصر معارضة داخل المؤسسة العسكرية، في حين قالوا ان الجنرال طلاس بقي على علاقاته الطيبة مع الرئيس الأسد بعد انقلاب 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 1970 الذي قاداه معاً.
وثيقة رقم: 49 التاريخ: 27 نوفمبر 1971 الى: السيدة في. ايه. بيكيت ـ وزارة الخارجية 1 ـ اخبرني زميل في السفارة الهولندية بسرية كاملة، على الا ابوح بذلك، بالملخص الآتي لتقارير اخيرة من رجالهم في دمشق، وفيها ما يثير الاهتمام.
2 ـ استنتج الهولنديون ان قاعدة سلطة الأسد لا تزال ضيقة، وان التأييد الشعبي له كما هو وعلى حجم العام الماضي. وهو يواصل اعتماده على مساندة القوات المسلحة له. تبقى هناك مجموعة من السياسيين البعثيين (التقدميين) والنقابيين وبعض المسؤولين وجميعهم يساند القيادة السابقة وهم يتلقون الارشاد والتوجيه من المنفيين في بيروت. هذه الجماعات ذات تأثير كاف على الأسد بدليل اشارته اليها في خطاب علني، فيما اضطرته احيانا لتغييرات في سياسة الحكومة. الهولنديون يعتبرون ان على الاسد ان يتقارب مع سياسة تقدمية اذا كان له ان يتجنب اثارة مشاكل ملموسة من هذه الجماعات. والنظام يرجع المعارضة الداخلية لانضمام سورية لاتحاد الجمهوريات العربية المتحدة الى هذه الجماعات، والاستشهاد هنا بمنشورات سرية وزعت في دمشق ومظاهرة بإحدى المدن، وهناك المعارضة لأي تذويب للبعثية في جبهة سياسية تساير خطوط الاتحاد الاشتراكي العربي.
3 ـ الهولنديون يرون ان في القوات المسلحة مجموعة من الضباط المساندين لسياسات مماثلة لطروحات المعارضين، رغم انهم ليسوا نفس شخصيات النظام القديم. يقال ان الجنرال طلاس بقي على علاقاته الطيبة بالرئيس (رغم ان تقارير اخرى تلقيناها تشير الى العكس).
4 ـ الهولنديون يرجعون استمرار المشاكل الاقتصادية، اولاً، الى معارضة المجموعة البعثية المشار اليها في الفقرة 2 لبعض السياسات، وثانيا، الى عدم الكفاءة الحكومية يقال ان معظم الوزراء تم تعيينهم على خلفية ولائهم للأسد، وليس لأن لديهم اي مؤهلات للوظيفة.
5 ـ هذا التقرير يساير انطباعنا العام بأن الأسد يواجه معارضة علنيةصغيرة بوسعه التغلب عليها، ولكن عليه ان يتحرك بحذر تجاه تطوير سياسات جديدة حتى لا يعزل او يقلق اعضاء حزب البعث الذين يحتاج لدعمهم. وربما يكون عدم تقديم صلاح جديد والاعضاء الآخرين من القيادة القديمة، والمحتجزين الآن في دمشق، للمحاكمة، امر يستحق النظر، خاصة في ضوء اشارات صحافية بين الحين والآخر بأن التهم ضدهم قد اعدت.
6 ـ قضى الرئيس الأسد الاسبوع الماضي (في تقليد للسادات) في جولات على القواعد العسكرية السورية مطالباً بالاستعداد للمعركة. اشارت صحيفة الثورة الحكومية عدد 24 نوفمبر الى تقارير تفيد بحشود اسرائيلية على طول خطوط وقف اطلاق النار، وطالبت العرب بتحريك كل مواردهم وقدراتهم تجاه معركة وشيكة. اذا كانت نغمة الميل للقتال هذه شبيهة بذكريات مايو (ايار) 1967، فان ذلك يعني ان السوريين لا يريدون الظهور بشاكلة السادات في الازعاج المقارب للحرب، اي انهم، السوريين، ليسوا قلقين من اثارة حرب جديدة.
الان. اف. جولتي السفارة البريطانية ـ نيقوسيا (قبرص) وثيقة رقم: 48 التاريخ: 5 اكتوبر (تشرين الاول) 1971 الى: السيدة في. بيكيت 1 ـ كما تعلمين فقد زار ليبكويسكي (وزير الدولة بالخارجية الفرنسية) بصحبة ام دي لويس (مدير الادارة الافريقية) سورية في الشهر الماضي. اغتنمت الفرصة للتحدث الى ام راويلون (المدير المعني بالشرق الاوسط) للسؤال عن انطباعاتهم.
2 ـ ليس لديه الكثير الذي يقال. لم يجدوا الحصول على صورة عامة لما يجري بالأمر السهل، لأن اتصالات فرنسا بسورية في الوقت الحالي ليست لصيقة، ومع ذلك، فقد خرجوا بانطباع بأن الرئيس الأسد صفقة جيدة، ويمسك بزمام الامور كرئيس للدولة اكثر من معظم سابقيه منذ الحرب. والمرء ميال للنظر في الاركان بحثاً عن انقلاب آخر في بلد يملك تاريخاً من الانقلابات، ومع ذلك، وفي هذه المناسبة، فلا يوجد مؤشر بأن الأسد يواجه خطراً ماثلاً. وهو يملك سمعة بأنه معتدل ويتبع خطاً اكثر مرونة سواء على صعيد قضية الشرق الاوسط او الشؤون الداخلية، واتجاهه ان يبقى على ذلك الخط، ولذلك، فليس هناك، وفي هذا الوقت على الاقل مركز للمعارضة. للزوار الفرنسيين ايضا انطباع بأن الاسد ربما يريد شخصيا اعطاء اشارات بقبول حكومته للقرار 242 وامكانية تسوية تفاوضية مبنية عليه. ولكن هذا التوجه لن يكون مقبولاً في الادارة السورية بشكل عام، والرئيس ليس على عجلة لتغيير السياسات التي ورثها.
3 ـ قال ليبكويسكي، في تقريره لمجلس الوزراء بعد عودته، انه وجد ان الثقافة الفرنسية في سورية اصبحت غامضة الى حد ما، ولكنه لاحظ انها، وفي الوقت الحاضر، تعيش بعض الابتعاث، ولذلك، فهو يأمل في امكانية تجديد العلاقات الاقتصادية والثقافية بين سورية وفرنسا.
جي. تي. سبريكلي السفارة البريطانية ـ باريس وثيقة رقم: 26 التاريخ: 15 ابريل (نيسان) 1971 الى: اس. اجيرتون. ادارة الشرق الأدنى الموضوع: سورية 1 ـ تحادثت مطولاً مع الدكتور فاسوس ليساراديس الطبيب الخاص للأسقف ماكاريوس الحاكم الفعلي في حركة اليسار القبرصي، والذي عاد لتوه من زيارة الى سورية ومن موقعه كرئيس للرابطة العربية القبرصية. وهو يعرف سورية جيداً، ولكن هذه هي زيارته الاولى لها مع هذا النظام.
2 ـ حصل على مقابلة لساعتين مع الرئيس الجديد والذي لم يحدث له ان قابله قبل ذلك. وصفه، مقارنة بالرؤساء السوريين السابقين، بأنه براجماتي، وغير راغب نسبياً في العقائدية، وهو يقارنه في هذا الاتجاه بجمال عبد الناصر في سنوات حكمه الاولى. وهو يعتقد ان سياساته المستقبلية، اي الأسد، ستتأثر كثيرا جدا بالشخصيات التي تحيط به. وقد تحفز لمثل هذه الآراء برؤية السفير السوري محمد عقاد هنا في نيقوسيا ووجده مشابه للأسد حيث انه يعتبر عقاد رجلاً معتدلاً وحكيماً وكثيراً ما وجد الامور امامه صعبة مع النظام السابق.
3 ـ يعتقد ان سياسة النظام السوري الجديد الخارجية ستكون اكثر اعتدالاً من الأنظمة التي سبقته، وقد تكون هناك نوايا لاعادة العلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا. وقد فهم من محادثته مع الاسد ان الاخير يشاركه الرأي بأنه لم يعد هناك خطر حقيقي بأن تستخدم بريطانيا قواعدها في قبرص ضد العرب (الدكتور ليساراديس وحزبه يتخذان في العلن خطاً ضد القواعد ولكنه يعترف انها لم تعد تشكل في الحقيقة خطراً).
4 ـ قلت له ان (الرسالة المنشورة للشعب القبرصي) التي حملها ليساراديس من سورية اشارت الى ضرورة تحرير (الاراضي العربية) دون ان تخصص بالقول كل الاراضي العربية. وسألت عما اذا كانت الحكومة الجديدة قد قررت الطريقة التي ستتعامل بها مع قضية قرار مجلس الأمن. قال انهم لم يقرروا بعد، ولكن، في الغالب، سيتجهون للتحالف مع الحكومات العربية الاخرى اكثر من اتباعهم سياسات متطرفة مثل سابقيهم.
ومن الطبيعي انهم سيواصلون الاصرار على عودة مرتفعات الجولان، ولكنهم قد لا يتدخلون اذا كان للأردن ان يصل الى اتفاقية بمساومة حول موضوع القدس. 4 ـ قد تكون راغباً في تقرير غير مؤكد من مصادر دبلوماسية في سورية بأن عناصر صلاح جديد قد شاركت في اطلاق نار. في نهاية ابريل. قد يشير ذلك، اذا كانت هناك اية حقيقة في هذا التقرير المبهم، الى ان قبضة الأسد ليست بالأحادية التي يريد لها ان تظهر بها.