عرض مشاركة واحدة

قديم 24-09-24, 03:33 PM

  رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

لماذا انهزمت مصر في معركتي جوندت وجورا؟

ولكن ما لم يكن يحسب له الخديوي حساب هي الصعوبات الجمّة التي كانت تعترضه لتحقيق مشروعه هذا؛ وعلى رأسها الجغرافيا الإثيوبية الوعرة حيث الجبال والصحاري الكبيرة، وجهل القوات المصرية بهذه المناطق، فضلا عن الولاء المطلق للملك الحبشي يوحناس الرابع من مسيحيي إثيوبيا الأرثوذكس وخاصة الأمهرة.

قرر الخديوي إسماعيل أن يقود الحملة الأميرالاي (العميد) الدانماركي الأصل أدولف سورن آرندروب، وهو أمر كما رأينا شاع في عصر إسماعيل أن يعتمد على الضباط المرتزقة الأجانب من بريطانيا والولايات المتحدة والدانمارك وغيرها.
انطلقت الحملة من مصوع واقتحمت حدود إثيوبيا التي كانت تسيطر على المناطق الوسطى والجنوبية من إريتريا اليوم حتى بلغت منطقة جوندت، وهي منطقة جبلية وعرة تقع اليوم قرب الحدود الإثيوبية الإريترية، وهنالك عسكرت القوات بهدف استكشاف المنطقة والراحة ومن ثم الانطلاق.
وكان آرندروب قد أرسل سفيرين من قبله إلى الملك الإثيوبي يطالبه فيها بإقرار التوسع المصري في المنطقة، وأن يكون نهر القاش الذي يمتد بين شرقي السودان وإريتريا هو الحد الفاصل بين الدولتين.
لم يهتم الملك يوحناس بهذه الرسالة، وكان قد أعدّ العُدة وكمن بقواته -التي بلغت 30 ألف مقاتل- قُرب الوادي الضيق الذي عسكرت فيه القوات المصرية في جوندِت، والتي يقدرها المؤرخ عبد الرحمن الرافعي بحوالي 3200 مقاتل، وكان آرندروب يتقدم بسرعة كبيرة لأن الملك وقواته كانت تتظاهر بالهزيمة والانسحاب.

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
أدولف سورن آرندروب (مواقع التواصل)

وفي جوندِت قسّم الإثيوبيون قواتهم إلى قسمين في جُنح الظلام، واستغلوا وجود القوات المصرية في وادٍ ضيق، واتخذوا تكتيك الكمّاشة فحاصروها من الأمام والخلف، وانطلقوا في دك هذه القوات في جنح الليل.
واستطاع الإثيوبيون في غضون ساعات قليلة أن يُبيدوا الجيش المصري، وأن يقتلوا قادته وعلى رأسهم آرندروب وزوجته وكثير من قادته الأجانب والمصريين، وبالكاد استطاع الباقون وهم بالعشرات النجاة بأنفسهم والهرب صوب مصوع، وذلك في نوفمبر/تشرين الثاني 1875.

نزلت هذه الهزيمة الساحقة خبرًا صاعقًا على الخديوي إسماعيل ولمكانته بين القادة الكبار؛ فقد أدت فتوحاته في القرن الأفريقي ومنابع النيل في أوغندا إلى زيادة نفوذ وقوة الجيش المصري، ولكن هذه الهزيمة الكارثية جعلت الكفة تميل لصالح الأحباش، وتهدد مكانة مصر في الشرق الأفريقي.
ولهذا السبب قرر الخديوي إسماعيل أن يُعدّ حملة أخرى أكبر عددا وعُدّة من سابقتها لتأديب الإثيوبيين وإتمام عملية السيطرة على بلدهم، وكانت هذه السرعة، فضلا عن قيادة الجيش الجديد المتنافرة والجهل بالجغرافيا الإثيوبية، من أسباب الهزيمة التالية.
وكان قد قاد هذه الحملة محمد راتب باشا، وهو رجل وُصف بأنه قليل الكفاءة العسكرية، وكان يُعاونه جنرال أميركي يُسمى وليام لورنج باشا، ولم تكن العلاقة بينه وبين راتب باشا جيدة أو متوافقة، كما شارك في القيادة جزئيا حسن باشا ابن الخديوي إسماعيل والذي درس العلوم العسكرية بصورة بسيطة في ألمانيا.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

ويليام لورنج باشا (مواقع التواصل)

ومع هذه القيادة المتنافرة في معظمها، انطلق جزء كبير من هذه الحملة من مصر، وبلغ عدد القوات هذه المرة 20 ألف جندي، نزلوا أولا إلى ميناء مصوع في إريتريا، ومن هنالك انطلقت القوات إلى منطقة قورع أو جورا، وهي منطقة تقع جنوب إريتريا اليوم ليس بعيدًا عن حدود إثيوبيا.
وقد ارتكب راتب باشا وقيادته الخطأ نفسه الذي ارتكبه آرندروب سابقًا؛ حيث توغلوا في هذه الصحاري والجبال دون استكشاف واستطلاع جيد.
وفي المقابل كان الملك الإثيوبي يوحناس يتابع تقدم القوات المصرية، كما أعدّ جيشًا قوامه نحو 100 ألف مقاتل، ثم قرر مُباغتة القوات المصرية في جورا وذلك في مارس/آذار 1876.
ولم تمر ساعات قليلة، وفي ظل التفوق العددي لصالح الإثيوبيين، حتى تجلى الموقف عن انتصار كبير للإثيوبيين في النهاية، على الرغم من خسائرهم الكبيرة أيضًا، كما استطاعوا قتل المئات من الجنود المصريين وأسروا حوالي 250 جنديا وقياديًا.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

انتصار كبير للإثيوبيين في معركة جورا رغم خسائرهم الكبيرة أيضا (غيتي)

نتائج الحملة وسقوط مصر!

كان من جملة القادة المأسورين رئيس قسم القلم التركي في وزارة الجهادية (الحربية) محمد رفعت بك، فأخذ وهو في أسره يسعى في الصلح مع الملك الإثيوبي، واستطاع بالفعل أن يكون وسيطا ناجحًا.

عقد اتفاقًا بين الطرفين مفاده انسحاب مصر من أرض الحبشة التي كانت تمتد إلى عمق إريتريا، مقابل إطلاق سراح الأسرى، وفتح الطريق التجاري بين مصوع وإثيوبيا، لأنها شريانهم إلى البحر الأحمر.
بلغت خسائر مصر في هذه الحملات العسكرية على إثيوبيا حوالي 8500 قتيل ومبلغا ضخما قُدر بـ3 ملايين جنيه في عامي 1875 و1876، وهي تساوي اليوم مليارات الدولارات؛ هذا في وقت كان فيه الخديوي إسماعيل قد أغرق البلاد في الديون التي كان يأخذها من المرابين الدوليين في بريطانيا وفرنسا وغيرهما من الدول الأوروبية.
وهكذا انتهت الحرب المصرية الإثيوبية بنتائج وخيمة وكارثية على مصر؛ ففضلا عن خسارة الأموال وآلاف الرجال، ووقوع البلاد في براثن الديون؛ فإن بريطانيا ومن ورائها فرنسا وإيطاليا قد أدركت مكامن ضعف الجيش المصري في ذلك الحين؛ واستغلت الاضطرابات الداخلية التي وقعت في مصر بعد ذلك بست سنوات حتى احتلت بريطانيا مصر عام 1882.
وفي 1885 اضطرت مصر تحت ضغط الإنجليز إلى الانسحاب من السودان وشرقي أفريقيا وأوغندا، وكانت الخسائر المترتبة على مغامرات الخديوي إسماعيل ماليًا وإستراتيجيا فادحة ولأجيال تالية!

المصدر : الجزيرة نت

 

 


الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس