"فيلق أفريقيا" وريث فاغنر الذي يستحضر الزمن السوفياتي الضائع

الجزيرة نت- زهير حمداني
لم تكن شركة فاغنر الأمنية الروسية قبل سنوات سوى مجموعة مقاتلين أشباح في أفريقيا، بدت المعلومات عن وجودهم وانتشارهم وأدوارهم غامضة ومتضاربة. لكن المتغيرات الجيوسياسية خلال السنتين الأخيرين، ألقت الضوء على توسع كبير لنفوذ هذه المجموعة التي تمثل رأس جسر لإعادة تمكين روسيا من نفوذ مهم في القارة الأفريقية.
وكشف مقتل العشرات من عناصر المجموعة أواخر يوليو/تموز 2024، أثناء معارك مع مسلحي الطوارق قرب حدود مالي مع الجزائر، وقبل ذلك في موزمبيق، عن مدى انتشار هذه المجموعة ودورها المتزايد، الذي يستفيد من تحولات سياسية تشهدها القارة، ويثير ريبة وشكوكا غربية.
وأكدت المجموعة مقتل العديد من عناصرها خلال قتالها إلى جانب الجيش المالي في الفترة من 22 إلى 27 يوليو/تموز، في حين تنفي الحكومة المالية وجود عناصر من فاغنر على أراضيها، وتقول إنهم فقط خبراء ومدربون روس يساعدون القوات المحلية.
وفي أحدث انتشار معلوم للمجموعة الأمنية في القارة الأفريقية، تؤكد بوركينا فاسو والنيجرأيضا وجود مدربين وخبراء روس بشكل رسمي للمساعدة في تدريب قواتها، خصوصا في مواجهة الجماعات المسلحة المنتشرة على الحدود المشتركة، دون الاعتراف بوجود مقاتلين من مجموعة فاغنر.
وما يلفت الانتباه في هذه البلدان، أن الوجود المكثف لمجموعة فاغنر، الذي تبعه إعلان عن تعاون عسكري رسمي مع روسيا، جاء بُعيد الانقلابات العسكرية التي عصفت بالوجود الفرنسي والأميركي (النيجر)، وشمل قبل ذلك جمهورية أفريقيا الوسطى وموزمبيق وبلدانا أخرى، وبدا أن روسيا تملأ الفراغ الغربي -الذي تشير بعض التحليلات إلى أن موسكو خططت له بشكل ما- وترث مواقع النفوذ التقليدي للبلدين.
إرث بريغوجين.. من مليشيا إلى فيلق

رئيس فاغنر الروسية يفغيني بريغوجين في منطقة غير معلومة بإحدى الدول الأفريقية (رويترز)
لا يُعد نشر الشركات الأمنية الخاصة واستخدامها من قبل الحكومات حكرا على روسيا، وليست فاغنر الشركة الوحيدة التي تعمل في أفريقيا. غالبا ما تستخدم هذه الشركات -التي تتعاقد مع وزارات الدفاع أو الحكومات- في مهام عسكرية غير رسمية أو سرية، وعملياتٍ تريدها الدول والحكومات أن تبقى مستترة، أو في مناطق لا تحتمل تدخلا عسكريا مباشرا ومكشوفا.
وتُعد شركة "بلاك ووتر" الأميركية، التي أسسها عام 1997 رجل الأعمال وضابط البحرية الأميركية السابق إيريك برنس، من أشهر تلك الشركات، وقد قامت بمهام عديدة لحساب وزارة الدفاع الأميركية في العراق وأفغانستان وغيرها منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي.أما بالنسبة لمجموعة فاغنر الروسية، التي تصنف كوحدة عسكرية لها استقلاليتها وتتبع وزارة الدفاع الروسية، فهي تُعد أكثر من شركة أمنية، إذ لعبت -وفق المتابعين- دورا هاما في فتح مساحات للنفوذ الروسي وتوسيعه، تتجاوز الجانب الأمني والعسكري إلى السياسي والاقتصادي، خصوصا في القارة الأفريقية.

بريغوجين يتوسط عنصرين من فاغنر في باخموت بأوكرانيا (رويترز)
تشير التقارير إلى أن مجموعة فاغنر الأمنية تأسست في عام 2014، من قبل الضابط بالجيش الروسي ديمتري أوتكين، وحملت اسم المؤلف الموسيقي الألماني ريتشارد فاغنر الذي كان أوتكين شغوفا به، وكان يديرها عمليا رجل الأعمال وطباخ بوتين السابق يفغيني بريغوجين.
وتشير صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الأميركية إلى أن الشركة مسجلة في الأرجنتين، لأن الشركات العسكرية الخاصة غير قانونية في روسيا. ولها مقر ضخم في سانت بطرسبورغ.
وكان بدايات نشاط المجموعة في سوريا أثناء الحرب ثم السودان وليبيا ثم أوكرانيا، لتظهر لاحقا في بعض البلدان الأفريقية. وأفادت التقارير أن المجموعة بدأت بنحو 1000 منتسب عام 2014، ليرتفع العدد إلى 6000 عام 2017، ونحو 20 ألفا عام 2023، وفق تقديرات مؤسسات بحثية، في غياب معطيات رسمية من الجانب الروسي، ونظرا لطبيعة عمل المجموعة التي تكتنفها الكثير من السرية.
باتت المجموعة أكثر شهرة بعد حركة التمرد التي قادها زعيمها يفغيني بريغوجين ضد الجيش الروسي في يونيو/حزيران 2023، وسيطرت خلالها على مقار للجيش الروسي جنوبي البلاد، إلا أن وساطةً قادتها بيلاروسيا أنهت التمرد وأعطت المجموعة ضمانات أمنية.
في 23 أغسطس/آب 2023، قُتل بريغوجين ومساعده أوتكين، ومعظمُ قادة المجموعة الآخرين في حادث تحطم طائرة غامض، لكن المجموعة واصلت نشاطها بعد إعادة هيكلتها، وتولى مدير المخابرات العسكرية الروسية السابق الجنرال أندريه أفيريانوف، إدارة الجزء الأكبر من المهام الخارجية للمجموعة، وفق تقارير أميركية.
وحسب المعلومات المتاحة، يُعد انتشار المجموعة في القارة الأفريقية حاليا هو الأكبر منذ بداية تدخلها في بعض ساحات النزاع عام 2017، لدعم النفوذ الروسي في أفريقيا بشكل غير رسمي.
ومع تزايد نفوذ فاغنر وتشعب مهامها وتمرد قادتها، موسكو بدأت تنتهج إستراتيجية جديدة عبر الوجود العسكري المباشر والمعلن في القارة، حيث يلقى الحضور الروسي قبولا وأحيانا ترحيبا من قبل أنظمة تبدو مناوئة للغرب، وحتى على المستوى الشعبي، وتم تبعا لذلك تشكيل ما يعرف باسم "فيلق أفريقيا".
في ديسمبر/كانون الأول 2023، أكدت وزارة الدفاع الروسية أن "الخطوات بدأت فعليا في تشكيل فيلق أفريقيا، وأن الانتهاء من تشكيل الفيلق سيكون خلال عام 2024 في خمس دول أفريقية، هي: ليبيا، وبوركينا فاسو، ومالي، وأفريقيا الوسطى، والنيجر".
ولا توجد معطيات ثابتة عن مصير مجموعة فاغنر بعد تشكيل هذا الفيلق الذي يستهدف ضم 20 ألف عنصر، والمرجح أنه سيستوعب عناصر المجموعة، وسيرث تدريجيا مهامها ونشاطاتها في القارة على الصعيد العسكري والاقتصادي.
وحسب وزارة الدفاع الروسية، يتبع "فيلق أفريقيا" سلطةَ الإدارة العسكرية الروسية مباشرة، ويشرف عليه الجنرال يونس بك إيفكوروف، نائبُ وزير الدفاع الروسي.

اللواء الليبي المتقاعد حفتر يستقبل وزير الخارجية الروسي لافروف (الأوروبية)