قراءة في وثائق 1971 البريطانية (22) ـ الأسد عارض التدخل العسكري السوري في الأردن خلال معارك سبتمبر ضد الفدائيين
اخرج في أقل من نصف عام سورية من عزلتها العربية والبعث من تدهور شعبيته داخليا * الأسد أقل جدية من سلفه جديد تجاه العلاقات بالمعسكر الاشتراكي
حسن ساتي
شغل مجيء الرئيس الراحل حافظ الاسد للسلطة في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 1970 الحكومة البريطانية، ولم يكن الانشغال فقط من جهة التقييم لنظامه كما توضح هاتان الوثيقتان في هذه الحلقة، وانما افند للبحث في طبيعة شخصية الاسد، كما ستوضح الحلقات القادمة، خاصة في ضوء عدم وجود تمثيل دبلوماسي لبريطانيا في دمشق، وهو عين الواقع الذي دفع لندن للهاث بين هولندا وفرنسا وقبرص بحثا عن صورة او تشخيص لقائد عربي جديد جاء في ظرف دقيق هو عام 1970 وبعد اقل من شهرين على رحيل الرئيس المصري جمال عبد الناصر التي جاءت ضمن الدقائق السرية البريطانية لعام 1971 المفرج عنها حديثا جديد الوثيقة الاولى معارضة الاسد قبل الانقلاب للتدخل العسكري السوري في الاردن ابان مذابح سبتمبر (ايلول) بين الاردنيين والفدائيين، وتحمله بعد وصوله للحكم عبء اخراج سورية من عزلتها العربية واخراج حزب البعث ذاته من عزلته وعدم شعبيته داخليا، وقد نجح في الهدفين كما تقطع بذلك الوثيقة.
* وثيقة رقم: 71/313
* التاريخ: 8 ابريل (نيسان) 1971
* الى: وزارة الخارجية من سفارة الملكة، بيروت.
* الموضوع: التقرير السنوي عن سورية 1970 «سري» 1 ـ عام 1970 كان حافلا في سورية، وبخاصة المناقشات بين قادة حزب البعث وقد نمت على خلفية ضغوط الاحداث التي كرسها تواصل الصراع العربي ـ الاسرائيلي ومشكلة العلاقات بين الدول العربية وحركة الفدائيين. وفي النهاية لم يتوفر الحفاظ على المساومة الصعبة بين (الجناح المدني) في البعث بقيادة صلاح جديد و(الجناح العسكري) بقيادة حافظ الاسد، مما ادى الى استيلاء الاخير على السلطة في انقلاب غير دموي.
2 ـ السنة بدأت بعرض الحكومة السورية وباشباع لفشل القمة العربية في الرباط في ديسمبر (كانون الاول) 1969. اتاح فشل القمة في وضع أي استراتيجية عربية متفق عليها للسوريين طرح عقيدتهم الخاصة لجهة دعم الفدائيين ومعارضة تسوية سلمية للصراع العربي ـ الاسرائيلي وفق القرار 242. في المقابل فجرت المواجهة الرئيسية للفدائيين في عمان في يونيو (حزيران) ومعها قبول القاهرة لمقترحات روجرز في يوليو (تموز) حملات الصحافة السورية المتشددة ضد الامبريالية الاميركية والصهيونية وردود الفعل العربية.
3 ـ وصل دعم الفدائيين الى ذروته بقرار التدخل العسكري لصالح الفدائيين في حرب الاردن الاهلية في سبتمبر. والسوريون، والذين اظهروا انفسهم كقوة فدائية، وانكروا رسميا انهم تدخلوا، تعرضوا لضربات قاصمة من الجيش الاردني واضطروا للانسحاب مع خسارة كبيرة بعد 48 ساعة. كنتيجة لقرار التدخل الخاطئ، اصبحت الانقسامات بين قيادة حزب البعث غير قابلة للعلاج.
4 ـ الصراع حول الزعامة والتفوق بين جناحي الاسد وجديد في البعث السوري بدأ بالتركيز على قضيتين أساسيتين، هما; اولا: عزلة سورية داخل العالم العربي، وثانيا: عزلة وعدم شعبية البعث داخل سورية. فالرفض السوري للتسوية السلمية ادخل السوريين في خلافات مع مصر والاردن، فيما سمحت الخلافات العقائدية والخلاف حول فشل الجبهة الشرقية، العلاقات مع العراق، دعك عن وصول العلاقات مع السعودية لمرحلة اكثر سوءا بعد حادث تدمير بلدوزر للتابلاين (خط انابيب النفط) في مايو (ايار) رفض السوريون السماح باصلاحه، واضاف هذا مصدرا اضافيا من الحساسية للاردنيين واللبنانيين.
العلاقات مع لبنان سيئة، وليست هناك علاقات في الاصل مع تونس والمغرب.
5 ـ على صعيد الداخل، خلق نظام البعث مناخا من القهر. عوامل عديدة تضافرت لخلق مناخ من الاحباط والقلق، بينها، الاعتقالات الاعتباطية للمشتبه فيهم سياسيا، والمراسيم السياسية الكثيرة وجميعها قهرية. والضوابط الشديدة على السفر خارج سورية، والضغط المتواصل على القطاع الخاص في كل المستويات. المصاعب الاقتصادية الناتجة عن الانتاج الفقير وميزانية الدفاع الضخمة.
6 ـ مع مثل هذه الظروف، يبدو ان مواجهة كبرى بين قادة البعث لا مفر منها، وهناك التدخل السوري في الاردن خلال احداث سبتمبر، والمعتقد السائد ان الاسد عارضه منذ الوهلة الاولى، وكلا الامرين; المواجهة، وموقف الاسد، اوصلا الامور الى عمق جديد. اول اشارات الازمة جاءت من الاستقالة الواضحة للدكتور الاتاسي رئيس الدولة في 19 اكتوبر (تشرين الاول)، ليجيء بعدها المؤتمر الطارئ للقيادة القومية للبعث السوري والتي كسب فيها جناح جديد نصرا قصير العمر، لأن حافظ الاسد ومصطفى طلاس استوليا على السلطة في 13 نوفمبر بانقلاب غير دموي. ولكن جناح جديد نجح في استعادة السيطرة السياسية داخل قيادة البعث، ولكن، لا هذه السيطرة، ولا محاولاتهم بناء الصاعقة والجيش الشعبي كوزن مضاد لموقع الاسد القوي داخل الجيش، قد نجحا في النهاية او اظهرا اثرا كافيا. ويتماشى هذا الناتج مع مسار احداث التاريخ السوري الاخير. حيث تكون السيطرة على القوات المسلحة عاملا حاسما في الصراع على السلطة.
7 ـ تأسست في 17 نوفمبر قيادة سورية مؤقتة للبعث، وقد اصدرت على الفور وثيقة سياسات شكلت قواعد نشاط النظام الجديد.
8 ـ على صعيد الداخل، اعد النظام رؤية لتأسيس جبهة وطنية تحت قيادة البعث وتكوين مجلس شعب لتكون مهمته ممارسة السلطة التشريعية واصدار دستور دائم وتغذية التنمية الاقتصادية. وقد احرز سلفا بعض التقدم في هذه الاتجاهات مع نهاية فبراير (شباط) 1971. ضمت حكومة الـ26 الجديدة التي شكلت في 20 نوفمبر 1970، بالاضافة الى عناصر البعث القوية والتي لا مفر منها، اثنين من الشيوعيين، بالاضافة الى موالين للاتحاد الاشتراكي العربي المصري، والاتحاديين الاشتراكيين (فصيل مساند للقاهرة من البعثيين المنشقين سابقا). والاشتراكيين العرب (حزب القائد الاشتراكي السوري القديم اكرم حوراني) وبعض المستقلين. شكل مجلس الشعب في فبراير 1971، وكان النظام قد اتخذ عددا من الاجراءات في ذلك الوقت موجهة لتحرير النظام الامني الداخلي، الى حد ما، الى جانب اعلان تخفيضات في السلع الاستهلاكية الاساسية، ورفع العلاوات الاسرية، كما اجيزت خطة خمسية اقتصادية في يناير (كانون الثاني) 1971.
9 ـ اعلن النظام سياسة تقوية الوحدة مع الدول العربية التقدمية، وقد احرزت ثمارا سريعة، فانضمت سورية الى اتحاد الجمهوريات العربية مع نهاية نوفمبر، اي الى مصر والسودان وليبيا. تحسنت في المقابل العلاقات مع الدول العربية الاخرى، وبخاصة تلك التي مع السعودية ولبنان، فرفعت سورية مع نهاية ديسمبر القيود على الرحلات السعودية الاضافية وتسهيلات الترانزيت والتي كانت قد فرضت مطلع العام على خلفية احداث تابلاين، وسمحوا باصلاح الخط وناقشوا اتفاقية جديدة، واعيدت العلاقات الدبلوماسية مع المغرب وتونس مطلع 1971. العلاقات مع العراق ظلت متوترة. اما بالنسبة للفدائيين، وكما هو مفهوم، فالاهتمام الاول للنظام الجديد هو تطهير قوات الصاعقة من عناصرها الموالية لجديد، في مقابل، وفي اطار اوسع، مواصلة اظهار المساعدة للحركة الفلسطينية.
10 ـ استمر خطر العون والوجود السوفياتي خلال عام 1970 في المجالين الاقتصادي والعسكري في التمدد، رغم ان الاسد، مسموع عنه، انه اقل حزنا من جديد على علاقة خاصة مع اوروبا الشرقية. هناك ابتعاد واضح من الكتلة الشيوعية منذ استيلائه على السلطة.
11 و12 ـ (عن العلاقات الخارجية والوضع الاقتصادي الداخلي، ولا جديد في الطرح.. الشرق الاوسط).
13 ـ بدت سورية مع بداية عام 1971 وهي تتحرك من دورها القديم كمتمرد او خارج دخل العالم العربي، في مقابل اكتساب النظام داخليا بعض الشعبية، ولكن، وبالرغم من اظهار سورية بقيادة حافظ الاسد لدرجة اعظم من الثقة والواقعية، فمن الصعب تقييم طبيعة هذا التغيير وما اذا كان جوهريا، ام هو مجرد اسلوب. فالسوريون مواظبون على رفضهم العام لأي بحث عن تسوية سلمية لنزاع الشرق الأوسط (ايا كانت تأكيداتهم الخاصة للمصريين بعكس ذلك). وهم يواصلون مساندة الفدائيين. على صعيد الداخل، ثمة محاولة لاستقطاب تعاطف ودعم المجموعات غير البعثية، ولكن المصدر الاساسي للسلطة السياسية يظل لفصيل البعث بقيادة الاسد. وفوق كل ذلك، فاهتمام الاسد الرئيسي ظل تعزيز قبضته سياسيا. ورغم ان اصلاح بعض الدمار الذي سببه فصيل جديد سواء على صورة سورية العالمية او الوضع الداخلي للبعث قد ساعدا الاسد بوضوح في مهمته، الا ان عليه التحرك ببعض الحذر. ستكون هناك حاجة للوقت من اجل تطهير الادارة والهيكلية الحزبية لجديد، في مقابل المخاطر التي سيحملها تغيير جذري في الاتجاه السياسي من جانب الاسد على هذه العملية. ومع ذلك، فالتغيير الاكثر اهمية بسورية تحت قيادة الاسد، وهو الاكثر تشجيعا ايضا، هو ان سورية تبدو الآن اكثر اهتماما بخلق الصداقات من ميلها للعداوات مع اظهار نزوع اقل في ان تتسم بكلماتها الخاصة. وهو هذا الفرق في التوجه الذي من المأمول ان يجر سورية في الوقت المناسب لاتجاه اكثر واقعية وبراجماتية تجاه مشاكل الشرق الأوسط ويتيح الفرصة لبعض التذويب في علاقات سورية بالغرب.
ادريان سندال ـ بيروت
* وثيقة رقم: 3
* التاريخ: 30 ابريل 1971
* الى: ايه. جي. ايدن 1 ـ اكتب لك في غياب ريتشارد ايفانز في جولة بالشرق الأوسط، اجابة على خطابك بتاريخ 8 ابريل والذي ضمنته مسحا لسورية في 1970، اعده ادريان سندال.
2 ـ وجدنا في التقرير عرضا ممتازا ومفيدا جدا. ونتفق مع الاستنتاج العام في الفقرة 13 حول استحالة التنبؤ بما اذا كانت التغييرات التي اجراها الاسد في سورية تغييرات جوهرية ام مجرد اسلوب. وربما يتضح ذلك اكثر حينما يشعر الاسد ان موقعه قد ترسخ. في المقابل، فان عدم وجود رد فعل مضاد لانتخابه رئيسا يصب في خانة ترسيخ الموقع والثقة الشخصية.
3 ـ نعتقد ان التقرير بشكله الحالي طويل على الطباعة، ولذلك لجأنا الى اختصاره (دون ان نخصيه بالطبع)، وسنعطي المختصر منه توزيعا واسعا. * اس. ال اجيرتون ـ ادارة الشرق الأدنى