الموضوع: جبل عامل
عرض مشاركة واحدة

قديم 14-04-09, 10:46 PM

  رقم المشاركة : 26
معلومات العضو
جيفارا
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

التحالف مع ظاهر العمر أنزل الشيعة ولأول مرة كطرف في لعبة المنطقة، من موقع التحدي للدولة العثمانية، بوقوفهم مع علي بك الكبير حاكم مصر ومحاولته الابتعاد عن السلطنة، وقد خاض الشيعة في عامي 1770 - 1771 منفردين أو بمساهمة متكافئة مع ظاهر معارك خمس كبيرة: نابلس، دمشق، الحولة، كفر رمان حارة صيدا، ضد الأمير يوسف منفرداً أو متحالفاً مع عثمان باشا والي دمشق أو ابنه درويش باشا والي صيدا، وقد انتصروا فيها جميعاً واحتلوا صيدا مع ظاهر ودخلوا دمشق مع أبي الذهب قائد حملة علي بك الكبير الى سوريا (9).
ان هذه الانتصارات البكر التي فاز بها الشيعة ضد أمير الجبل يوسف الشهابي وولاة الدولة العثمانية، كانت أكبر من ان يتحملوا، بكيانهم الناشئ المدين بولادته الى سند خارجي، نتائجها، فمع زوال هذا السند (ظاهر العمر) على يد الجزار، وقفوا ضائعين بلا حول ولم تنفع وفودهم وهداياهم في رد طغيان الجزار عليهم، وقد وقع عام 1780.
ودخول الجزار الى جبل عامل كان أبعد أثراً مما تقف عنده الأدبيات العاملية: دخان المكتبات المحروقة ورائحة الجثث، وذلك لأن فترة ما بعد الجزار مع الأمير بشير الشهابي الكبير، عرفت تحولاً جذريا في علاقة جبل لبنان بجبل عامل. ففي الوقت الذي كان فيه امراء الجبل اللبناني ابتداء من فخر الدين الثاني (10) يدخلون جبل عامل غزاة جباة، دخله الأمير بشير حاكماً شرعياً باجماع مشايخه الذين اجابوه صاغرين بعد أن حدثهم عن دوره الكبير لدى سليمان باشا خليفة الجزار في ارجاعهم الى بلادهم "انهم يأمرون بكل ما يريده ويرسمه" (11). صحيح ان مشايخ جبل عامل انذاك كانوا محشورين في بضعة قرى من اقليم الشومر، بموجب صك الصلح الموقع بين سليمان باشا و"الطياح" في جبل عامل الذين استطاعوا بعد حركة مسلحة طويلة التخلص من سيطرة المشايخ (12)، ولكن هؤلاء "الطياح" وهم الغالبية الفلاحية في جبل عامل عادوا وانضووا تحت سيطرة المشايخ للتمكن من الوقوف في وجه السياسة الابتزازية للأمير بشير الشهابي. ولأول مرة يدخل الشيعة في النظام العائلي الاجتماعي لجبل لبنان وعلى رأسه الأمير بشير الشهابي "رأس سائر العشاير، على كل حال المشايخ المذكورين 1 مشايخ جبل عامل) من العشاير التي هو رأسها" (12). لقد أخضع هذا الانضواء الطوعي منطقة جبل عامل للتأثيرات التي خلفتها سياسة الأمير بشير والتي كان لجبل عامل فيها اعتبارات خاصة، ليس أقلها مردودها المالي، وحاجة الأمير لها في أحداث واقعة أو مستجدة سواء منها داخل الامارة أي في صراع الأمير مع عائلات جبل لبنان أم في علاقاته مع الدولة العثمانية وباشواتها.
عام 1864 وبموجب التنظيمات الجديدة لمنطقة سوريا الحق جبل عامل بولاية بيروت، وهذا يعني أنه أصبح جزءاً عضوياً من ولاية شاملة متسعة على عكس وضعه السابق، وهذا ما جعل العلاقة بينه وبين لبنان تتخلى عن صداميتها العسكرية بعد "الحجر السياسي" الذي فرض على الأخير بموجب نظام المتصرفية. ولكن هذه العلاقة اتخذت مساراً جديداً لا يقل استنزافاً وصدامية: لقد أصبح جبل عامل وفلاحوه رهائن للمرابين القادمين من صوب بيروت وجبل لبنان (ال جوهر، آل غندور، آل الصلح، آل فرنسيس، آل الشمعة، آل مجدلاني، آل عودة)، وقد توكأت هذه البرجوازية في مد سيطرتها على جبل عامل على ازدهار زراعة التبغ فيه في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وقد كان ازدهار الزراعة على حساب المزروعات الغذائية التي تقلصت وافسحت امامها أخصب الأراضي. ولكن هذه الزراعة عادت وضربت بعد احتكارها من قبل شركة الريجي الفرنسية في أول الربع الأخير من القرن التاسع عشر التي فرضت شروطاً على هذه الزراعة، لقد "أخذت الريجي بمصير زراعة التبغ في مناطق معينة وذلك ليتسنى لها حصر الانتاج في أماكن ضيقة تسهل مراقبتها لمكافحة الانتاج اللاقانوني وتهريبه، وكان كل فلاح يود زراعة التبغ مطالباً بالحصول على إذن من الشركة، ولم يكن كل فلاح قادراً على نوال هذا الإذن، فلكي يحصل الفلاح عليه كان لا بد له، وحسب نظامها من التصرف بأرض لا تقل عن خمس الهكتار وأن تكون محاطة بسياج، والا تكون المساحة الفاصلة عن المدينة بأقل من 3 كلم، وان تكون صالحة لزراعة التبغ" (14).
ان هذه الشروط مجتمعة في منطقة كجبل عامل تضيق فيه الملكية الصغيرة التي كثيراً ما تقل عن الحد المطلوب قانونياً أدت الى تدهور الزراعة فلكي يستطيع الفلاح أن يزرع تبغاً كان عليه استئجار أرض اضافية وبأسعار عالية، وأن يستدين ليبني سياجاً، وأن "يرضي" أصحاب العلاقة ليقرروا ان كانت أرضه صالحة لزراعة التبغ، وهذا التدهور أدى الى تجميع الملكيات الصغيرة أو انتقال الملكيات الكبيرة، نتيجة عمليات الربا والرهن الى أيدي قلة متمولة من خارج جبل عامل (البرجوازية البيروتية واللبنانية. آل العظم يملكون مطاحن وادي الحجير). لان الفئآت المتمكنة في جبل عامل (آل الأسعد، آل الفضل) لم تكن قادرة على تخطي اصولها الاجتماعية والدخول في شبكة العلاقات الرأسمالية. هذا بالاضافة الى الابتزاز الذي كان يفرضه منطق التبعية الاقتصادية، فقد كان أهالي جبل عامل ينهبون كمستهلكين، في نفس الوقت الذي كانوا ينهبون فيه كمنتجين عن طريق شراء محاصيلهم بالأسعار التافهة. ان هذه السيطرة الاقتصادية هي علاقة صدامية بحد ذاتها، فالتاجر "الأجنبي" يبقى أجنبياً دوماً، على الرغم من تبلده وسكنه في جبل عامل (آل عودة، آل فرنسيس، آل جوهر، آل مجدلاني..) وقد ترافقت هذه السيطرة بأخرى سياسية فقد أصبحت هذه البرجوازية المرجع الأول في القضايا الحاسمة في جبل عامل: ففي الخلاف الذي نشب في أواخر ستينات القرن التاسع عشر داخل أسرة آل السعد "جاء أحمد باشا الصلح. وأصلح بين الزعيمين، فأعيد تامر بك لمقاطعته وبقيت الرياسة لعلي بك" (15).
عام 1920. عام التحول السياسي في حياة المشرق العربي السياسية، كان كذلك عام الحسم بالنسبة لعلاقة جبل عامل بجواره وخاصة بجبل لبنان، وهو عام تصفية الكيان الذاتي الذي كان قد كسبه جبل عامل ابتداء من سنة ،1749 وذلك بقيام دولة لبنان الكبير، وبهذا الضم الجديد تتكون مجموعة من التناقضات على الأصعدة المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، ليس أقلها الشرخ السياسي اللبناني بين دعاة الوحدة السورية، واستطراداً العربية الرافضين لبنان كيان مستقلاً، وبين دعاة لبنان المستقل، وهذان الاتجاهان السياسيان ما زالا تقريباً يلخصان الحياة السياسية في لبنان.
لقد وقف العامليون بصلابة مع الحركة العربية عام 1916 - 1920 وساهموا بفعالية في طرد الاتراك، وتابعوا عصاباتهم المسلح ضد وجود الحلفاء وضد مشاريعهم السياسية لتقسيم سوريا، بقيادة صادق الحمزة وأدهم خنجر، وكان مطلبهم الواضح الالتحاق بالمملكة السورية. وليس المجال هنا للحديث بالتفصيل عن هذه الحركة المسلحة "العصابات" التي تمكنت من اقفال جبل عامل بوجه الفرنسيين. ولكن الشيء الملفت للنظر ان هذا الموقف الوطني الواعي لجماهير العامليين ينقلب في اللحظة الأخير ويتمحور الى هجوم على بعض القرى المسيحية (عين ابل)، بالرغم من أن العصابات العاملة في جبل عامل وخاصة كبرياتها (عصابات صادق الحمزة وأدهم خنجر) كانت أبعد ما تكون في طروحاتها عن العمل الطائفي. ففي مؤتمر وادي الحجير الذي انعقد في 24 نيسان. 1920 "جلس صادق أمام العلماء والقرآن بين ايديهم فأخذوا عليه وعلى رجاله الايمان المغلظة ان لا يتعرض لاحد من المواطنين ابناء جبل عامل مسلمين كانوا أم مسيحيين. فأقسم بذلك واستثنى من كان مؤلباً للفرنسيين على الوطن واستقلاله، مجاهراً بذلك للغاصبين المحتلين مسلماً كان أو مسيحياً أو من أي مذهب كان لان جهادنا سياسي لا ديني (16).

 

 


   

رد مع اقتباس