الثقافة الإسبانية وتأثير الحرب الأهلية
نصب تذكاري في مدريد لضحايا الحرب الأهلية
تصعب معرفة الهوية الثقافية الإسبانية وحاضرها جيداً دون معرفة أثر الحرب الأهلية (1936-1939) في تشكيلها، لذا تحيي إسبانيا هذه الأيام الذكرى الـ75 لاندلاعها خاصة على الصعيد الثقافي حيث تتصدر مواضيعها الصحف ونشرت المزيد من الكتب عنها، كما تقدم المسرحيات وتنظم المعارض الفنية والندوات وغيرها.
ورغم إنتاج مئات الأفلام حول الحرب الأهلية وأكثر من ثلاثين ألف كتاب، حتى أن الكاتب إيساك روسا عنون روايته الأخيرة عنها "رواية لعينة أخرى عن الحرب الأهلية"، فإن الغالبية يرون أنها لم تأخذ حقها جيدا من التأمل والدرس بعد.
الكاتب رافائيل ريج
تفاصيل التاريخ
ويقول الكاتب والناقد المعروف رافائيل ريج صاحب رواية "كل شيء مغفور" -التي يتناول فيها الخمسين عاماً الأخيرة من تاريخ إسبانيا منطلقاً من حاضرها الراهن- إنه لا بد من التذكر دائماً بأنه قد كانت ثمة حرب ومعرفة أهوالها وأسباب اندلاعها وآثارها.
ويضيف أن "الأدب والفن يدونان التفاصيل والشخصيات البسيطة المهمشة التي قد يهملها التاريخ.. يجب علينا أن لا ننسى هذه الحرب أبداً لأنها درس عظيم لنا ولغيرنا، وإعادة التذكير بها ستقودنا إلى تجنب تكرارها وستجعلنا أكثر إنسانية ونشعر بآلام الحروب التي تدور رحاها في بقاع أخرى من العالم".
من جهته يقول الشاعر كارلوس بيلاسكو الذي ولد بعد الحرب بعقود "أكاد أعرف عنها كل شيء وكأنني عشتها، لأنها حاضرة في كل إنتاجنا الثقافي، وقد فهمت أسرارها وتفاصيلها من خلال أعمال شعراء كبار أمثال لوركا الذي قتل فيها، وميغيل هيرنانديث الذي مات في سجون فرانكو، ورافائيل ألبرتي الذي ذاق مرارة منفاها، ولوحات بيكاسو وسلفادور دالي وميرو وغيرهم".
جانب من تعامل الصحافة الإسبانية
مع الذكرى الـ75 للحرب الأهلية
ذاكرة أدبية
السيدة كارمينا بينتو التي تجاوزت التسعين من عمرها وتقاعدت من عملها في أرشيف وزارة الثقافة والتي قتل والدها في الحرب الأهلية، تشعر بالرضا عن تكرار إحياء ذكرى هذه الحرب "لأنه احترام لدماء الضحايا وللآلام التي عانيناها نحن الناجين منها بأعجوبة، فنشعر بأن كل ذلك لم يذهب سدى".
وتضيف "قرأت وما زلت أتابع كل ما يكتب عنها، فمن المهم أن تكون لدينا ذاكرة أدبية وفنية إلى جانب الذاكرة التاريخية"، في إشارة منها إلى قانون الذاكرة التاريخية الذي أقرته الحكومة لإدانة عهد فرانكو ويشرع إجراءات تكريم ضحايا الحرب الأهلية.
وتقدمت الجمعية الإسبانية لاستعادة الذاكرة التاريخية بمطالب للتحقيق القضائي حول اختفاء قرابة 40 ألف شخص خلال تلك الحقبة التي تعد أسوأ كارثة في تاريخ إسبانيا المعاصر وخلفت قرابة ثلاثة ملايين ضحية بين قتيل ومعاق ومفقود ومنفي.
ولا يزال قانون الذاكرة التاريخية يثير جدلا بين اليمين واليسار بشأن الجراح التي لم تندمل بعد، فكما كتب شاعر إسبانيا الكبير أنطونيو ماتشادو المتوفي قبل شهرين من نهاية الحرب الأهلية "لقد شطرت الحرب إسبانيا إلى إسبانيتين"، لذا تساهم الثقافة بكل فنونها في استيعاب ما حدث وإعادة تقوية اللحمة بين أبناء الشعب
الجزيرة نت