وجهة النظر الأخرى في مشاكل التقديرات الاستخبارية هي: هناك مسؤولية كبرى تقع على شعبة الاستخبارات العسكرية، بأن لا نعطي تقديرا وهميا (يقصد اعطاء تقدير بأن حربا ستنشب، ويكون تقديرا مغلوطا)، في وضع تكون فيه تشكيلاتنا الحربية مبنية على قوات الاحتياط بالأساس وعلى جيش نظامي صغير، في مواجهة جيش نظامي كبير (لدى العدو) ينتشر دائما على طول الحدود أو بالامكان نشره بسهولة، أي في مواجهة قوات العدو الموجودة دائما على الجبهة. بكلمات أخرى، يحظر عليها، أي على شعبة الاستخبارات العسكرية بتاتا أن تسارع الى توجيه إنذار بأن في نية العدو القيام بحرب قريبة في كل مرة نتلقى فيها معلومة مقلقة. فإذا فعلنا، ستكون النتيجة بأن الدولة ستجند (للحرب) في فترات متقاربة، مع كل ما ينجم عن ذلك من أضرار للاقتصاد ومصاعب كبرى للمواطنين. من هنا تنبع الحاجة الى «فرضية» ما، وهذا، حسب وجهة النظر الأولى (الحصول على كمية هائلة من المعلومات) ـ التي بموجبها ينبغي سند تقديراتها (بالمعلومات). ومن هنا تنبع الضرورة للفرضية التي نتحدث عنها والتي شكلت بالنسبة لرئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ومساعديه نبراسا يسترشدون به عشية نشوب الحرب:
«فإذا انتهجنا طريقة الصراخ «ذئب..» (مثل يقصد به التحذير من حرب) ازاء كل شيء صغير، فلا مشكلة. ولكن، عندئذ، سنضع الجيش في وضع صعب جدا..»(صفحة 1051).
«ففي ذلك الوضع كانت لنا على طول القناة (السويس) وحتى بير جفجفة 170 دبابة و8000 شخص. وفي خط التحصينات كان 800 شخص. ومقابلهم كانت للمصريين سبعة ألوية و1100 دبابة و800 مدفعية. بهذه القوات كانوا يستطيعون تنفيذ العبور. أنا أحصل على المعلومة القائلة بأنه ستنشب الحرب بعد ثلاثة أيام. فماذا نفعل؟ نجند (قوات الاحتياط)؟ نصدقها (المعلومة)؟ لا نصدقها؟ أنا بهذا أقصد أن أعطيكم فكرة بسيطة عن الحيرة (التي تنتابنا في هذه الحالة). لا يوجد ما هو أسهل من أن يقوم رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في حالة كهذه بالتوجه الى رئيس أركان الجيش والقول: «جنّد» (قوات الاحتياط).. ولكن لا بد من فرضية معينة، وإلا فإن هذه الدولة (اسرائيل) تجند ولا تجند سبع مرات في السنة» (صفحة 92).
تأثير الفرضية على تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية 49 ـ لا يوجد شك في أن الفرضية المشروحة أعلاه، والتي قالت إن امكانية شن حرب على الجبهة المصرية وعلى الجبهة السورية في آن في القريب العاجل هي امكانية بدرجة احتمال منخفضة، تركت آثارها على التقديرات التي أعطاها رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أو من ناب عنه، الى العناصر القيادية في الدولة حول موضوع خطر الحرب. ونقصد بذلك التقديرات التي أعطاها في الفترة ما بين أبريل ـ مايو (نيسان ـ أيار) 1973 (في الوقت الذي ساد فيه التوتر على الجبهتين) وفي الفترة ما بين سبتمبر (ايلول) و5 أكتوبر (تشرين الأول) 1973، علما بأنها بدأت تتضعضع في ذلك اليوم (5 أكتوبر). وفي الاقتباسات التي سنعرضها فيما يلي لأقوال رئيس شعبة الاستخبارات ومساعده لشؤون البحث، سنركز بالأساس على الأمور المتعلقة بالأساس المصري لهذه الفرضية.
فترة أبريل ـ مايو1973 (أ) بروتوكول مختصر للمشاورات في بيت رئيسة الوزراء في يوم 18.4.73 (وثيقة البينات رقم 57)، بمشاركة رئيسة الوزراء (غولدا مئير) والوزراء (يسرائيل) غليلي و(موشيه) ديان ورئيس أركان الجيش (دافيد العزار) ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (ايلي زعيرا). في هذه المشاورات قال الجنرال زعيرا:
«لقد أجرينا تشريحا للوضع وكتبنا ما هو تقديرنا للوضع حسب المنطق والمعقول. في هذه المرة وجدنا اشارات حول الاستعدادات العينية، تدل على ان هناك ارتفاعا بعض الشيء فيها مقارنة مع عرضنا لها في نوفمبر ـ ديسمبر (تشرين الثاني ـ كانون الأول) 1972. لا يوجد لدينا ما نضيفه حول التقديرات. من ناحية المنطق، سيكون ذلك خطأ أن تفكر مصر في اعلان الحرب.. وفي الحقيقة فإننا نرى اشارات اكثر تدل على انه (يقصد الرئيس المصري، أنور السادات) لا ينوي الحرب مما نرى اشارات تدل على انه ينوي الحرب. ولكن من السابق لأوانه أن نقرر ذلك» (الصفحة الأولى).
«.. نحن نعرف بثقة انه يوجد لديه تخوف بأننا سنرد حتى على عملياته الصغيرة بضرب العمق المصري وبشدة. لهذا، فإنني أقدر بأن احتمال شن الحرب ليس كبيرا» (صفحة 2). «بالنسبة للطريق الثالث، أي عبور القنال بشكل جدي، فإنني واثق من أننا سنعرف عن ذلك مسبقا وسنستطيع إعطاء تحذير.. قبل عدة أيام من وقوعه» (نفس الصفحة).
«هذا بالنسبة لمصر، الامكانية مفتوحة للحرب. المصريون خائفون جدا من أننا سنرد بمهاجمة العمق على أي عمل صغير يقومون به. انهم يخافون على نظام الحكم عندهم من جراء مهاجمة العمق» (نفس المصدر).
(ب) بروتوكول جلسة الحكومة من يوم 15.4.1973 التي تفوه الجنرال زعيرا خلالها بما يلي:
«... لقد بدأت حركة طائرات ميراج من ليبيا الى مصر، بحيث أصبح موجودا في مصر الآن (سرب) طائرات ميراج، وبالاضافة الى ذلك وتقريبا في الفترة نفسها، وصل الى مصر سرب من طائرات «هنتر» العراقية.. ومع ذلك فعلي أن أشير الى اننا لم نجد بعد في صفوف القوات البرية أية استعدادات للحرب أو اية تنقلات من شأنها أن تشير الى وجود استعدادات حربية. أما بالنسبة للطائرات نفسها، فإن طائرات «هنتر» ليست بقادرة على اجراء تحسين جدي في القوة الهجومية المصرية. بينما طائرات الميراج تستطيع شحن سلاح الجو المصري بقدرات غير موجودة لديها اليوم، وهي تتمثل في بعد المدى (يقصد ان الميراج طائرة تتميز بكونها تستطيع الطيران لمدى بعيد). فالميراج هي الطائرة المقاتلة ذات المدى الأطول بين كل الطائرات الموجودة بأيدي مصر. بالطبع، انني لا أشمل في ذلك الحساب طائرة توبولوف 16 التي لا تعتبر طائرة قتالية.. إن هذه الاضافة من الطائرات القتالية الى سلاح الجو المصري، من الناحية الموضوعية على الأقل، ليست اضافة يمكنها تغيير توازن القوى في الجو، مع أن من الممكن أن يرى المصريون ان اضافة طائرات الميراج هي ذات أثر كبير وأهمية جدية للغاية أكثر مما نرى نحن، خصوصا أنهم ادعوا في الماضي بأنهم لا يملكون طائرة قادرة على الوصول الى وسط اسرائيل وتنفيذ ما أسموه «تفجير العمق». واليوم، عندما تكون في حوزتهم طائرات ميراج، فإنهم سيشعرون بأن هذا حل» (صفحة 8 ـ 9).