النفس الزكية "المهدي الثائر".. القصة الكاملة لخاتمة ثورات السلف!

محمد الصياد
28/5/2024
"أما بعد أيها الناس؛ إنما أخذ الله فرعون حين قال: «أنا ربكم الأعلى» وإن أحق الناس بالقيام بهذا الدين أبناء المهاجرين الأولين والأنصار المواسين. اللهم إنهم قد أحلّوا حرامك، وحرّموا حلالك، وآمنوا من أخفتَ، وأخافوا من آمنتَ، اللهم فأحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحدا. أيها الناس إني والله ما خرجت من بين أظهركم وأنتم عندي أهل قوة ولا شدة، ولكني اخترتكم لنفسي، والله ما جئت هذه وفي الأرض مصرٌ يُعبد الله فيه إلا وقد أخِذ لي فيه البيعة"؛ (تاريخ الطبري).
هكذا -قبل 1300 سنة هجرية- أعلن محمد بن عبد الله بن الحسن المثنّى الهاشمي الملقب "النفس الزكية" (ت 145هـ/763م) -من فوق منبر المسجد النبوي بالمدينة- بيانَه الثوري للإطاحة بحكم الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور (ت 157هـ/775م)، بعد أن قرر الظهور العلني في شوارع المدينة النبوية حاملا مثالياته الثورية بين أهلها، وذلك في اليوم الأول من شهر رجب سنة 145هـ/763م.
كان لوقع خروجه المهيب فعل السحر في أهل المدينة ومن لحق بهم من القبائل العربية، وكانوا حين يرونه بين ظَهْرانَيْهم بالمدينة ينادون عليه في شوارعها: "المهدي.. المهدي.. المهدي"! فقد كان -في عيون أنصاره- يمثل أملا كبيرا في التغيير، وإجابة ثورية للأرض القاحلة التي ملئت جورا فتعلقت به الجماهير؛ حسبما ترويه شهادات المؤرخين.
وبحسب ما يقوله المؤرخ أبو جعفر ابن طباطبا العلوي المعروف بابن الطقطقي (ت 709هـ/1309م) -في كتابه ‘الفخري في الآداب السلطانية‘- فإن أهل المدينة "كانوا شديدي الميل إلى النفس الزكية، وكانوا يعتقدون فيه الفضل والشرف والرئاسة"، ولذا كان لدعوته أثر في أرجاء كثيرة من الأمة حيث "بويع له في الآفاق"؛ كما يقول الإمام أبو الحسن الأشعري (ت 324هـ/936م) في كتابه ‘مقالات الإسلاميين‘.
وقد استند خطاب "النفس الزكية" إلى مطالب الإصلاح التي جسّدها الإرث الثوري الممتد لآل البيت منذ ثورة الحسين بن عليّ بن أبي طالب (ت 61هـ/682م) على الأمويين سنة 60هـ/681م، ومطالبه العالية لإحياء القيم الشورية المندرسة، فاندفع ناقدا لسياسة الإكراه الجبري التي مارستها دولة بني أموية الآفلة وسلطة العباسيين الصاعدة، حيث نادى بتأسيس نظام خلافة قائم على الاختيار، وهي القيمة التي يجب أن تظلل أي شرعية سياسية تتسنّم سدة السلطة؛ فخلافة الأمة يجب ألا تُؤخذ قهرا وغلابا.
وبطبيعة الحال؛ فإنه عندما تصطدم هذه المثالية العالية المنزع والمشرع مع سلطة الواقع القاهر -لاسيما وهي في طورها الفتيّ الصاعد كما هو حال العباسيين عندما ثار النفس الزكية- فإن ذلك سيُسفر عن محنة مروعة، كما برهنت على ذلك النماذج الثورية السابقة وباتت هبّة النفس الزكية مثالا آخر عليه.
ففي السنوات الأولى من حكم المنصور؛ نُكب البيت العلوي -ممثلا في فرعه الحَسَني- ومعهم نخبة من أجلاء العلماء، ورموز من كبار بيوت الصحابة مهاجرين وأنصارا، من أمثال "وَلَد (= أولاد) علي وجعفر وعَقيل [أبناء أبي طالب]، وعمر بن الخطاب (ت 23هـ/645م) والزبير بن العوام (ت 36هـ/657م)، وسائر قريش وأولاد الأنصار"؛ وفقا لابن فضل الله العُمَري (ت 749هـ/1348م) في كتابه ‘مسالك الأبصار‘.
وهكذا نزلت بهؤلاء محنة كبرى -على أيدي أبناء عمومتهم من العباسيين- لا تقل ضراوة عما حاق بالبيت العلوي -وخاصة فرعه الحُسيني- مع بني أمية في ثورتيْ الإمامين الحسين بن علي وحفيده زيد بن علي زين العابدين الهاشمي (ت 122هـ/740م).
والواقع أن ثورة النفس الزكية كانت حدثا تاريخيا عصيا على الانطواء، فقد حركت جموعا من المعارضة السياسية في الجناح الشرقي من جغرافيا الخلافة في خراسان وما وراءها، وكذلك في منطقة الغرب الإسلامي، وحشدت تحت لوائها لفيفا من العلماء الثقات أمثال الإمامين العظيمين أبي حنيفة (ت 150هـ/768م) في العراق ومالك بن أنس (ت 179هـ/795م) في الحجاز، وأيدتها صفوة الطبقة الأولى من تيار المعتزلة، وعدد من التجمعات القبلية المعارضة للدولة العباسية الصاعدة.
ثم إن هذه الثورة ذات الأرضية السياسية الرحبة مثّلت امتدادا للإطار التوافقي الذي أقامه الإمام زيد، الذي اتسم برنامجه السياسي والفكري بأنه كان ذا صبغة توافقية بحيث التقت فيه الجماعات على نقطة سواء، وقد انتقل هذا الزخم التوافقي إلى ثورة النفس الزكية، بل إن مقدار التداخل بين الثورتين يجعل من المؤكد أن النفس الزكية ظل محكوم الرؤية بالسقف الفقهي والاجتهادي لابن عمه الإمام زيد حتى إنه تمثّل رأيَه في الخلافة والبيعة، ولعل كل ذلك كان من نتاجه أن أصبح البيت الحسني تاريخيا هو الحاضنة الكبرى للتيار الزيدي حتى اليوم.
أما الفرعُ الجعفري -نسبة إلى الإمام جعفر الصادق الهاشمي (ت 148هـ/766م)- فقد ترسّم النهجَ الذي صار ممثلا لخطّ الفكر السياسي أهل السنة، وهو المضي في الإمامة العلمية التي كانت غالبا تجافي السلطة السياسية، وتعتزل الثورة وما يسمى "الفتن"، وكان ذلك شكلا من أشكال الاحتجاج السلبي الذي انخرطت فيه جموع غفيرة من التابعين والسلف، بعد الخسائر المريرة التي منيت بها الثورات السياسية المسلحة التي انخرط فيها عدد من بقايا الصحابة وكبار علماء التابعين وأتباعهم، وذلك في الحقبة الممتدة ما بين 50-145هـ/672-763م.
وفي حُكم التاريخ تبدو حركة النفس الزكية ثورة من أجل إصلاح مسار الثورة العباسية، التي خرجت من رحم تحضيرات كبرى وصدامات عنيفة كان النفس الزكية نفسه أحد قادتها وشريكا في صنعها، بل إنه أعطيت له البيعة مبكرا من معظم البيت الهاشمي ليتولى قيادة التحول الكبير المرتقب بحيث يصبح الخليفة الأول في الدولة الجديدة، فهو والعباسيون وتيارات أخرى ينتمون إلى موجة ثورية كبرى استغرق نشاطها عقودا.
ومن المعروف أن التحولات الكبرى في التاريخ تلتهب بالصراعات الداخلية، وتضطرم أجواؤها بالاضطراب السياسي والقلق الاجتماعي، وغالبا ما يصبح صناع الثورات ومن دشنوا حراكها هم أول ضحاياها. وإذا كان قد نُسب إلى أحد زعماء الثورة الفرنسية وهو جورج دانتون (ت 1208هـ/1794م) قوله إن "الثورة تأكل أبناءها"؛ فإن هذه المقولة تنطبق تماما على ثورة الهاشميين على بني أمية بكل متوالياتها الثورية.
وإذا كان الإمام المؤرخ تقي الدين المقريزي (ت 845هـ/1441م) قد اهتم بالصراع السياسي بين بني أمية وبني هاشم حتى وضع فيه مصنَّفه الشهير «كتاب النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم»؛ فإن قصة البيت الحسني في ثورة النفس الزكية وما تبعها من تعميق لتخاصمه مع البيت العباسي تستحق أن تفرد لها الصفحات.
وفي الذكرى السنوية الـ1300 هجرية لثورة الإمام النفس الزكية التي حلت هذه السنة (1445هـ/2024م)؛ تسعى هذه المقالة لتحرير معالم القول في قصة المسار الثوري الذي سلكه في مواجهته الجريئة مع العباسيين بعد الأمويين، ورسم ملامح البيئة السياسية والحاضنة الثورية التي تحرك فيها هو وجماهير أنصاره، مع بيان أبرز عوامل القوة والضعف التي تخللت حركته الثورية، وأهم الأسباب المنطقية التي أدت إلى ما آلت إليه من انتكاسة ثم فشل، والنتائج التي أسفرت عن هذه التجربة الثورية اللافتة؛ لاسيما أننا نعيش -في أيامنا هذه- بعض آثار وثمار ذلك المسار.

نشأة مكينة
تختلف الروايات في تاريخ ميلاد محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الملقب بـ"النفس الزكية" (ت 145هـ/763م). وإذا اعتمدنا رواية المؤرخ البَلاذُري (ت 279هـ/892م) -في كتابه ‘أنساب الأشراف‘- بأنه كان حين مقتله "من أبناء ستين"؛ فمعنى ذلك أنه وُلد -على الأقل- سنة 80هـ/700م.
ولئن تباينت المصادر بشأن تاريخ ميلاده؛ فإنها اتفقت على أنه نشأ في كنف أسرة من عمق البيت الهاشمي، فوالده هو عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ت 145هـ/763م) الذي لُقّب بـ"المحض" أو "الكامل" لأنه "كان من أجمل النّاس وأكملهم وأعلمهم"؛ طبقا للمؤرخ كمال الدين الفُوَطي (ت 723هـ/1323م) في ‘مجمع الآداب في معجم الألقاب‘.
وقد هيأت تلك الخصال التي اتصف بها عبدُ الله المحضُ لأن يكون "شيخ الطالبيّين في عصره"؛ وفقا لأبي الفَرَج الأصبهاني (ت 356هـ/967م) في كتابه ‘مَقاتل الطالبيين‘، بل إنها جعلت عند المقدِّرين لها "أحقّ الناس بالخلافة"؛ كما يقول الفُوَطي.
وقد هيأت تلك الخصال التي اتصف بها عبدُ الله المحضُ لأن يكون "شيخ الطالبيّين في عصره"؛ وفقا لأبي الفَرَج الأصفهاني (ت 356هـ/967م) في كتابه ‘مَقاتل الطالبيين‘، بل إنها جعلت عند المقدرين لها "أحقّ الناس بالخلافة"؛ كما يقول الفُوَطي.
ولا يزهدنا في هذه الأقوال والمرويات وأمثالها أنها جاءت عند الأصفهاني الذي يقول الذهبي -في ‘تاريخ الإسلام‘- إن أمره "عجيبٌ! إذْ هو مروانيّ [نَسَباً] يتشيّع" مذهبا، ولعل في ذلك التعارض في انتمائه النَّسَبي والمذهبي ما يعطي المصداقية لكثير من مروياته ولاسيما التاريخية منها، فروايات التاريخ تختلف في شدة الضوابط عن مسنَدات الحديث النبوي.
كما أن كتابه هذا ظل -كبقية مؤلفاته رغم كل ما قيل فيها- مصدرا لنصوص التاريخ والتراجم التي نقلها عنه أئمة المحدّثين الكبار، من أمثال الذهبي الذي قال -في ‘سير أعلام النبلاء‘- إن مصنِّفه الأصفهاني "حدَّث عنه: الدارَقُطْني (الإمام المحدِّث المتوفى 385هـ/996م)" وأئمة آخرون ذكرهم، ووصفه بأنه "لا بأس به" من حيث صدق الرواية. أما الحافظ ابن حَجَر العسقلاني (ت 852هـ/1448م) فترجم له -في ‘لسان الميزان‘- فقال: "لقد اتُّهِم [بالكذب] والظاهرُ أنه صدوق"!!
وأما أمُّ النفس الزكية فهي هند بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن زَمْعة بن الأسود بن المطلب القرشي الأسَدي؛ فطرفا نسبه إذن من صميم قريش، ولذلك "كان يُقال له: ‘صريح قريش‘ لأنه لم تقم عنه أمُّ وَلَدٍ (= جارية) في جميع آبائه وأمهاته وجداته"؛ وفقا للأصفهاني.
وفي أجواء مجتمع المدينة النبوية المفعمة بروافد المعرفة؛ شق النفس الزكية طريقه ملتمسا العلم من والده أولا ثم راويا عن أئمة التابعين، فأخذ الكتاب بقوة وجمع السُّنة بحرص شديد، وقد وصف لنا هو جانبا من سعيه الحثيث ذلك بقوله: "كنتُ أطلب العلم في دُور الأنصار حتى أتوسّد عتبة أحدهم فيوقظني الإنسان فيقول: سيدُك قد خرج للصلاة، ما يحسبني إلا عبدَه"!!
وذلك حسب رواية الأصفهاني الذي يضيف أن والد النفس الزكية كان يصحب ابنيه محمدا وإبراهيم إلى الإمام المحدِّث طاووس بن كيسان اليماني (ت 132هـ/751م) ويقول له: "حدِّثْهما لعل الله ينفعهما". ويَعرض الإمام الذهبي (ت 748هـ/1347م) -في ‘سير أعلام النبلاء‘- للأئمة الذين استمد منهم النفس الزكية حصيلته المعرفية وتكوينه العلمي فيذكر أنه "حدَّث عن نافع (مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب المتوفى 117هـ/736م)، وأبي الزناد (عبد الله بن ذكوان المتوفى 130هـ/749م)".
ولئن كانت المصادر ضنت بتفاصيل الحياة العلمية للنفس الزكية، على غرار غيره من معاصريه الذين أخلصوا سعيهم للعلم تحمُّلًا وأداءً، دون الاهتمام بالشأن العام من سياسة وإصلاح؛ فإنها أمدتنا بمعطيات موحية بما كان له من حضور علمي على مستوى التدريس والإفتاء، رغم ظروف حياته الثورية وما فرضته من تخفيه تفاديا لبطش السلطتين الأموية ثم العباسية.
ومن ذلك أن الذهبي يفيدنا بأنه كان من تلامذته الذين رَوَوْا "عنه: عبد الله بن جعفر المَخْرَمي (ت 170هـ/786م)، وعبد العزيز الدَّرَاوَرْدي (ت 186هـ/802م)، وعبد الله بن نافع الصائغ (ت 206هـ/821م)". وهؤلاء صاروا بعده أعلاما أسسوا مدارس علمية في العراق والحجاز، وتخرج على أيديهم أئمة كبار في الحديث والفقه؛ فتلميذه المَخْرَمي يذكر ابن سعد السمعاني (ت 562هـ/1167م) -في كتابه ‘الأنساب‘- أنه "روى عنه العراقيون وأهلُ المدينة".
وتلميذه الدَّرَاوَرْدي يقول الذهبي -في ‘سير أعلام النبلاء‘- إنه "روى عنه [الإمامان الحافظان]: شُعْبة (بن الحَجّاج المتوفى 160هـ/777م)، والثوري (سفيان الثوري المتوفى 161هـ/778م)، وهما أكبر منه [سِنًّا]، وإسحق ابن راهَوَيْه (ت 238هـ/852م)...، وخلقٌ كثير. قال معن بن عيسى (الأشجعي الإمام الحافظ المتوفى 198هـ/814م): يصلح أن يكون الدَّرَاوَرْدي أميرَ المؤمنين...؛ قلت (= الذهبي): حديثُه في دواوين الإسلام الستة...، وبكل حال فحديثه... لا ينحطّ عن مرتبة الحسن". وقد ذكر ابن الأثير -في ‘الكامل‘- أن الدَّرَاوَرْدي كان ضمن المقاتلين مع شيخه النفس الزكية في ثورته، وأنه جعله مشرفا "على بيت السلاح" أي وزيرا للدفاع.
وأما تلميذ النفس الزكية الثالث: ابنُ نافع الصائغ؛ فقد صار "من كبار فقهاء المدينة" حسب الذهبي الذي يصفه بأنه هو أعلم تلامذة الإمام مالك بن أنس (ت 179هـ/795م) "لطول صحبته له، وهو الذي خَلَفه في مجلسه بعد ابن كنانة (عثمـان بن عيسى بن كنانة المتوفى 185هـ/801م)...، وكان يُفتي أهل المدينة"!!
وفي مجال رواية الحديث النبوي؛ يضيف الذهبي أن النفس الزكية "وثَّقَه النَّسائيُّ وغيرُه" من أئمة المحدِّثين، ومن هؤلاء الذين وثقوه ابن حِبّان (ت 345هـ/959م) وابن حجر العسقلاني، كما أخرج مروياتِه في دواوين الحديث أساطينُ أعلامه كالإمام الدارَقُطْني (ت 385هـ/996م)، وأبي جعفر الطحاوي (ت 321هـ/933م)، وأبي داود السجستاني (ت 275هـ/888م)، والنَّسائي (ت 303هـ/915م) في سُننه الكبرى، والبيهقي (ت 458هـ/1067م) في سُننه الكبرى.
ورغم أنه لم تردنا مصنفات علمية تركها النفس الزكية الذي قُتل في مطلع عصر التدوين؛ فإن كثيرا من مؤلفات المذهب الزيدي وغيرها تنقل عنه عددا من آرائه الفقهية، ولاسيما في بعض مباحث الفقه السياسي. وقد وُثقت مقولاتُه تلك في كتاب جمعها فيه وحققها الدكتور رضوان السيد بعنوان: «النفس الزكية: كتاب السِّيَر وما بقي من رسائل الدعوة والثورة». وعند تتتبع مقولاته في أبواب مثل الجهاد وقتال "البُغاة" (المعارضة السياسية المسلحة) ندرك جانبا من متانة تكوينه العلمي وعمق وأصالة آرائه وفتاويه.
ولعل أهمّ ما في آرائه الفقهية -ذات العلاقة بالسياسة والحرب- ليس فقط برهنتها على مكانته العلمية العالية، وإنما أيضا إفصاحها عن أنّ ثورته لم تكن فورة عشوائية بل كانت محصنة فقهيا وفكريا، وأنه كان منشغلا بقراءة دينية إصلاحية لواقعه يسعى إلى تطبيقها، وتتعلق بكافة جوانب الحياة الدينية والسياسية والاقتصادية، وحالة السلم والحرب والعلاقات الدولية ونحو ذلك. أي أنّ ثورته لم تكن مجرد ردّ فعل على استبداد راسخ بقدر ما هي انعكاس لبيئة فكرية خصيبة ألهمتها وأنتجتها.
أما عن ملامح شخصيته؛ فإن الإمام ابن الأثير (ت 630هـ/1233م) يصفه -في تاريخه ‘الكامل‘- فيقول: "كان محمد أسمر شديد السمرة، وكان المنصور يسميه مُحَمَّمًا [لشدة سواده]، وكان سمينا شجاعا كثير الصوم والصلاة، شديد القوة"! وعن ملمح قوته الجسدية هذا؛ يورد العُمَري -في ‘مسالك الأبصار‘- قصة ذات دلالة بالغة، فيقول: "كان محمد بن عبد الله أيِّداً (= قويًّا)، شَرَدَ لأبيه جَمَلٌ فعدا جماعة خلفه فلم يلحقه أحد سواه، فأمسك بذَنَبه فلم يزل يجاذبه حتى انقلع، فرجع بالذَّنَب في يده"!!

ميراث ثوري
وإلى تلك التربية العائلية المكينة والتكوين العلمي المتين؛ نشأ النفس الزكية في المدينة النبوية بما لها من طابع خاص، فهي حاضنة النموذج الاجتماعي والسياسي الإسلامي الأول، وكانت حينها مركزا لمن بقي من كبار الصحابة وموطنا لأبنائهم، كما هي موئل للتابعين وتابعيهم من أئمة الرواية والدراية وأعلام الدعوة والعلم في صدر الإسلام. وكل ذلك جعل المدينة قيّمة على مُثل الإسلام ومبادئه، صادحةً في وجه المنكر ومساندة لكل دعوة تسعى إلى ردّ الأمة إلى منهاج الحكم بالشورى.
وكان النفس الزكية أحد أبنائها الذين ارتبط وعيهم بكل ما تجسده بيئتها من مبادئ، وما تمثله من تاريخ في صناعة الخلفاء حين كانت عاصمة للدولة الإسلامية، ثم في تقاليد المعارضة السياسة منذ انتقال مركز الحكم إلى العراق أولا ثم إلى الشام مع دولة بني أمية، وما نالها في عهد سلطتهم من إيذاء ومتاعب جراء عصيانها لطاعتهم.
بيد أنه إذا كانت المدينة من جهة "جغرافيا الأفكار" بيئةً مثالية للفكر الثوري الذي استقطب رجالا مثل النفس الزكية، فإنها من ناحية "الجغرافيا السياسية" ظلت تمثل خاصرة رخوة لأي حركة نضالية مسلحة لسبب طبيعي مهم، ألا وهو طبيعة أرضها المحصورة بين كتل جبالها البركانية المحيطة بها، وضعف مواردها الاقتصادية الذاتية، وسهولة حصارها ومنع الإمداد عنها على أيدي أي قوة غازية.
وهو أمرٌ كان المنصور على وعي تام بأهميته في القضاء على التهديد الناجم له من ثورة النفس الزكية؛ فالبلاذري يخبرنا بأنه حين وصل نبأ إعلان الثورة إلى المنصور في العراق فكّر في طريقة يفرض بها حصارا اقتصاديا على الثائرين، ثم قال: "نكتبُ إلى مصر الساعةَ أن تقطع الميرة (= إمدادات الطعام) عن أهل الحرمين، وإنهم في مثل الحَرَجَة (= الشَّجَر المُلْتَفّ) إذا لم تأتهم الميرة من مصر" عبر السفن والمراكب البحرية!!
كما أشار عليه أحد مستشاريه بمحاصرتها من جهة الشام أيضا؛ فقال: "ابعثْ مولًى لكَ تثقُ به، فلْيَسِرْ حتى ينزل بوادي القُرى (تقع اليوم على 290 كم تقريبا شمال غرب المدينة المنورة) فيمنعه ميرة الشام، فيموت مكانه جوعا، ففعل" المنصور ذلك؛ وفقا للطبري.
وقد تجسد عدم ملاءمة المدينة للثورة المسلحة في القارعة التي ألمّت بها قبل ميلاد النفس الزكية بنحو عشرين عاما، وهي "ثورة الحَرّة" سنة 63هـ/684م التي حاول فيها أهلُ المدينة -خلال عهد الصحابة- تغييرَ الحكم الأموي بالقوة أيام الخليفة يزيد بن معاوية (ت 64هـ/685م).
وقد ذكر الإمام شمس الدين الذهبي (ت 748هـ/1347م) -في ‘سير أعلام النبلاء‘- بعض تفاصيل هذه الثورة التي اشتعلت ضد يزيد قائلا: "وخرج عليه غيرُ واحد -بعد الحسين- كأهل المدينة؛ قاموا لله" إنكارا للظلم ودفعا للطغيان!! وكانت "ثورة الحَرَّة" هذه بقيادة كل من عبد الله بن مُطيع العَدَوي (ت 73هـ/693م) أميرا على المهاجرين، وعبد الله بن حنظلة الأنصاري (ت 63هـ/684م) أميرا على الأنصار.
لقد خلع أهلُ المدينة بيعةَ يزيد وبايعوا عبد الله بن مطيع عند منبر النبيّ ﷺ، وجعل مسجدَه الشريف مقرّ حكم دولته الوليدة، وخرج معه أكثر أهل المدينة لقتال جيش يزيد القادم من الشام، وكانت لرجالاتهم تضحيات جسام في هذه الثورة؛ فقد نقل الإمام ابن كثير (ت 774هـ/1372م) عن الإمام ابن شهاب الزهري (ت 124هـ/743م) أنه سُئل عن عدد "القتلى يوم الحرة [فـ]ـقال: سبعمئة من وجوه الناس من المهاجرين والأنصار ووجوه الموالي، وممن لا أعرف من حُرّ وعبْد وغيرهم عشرة آلاف".
ولم تبرح تلك التجربة الأليمة ذاكرة النفس الزكية؛ حتى إنه في وسط ثورته وحينما طالبه أحد الأتباع بالذهاب إلى مكة وترْك المدينة أجابه فـ"قال: إن فُقِدت من المدينة قُتل أهلها كما قُتل أهل الحَرّة"؛ وفقا للبلاذري.
ولم تكن الحرة وحدها هي القادح لشرارة الحس الثوري لدى النفس الزكية؛ بل كان مرتبطا عنده بميراث ثوري أعرق في البيت الهاشمي، بدأت تجربته الأولى مع الإمام الحسين حين آثر الثورة وسيلة للاحتجاج السياسي على أوائل الأمويين، وتعزز بتجربته الثانية التي عاصرها النفس الزكية عندما انضم إلى ابن عمه الإمام زيد بن عليّ زين العابدين الهاشمي (ت 122هـ/740م) في ثورته على متأخري حكام الأمويين، وسوّغ حركته تلك بقوله:
"وإنما خرجتُ على بني أمية الذين قاتلوا جَدّي الحسين، وأغاروا على المدينة يومَ الحَرَّة، ورمَوْا بيت الله بحجر المنجنيق والنار" في قتالهم للصحابي الثائر على حكمهم عبد الله بن الزبير (ت 73هـ/693م)؛ حسبما يرويه عن زيد مؤرخُ التيارات والأفكار عبدُ القاهر الجُرْجاني (ت 429هـ/1039م) في كتابه ‘الفَرْق بين الفِرَق‘.
لقد كان الوعي الثوري لدى الهاشميين مرتبطا بالسعي نحو التغيير؛ فالتحق النفس الزكية بجيش الإمام زيد وهو في نحو الأربعين من عمره تقريباً، فكان جنديّاً من جنوده واعيا بامتدادات الثورة الزيدية المتمثلة في خروج نجل قائدها يحيى بن زيد (ت 126هـ/745م) في خراسان سنة 122هـ/741م، ثمّ في خروج ابن عمهما عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الذي قُتل سنة 127هـ/746م بعد أن "أتاه قوم من أهل الكوفة فخرج فغلب على حلوان والجبال" شرق العراق؛ حسب الإمام الطبري (ت 310هـ/922م) في تاريخه.
ورغم إخفاق الثورة الزيدية وما تلاه من إحباط لدى معظم أنصارها؛ فإن مسارها الثوري لم يفقد بريقه لدى النفس الزكية وعند جزء كبير من أهل بيته وأنصاره، لاسيما أن الخروج على أئمة الجور بات مبدأ أصيلا لدى الزيدية، ثم إنه تعزز عمليا بأن أوصى يحيى بن زيد بقيادة الثورة من بعده إلى اثنين من أبناء عمه من البيت الحَسَني، إذْ "فوَّض الأمر بعده إلى محمد (= النفس الزكية) وإبراهيم الإماميْن"؛ وفقا لمؤرخ الأفكار والفِرَق أبي الفتح الشهرستاني (ت 548هـ/1153م) في كتابه ‘المِلَل والنِّحَل‘.
وإبراهيم الموصَى إليه مع النفس الزكية هو أخوه إبراهيم بن عبد الله (ت 145هـ/763م) الذي قاد جناح الثورة في البصرة. ووفقا للأصفهاني في ‘مَقاتل الطالبيين‘؛ فإنه قد انضم إليهما في الثورة بعض أبناء البيت الحُسيني، كان من بينهم "الحسينُ وعيسى ابنا زيد بن علي"، فلما بلغ الأمر أبا الخليفة العباسي جعفر المنصور "قال: العجبُ لخروج ابنيْ زيد وقد قَتلْنا قاتلَ أبيهما كما قتله"!!
وعلى غرار النفس الزكية؛ كان معظم إخوته من الثوار على العباسيين، فقد اندفعوا في مسار التغيير وبثوا روح المعارضة السياسية ومقاومة الجور في ديار الإسلام. وقد رصد لنا الإمام ابن حزم الأندلسي (ت 456هـ/1065م) -في كتابه ‘جمهرة أنساب العرب‘- أسماءَ أصحاب هذا الجهد الثوري من أبناء البيت الحسني، فقال إنهم: "محمّد القائم (= الثائر) بالمدينة؛ وإبراهيم القائم بالبصرة؛ ويحيى (ت نحو 180هـ/796م) القائم بالدّيلم (= أقصى شمالي إيران)؛ وإدريس الأصغر (ت 213هـ/828م) القائم بالمغرب؛ وسليمان قُتل بفخّ" وهي بلدة قرب مكة حيث ثار على العباسيين سنة 169هـ/785م.

إرهاصات ممهِّدة
ولِما كان عليه النفس الزكية من مكانة عالية في علمه وعائلته ومجتمعه؛ فقد بات محفوفا بالرعاية والتبجيل من آل البيت فكانوا "يسمونه المهدي ويقدِّرون أنه الذي جاءت فيه الرواية" بأنه هو "المهدي" لشَبَهِ هدْيه بهدْي رسول الله ﷺ؛ كما يروي الأصفهاني الذي يضيف أنه كان "علماء آل أبي طالب يرون فيه أنه «النفس الزكية»".
وكان والده عبد الله بن الحسن يهيئ أسرته وولديْه لقيادة التحول الكبير، وعن ذلك يقول البلاذري: "وكان عبد الله يرشح ابنيه محمدا وإبراهيم للخلافة من قبل أن يُستخلف أمير المؤمنين أبو العباس السفاح (ت 136هـ/754م) ويسمي محمدا ابنه «المهديَّ» و«النفسَ الزكية»".
ورغم أن الإمام جعفر الصادق لم يكن موافقا على بيعة النفس الزكية فإنه كان يحمل له ذات التقدير الذي تكنّه له الأسرة الهاشمية بأجمعها، وكان "إذا رأى محمد بن عبد الله [بن حسن] تغرغرت عيناه، ثم يقول: بنفسي هو! إن الناس ليقولون فيه إنه «المهديَّ»، وإنه لمقتول"!! ويحكي الأصفهاني عن أحد الرواة موقفا شاهده فيقول: "كنت أنا وجعفر متكئيْن في مسجد رسول الله ﷺ إذ وثب فزعا إلى رجل على بغل، فوقف معه ناحية واضعا يده على مَعْرَفَة (= موضع العُرْف) البغل، ثم رجع فسألته عنه، فقال: إنك لجاهل به؟! هذا محمد بن عبد الله مهديُّنا أهل البيت"!!
ولم يشذ عن هذا الإجماع الهاشمي حتى خصمه الأشهر أبو جعفر المنصور؛ إذْ قال عمير بن الفضل الخثعمي "رأيت أبا جعفر المنصور يوما وقد خرج محمد بن عبد الله بن الحسن من دار ابنه، وله فرس واقف على الباب... وأبو جعفر ينتظره، فلما خرج وثب أبو جعفر فأخذ بردائه حتى ركب، ثم سوَّى ثيابه على السرج، ومضى محمد؛ فقلتُ وكنت حينئذ أعرفه ولا أعرف محمدا: من هذا الذي أعظمتَه هذا الإعظام حتى أخذت بركابه وسويت عليه ثيابه؟! قال: أو ما تعرفه؟! قلت: لا! قال: هذا محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن، مهديُّنا أهل البيت"؛ وفقا للأصفهاني.
وقد كان من نتائج مكانته هذه في آل البيت أن "ألقى الله محبته على الناس فمالوا إليه كافة، ثم عضد ذلك أن أشراف بني هاشم بايعوه ورشحوه للأمر، فقدموه على نفوسهم فزادت رغبته في طلب الأمر (= الخلافة)، وزادت رغبة الناس فيه" لتوليها؛ حسب ابن الطقطقي.
وهذا الإجماع يؤكد الاستحقاق الشخصي والخلقي الذي تمتع به النفس الزكية وجعله ينال كل هذا التقدير، ويبدو أن الدفع بـ"مهديته" كان مرجعه الشوق إلى التغيير، والبحث عن بطل يردّ المظالم ويبسط العدل والأمن، ويعيد خلافة المسلمين إلى سيرتها الأولى، وقد وصلت تلك الآمال إلى ذروتها في نهاية العصر الأموي، ليس عند آل البيت وحدهم بل عند جموع عظيمة من المجتمع الحجازي على الأقل، لاسيما أن حركة النفس الزكية جاءت في حقبة برزخية شهدت تصدُّع أركان دولة وتحفُّز أخرى للصعود.
ومن طبائع فترات مثل هذه أن تصعد فيها الأحلام والآمال، لكن النفس الزكية -بحسب سيرته- لم يركن إلى تلك الألقاب التشريفية فقط، وإن كان وظفها في خطاب الشرعية العائلية التي نافسه عليها المنصور، فكان النفس الزكية يصدِّر رسائله إليه بقوله: "من المهدي محمد بن عبد الله"؛ طبقا لما في ‘السِّيَر‘ للذهبي الذي يفيدنا بأن خطاب "المهدوية" كان أمرا شائعا بين علماء السلف حينها، حتى إن الإمام سفيان الثوري كان "يتكلم في عبد الحميد بن جعفر لخروجه [مع
النفس الزكية] ويقول [له معاتبا]: إن مَرَّ بكَ المهديُّ وأنت في البيت فلا تخرج إليه حتى يجتمع الناس عليه"!! ويروي أيضا أن والي المدينة حينها اعتقل أحد
العلماء الأئمة الذين ناصروا النفس الزكية "فسبّه وأمَرَ بقطع يده، فقال العلماء: أصلح الله الأمير! إن هذا فقيه المدينة وعابدها، وشُبِّهَ عليه بأنه المهدي! فتركه" الوالي ولم يعاقبه.
لكن النفس الزكية مع ذلك التوظيف للقبه قدّم خطابا سياسيا خالصا وممارسة عملية وحركية فعالة، ورفع مطالب عادلة تمسّ مطامح السواد الأعظم من الأمة، وهو ما جعله أهلا للقيام بهذا الدور فضلا عن أنه التزم مسار عمه زيد الذي جعل "الإمام" مهما كانت أوصافه وألقابه لا يكتسب شرعية إلا بدوره في التغيير والتضحية، ثم بعد ذلك بنيل رضا الناس ومبايعتهم.
فالزيدية -كما يقول قاضي القضاة المؤرخ ابن خلدون (ت 808هـ/1406م) في ‘المقدمة‘- اشتهر عنهم أنهم "ساقوا الإمامةَ على مذهبهم فيها وأنها باختيار أهل الحلّ والعقد لا بالنصّ". وقد جمع النفس الزكية بين الاستحقاق الثوري وشرعية المبايعة من أقطار عدة، بغض النظر عن المقصود بأوصاف "المهدوية" التي خُلعت عليه.
وفي سياق إرهاصات إعلان ثورته على العباسيين؛ تنقل كتب التراجم والتاريخ أن النفس الزكية كان يلزم البادية ويحيى حياة الخلوة في فلواتها، ولا يأتي الخلفاء ولا وُلاتهم حتى لا يعدّ ذلك إقرارا منه بشرعية ولايتهم، حتى إنه -كما يقول العمري في ‘مسالك الابصار‘- قد "أقام سنين مستترا في جبليْ طيئ: [أَجَأٍ وسَلمى]" اللذين يقعان اليوم بمنطقة حائل شمالي السعودية.
ويبدو أن هذا التخفي كان متعلقا بنشاطه الثوري السري تمهيدا لإحكام أمر الثورة بعيدا عن أعين العباسيين، وهذا ما يرجحه البلاذري بقوله: "واستتر محمد بن عبد الله وقد بايعه قوم من أهل بيته ومن قريش، وكان يخرج إلى البادية فيطيل المقام بها ثم يظهر أحيانا ويستتر أحيانا".
ومما يؤكد البعد السياسي لهذا الاختفاء أنه كان محل ارتياب دائم من السلطات الأموية ثم العباسية؛ فقد روى الإمام المؤرخ محمد بن سعد الزُّهْري (ت 230هـ/845م) -في كتابه ‘الطبقات الكبرى‘- عن والد النفس الزكية أنه قال: "وفدتُ على هشام بن عبد الملك (ت 125هـ/746م) فقال لي: ما لي لا أرى ابنيْك محمدا وإبراهيم يأتياننا في مَنْ أتانا؟ قال: فقلت: يا أمير المؤمنين! حُبِّبَ إليهما البادية والخلوة فيها، وليس تخلُّفُهما عن أمير المؤمنين لمكروه، فسكت هشام"!!
يتبع...