عرض مشاركة واحدة

قديم 03-10-23, 08:14 AM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي في الذكرى الـ50 لانتصار أكتوبر.. قصة حرب تحرر من الصليبيين تواصلت قرنين فبدأها الزنكيون ورسخها الأيوبيون وحسمها المماليك



 

في الذكرى الـ50 لانتصار أكتوبر.. قصة حرب تحرر من الصليبيين تواصلت قرنين فبدأها الزنكيون ورسخها الأيوبيون وحسمها المماليك
3/10/2023

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
لقد أنقذتم "المسجد الأقصى الذي.. هو أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين..؛ فطوبَى لكم من جيش ظهرت على أيديكم المعجزات النبوية والوقعات البدْرية، والعزمات الصديقية والفتوحات العمرية، والجيوش العثمانية والفتكات العلوية! جددتم للإسلام أيام القادسية والملاحم اليرموكية، والمنازلات الخيبرية، والهجمات الخالدية؛ فجزاكم الله عن نبيه محمد ﷺ أفضل الجزاء، وشكر لكم ما بذلتموه من مُهَجِكم في مقارعة الأعداء"!!
جاءت تلك العبارات في "خطبة الفتح" التي ألقاها قاضي القضاة محيي الدين ابن الزكي الشافعي (ت 598هـ/1105م) بمحضر السلطان صلاح الدين الأيوبي (ت 589هـ/1193م)، في أول جمعة أقيمت بالمسجد الأقصى بعد تحريره من الصليبيين سنة 583هـ/1187م.
لكن ما قصة هذه الفتح وما تلاه من فتوح؟ وما قصة حرب التحرير الكبرى التي امتدت قرنين كاملين تسلم فيهما الراية جيل من جيل؟ وما هي العوامل السياسية والعسكرية والدينية التي شكلت معالم تلك المقاومة الحضارية الكبرى؟


إن هذا المقال -الذي نُشر بمناسبة مرور 950 سنة هجرية على بدء احتلال الصليبيين للمنطقة و750 سنة على تطهيرها منهم، ويعاد نشره اليوم بمناسبة حلول الذكرى السنوية الخمسين للانتصار العربي على إسرائيل في حرب 10 رمضان 1393هـ الموافق لـ6 أكتوبر/تشرين الأول 1973م- يحاول أن يجيب على تلك الأسئلة؛ فقصة حرب التحرير لم تكن قصة مَلِك بعينه ولا حكاية شعب بمفرده، بل هي ملحمة كبرى التأمت خطوطها وخيوطها بالتدريج، فكان أول تجلياتها هو انقداح زناد جيوب المقاومة في لحظة الاستباحة، معلنةً أن الأمة قررت ألا تعترف بالهزيمة في وقت الهزيمة!
وللتصدي للتحدي الصليبي المقتحِم؛ وُضِعت مخططات طويلة المدى لأمة يجب أن تتحرر في ميادين الوعي أولا قبل ساحات القتال، مع فهم واسع لمضامين التحرر التي كان أعلاها التوحيد وثمرتها هي التحرير، وكان قطب ذلك كله طلائع من عظماء الزعماء في بيوت الإمارة بدءا من قادة السلاجقة في الموصل بالعراق، ثم آل زنكي في الشام الذين وضعوا "خريطة طريق" للتحرير تبدأ بتوحيد القوى الإسلامية في الشام ومصر بعد تصفية البؤر السياسية المتخاذلة، وتُعزز بفكرة الإصلاح الديني والمذهبي والتنموي الشامل الذي يقوم على تمكين العلماء المصلحين والخبراء المخلصين.
ثم امتد الأثر الزنكي مع الأيوبيين الذين استنبتوا جذور هذا المشروع في مصر ضمن أخطر عملية تحول تاريخي، وفي أيامهم تمت إعادة الاعتبار إلى الأقصى باعتباره "ثالث الحرمين الشريفين"؛ وهذا يعني تحصين قضية القدس في قلوب المسلمين بالعناية الروحية والدينية البالغة.

ورغم ما شهدته معركة التحرير من نكسات وتجدد لها من عثرات؛ فإنها واصلت المسير بزخم معتبر حتى تسلمت دولة المماليك رايتها، فبنى قادتها على الخطة الكبرى المتسلسلة وصولا بها إلى الحسم الكلي للصراع.
وبذلك النشاط المقاوم المتلاحق الأجيال والأفعال؛ تطهرت المنطقة العربية والإسلامية بالشام ومصر من الاحتلال الصليبي قرابة خمسة قرون، إلى أن سوّلت للإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت (ت 1236هـ/1821م) نفسُه أن يجدد عادة بلاده في إذكاء جذوة الحروب الصليبية بحملته على مصر وسواحل الشام سنة 1212هـ/1797م.
ولم يكن ذلك حقا بالأمر الغريب على الفرنسيين، إذْ ما "كانت الحرب الصليبية الأولى في الأغلب الأعم [إلا] مغامرة فرنسية"؛ كما يقول مؤرخ الحضارات الأميركي وِيلْ ديورانت (ت 1402هـ/1981م) في ‘قصة الحضارة‘. وكذلك ليس الاحتلال الإسرائيلي اليوم لفلسطين سوى "مغامرة غربية"، حل فيها المكر الصهيوني مكان الكيد الصليبي فقلده في طرق الامتداد ووسائل الإمداد!!
ولذا فإن قصة حرب التحرير الكبرى هذه ملحمة ملهمة في دلالتها على طُرق اكتساب مقومات النصر، وعوامل التغلب على مسارب الهزيمة، وبيان أن مشاريع نهضة الأمة قد تختلف تفاصيلها وعياً وسعياً، لكنها تتفق في الجوهر والمضمون: التوحيد والتحرير!!
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
مشهد فوضوي
خلال نصف القرن الذي سبق هجمة الاحتلال الصليبي لمناطق واسعة من جغرافية المشرق العربي الإسلامي (440-490هـ/1049-1099م)؛ اتّسم المشهد السياسي في هذه المنطقة بالفوضى والتناحر والانقسام. ففي بدايات تلك الحقبة اختفت الدولة البويهية التي كانت تسيطر على العراق، وحلت مكانها الدولة السلجوقية التي سرعان ما أصبحت دولة مترامية الأطراف تمتد من وسط آسيا وحتى شواطئ البحر المتوسط.

أما مصر فكانت حينها تخضع لحكم الخلفاء الفاطميين الذين كانت مصائرهم تتجه ليكونوا -مثل نظرائهم العباسيين- ألعوبة في أيدي من عُرفوا لاحقا بـ"الوزراء العظام"، وهو ما أطمع السلاجقة في انتزاع الشام منهم قبل أن يتمكن الوزير الفاطمي القوي الأفضل الجَمَالي الأرمني (ت 515هـ/1121م) من استعادة السيطرة على فلسطين والقدس الشريف سنة 491هـ/1098م؛ أي قبل وصول الحملة الصليبية الأولى بعام واحد.
لقد أدى نجاح السلاجقة في إحياء قوة المسلمين وتوسعهم على حساب البيزنطيين -بعد إبادتهم جيشهم في معركة ملاذكرد سنة 463هـ/1071م- إلى هزة عنيفة في العالم الأوروبي؛ فاستوجب ذلك -ضمن أسباب أخرى- إعلانه حربا صليبية على المشرق الإسلامي، تستفيد من حالة التمزق والوهن التي تضرب بلاد الإسلام في أضلاع مثلثه الحيوي: العراق والشام ومصر.



وكان من اللافت تزامن هذه الهجمة الصليبية على المشرق مع "حروب الاسترداد" الإسبانية في الأندلس التي كانت أولى نتائجها سقوط مدينة طُليطلة سنة 478هـ/1085م، واستكمال النورمانديين المسيحيين سيطرتهم على جزيرة صقلية سنة 484هـ/1091م بعد تدشينهم احتلالها سنة 444هـ/1053م.
وقد لاحظ الإمامُ أبو الحسن السلمي الدمشقي (ت 500هـ/1106م) -في كتابه ‘الجهاد‘ الذي ألفه بُعيد سيطرة الصليبيين على القدس لاستنهاض الأمة للدفاع عن أوطانها ومقدساتها- هذا التزامنَ الغريب؛ فقال: "فوثبت طائفة (= من الصليبيين) على جزيرة صقلية على حينِ تباينٍ من أهلها وتنافسٍ، وتملكوا بمثل ذلك بلدا بعد بلد من الأندلس، ولما تناصرت (= تواترت) الأخبار عندهم بما عليه هذه البلاد [الشامية] من اختلاف أربابها.. أمضوا عزائمهم على الخروج إليها، وكانت القدس نهاية أمانيهم منها"!!
في سياق هذه الأجواء للمشهد المحلي والإقليمي، وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني 1095م (= ذو القعدة 488هـ)؛ ألقى بابا الكنيسة الكاثوليكية أوربان الثاني (ت 492هـ/1099م) خطبة دينية باللاتينية في دَيْر كليرمونت بجنوبي فرنسا تردد صداها على مر العصور، حتى إن المؤرخ وِيلْ ديورانت يصفها -في ’قصة الحضارة’- بأنها "أقوى الخُطَب وأعظمها أثرا في تاريخ العصور الوسطى"!!
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
أطماع متعددة
وفي خطبته تلك؛ دعا البابا أهلَ أوروبا إلى القيام بحملة مسلحة تحت شعار "الصليب" لنجدة إخوانهم في بيزنطة من "الأتراك"، ولـ"تحرير" البلاد المقدسة من براثن "الكفّار" المسلمين. وينقل لنا المؤرخ والقسيس المشارك في الحملة الصليبية الأولى فوشيه الشارتري (ت 521هـ/1127م) في تاريخه خطبة أوربان؛ فكان مما جاء فيها:

"عليكم أن تسارعوا لمد يد العون لإخوانكم القاطنين في المشرق..، إن الأتراك قد هاجموهم كما يعلم الكثيرون منكم، وتقدموا داخل الأراضي الرومانية (= البيزنطية بالأناضول) إلى أن وصلوا إلى ذلك الجزء من البحر المتوسط..، لقد انتزعوا شيئًا فشيئًا من أراضي المسيحيين، كما وهزموهم في سبع معارك حتى الآن…؛ لذا -وبصلاة خاشعة- فإنني، لا بل إن الله -وليس أنا- يحثّكم يا جنود المسيح على أن تحضّوا الرجال مهما كانت مراتبهم -فرسانا كانوا أم مشاة أغنياء كانوا أم فقراء- أن يسارعوا لسحق هذا الجنس الخسيس من أراضينا"!!
وعندما توقف المؤرخ ديورانت عند أهم دوافع الحروب الصليبية؛ فإنه لخصها في ثلاثة أسباب مباشرة هي: "[الـ]ـأول..: هو زحف الأتراك السلاجقة..؛ الثاني..: ما حاق بالإمبراطورية البيزنطية من ضعف شديد الخطورة..؛ [الـ]ـثالث..: هو رغبة المدن الإيطالية -بيزا وجنوى والبندقية وأمالفي- في توسيع ميدان سلطانها التجاري الآخذ في الازدياد". ولذا يقرر ديورانت أن "الحروب الصليبية.. كانت -من إحدى النواحي- حروبا استعمارية تبغي الفتح والمكاسب التجارية"!!
وفي ظل تلك الدوافع السياسية الاقتصادية وما صاحبها من شحن عاطفي وتحريض ديني هائل؛ لاقت دعوة البابا أوربان صداها في وسط وغرب أوروبا، فتدفقت جحافل الحملة الصليبية الأولى على الشرق الإسلامي، ونجحت هي وما تلاها من حملات -مع تفاوت لافت- في ترسيخ احتلالها لبلاد الشام وسواحلها لمدة قرنين كاملين، أسسوا فيها أربع إمارات صليبية هي:

مارة الرها شمال بلاد الجزيرة الفراتية بين حلب والموصل (تأسست 491هـ/1098م)؛ ثم إمارة أنطاكية (491هـ/1098م)، وإمارة طرابلس (503هـ/1109م)؛ وجعلوا هذه الإمارات تابعة لكيان أعلى منها سمَّوه "مملكة بيت المقدس"، التي أعلنوا تأسيسها في 2 رمضان 492هـ/22 يوليو 1099م.
وبهذا بدأت حقبة الاحتلال الصليبي الذي لا نعرض هنا لتفاصيل وقائعه وفظائعه بقدر ما نتوقف عند معالم وملامح ما استوجبه من مشروع مقاومة كبير وممتد عبر أجيال للتصدي له والتحرر منه، وكيف انتقلت قيادة هذه المقاومة -التي تآزر فيها الأمراء والعلماء والعامة- من الموصل بالعراق، إلى حلب ودمشق بالشام، ثم أخيرا إلى القاهرة بمصر حيث توافرت إمكانيات حسم الصراع قدرةً عسكرية وإرادةً سياسية.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
محطة مغمورة
إن أول ما يلفت النظر أن مشروع المقاومة الإسلامية للاحتلال الصليبي الأوروبي كان مشروعا شاملا هبّ للعمل فيه ودعْمه الجميعُ في الأناضول والعراق والشام ومصر، وهي الأقاليم التي كانت -عبر عصور مختلفة ودول متعاقبة- في مواجهة مستمرة ومباشرة مع الصليبيين المعروفين تاريخيا بـ"الفرنج".

صحيح أن مشروع هذه المقاومة لم يكن متناغمًا أو وفق تنسيق محدد حتى ظهور ولاة الموصل الأقوياء مثل مودود بن ألتونتكين (ت 507هـ/1113م) منذ سنة 503هـ/1109م، ثم خليفته آقْسُنْقُر البُرْسُقي (ت 520هـ/1126م) منذ عام 507هـ/1113م، ثم عماد الدين زنكي (ت 569هـ/1173م)؛ لكن الواقع هو أن مشروع المقاومة كان مشتعلا منذ حط الصليبيون رحالهم ببلاد الشام، وتحديدا منذ سنة 493هـ/1100م كما سنرى تاليا.
قُتل سُليمان بن قُتلَمِش السلجوقي -وهو السلطان المؤسس لسلاجقة الأناضول- سنة 479هـ/1087م على يد ابن عمه تُتُش ابن السلطان ألب أرسلان (ت 487هـ/1094م) في معركة أهلية قُرب حلب؛ وقد أدى مقتله إلى دخول بلاد الروم (= الأناضول) في نزاع داخلي استغله الصليبيون حين دخلوا الأناضول وسحقوا السلاجقة في معارك دوروليوم (= مدينة إسكي شهير) ونيقيّة وغيرها في سنتيْ 490-491هـ/1097-1098م، ثم تقدموا نحو الساحل الشامي فاحتلوه وصولا إلى القدس الشريف سنة 492هـ/1099م.
ورغم فداحة هذه الأحداث؛ فقد أدت نتائجها إلى ظهور إمارة لسلالة تركمانية جاءت أصلا مع الفتح السلجوقي للأناضول على يد السلطان ألب أرسلان (ت 465هـ/1073م) عقب معركة ملاذكرد سنة 463هـ/1071م.
وكان بطل هذه السلالة الأمير التركماني كُمشتَكين بن دانشمند طايلو (ت 499هـ/1106م) المقرب من السلطان سليمان بن قتلمش، وإنما "قيل له ابن الدانشمند لأن أباه [طايلو] كان معلما للتركمان وتقلبت به الأحوال حتى مَلَكَ" مناطق من شرقي ووسط الأناضول؛ وفقا للمؤرخ ابن الأثير (ت 630هـ/1233م) في ‘الكامل‘.كان أخطر معاقل الصليبيين القريبة من منطقة الدانشمنديين هو إمارة أنطاكية بقيادة بوهيمند الأول (ت 505هـ/1111م) الذي تسميه المصادر الإسلامية "بيمُند"، وكان يمنّي نفسه بتوسيع إمارته بضم شمالي بلاد الشام شاملا حلب وأعزاز، وبدأت هذه الخطة سنة 493هـ/1100م حين "خرج بيمند ملك الإفرنج صاحب أنطاكية إلى حصن أفامية ونزل عليه"؛ طبقا لابن القلانسي (ت 555هـ/1160م) في ‘تاريخ دمشق‘.
وقد أدرك كُمُشتكين بن دانمشند خطورة استيلاء الصليبيين على حلب وجوارها؛ إذ سيتبعه ضمهم مناطق المسلمين شمالي العراق والأناضول. ولهذا السبب وضع كُمُشْتَكِين خطة حربية ذكية، وهي حصار مدينة ملاطية جنوبي الأناضول وكان يحكمها الأرمن بقيادة جبريل الأرمني (ت بعد 493هـ/1100م) المتحالف مع بوهيمند أمير أنطاكية الصليبي؛ وكان كمشتكين يُدرك أن جبريل سيستغيث ببوهيمند، وهو ما يؤكده ابن الأثير بقوله: "وكان صاحبها (= ملاطية) قد كاتبه (= بوهمندو) واستقدمه فورد عليه في خمسة آلاف" مقاتل.

 

 


 

الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس