عرض مشاركة واحدة

قديم 24-03-25, 10:41 AM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي التصنيع العسكري في الخليج ...الآفاق والتحولات



 

التصنيع العسكري في الخليج ...الآفاق والتحولات

تعد القوة عاملًا حاسمًا في قدرة الدول على تأمين وجودها، والدفاع عن نفسها، وفرض تأثيرها على نطاق إقليمي ودولي واسع. وعبر التاريخ لعب امتلاك السلاح وتطويره دورًا بارزًا في صعود قوى واختفاء أخرى من المشهد السياسي العالمي، وعلى الرغم من أنَّ مفهوم القوة شهد تغيرات جمة؛ نظرًا لتغير مفهوم التهديدات التي طرأت على المشهد السياسي والأمني، فإن عامل امتلاك السلاح من عدمه بقي مسألة جوهرية في تحديد قوة ومكانة الدولة، وقدرتها على الدفاع عن نفسها، والتأثير في المجريات التي تؤثر وتتأثر بها.
بعد الحرب الباردة شهد النظام الدولي تغيرًا في طبيعته، إذ بسقوط الاتحاد السوفيتي سقطت الثنائية القطبية، وبرزت القطبية المهيمنة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وحينها حرصت أمريكا أن تعدد من الوسائل التي تعزز قوتها وهيمنتها على المستوى العالمي، وكان من تلك الوسائل بناء التحالفات التي تحمي مصالحها، ونظرًا لأن النفط يشكل عصب الصناعة والاقتصاد، حرصت الولايات المتحدة الأمريكية أن تعمق من علاقتها مع الدول المصنعة عن طريق التحالفات الأمنية والعسكرية، ووفقًا لـ “مبدأ كارتر”[1]يحق للولايات المتحدة استخدام القوة العسكرية للدفاع عن مصالحها في منطقة الخليج العربي، وقد جاء هذا الإعلان ردًا على غزو الاتحاد السوفييتي لأفغانستان في عام 1979، إذ ذكر “كارتر” أن القوات السوفيتية في أفغانستان “تشكل تهديدًا خطيرًا لحرية حركة نفط الشرق الأوسط[2].
بناء على ذلك، التزمت الولايات المتحدة الأمريكية بحمايتها لدول الخليج، بل وتدخلت بشكل مباشر في بعض الحالات من أجل حماية مصالحها وحماية حلفائها؛ لكنَّ العلاقة بينها وبين دول الخليج شهدت تراجعًا في السنوات الأخيرة لعدة أسباب أبرزها:
– تنامي الدور الصيني في الجانب الاقتصادي، ودخوله المجال العسكري، وهو ما يمثل تهديدًا للهيمنة الأمريكية ومصالحها، وبالتالي أصبحت منطقة شرق آسيا والمحيط الهادي ساحة جديدة للتنافس، تتطلب المزيد من التركيز والاهتمام الأمريكي.
– تراجع أهمية نفط الخليج في ظل تمكن الولايات المتحدة الأمريكية من إنتاج النفط الصخري.
– ارتفاع فاتورة الحروب التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط لحماية مصالحها، على غرار غزو أفغانستان 2001، وغزو العراق في 2003، ورغبتها في الانسحاب التدريجي من هذه المنطقة، وتغليبها للحلول الدبلوماسية بدلًا من العسكرية، خصوصًا وأن الأخيرة أثبتت فشلها الذريع في أكثر من تجربة ولفترة طويلة.
– الحل الدبلوماسي يتطلب مناقشة الإشكاليات والتهديدات القائمة في منطقة الخليج، وعلى رأسها التهديد الإيراني، ومن هنا تأتي جهود الإدارة الديمقراطية بقيادة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” من أجل العودة للمفاوضات حول المشروع النووي الإيراني، بدلًا من الاستمرار في سياسة الإقصاء والعقوبات التي بدأها سلفه “دونالد ترامب” إرضاءً لحلفائه في المنطقة.
بالنسبة لدول الخليج يعد النفوذ الإيراني تهديدًا استراتيجيًا ينبغي احتواؤه والاستعداد له، ولطالما اعتمدت هذه الدول على الولايات المتحدة الأمريكية من أجل الدفاع عنها؛ لكن وفي ظل التغيرات التي تشهدها الاستراتيجية الأمريكية، بالإضافة إلى ارتفاع سقف الانتقادات التي تطال دول الخليج بسبب ظروفها السياسية الداخلية، وبسبب نتائج الحرب المستمرة في اليمن، تم تقييد وصولها للسلاح، وتم حرمانها من استلام بعض صفقات السلاح الاستراتيجي، الأمر الذي دفع دول الخليج إلى إعادة النظر في استراتيجياتها الأمنية، وهو ما تجلى في سعيها للتنويع في علاقاتها الاستراتيجية، وفي سعيها إلى تصنيع السلاح بدلًا من الاكتفاء بشرائه من الدول المصدرة، والتي تملك حق منعها أو إعطائها بناءً على التغيرات السياسية التي تتحكم بتوجهاتها الاستراتيجية تجاه حلفائها في المنطقة.
إن تنبه دول الخليج لضرورة الاعتماد الذاتي على تصنيع السلاح ليس وليد اللحظة، أو نتيجة للتغيرات الأخيرة في الاستراتيجية الأمريكية تجاه المنطقة، بل ثمة جهود سابقة؛ لكنها لم تتسم بالطابع الجدي والنوعي إلا في الفترة الأخيرة، خصوصًا وأن الانسحاب الأمريكي المباغت من أفغانستان، ورغبتها في مواصلة المفاوضات مع إيران، يأتي ضمن السياسة الجديدة لأمريكا في المنطقة، والتي تزيد من مخاوف مختلف الأطراف خصوصًا دول الخليج.
تنطلق الورقة من مجموعة من التساؤلات التي تتلخص في النقاط التالية:
– ما هي الاستراتيجية الأمنية الدولية في التصنيع العسكري؟
– ما مجالات التصنيع العسكري القائمة في كل دولة من دول الخليج حاليًا؟
– لماذا يحتاج الخليج إلى صناعة عسكرية؟ وما فائدة هذه الصناعة اقتصاديًا وسياسيًا وأمنيًا؟
– من هم شركاء التصنيع العسكري في الخليج؟ وما دلالات هذه الشراكات؟
– ما هي الدول الموردة للسلاح إلى دول الخليج؟
– ما الفرص والتحديات التي تواجه التصنيع العسكري في الخليج؟
– ما مستقبل التصنيع العسكري في الخليج؟ وما آثاره المستقبلية؟
تحاول الورقة الإجابة على هذه التساؤلات في سبيل تحقيق الأهداف التالية:
– تقديم نظرة حول أهمية الصناعة العسكرية في الاستراتيجية الأمنية للدول بشكل عام، ولدول الخليج بشكل خاص.
– تسليط الضوء على واقع الصناعات العسكرية في دول الخليج.
– مناقشة واقع الصناعات العسكرية في دول الخليج.
– مناقشة الفرص والتحديات التي تواجه الصناعات العسكرية في الخليج.
– استشراف مستقبل الصناعات العسكرية في الخليج.


المحور الأول: الأهمية الجيوسياسية والاستراتيجيات الدفاعية لدول الخليج

على مدار التاريخ تميزت دول الخليج بأهمية استراتيجية؛ نظرًا لموقعها الجغرافي المطل على منافذ بحرية في غاية الأهمية، وقد كانت لها أهميتها الاقتصادية قديمًا في حركة التجارة، وفي العصر الحالي حافظت على هذه الأهمية الاستراتيجية؛ لأهمية موقعها من جهة، ولظهور النفط من جهة أخرى، حيث اكتسب النفط أهميته من الإنتاجات المختلفة التي تفعل بواسطته؛ لارتباطه بقطاع النقل والتصنيع العسكري ومختلف المجالات.


أولًا: الأهمية الجيوسياسية لدول الخليج

ترتبط الأهمية الجيوسياسية لدول الخليج بمعادلات صراع القوى الكبرى في العالم؛ ولهذا ازدادت أهميتها أكثر، واعتبر المساس بها مساسًا بالأمن الدولي؛ نظرًا لأن تأثرها يعني تأثر المجال الاقتصادي والسياسي تباعًا، وتكمن أهمية دول الخليج في التالي:


1- الأهمية الجغرافية لدول الخليج

يعد العامل الجغرافي أحد أهم العوامل التي تعزز من قوة الدول أو تسهم في إضعاف سياساتها، فالدول الحبيسة تختلف أهميتها وتأثيرها عن تلك الدول المطلة على منفذ مائي، ودول الخليج من حيث الموقع الجغرافي تتمتع بأهمية بالغة، فمن جهة تتميز بكونها منطقة تتوسط العالم القديم، وتمر بها أشهر الطرق التجارية التي تربط أوروبا بالشرقيين الأدنى والأقصى. ومن جهة أخرى ازدادت أهميتها في العصر الحديث بعد اكتشاف النفط، الذي يعد سلعة استراتيجية ومؤثرة على مختلف المجالات، وتمتلك دول الخليج 54% من الاحتياط العالمي من النفط، و23 من الاحتياط العالمي من الغاز[3]، وهو ما يجعلها قبلة لمختلف القوى قديمًا وحديثًا، والتي تحرص على الحضور في هذه المنطقة لتعزيز نفوذها، وزيادة تأثيرها على مستوى العالم.

تتضح أهمية موقعها الجغرافي من الصراعات التي قامت بين مختلف القوى في الماضي والحاضر، ففي القرن المنصرم ازدادت المنافسة بين بريطانيا وفرنسا، وتمكنت بريطانيا من حسم الكثير من المعارك لصالحها، من خلال الاستفادة من نفوذها ووجودها في دول مختلفة في الشرق الأوسط منها الدول الخليجية، وفي القرن الحالي لم تختلف أهمية هذه المنطقة بالنسبة للقوى العظمى، فقد ازداد الصراع بين الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفيتي خلال فترة الحرب الباردة، وحرصت الولايات المتحدة على تثبيت وجودها في المنطقة لتستفيد من موقعها ومقدراتها، ونظرًا لهذه الاستراتيجية، بالإضافة إلى عوامل أخرى، تمكنت الولايات المتحدة في نهاية المطاف من ترجيح كفة غلبتها، وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي برزت الولايات المتحدة الأمريكية قوة عظمى رسخت وجودها في هذه المنطقة، واعتبرتها ذات حساسية شديدة لأمنها القومي، ليس خلال فترة الحرب وحسب بل في أوقات السلم، على اعتبار أن النفط هو العملة الأساسية المحركة للصناعة والمتحكم الرئيسي في أسواق الطاقة.[4]
كما ترتبط أهمية الموقع الجغرافي لدول الخليج بمضيق باب هرمز الذي يُعد من أهم المضائق المائية على مستوى العالم؛ بسبب الحيوية التي يتمتع بها فيما يخص الطاقة والنفط. وحالة مضيق هرمز تتلخص في أنه مياه إقليمية لكل من عُمان وإيران مناصفةً، إلا أنه يخضع لقواعد المرور الدولية دون الحاجة لإذن أي من الدولتين المطلتين عليه؛ لكونه يربط بين بحرين من البحار العالية، هما خليج عُمان والخليج العربي، إضافةً إلى أنه المنفذ الوحيد لعدة دول خليجية على العالم الخارجي، كالعراق والكويت وقطر، إضافة لإيران صاحبة الإطلالة الأكبر على الخليج.[5]


2- الأهمية الاقتصادية لدول الخليج

العامل الاقتصادي أحد العوامل المهمة التي تعزز الاستقرار السياسي في الدولة وتعزز من أمنها، وتتفاوت الدول في قوتها الاقتصادية بناءً على عدة عوامل، أبرزها توفر المصادر الأولية للتصنيع من جهة، وقدرتها على التنويع في مجال اقتصادها وتسويقه من جهة أخرى، ودول الخليج تمتلك النفط الذي يعد أهم مادة خام قابلة للتصنيع والاشتقاق، كما أنها ليست بحاجة إلى تسويقه فهو أحد السلع الأساسية المطلوبة على مستوى العالم؛ كونه الطاقة التي تحرك قطاع التصنيع، وبشكل عام تنبع أهمية دول الخليج بالنسبة للاقتصاد العالمي من بعدين: الأول يتعلق بامتلاكها أكبر مخزون نفطي في العالم، والثاني باعتبارها سوقًا مفتوحة لمختلف السلع والبضائع سواء تلك المرتبطة بأسواق السلاح، أو السلع الاستهلاكية القادمة من أوروبا أو الصين[6].
ونظرًا لهذه الأهمية الاقتصادية، شهدت دول الخليج تنافسات عدة بين مختلف القوى العالمية، إذ تحرص تلك الدول أن يكون لها وجود في المنطقة؛ لتستفيد من سهولة وصول النفط لها وبسعر مناسب، كما تحرص على توريد بضائعها إلى دول هذه المنطقة التي تتمتع بخصائص عدة، منها وجود طاقة استهلاكية ضخمة متمثلة بوجود كتلة مجتمعية حديثة السن، وبقدرة شرائية عالية نتيجة لمردودات النفط.
صحيح أن الظروف الأمنية والسياسية التي اعترت المنطقة الفترة الأخيرة قد ألقت بظلالها على الجانب الاقتصادي، وهو ما دفع دول هذه المنطقة إلى تبني سياسات جديدة، تهدف إلى تحقيق التنويع الاقتصادي الذي يسهم في إيجاد موارد اقتصادية للدولة، بعيدًا عن مجرد الاعتماد على مردودات النفط؛ لكن المنطقة لا تزال تتمتع بأهميتها الاستراتيجية في الجانب الاقتصادي؛ نظرًا لاعتماد الاقتصاد العالي على الوقود الأحفوري، ولأن عملية الاعتماد على البدائل غير النفطية وعلى النفط الجديد سيستغرق وقتًا وجهدًا أكبر.


3- الأهمية الأمنية لدول الخليج

تتداخل الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية لدول الخليج لتجعل من هذه الدول ذات مكانة وأهمية للأمن العالمي، نظرًا لثقلها الاستراتيجي في مجال الطاقة على مستوى العالم، حيث تحتوي على 54 % من الاحتياط العالمي من النفط، و23 % من الاحتياط العالمي من الغاز؛ ولهذا سارعت القوى الكبرى إلى تثبيت وجودها في هذه المنطقة من خلال مختلف الوسائل، أو التأثير عليها من خلال دعم حلفائها في المنطقة، فضلًا عن حرصها على تأمين طرق نقل النفط منها، خصوصًا من مضيق هرمز الذي يعد شريانًا استراتيجيًا لتأمين حركة النفط على مستوى العالم[7].
لقد كانت منطقة الخليج العربي على مدى التاريخ هي الجسر الذي سهل الاتصالات البشرية بين بغداد وشط العرب من جهة، وإمارات الخليج العربي والعالم الخارجي من جهة أخرى، وقد كان ظهور الحركات التحررية العربية ضد القوى الاستعمارية من العوامل التي جعلته يأخذ أهمية أمنية كبرى في القضايا العربية وسياسة الشرق الأوسط والعلاقات الدولية، إذ حرصت القوى الاستعمارية القديمة متمثلة ببريطانيا على الحفاظ على وجودها في هذه المنطقة، وفي سبيل ذلك استخدمت أساليب متنوعة، منها عقد المعاهدات والاتفاقيات الثنائية غير المتكافئة مع حكامها، وبناء القواعد العسكرية؛ تامينًا لاستمرار وجودها العسكري فيها، كما قامت بإنشاء قاعدة الجفير البحرية في البحرين عام 1935، وقاعدة جوية في إمارة الشارقة عام 1937، وقاعدتين أخريين في صلالة بسلطنة عمان. هذه السياسة الأمنية التي اتخذتها بريطانيا، استخدمتها الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية، من أجل نقل قوات الحلفاء إلى الشرق الأقصى خلال حربها مع اليابان، حيث اقتضت الحاجة إلى اختيار مكان قريب تتحرك منه قواتها العسكرية، فتم اختيار قاعدة الظهران الجوية، ومن خلالها تمكنت أمريكا من تأمين مصالحها دون الحاجة إلى تكبد خسائر مالية كبيرة، ودون الحاجة إلى تنفيذ احتلال شامل، وإنما من خلال بناء تحالفات مع دول الخليج، تؤمن مصالحها وتتيح لها التحرك عبر أراضيها من خلال بناء قواعد عسكرية فيها[8].


وعقب انتشار الاضطرابات بعد حركات الشعوب في ثورات الربيع العربي، بقي الوضع في دول الخليج كما هو؛ نتيجة للحماية الأمنية المباشرة وغير المباشرة التي تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية لهذه الدول؛ من أجل أن تحافظ على مصالحها؛ لكن في الفترة الأخيرة تغيرت الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة، بعد أن ظهرت تهديدات جديدة فرضت أولويتها على الأجندة الأمريكية وسياستها العالمية.


ثانيًا: أهمية الصناعات العسكرية لأمن الخليج

يؤكد منظرو المدرسة الواقعية الكلاسيكية والواقعية الجديدة على أنَّ امتلاك القوة عامل حاسم ينبغي أن تحرص عليه كل الدول، فالدول لديها هدف أساسي يتمثل في الحفاظ على بقائها، ولا يكون لها ذلك إلا من خلال قدرتها على الدفاع عن نفسها، وتعد مسألة امتلاك القوة مهمة؛ لكونها قادرة على تحقيق أهداف عدة منها:
1- تحقيق الاكتفاء الأمني

منذ تأسيسها اعتمدت دول الخليج على الدور الخارجي في تأمين وجودها، فهي من جانب محط أنظار مختلف القوى الطامعة بنفطها، ومن جانب آخر تعاني من هشاشة داخلية، إما بسبب طبيعة الأنظمة السياسية، أو بسبب العوامل الديمغرافية، حيث يوجد عدد قليل من السكان في بعض دول الخليج مقارنة بأعداد العمالة الخارجية.
يحيط بدول الخليج مجموعة من المشاريع المتنافسة التي تمثل لها خطرًا وجوديًا، ففي السابق كان يعد نظام صدام حسين خطرًا حقيقيًا خصوصًا بعد احتلال العراق للكويت، وهي الخطوة التي بررت بناء قواعد عسكرية أمريكية دائمة على الأراضي الخليجية، خصوصًا بعد إعلان “مبدأ كارتر”[9].
كما يمثل مشروع الكيان الإسرائيلي خطرًا حقيقيًا على المنطقة العربية ككل؛ إضافة للمشروع الإيراني الذي برز بعد الثورة الإيرانية في 1979[10]، والتي انتهجت مبدأ تصدير الثورة، الأمر الذي اعتبرته دول الخليج مصدرًا حقيقيًا لتهديد وجودها، ومنذ ذلك الوقت وحتى نهاية 2020، انتهجت الولايات المتحدة نفس السياسة تجاه حماية حلفائها في المنطقة؛ لكن ونظرًا لظهور متغيرات جديدة على الساحة الدولية، تغيرت أولويات وسياسات الولايات المتحدة تجاه المنطقة.
فمن جهة اعتبر الصعود الاقتصادي الصيني على مستوى عالمي مؤشر تهديد للهيمنة والدور الأمريكي على المستوى العالمي، خصوصًا وأن نوايا الصين بدأت تتكشف منذ 2017 بعد بنائها لأول قاعدة عسكرية في جيبوتي[11]، إذ إن مشروعها الطموح الذي دشنته في 2013 “مشروع الحزام والطريق”[12] يتطلب دورًا أمنيًا ودبلوماسيًا وعسكريًا يؤمن قدرتها على المضي والاستمرار في هذا المشروع.


من جهة أخرى، فإن ارتفاع كلفة الحرب في أفغانستان 2001، والعراق في 2003 استنزف القوة الاقتصادية الأمريكية، كما استنزف القوة السياسية للولايات المتحدة في الداخل والخارج على حد سواء، ومن خلال ظهور تحديات وتهديدات أمنية جديدة كان لزامًا عليها أن تعيد ترتيب أولوياتها في سياستها الخارجية وسياستها الأمنية، الأمر الذي أسفر عن انسحابها غير المشروط من أفغانستان في نهاية العام 2021[13]، كما عزز من رغبتها في العودة إلى طاولة المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي[14]، وهو ما اعتبر تغيرًا في السياسة الأمريكية تجاه ملفات المنطقة وتجاه حلفائها في المنطقة.
ازداد تعقد الوضع بعد أن علقت الإدارة الأمريكية الجديدة للرئيس “جو بايدن” في مطلع 2021 بيع أسلحة للمملكة العربية السعودية، ومقاتلات إف-35 للإمارات العربية المتحدة، في إطار “مراجعة” قرار اتُخذ إبان ولاية الرئيس السابق “دونالد ترامب”، حيث صرح “جو بايدن” بأن موقفه تغير حيال إتمام صفقة تم الاتفاق عليها بقيمة 650 مليون دولار، تشمل صواريخ أمريكية الصنع، وجاء هذا القرار ضمن المراجعات التي تبنتها الإدارة الأمريكية، لوقف الحرب القائمة في اليمن، ولاحتواء الأزمة الإنسانية المتفاقمة جراء استمرار الصراع[15].


2- جني الفوائد الاقتصادية

تعد الصناعات العسكرية والدفاعية إحدى أهم الروافد التي تعمل على تطور الجيوش، بعدم تبعيتها للخارج في مجال التقنية والسلاح والمعدات، كما أنها تشكل إحدى الدعائم الأساسية للحفاظ على استقرار الدول أمنيًا واقتصاديًا. فمن جانب تعد الصناعات العسكرية -خصوصًا الصناعة التكنولوجية- رافدًا اقتصاديًا مهمًا للدول، من حيث تحقيق الاكتفاء الذاتي، وبالتالي التقليل من فواتير الإنفاق الخارجي للحصول على هذه الأسلحة، ومن جهة أخرى الإسهام في تنمية اقتصاد الدول من خلال هذه الصناعات الثقيلة، إذ إن تمكن الدول من تصنيع أسلحة نوعية وفاعلة يفتح لها أسواق الدول الأخرى، على غرار الصناعات العسكرية التركية في مجال الطائرات المسيرة.
وفي حال تمكنت دول الخليج من النهوض بقطاع الصناعة العسكرية ستتمكن من تحقيق هذا الهدف، وبالتالي تقليل فواتير صفقات السلاح التي تستنزف ميزانياتها، كما أنها قد تتمكن في المستقبل من التحول إلى مورد قوي في حال طورت قطاع الإنتاج. وبشكل عام تعد دول مجلس التعاون الخليجي الست مجتمعة، ثالث أكبر منفق في العالم على مجال الدفاع، بميزانية مشتركة تزيد على 100 مليار دولار أمريكي سنويًا. لذا ينبغي أن يتم تحويل هذه القوة الشرائية الكبيرة إلى قوة صناعية. إذ لا يزال الإنتاج الدفاعي المحلي يمثل نسبة ضئيلة من الناتج المحلي الإجمالي، على الرغم من الجهود القوية للتوطين منذ الثمانينات. ومن هنا تأتي الحاجة لضرورة تبني مقاربة جديدة لا تقتصر على ربط صفقات السلاح بتدريب مهنيين وطنيين لصيانتها أو توطين جوانب معينة من الصناعة، بل ينبغي أن تستفيد من تجارب بعض الدول في المنطقة، من أجل بناء وتشييد صناعتها الوطنية وليس مجرد توطين بعض الصناعات الدفاعية القادمة من الخارج[16].


3- تعزيز الاستقرار الاقتصادي وخطط التنمية الاقتصادية

من المتوقع أن تواجه دول الخليج قاطبة سيناريو نفاد النفط في العقود القادمة، وهو ما سيشكل تحديًا حقيقيًا ينبغي الاستعداد له من وقت مبكر، فعلى الرغم من الفوائد الجمة التي تحققت بظهور النفط، فإنه أسهم في تشكل بنية متكاملة من الاقتصاد الريعي، الذي لا ينتج بشكل حقيقي وإنما يستهلك مردودات النفط. وفي حال اختفى النفط سينهدم هذا النمط الاقتصادي برمته وسيخلق مشاكل اجتماعية واقتصادية وسياسية. وحتى يتم تجنب مواجهة مثل هذا السيناريو تحاول الدول تبني خطط استراتيجية، تسهم في تحقيق التنويع الاقتصادي وخلق فرص عمل متنوعة تسهم في إنتاج حقيقي في مختلف القطاعات. ويتجلى هذا التوجه في الخطط العشرية التي أطلقتها بعض دول الخليج من أجل دعم خطط التنويع الاقتصادي، ويأتي الاهتمام بقطاع الصناعات الدفاعية والعسكرية في هذا الجانب، إذ يعد الاستثمار في الجانب الدفاعي وربطه بالتقنيات الحديثة مجال استثمار نوعي يمكن للدول أن تحقق من خلاله فوائد اقتصادية متعددة، بدءًا من توفير فرص عمل لمواطنيها في مجال التصنيع، ومرورًا بالقدرة على تصنيع الأسلحة، أو قطع تستخدم في تركيب تلك الأسلحة، والمجالان كلاهما في حال تم تفعيلهما سيعودان بالفائدة الكبيرة على الدولة المستثمرة. وفي هذا السياق يمكن الاستفادة منكلا التجربتين الروسية والصينية، فصناعة السلاح في روسيا تعد أحد أهم الموارد الاقتصادية للدولة، وعلى الرغم من تراجع تأثيرها على المستوى الدولي بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، فإن روسيا حرصت على أن تبقي على الوسائل والمجالات التي يمكنها من خلالها استعادة نفوذها مجددًا، ومن تلك الوسائل التركيز على قطاع الصناعات الدفاعية والعسكرية والتميز فيها؛ من أجل أن تكون طرفًا موثوقًا في هذه الصناعات الثقيلة. كما أن الصين أيضًا اعتمدت على تنمية قطاع الصناعات العسكرية، كأحد الموارد التي تفيد اقتصاد الصين ككل. ومن هنا يمكن أن ينظر لهذا القطاع -الذي يعد قديمًا لارتباطه بطبيعة التنافسات والصراعات الدولية والإقليمية -على أنه فرصة لتحقيق فوائد متعددة منها الحفاظ على موازنات دول الخليج وتنمية الاقتصاد فيها بشكل عام.


4- مواكبة التحديات الإقليمية والدولية والتنويع في التحالفات

تشهد منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، والمنطقة العربية بشكل خاص حالة صدام واشتباك بين المصالح على المستويين الدولي والإقليمي، وهو ما يزيد من حالة الفوضى والضبابية فيها، حيث تحاول مختلف القوى أن تستفيد من حالة الفوضى القائمة؛ من أجل الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية، أو من أجل مد نفوذها،. ودول الخليج تقع في قلب هذه المعادلات، ففي حين تزيد حالة التوجس والضبابية من السياسة الأمريكية المتقلبة في المنطقة، ربما تتمكن دول الخليج ولأول مرة من أخذ زمام الأمور لعدة أسباب؛ أبرزها غياب القوى الإقليمية العربية التقليدية، فالعراق لا يزال يعاني من تبعات الغزو الأمريكي له من جهة، وارتهان أمره للقوى الشيعية المرتبطة بالمصالح الإيرانية من جهة أخرى. وسوريا من خلال النفوذ الروسي والإيراني لا يمكن لها أن تلعب أي دور خارج مصلحة إيران في المنطقة، ومصر فقدت قدرتها على التأثير بسبب النزاعات والظروف الداخلية، ومن هنا يمكن أن يعد غياب الفواعل العربية الإقليمية، وانسحاب الدور الأمريكي فرصة وتحد في آن واحد، ويأتي اهتمام دول الخليج بالصناعات العسكرية كضرورة؛ من أجل تقوية موقفها لتضطلع بدور إقليمي خارج عن إطار استراتيجيات الدفاع، وقادر على التأثير في القضايا المرتبطة بالمنطقة، دون الارتهان لأدوار الفواعل الخارجية وتقلباتها السياسية.
وقد شهدت منطقة الشرق الأوسط اضطرابات عديدة خلال العقد الأخير، منها ما ارتبط بنمو المظالم الاجتماعية والسياسية، والعجز الاقتصادي والأمني في مختلف مجتمعات الدول العربية، وهو ما أسفر عن ظهور احتجاجات شعبية أسهمت في إسقاط أنظمة سياسية، كما انخرط بعضها في أتون الحروب الأهلية، ونظرًا لأهمية هذه المنطقة بالنسبة لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية تبنت مقاربات متباينة حيال تلك الاحتجاجات؛ لكنها ساهمت في دعم بعض الدول المنخرطة في مشاهد الصراع في دول الربيع العربي، الأمر الذي أسهم في تفاقم الوضع الأمني في هذه الدول من جهة، وأسهم في خلق انشقاقات داخل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، بسبب الانتهاكات الإنسانية التي ترتبت على هذا الدعم، والمتمثل بتزويد بعض هذه الدول بأسلحة نوعية استخدمت في الحروب القائمة في بعض الدول العربية[17].
غير أن السياسة الخارجية الأمريكية تغيرت بشكل كبير تجاه الشرق الأوسط؛ نظرًا للتغيرات الدولية الأخيرة، والمتمثلة في صعود الصين على الساحة العالمية، والتحديات غير العسكرية مثل جائحة كورونا والتغيّر المناخي، واستقلال أمريكا المتزايد في مجال الطاقة، والتطورات التكنولوجية السريعة، بالإضافة إلى رغبتها في التخفف من مسؤولياتها العسكرية في الحروب التي فتحتها في الشرق الأوسط، ولم تفض إلى النتائج التي توقعتها[18]، كل هذه العوامل أدت إلى تبني الولايات المتحدة الأمريكية سياسة مختلفة حيال دول الخليج، وأبرز تجليات هذه السياسية:


– مطالبة دول الخليج بتسديد ثمن التحالف مع الولايات المتحدة، حيث صرح الرئيس الأمريكي السابق “ترامب” في ديسمبر/ كانون الأول 2017 بخصوص استراتيجيته للأمن القومي، بأن على الدول الثرية أن تسدد للولايات المتحدة الأمريكية تكلفة الدفاع عنها، في إشارة أيضًا إلى دول الخليج التي وجد في بعضها قواعد أمريكية منذ فترة الغزو العراقي للكويت[19].
– تنامي الانتقادات الأمريكية تجاه الانتهاكات الإنسانية والتحديات السياسية، وبات إصلاحها معيار أساسي من أجل الحفاظ على العلاقات الثنائية، ومن أجل الاستمرار بتقديم الدعم الآمن وبيع الأسلحة النوعية.
– ارتفاع تكلفة الحرب في اليمن إنسانيًا واقتصاديًا وأمنيًا، رسخت الأصوات الناقدة لبعض دول الخليج المنخرطة في الصراع اليمني، الأمر الذي أدى إلى مراجعة الاستراتيجيات الأمنية بين الولايات المتحدة وبعض دول الخليج، كما أدى إلى الغاء بعض صفقات الأسلحة الضخمة، حيث أطلقت وزارة الخارجية الأمريكية في مطلع 2021 قرارًا يقضي بمراجعة القرارات الأخيرة التي اتخذت خلال فترة حكم ترامب، وكانت أول نتيجة لتلك المراجعات تعليق واشنطن مبيعات الأسلحة الجارية، حتى إعادة التدقيق فيها للتأكد من أنها تحقق أهدافها الاستراتيجية، ومن بين هذه الصفقات التي تم تجميدها، ذخيرة دقيقة للسعودية ومقاتلات من طراز إف-35 كانت ستورد للإمارات العربية المتحدة.[20]
أسهم إلغاء هذه الصفقات بدق ناقوس الخطر لدول الخليج، والتي كثفت جهودها في تمتين صناعاتها الدفاعية والسعي لتنويع شراكاتها، من خلال إقامة معارض الصناعات الدفاعية للتعرف على الأسلحة النوعية، ولاستعراض قدراتها التصنيعية العسكرية، ولعقد صفقات مع مختلف شركات الصناعة الدفاعية المشاركة، لكن وحتى تؤتي هذه الجهود ثمارها، ينبغي أن يتم إيجاد حلول فاعلة للتحديات التي تواجه دول الخليج في هذا المجال.


ثالثًا: الاستراتيجيات الدفاعية لدول الخليج

ترتبط الاستراتيجيات الدفاعية بالسياسات العامة المعنية بتنظيم الجانب الأمني ودور الجيش، وتتضمن التدابير والمبادرات التي تتبناها الحكومات فيما يتعلق بصنع القرار وتحديد الأهداف الاستراتيجية المتعلقة بالأمن القومي ودور القوات المسلحة، وعادة ما تتضمن الاستراتيجيات الدفاعية مجموعة من الأدوار المتعلقة بمجالات مختلفة وتتضح كالتالي [21]:


تحديد سياسات الدفاع الوطني

تعمل وزارة الدفاع أو الجهات المعنية بتحديد الاستراتيجيات الدفاعية على تحديد سياسات الدفاع الوطني، من خلال تقسيم الأدوار والمراحل والجهات التي ينبغي أن تفوض للتعامل مع مختلف التهديدات والأخطار الداخلية والخارجية، كما تحدد الوقت الأنسب لتفويض القوات المسلحة الوطنية، والموقف الاستراتيجي والكيفية فيما يتعلق بأي تهديدات محتملة للإقليم الوطني ومجتمعه وبيئته واقتصاده، ويحدد الخيارات المتاحة للتعامل مع تلك التهديدات.
تحديد المعلومات حول التهديدات وكيفية التعامل معها

تحدد الاستراتيجيات الدفاعية للدول، أنواع التهديدات وأولوياتها بالنسبة للدولة، وتختلف هذه التهديدات حسب مكانة وموقع الدولة، بالإضافة إلى قدراتها الدفاعية وخارطة تحالفاتها.


تحديد التحالفات الدفاعية

توضح الاستراتيجيات الدفاعية خارطة التحالفات القائمة، ونوع التعاون والتنسيق الأمني بينها، كما تحدد قائمة التحالفات الممكنة، بناءً على التغيرات والتهديدات المرتقبة التي تواجهها الدولة.


التنظيم العسكري

تختلف التنظيمات السياسية من دولة لأخرى بناءً على الأولويات الدفاعية التي تنتهجها الدولة، ففي حين توجد تقسيمات عسكرية أساسية، يتم استحداث وتصنيف تنظيمات أخرى بناءً على الدور الذي تتطلبه الاستراتيجيات الدفاعية.


استخدام التكنولوجيا العسكرية

تعد التكنولوجيا أحد أبرز التحديات التي تواجه مختلف الدول في إعدادها لاستراتيجياتها الدفاعية، إذ يشكل التقدم التقني تحديًا حقيقيًا أمام طبيعة التهديدات التي ينبغي مواجهتها، ففي حين تركز الأولويات الأمنية على ضرورة إعداد الجيش وتوفير المعدات اللازمة لحماية الدولة، يفرض واقع التطور التكنولوجي ضرورة استيعاب التغيرات التي يفرضها على طبيعة الأسلحة من جهة، وعلى طبيعة التهديدات من جهة أخرى، وهو ما يتطلب اهتمامًا خاصًا من قبل الدول لتحديث استراتيجياتها الدفاعية، ولتدريب قواتها العسكرية.


توفير خيارات متعددة للحكومة للتعامل مع مختلف التهديدات

كلما اتسمت الاستراتيجية الدفاعية بنوع من المرونة في استيعاب التغيرات، استطاعت أن تتيح للحكومات بشكل عام ووزارات الدفاع بشكل خاص، القدرة على التعامل مع مختلف التحديات، بشكل يضمن حفاظها على أمنها والقيام بدورها.


تحديد العقيدة العسكرية

تعمل الاستراتيجية الدفاعية بمختلف وسائلها على تحديد العقيدة العسكرية، وهي خارطة الطريق التي تشرح أداء مختلف الوحدات السياسية والعسكرية تجاه الأولويات الأمنية التي تتبناها الدولة، وكيف ينبغي التعامل مع التهديدات الطارئة بطريقة لا تتعارض مع الأولويات التي تم تبنيها.


المحور الثاني: الصناعات الدفاعية الأسس والتحولات

تعد الصناعة العسكرية جزءًا لا يتجزأ من السياسة الدفاعية التي تتخذها الدول قاعدة لحماية نفسها من الأخطار الداخلية والخارجية على حد سواء، ويشير مصطلح قاعدة الصناعة الدفاعية “defense industry base” في العلوم السياسية إلى الأصول الحكومية الصناعية المختصة بإنتاج وتوفير معدات القوات المسلحة بالدولة. وتعد قدرة الدولة على توفير هذه المعدات جزءًا لا يتجزأ من مهامها الأساسية في الحفاظ على الأمن العام الذي يحفظ كيان الدولة ويضمن فاعليتها على المستويين الداخلي والخارجي.


أولًا: بداية الصناعات الدفاعية العالمية

مفهوم الأمان ومحاولة الحفاظ عليه هو جزء من التكوين البشري، ومنذ ظهور الدولة الحديثة بمقوماتها وأسسها المتعارف عليها أصبحت الصناعة الدفاعية جزءًا من الحراكات السياسية والمدنية لمختلف الشعوب. ولقد لعبت هذه الصناعة دورًا كبيرًا في حسم معارك عسكرية كانت لها تأثيرات تاريخية أسهمت في إسقاط قوى دولية وظهور أخرى، ومن هنا باتت هذه الصناعة مفصلًا أساسيًا في مجال التنافس السياسي والاقتصادي وجزءًا لا يتجزأ من الضرورات التي يجب أن تُتَخذ للحفاظ على أمن الدولة.
وبشكل عام، لم يقتصر دور الصناعة الدفاعية على تحقيق الأهداف الأمنية بل باتت جزءًا من الصناعات الاقتصادية ذات المردود المرتفع، وتشمل الصناعات الدفاعية صناعة الأسلحة بمختلف مجالاتها، ويشمل ذلك قطاع البحث والتطوير والإنتاج للمواد العسكرية والخدمات والمعدات، وتتنوع الجهات التي تقوم بهذه المهمة في الدول المتقدمة، فبعضها يتبع الحكومة بشكل مباشر، وبعضها ينتمي للقطاع الخاص، وتعمل هذه الجهات على توفير وإنتاج مختلف الأسلحة التي تشمل البنادق والذخائر والصواريخ والطائرات العسكريةوالمركبات العسكرية والسفن والأنظمة الإلكترونية.
تعود بداية الصناعة العسكرية بشكلها الحالي إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حيث استطاعت بعض الدول مثل فرنسا والمملكة المتحدة وهولندا وبعض الولايات في ألمانيا، تحقيق اكتفاء ذاتي من مجال صناعة الأسلحة، كما تمكنت دول أخرى من اللحاق بهذا التصنيع العسكري كالبرتغال وروسيا بعد هجرة العاملين المَهَرَة إليها. ونظرًا لوجود حالة من التنافس السياسي والأمني بين الدول ازدهرت هذه الصناعة، وتم توسيعها بفتح شركات صناعية في دول أخرى تابعة للمجمعات الصناعية العائدة للدول التي كان لها سبق في التصنيع العسكري. ولوجود دول صغرى بالإضافة إلى وجود دول مستحدثة صناعيًا كروسيا واليابان، أصبحت هنالك حاجة للتعاقد مع الشركات الكبرى للتصنيع العسكري، لأن مثل هذه الدول لم تكن قادرة على إنتاج احتياجاتها الدفاعية، بسبب قلة مواردها وضعف قدراتها المحلية.
ونظرًا للدور المهم الذي لعبته الأسلحة في تقوية الجبهة الداخلية لمن يمتلكها، تمكنت من خلق تغييرات جذرية تاريخيًا، فعلى سبيل المثال في الحرب الأهلية الأمريكية التي حدثت عام 1861، تفوقت مناطق الشمال المعروفة باسم “الاتحاد”، في إشارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، على مناطق الجنوب التي عرفت حينها باسم “الكونفدرالية”، في إشارة إلى الولايات الكونفدرالية الأمريكية، وذلك نتيجة اعتماد مقاتلي المناطق الشمالية على استخدام بنادق “المسكيت”[22] الحديثة.
من خلال هذه الإنجازات التي وفرتها الأسلحة المطورة للدول بدأ الانتقال إلى عصر الأسلحة الآلية الصناعية مثل بندقية “غاتلينغ[23]، الذي استخدمته روسيا بين عامي 1866 و1871 خلال حربها ضد النمسا وفرنسا على التوالي. بعد ذلك ظهر سلاح الرشاش وانتشر في صفوف الجيش، وقد اختُبرت فعالية سلاح الرشاش للمرة الأولى في عام 1899 أثناء حرب البوير الثانية[24]، ثم في عام 1905 أثناء الحرب الروسية اليابانية[25]. ومع ذلك، اعتُبرت ألمانيا الدولة الرائدة في ابتكار وصناعة الأسلحة، واستخدمت تفوقها في هذا المجال في الهزيمة المبدئية للحلفاء في الحرب العالمية الأولى[26].
واجهت الصناعات العسكرية تحديات جمة، كونها أسهمت في زيادة المعاناة الإنسانية المترتبة من ويلات الحروب؛ فإنها على الرغم من ذلك استمرت في تمددها الاقتصادي وتأثيرها السياسي على غرار ما حدث في الحرب الباردة، إذ إن تصنيع السلاح لم يعد يقتصر على الأهداف الأمنية المرتبطة برغبة الدول في الدفاع عن نفسها تجاه التحديات والتهديدات الخارجية، بل أصبح لها دور وتأثير سياسي، فخلال الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، سعى الطرفان إلى استخدام السلاح أداة سياسية، من خلال توزيعه على حلفائهم في جميع أنجاء العالم، وخاصة ما سمي بدول العالم الثالث.
استمر هذا الدعم واتخذ أشكالًا مختلفة منها ما هو مباشر كتقديم السلاح للدول الحليفة، ومنها ما هو غير مباشر عن طريق تنظيم الصفقات والمناورات وبناء القواعد العسكرية، وتدشين اتفاقيات التعاون الأمني المشترك.


ثانيًا: أكبر عشر شركات عالمية في مجال تصنيع السلاح

لوقت طويل تعد الصناعات العسكرية من أكبر الصناعات على مستوى العالم؛ نظرًا لتعدد التهديدات الأمنية ما بين التهديدات التقليدية وغير التقليدية، وتعد الهشاشة المجتمعية، وضعف الأنظمة السياسية، وإمكانية ظهور أطراف داخلية تسهم في تمزق الدولة، من أبرز التحديات المستحدثة في العصر الحالي، بالإضافة إلى أن الحروب السيبرانية باتت من الأخطار الخارجية التي ينبغي الاستعداد لها، فضلًا عن حقيقة أن العالم يواجه تحديات وبائية تنذر الجميع بالخطر.
على الرغم من تنوع هذه التهديدات، فإن دول العالم لا تزال تركز على الأخطار والتهديدات التقليدية بشكل أكبر وتستعد لها، إذ تهتم معظم الدول بتعزيز ميزانياتها الدفاعية سواء من أجل تعزيز قدراتها الأمنية، أو من أجل تعزيز استثماراتها الاقتصادية. ومن أبرز شركات الصناعات العسكرية في العالم من حيث القيمة -دون الأخذ في الاعتبار الإيرادات- الشركات التالية[27]:


شركة هانيويل
هي شركة أمريكية متعددة النشاطات، تتصدر قائمة الشركات الدفاعية في العالم من حيث القيمة، حيث تبلغ قيمتها الإجمالية 157.66 مليار دولار، وتحظى الشركة بشعبية أكبر بين السكان العاديين نظرًا لنشاطها في مجال الأجهزة المنزلية الذكية، بجانب كونها شركة قوية في مجال الدفاع. وخلال العام 2020 سجلت الشركة إيرادات تجاوزت 32 مليار دولار، كما قامت الشركة بسبب الوباء بتحويل بعض منشآتها التصنيعية في الولايات المتحدة وألمانيا لإنشاء معدات خاصة بالرعاية الصحية.

شركة بوينغ
شركة بوينغ تبلغ قيمتها 127.88 مليار دولار، وتعمل الشركة في صناعة الطائرات، وإنتاج وبيع الأقمار الصناعية والصواريخ ومعدات الاتصالات والطائرات العسكرية.

شركة رايثون
تعد هذه الشركة من أكبر الشركات المصنعة لصناعة الطيران والدفاع في العالم من حيث الإيرادات والقيمة السوقية، وتبلغ قيمتها الإجمالية 126.13 مليار دولار. وخلال العام 2020 خسرت الشركة نحو 3.5 مليار دولار بسبب تداعيات كورونا، وذلك على الرغم من التحسن الذي حققته في الإيرادات.

شركة إيرباص إس إي
تبلغ القيمة الإجمالية لهذه الشركة 107.76 مليار دولار، وتعد من أكبر 5 شركات الدفاع في العالم، وتختص الشركة بصناعة خطوط الطيران، وقد حققت الشركة عائدات تقارب 50 مليار يورو في 2020.

شركة لوكهيد مارتن
تحتل هذه الشركة مكانة متقدمة ضمن أكبر الشركات المنتجة للصناعات العسكرية بقيمة تبلغ 98.58 مليار دولار، توظف هذه الشركة أكثر من 110 آلاف شخص، وهي واحدة من أشهر شركات الدفاع في العالم، وفازت بجائزة الطيران السنوي “كولير” ست مرات.

شركة سافران
وهي شركة فرنسية متعددة الجنسيات، وتصنع محركات الطائرات والصواريخ، تبلغ القيمة الإجمالية للشركة 52.85 مليار دولار، تأسست هذه الشركة من خلال اندماج شركتين كبيرتين في عام 2005، وتعمل في إنتاج الإلكترونيات وأنظمة الاتصالات والأقمار الصناعية.

شركة نورثروب غرومان
تعد هذه الشركة واحدة من أكبر مصنعي الأسلحة في العالم، وثالث أكبر مقاول للمعدات الدفاعية للجيش الأمريكي، وأكبر بانٍ للقطع البحرية، وهي الشركة التي أنتجت كل حاملات الطائرات الأمريكية وعددًا من الغواصات النووية، بقيمة إجمالية 58.59 مليار دولار، وتنتج الشركة السفن العسكرية والمركبات الجوية والمدافع والصواريخ.

شركة جنرال ديناميكس
وهي شركة دفاع أمريكية أم، تتكون من عدة شركات وتعد من أكثر شركات الدفاع قيمة في العالم، وتبلغ القيمة الإجمالية للشركة 56.6 مليار دولار.

شركة “L3Harris Technologies
وهي شركة تكنولوجيا أمريكية، ومتعهد دفاع ومزود لخدمات تكنولوجيا المعلومات، تنتج أنظمة ومنتجات C6ISR والمعدات اللاسلكية، أجهزة الراديو التكتيكية، إلكترونيات الطيران والأنظمة الإلكترونية. وتبلغ القيمة الإجمالية للشركة 46.57 مليار دولار.

شركة “TransDigm Group
تبلغ قيمة هذه الشركة 33.19 مليار دولار، ويعود تاريخ تأسيسها إلى عام 1993، وتقوم بتصنيع مكونات الطيران هندسيًا، وسجلت الشركة في 2020 عائدات تتجاوز 5 مليارات دولار.
رسم توضيحي حول أبرز الدول المصدرة والمستوردة من 2016 الى 2020[28]:


التصنيع العسكري في الخليج


التصنيع العسكري في الخليج

 

 


 

الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس