![]() |
حين تُخضِع العصافير النسور.. كيف تُغير الدرون الانتحارية وجه الحرب؟
حين تُخضِع العصافير النسور.. كيف تُغير الدرون الانتحارية وجه الحرب؟ https://www.aljazeera.net/wp-content...size=770%2C513 1/8/2021 إنه الرابع من أغسطس/آب عام 2018، الطقس معتدل بعض الشيء في شارع بوليفار أفينيدا، الواقع في بلدية ليبرتادور غرب كاراكاس عاصمة دولة فنزويلا، لكن السُّحُب بالأعلى تُنذر بالكثير من الأمطار. رغم ذلك، هناك ازدحام جماهيري شديد في المكان على أثر خطاب يُلقيه الرئيس نيكولاس مادورو في العيد الحادي والثمانين للحرس الوطني، في حضور تشكيلات لجنود الجيش تُقدِّم عروضا مثيرة. منذ اللحظة الأولى التي بزغت فيها فكرة أن تكون هناك طائرة دون طيار في دماغ أحدهم، قبل أكثر من قرن مضى، كان متوقَّعا أن نصل إلى تلك اللحظة التي شهدت محاولة اغتيال رئيس دولة عن طريق درون تجارية يمكن أن تجدها في الأسواق في الكثير من الدول، هذا لأن الفكرة بسيطة وسهلة ومُغرية، وكان كل ما يلزم لجعلها مُمكنة هو بعض الوقت الطويل نسبيا، لنصل إلى ما نعرفه الآن باسم "الذخيرة المتسكعة" (Loitering munition)، أو الاسم الأكثر شهرة: "الدرون الانتحارية". https://www.aljazeera.net/wp-content...size=770%2C217 ما حدث في فنزويلا كان عمل هواة، تلك الدرون لم تكن مُصمَّمة لحمل شيء وإنما أُلصقت بها المتفجرات وكان الهدف أن تصل إلى مادورو من حيث لا يحتسب، لكن عسكريا فإن الدرون الانتحارية هي طائرة دون طيّار مُصمَّمة لهدف واحد، يبدو واضحا من اسمها، وهو التوجُّه إلى شيء ما، أي شيء، وتفجيره. في تلك النقطة دعنا نسافر في الزمن للوراء، تحديدا إلى تسعينيات القرن الفائت حينما أصبحت الدرون الانتحارية المُسماة "هاربي" (IAI Harpy) أداة عاملة في سوق الحروب. https://www.aljazeera.net/wp-content...ize=770%2C1134 على الرغم من محاولات كثيرة سابقة، تُعَدُّ "هاربي"(1)، التي أنتجتها دولة الاحتلال الإسرائيلي عبر شركة إسرائيل لصناعات الطيران والفضاء (IAI)، أول نموذج فعال للدرون الانتحارية استُخدم فعليا في الحرب. تتمتع الطائرة بقدرات جيدة جدا، بطول وعرض نحو مترين ونصف، ووزن 135 كيلوغراما للمركبة و32 كيلوغراما للرأس الحربي، مع قدرة على السفر لأكثر من خمسمئة كيلومتر، وهي تنطلق من منصة إطلاق مُثبتة على متن شاحنة يمكنها حمل نحو 20 قطعة، وتتضمَّن بطارية "هاربي" عموما ثلاث شاحنات من هذا النوع (بما يعادل 60 طائرة)، ويمكن إطلاقها أيضا من على متن سفينة أو طائرة. يكون مسار الطائرة ناحية المنطقة الموجود بها الهدف مُخططا في المحطة الأرضية ومُخزَّنا بداخلها، بعد ذلك تنطلق ذاتيا إلى منطقة الاستطلاع المحددة وتبدأ في "التسكُّع" بالأعلى وهي تبحث عن ترددات الرادار (الذي يوجِّه الصواريخ المضادة للطائرات)، وعادة ما يكون هدفها الرئيسي. عندما تكتشف "هاربي" موقع الهوائي الخاص بالرادار توجِّه نفسها كصاروخ وتفجِّر الرأس الحربي الذي تحمله فيه. https://www.aljazeera.net/wp-content...size=770%2C217 تُعَدُّ مزايا هذا النوع من الدرون الانتحارية مدهشة مقارنة بالصواريخ الموجَّهة المعروفة (الكروز)، فهي تتحكَّم بنفسها في السرعة والاتجاه الخاص بها، ويمكن أن تعمل في أي طقس، كما يمكنها التسكُّع لساعات طويلة أعلى المنطقة المُستهدَفة لإيجاد هدف محدد، أضف إلى ذلك أنه يمكن إيقاف تنفيذ المهمة في أي وقت خلال ثانية واحدة، حتى إذا كانت الدرون في طريقها لضرب الهدف بالفعل، كل ذلك جعل "هاربي"، مع رفيقتها الأكبر في الحجم والأشهر حاليا "هاروب" (HAROP)، قطعة من الذهب في أعين كل جيوش العالم، خاصة في العام الماضي 2020 خلال جائحة "كوفيد-19". https://www.aljazeera.net/wp-content...size=770%2C794 بالطبع لم تكن الجائحة هي السبب، بل الحرب بين أرمينيا وأذربيجان، على أراضي ناجورنو كاراباخ. في هذه الحرب تحديدا (حرب مرتفعات قره باغ 2020)، التي امتدت لستة أسابيع، استخدمت أذربيجان "هاروب" إلى جانب ثلاثة نماذج أخرى من الدرون الانتحارية (200 وحدة من كل نموذج)، كلها من إنتاج شركة إسرائيل لصناعات الطيران والفضاء. ويُعتقد أنه كان لهذه القطعة التقنية الفريدة، لأول مرة في تاريخ الحروب، دور جوهري في الانتصار بالحرب، حيث مَثَّلت أول استخدام للذخائر المتسكِّعة جماعيا ضد جيش دولة يعمل بطاقته الكاملة. من وجهة النظر التكتيكية(3)، باتت الخنادق الأرمينية وأعمال الحفر والمخابئ والعربات المدرعة، وغيرها من الأماكن التي تميل القوات إلى الاحتماء بها في ساحة المعركة، مرشَّحة للتحوُّل إلى مقابر جماعية مع وجود عدد كبير من الذخائر المتسكعة في السماء (تأمَّل الفيديو المرفق). ولذا، أصبحت هذه المعركة أقوى مثال على الكيفية التي يمكن بها للدرون الانتحارية الصغيرة وغير المُكلِّفة نسبيا أن تُغير أبعاد الصراعات التي كانت تُهيمن عليها المعارك البرية والقوة الجوية التقليدية. https://www.aljazeera.net/wp-content...size=770%2C789 https://www.aljazeera.net/wp-content...size=770%2C217 بينما تقرأ هذا التقرير الآن، هناك عشرات من الأنواع المتطورة(4) من الدرون الانتحارية تنتشر حول العالم، وفي حين أن عام 2020 شهد تطوُّرا في معدلات اقتناء الطائرات الانتحارية، فإنه شهد أيضا تطوُّرا جديدا في التكنولوجيا الخاصة بها، لفهم هذا التطوُّر دعنا نبدأ من المشهد الأول لفيلم "أنجل تسقط" (Angel Has Fallen) 2019، حيث يكون الرئيس الأميركي في نزهة ثم تنطلق من مكان قريب أسراب من الدرون التي يبدو أنها تعمل بتناغم مع بعضها بعضا، قبل أن تبدأ في تفجير نفسها بكل شيء يتحرك، لتنتهي العملية مع عشرات القتلى. لنتصوَّر الآن أن هناك 80 درونا تطير إلى جانب بعضها بعضا، تتحرَّك الطائرات عشوائيا تماما في البداية، لكن كل درون منها مُبرمجة ذاتيا لتطبيق القواعد الثلاث، فتقترب إحدى الطائرات من أخرى مُتجنِّبة التصادم بها لكنها تواكب سرعتها وتظل بالقُرب منها، تقترب منهما درون أخرى تمر بالمصادفة، فتُطبِّق هي الأخرى القواعد المبرمجة فيها وتنتظم مع الفريق المُتحرِّك، يحدث ذلك في مناطق عدة من السرب وتتحرَّك المجموعات الصغيرة شيئا فشيئا لتنضم لبعضها مُكوِّنة مجموعة ضخمة واحدة. هذه هي فقط إحدى القواعد البسيطة التي يمكن أن تُستخدم لتطوير سرب من الدرون الانتحارية التي تعمل بتناغم مع بعضها بعضا، وبحسب المحللين(7) في هذا النطاق فإن تجربة الصين الأخيرة تعني أننا مقبلون على عصر جديد ربما تفقد فيه أنظمة الدفاع الجوي قدراتها بشكل شبه تام، فإذا كان هجوم درون انتحارية واحدة على موقع ما يصعب صدُّه، فإن هجوم قطيع منها على الموقع نفسه سوف يكون من المستحيل مواجهته، بل ويكون مجرد معرفة أن مثل هذا الهجوم ممكن مرهقا نفسيا ومحبطا لمعنويات القوات على الأرض. https://www.aljazeera.net/wp-content...size=770%2C217 كما تلاحظ، فإن تطوُّر الدرون الانتحارية يذهب في الاتجاه الذي تريده كل التكنولوجيا الحربية تقريبا، وهو الاستقلالية. يبحث العميل، وهو هنا عادة دولة ما ترغب في تطوير جيشها، أو ميليشيا تبتغي زيادة قدراتها، عن أسلحة تتمكَّن من السفر نحو الهدف وتحليل الموقف بأعلى القدرات الحسابية، ثم اتخاذ القرار الأدق والأنسب، وتنفيذه فورا لنحصل على أكبر خسائر ممكنة للعدو، أسلحة قادرة كذلك على التعلُّم وزيادة خبراتها ودقتها مع الوقت، ألا يبدو هذا مألوفا؟! بالطبع تعرف الآن عما نتحدَّث، إنه الذكاء الاصطناعي. قبل عدة أشهر، أصدرت لجنة الأمن القومي الأميركي للذكاء الاصطناعي تقريرها(8) للحكومة، الذي أوضحت فيه أن استخدام الذكاء الاصطناعي في الحرب -الأمر الذي بدأ بالفعل- سيُشكِّل ثورة تقنية تتخطى في أثرها اكتشاف كلٍّ من البارود والسلاح النووي، وأوصت اللجنة بمضاعفة الاستثمار في البحث العلمي الخاص بهذا النطاق عاما بعد عام لترتفع قيمته من 1.5 مليار دولار الآن إلى 32 مليار دولار بحلول عام 2026! https://www.aljazeera.net/wp-content...ize=770%2C1074 التقرير لا يبالغ في شيء، بوجود الدرون الانتحارية وإدماج الذكاء الاصطناعي فيها فإننا سنكون مستقبلا في مواجهة شيء لا يمكن لأحد إيقافه، الأدعى للتأمل في تلك النقطة أن هذا التطور التقني يوفِّر للدول الصغيرة، وكذلك الجماعات المسلحة، وصولا رخيصا جدا إلى الطيران التكتيكي والأسلحة الموجَّهة بدقة، مما يُمكِّنها من تدمير معدات الخصم الأكثر تكلفة مثل الدبابات وأنظمة الدفاع الجوي، الأمر الذي يمكنه تغيير معادلات القوة في العالم كله. حتّى كتابة هذه الكلمات، وعلى الرغم من النجاح الذي حقَّقته الدرون الانتحارية في حرب مرتفعات قره باغ إلى جانب استخدامها الواسع عالميا (وخاصة في صراعات الوطن العربي خلال السنوات القليلة الماضية)، فإن الجدل البحثي ما زال قائما حول فاعليتها، هل هي حقا ممتازة، أم أنها فقط إضافة جديدة للحروب؟ لكن يتفق الجميع على شيئين، الأول هو أنه على الجيوش النظامية أن تتلقَّى تدريبا متعلِّقا بهذا النوع من الدرون، والثاني هو أن المستقبل مرعب! ———————————————————————————- المصادر
المصدر : الجزيرة نت |
|
|
|
|
|
الساعة الآن 11:30 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir