الموضوع: جبل عامل
عرض مشاركة واحدة

قديم 14-04-09, 10:40 PM

  رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
جيفارا
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

وعلى الرغم من ذلك، فقد حاول الشيخ ظاهر أن يتحاشى استئناف القتال، فأرسل الى الأمير يوسف يطلب منه أن يرجع بعسكره الى جسر الأولي شمالي صيدا، إلا أن الأمير أبى ذلك، فزحف الشيخ ظاهر وحلفاؤه المصريون والعامليون تجاه صيدا لاحتلالها، والتقى الجيشان في سهل "الغازية" جنوبي شرقي صيدا (في حزيران 1772)، حيث جرت بينهما معركة انتهت بهزيمة الأمير يوسف وحليفه خليل باشا والي القدس، وطارد الشيخ ظاهر وحلفاؤه فلول جيش الأمير يوسف حتى وصلت حدود الإمارة، بينما فر خليل باشا بمن معه الى دمشق بعد أن خسر نحو خمسمئة رجل، أما خسارة الشيخ ظاهر فكانت نحو ألف رجل. ولم يكتف الشيخ ظاهر بهذه الهزيمة، بل أرسل السفن المسكوبية لحصار مدينة بيروت بحراً - وكانت محمية شهابية - فدمرت بمدافعها بعض أبراج المدينة، ثم نزل عسكر هذه السفن اليها فنهبوها وعادوا الى سفنهم، وظل حصار السفن المسكوبية لبيروت قائماً الى أن دفع أمراؤها مبلغاً من المال قبضه قائد الأسطول وعاد قافلاً الى عكا.
واستمر التحالف بين العامليين بقيادة الشيخ ناصيف النصار وبين المصريين بقيادة علي بك والصفديين بقيادة الشيخ ظاهر العمر، قوياً ومتيناً، حتى عام ،1774 حيث دب الخلاف بين محمد بك أبو الذهب الذي خلف علي بك في حكم مصر بعد وفاته، وبين الشيخ ظاهر، فأشهر أبو الذهب الحرب على حليفه الشيخ ظاهر، وهاجم بلاده بستين ألف مقاتل، مما اضطر الشيخ ظاهر الى الفرار بينما احتل أبو الذهب عكا وصفد وصور وصيدا، إلا أنه لم يستمر في حكم هذه البلاد سوى أيام معدودات، إذ توفي فجأة فانسحبت الجيوش المصرية وعاد الشيخ ظاهر الى عكا، ولكنه اغتيل عام 1776 على يد أحد رجاله من أتباع الدنكزلي، وتسلّم أحمد باشا الجزار ولاية عكا، فكان أول همه إخضاع جبل عامل لسلطته، وزحف إليه بجيش لجب عام ،1781 وتصدى له ناصيف النصار مع حلفائه من مشايخ هذا الجبل، ودارت بين الفريقين معركة ضارية هي معركة (يارون) التي انتهت بانتصار الجزار ومقتل النصار مع عدد يراوح بين 300 و400 من فرسانه ومقتل عدد من المشايخ العامليين. ويتحدث أرازي Arazy قنصل فرنسا العام في صيدا عن هذه المعركة، في رسالة منه الى الكونت دي فيرجين C. De Vergennes وزير الدولة، بتاريخ 2 تشرين الأول 1781 فيقول: "ان موت الشيخ ناصيف ونحو 300 أو 400 من فرسانه مع عدد من المشايخ، وضع، بضربة واحدة، حداً لهذه الحرب، وذلك بتشتيت باقي المشايخ الذين وقع إثنان منهم في قبضة الباشا".
Ismail, ********s, T2 p385

وبمقتل الشيخ ناصيف خضع جبل عامل لحكم الجزار طيلة ربع قرن حتى وفاة هذا الأخير عام 1804.
منذ أن تولى أحمد باشا الجزار حكم ولاية عكا (بما فيها جبل عامل وصيدا) لم يعد للشهابيين يد في هذه الولاية، وهكذا، فقد انقضت ولاية الأمير يوسف (عام 1790)، والعقد الأول من ولاية الأمير بشير الثاني الكبير حتى وفاة الجزار (1804)، من دون أن يكون لهؤلاء الأمراء في جبل عامل أي تأثير، ولكن العامليين، الذين تعودوا التمرد والثورة على كل حكم أجنبي، وأنسوا في حياتهم شيئاً من الحرية والاستقلال الذاتي، لم يستكينوا لحكم الجزار الذي تميّز بالغلظة والقسوة، فحكم البلاد بالحديد والنار، وقضى على قسم كبير من زعمائهم وشرّد القسم الآخر الى عكار وحلب والأناضول، وهاجر العلماء والمثقفون الى البلاد الإسلامية النائية كالهند والعراق وإيران وأفغان خوفاً من بطش الجزار وظلمه، فأصبح تاريخ احتلال الجزار لجبل عامل نهاية فترة من الحكم الذاتي تمتع به الجبل طويلاً، ولكن البلاد عرفت في عهد الجزار عدداً من الانتفاضات كتلك التي قام بها الشيخ حمزة بن محمد النصار من آل الصغير والشيخ علي الزين صاحب شحور، اللذان شكلا فرقة من الثوار أخذت تهاجم المراكز الحكومية العائدة للجزار، فهاجمت تبنين وقتلت الحاكم العام فيها وأصابت بعض أعوانه، إلا أن انتقام الجزار كان شديداً، إذ فاجأ المتمردين في بلدة شحور بفرقة من جنده فقضى على زعيمهم الشيخ حمزة وفر الشيخ علي الى إيران وتشتت شمل المتمردين جميعاً.
يستدل من ذلك أن هذه الانتفاضات في عهد الجزار لم تكن منظمة ولم يقيض لها زعيم كناصيف النصار يوجهها التوجيه الصحيح، فغالباً ما كنت خالية من أي توجيه ثوروي أو أي غاية سياسية محددة، كما كانت لا تتورع عن إيقاع الضرر بالأهالي أو برجال الجزار لا فرق، يحدثنا الشيخ علي سبيتي في مجموعته عن هذا الموضوع فيقول: "كان دور العصابات والفدائيين أتعس دور مرّ على جبل عامل، وقع فيها، بين نارين، نار زبانية الجزار ونار رجال الثورة، فالزبانية التي كان يقذفها الطاغية تعيث في البلاد فساداً، وتضيق الخناق على الأهلين المساكين وتؤلف منهم فرقاً لمطاردة العصابات فلا تظفر بهم، والثوار يشنّون الغارات للسلب والنهب وحرق القرى وتدمير البيوت متغلغلين في بطون الأودية بين الأحراج والغابات ومعتصمين برؤوس الجبال".

 

 


   

رد مع اقتباس