![]() |
إستراتيجية الجيش الإسرائيلي في مواجهة حماس وحزب الله
إستراتيجية الجيش الإسرائيلي في مواجهة حماس وحزب الله عدنان أبو عامر في الوقت الذي تستشرف فيه إسرائيل حروبًا متوقعة على جبهتي لبنان وغزة، مع حزب الله وحركة حماس، تبدو الأوساط البحثية والدراسية مشغولة بوضع تصور "افتراضي" لطبيعة تلك المواجهات في ضوء القناعات السائدة بأنها قادمة لا محالة.إضافة إلى وجود إجماع إسرائيلي لا يقبل التشكيك أو التأويل بأن التحدي الذي تمثله هاتان المنظمتان بات يشكِّل معضلة حقيقية أمام المستويين السياسي والعسكري في تل أبيب، حتى بات اسمهما يترافق مع أي خطاب سياسي، أو مقال تحليلي، أو بحث دراسي. ولئن عبَّرت المواجهتان الأخيرتان في لبنان 2006 وغزة 2009، عن أزمة إسرائيلية حقيقية في كيفية التصدي لقوى المقاومة التي "أتقنت" حرب العصابات ومواجهة يوميات الاستنزاف، للجيش الإسرائيلي، فإن الأخير يُعد العُدة جيدًا منذ صدور تقريري "فينوغراد" الإسرائيلي و"غولدستون" الأممي، كي تصبح الحرب الآتية أقل تكلفة، وأكثر جدوى، وأقصر زمنًا، وأطول نتائج على المدى البعيد. وهو ما جعل مراكز الأبحاث والدراسات الإسرائيلية تنهمك في وضع تصورات ورفع توصيات لصانع القرار الإسرائيلي حول ما هو آت. وفي هذا السياق صدر في الآونة الأخيرة العدد الثالث من دورية "الجيش والإستراتيجية" عن وحدة الدراسات العسكرية في معهد الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب(1)، بمشاركة نخبة من الجنرالات العسكريين المتقاعدين، وباحثين "متمرسين" في مجال الدراسات العسكرية، وبإشراف عام من قِبل الجنرال في صفوف الاحتياط د."غبريئيل سيفوني"، مركِّزة في جميع فصولها على طبيعة المواجهة القادمة، والآليات العسكرية التي لا بد لإسرائيل من التسلح بها قبل اتخاذ القرار بإشعال الحرب المقبلة. وبات واضحًا أن إسرائيل تواجه منظمات مقاومة عسكرية تسعى للتعلم، ومؤهَّلة لفهم البيئة التي تعمل فيها، ولديها القدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة، ورؤية الأمور من وجهة نظر الخصم، والوقوف على المنطق الذي يحرك هذا الخصم؛ ولذلك تقوم الدراسة المذكورة على افتراض أن الجيش سيواجه في حربه المقبلة منظمات أكثر قوة وأمضى عزيمة. كما أن الأرقام والإحصائيات التي تداولتها مختلف محاور الدراسة، يُفهم منها الحاجة الإسرائيلية الملحة لـ"تحديث" معلوماتها حول مستجدات بناء القوة العسكرية لكلا التنظيمين، إلى جانب ضرورة فهم السياق السياسي والأمني الواردة خلاله. ومن هنا يأتي الحديث -وفي هذا التوقيت بالذات- عن ضرورة التغيير في مبادئ الأمن القومي الإسرائيلي، وأهمية التركيز على البُعد الاستخباري، لمواجهة تطورين يشكِّلان خطرًا بالغًا على أمن إسرائيل، وهما: بروز ظاهرة "حرب العصابات"، وظاهرة الصواريخ متنوعة المدى؛ وذلك في ضوء القناعة السائدة إسرائيليًّا أنه لا يمكن حسم الصراع مع حزب الله وحماس من خلال معركة بشكل تام. |
قراءة قدرات العدو تعيش الآلة الإعلامية والدوائر البحثية الإسرائيلية منذ أشهر -وبدعم من المؤسستين: الأمنية والسياسية- حالة دؤوبة من قراءة طبيعة القدرات العسكرية لكل من حزب الله وحركة حماس، سواء من جهة تنامي عدد عناصرها وتجنيد مقاتلين جدد، أو تزودها بكميات وأنواع متزايدة من الصواريخ والقذائف متنوعة المدى من جهة أخرى، وربما يرتبط ذلك بالتوجه الإسرائيلي القاضي بتوجيه "ضربات استباقية" لتلك القوى، مخافة أن تصل إلى مرحلة من القوة يصبح من الصعوبة بمكان الوصول معها إلى مرحلة الحسم.وقد ركزت الدراسة التي بين أيدينا على عدد من المؤشرات الخاصة بالقوى المعادية لإسرائيل -وعلى رأسها منظمتا حماس وحزب الله- على النحو التالي:
الإنذار والردع والحسم تعتمد إسرائيل في أية مواجهة مفترضة مع قوى المقاومة لاحقًا على البعد الأمني والاستخباري، من خلال تشابك العلاقات بين مركباته الثلاث:
وهنا يمكن الحديث عن منحى أكثر إثارة ومحاكاة للواقع، بعقد الدراسة مقارنة حية ومباشرة بين ظروف المقاومتين العراقية والفلسطينية، ضد الاحتلالين الأمريكي والإسرائيلي، من خلال القواسم المشتركة التالية:
وفي مجالٍ ذي صلة، يضع الباحثون الإسرائيليون "توصيات ومقترحات" لـ"تحسين" ظروف المواجهة القادمة من وجهة نظر إسرائيل، ومن أهمها:
وهنا يمكن الخروج من الدراسة باستنتاج يؤكد أن القناعة الإسرائيلية التي باتت سائدة في العديد من المحافل الأمنية والعسكرية والسياسية هي أنه لا يمكن حسم المعركة أو تحقيق انتصار حاسم على حماس وحزب الله بالضربة القاضية. ويمكن في هذا السياق الإشارة إلى انصراف بعض الجنرالات العسكريين الإسرائيليين البارزين إلى إعداد دراسات عملياتية تقدم وصفات سحرية لمسألة الحسم النهائي، ومنهم: "غيورا آيلاند، ويوسي كوبرفاسر، ويعقوب عميدرور". وإلى حين "إنضاج" هذه الوصفة، ستبقى المواجهات المفترضة بين إسرائيل من جهة، وحزب الله وحماس من جهة أخرى، تراوح مكانها، بين كرٍّ وفرٍّ، وفعل ورد فعل، وعملية وانتقام، على الأقل هكذا تفكر العقلية الإسرائيلية اليوم. |
البيئة الإستراتيجية شرق الأوسطية تطرح المواجهة القادمة المفترضة تساؤلات حول الحدود الجغرافية التي قد تصل إليها الحرب؛ مما يجعل من الصعوبة إجراء توصيف ميداني حقيقي لطبيعة المواجهة القادمة دون "تشريح" البيئة الإقليمية لعمل الجيش الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة والجنوب اللبناني، وغيرها من الساحات المرشح لأن "يدخلها" في أية مواجهة مفترضة، خاصة في ضوء الاعتقاد الإسرائيلي بـ"تشابك" الساحات الإقليمية، بدءً بطهران ومرورًا بدمشق وبيروت، وانتهاءً بغزة. وهنا تطرح الدراسة بعض الأفكار العملياتية ذات الصلة بهذه البيئة، ومنها:
"وكما استفاد الأمريكان فعليًّا من الإسرائيليين خلال عملية "السور الواقي" في الضفة الغربية عام 2003؛ فقد استفادت تل أبيب من تجربة واشنطن العسكرية في بغداد، التي تحولت عمليًّا إلى "نموذج" واقعي تطبيقي لحروب العصابات ومواجهات الاستنزاف، ويمكن نقل التجربة الأمريكية إلى مدن الضفة الغربية في أية مواجهة مفترضة مع حركة حماس هناك". ملاحظات وتوصيات خرجت الدراسة بعدد من الملاحظات الدقيقة، سياسية وأمنية وعسكرية، يمكن إجمالها في الآتي:
الدراسة أخيرًا قد تُعتبر الأكثر تفصيلاً واستشرافًا للجوانب الإستراتيجية العسكرية لدى إسرائيل إذا ما أخذ التوقيت والظروف الراهنة بعين الاعتبار، وهي تحاول أن تقدم "خارطة طريق" لصانع القرار العسكري في إسرائيل حول النهج الأكثر تفضيلاً للتعامل مع ظاهرة المقاومة في فلسطين ولبنان ونهج "حرب العصابات" الذي تعتمده حركاتها، وذلك كله في ضوء أن تل أبيب قد تكون فعلاً على مشارف مواجهة جديدة، ستكون حتمًا أكثر إيلامًا، وأفدح ثمنًا -لجميع من سيخوضها من الأطراف- من أية مواجهات سابقة(7). _______________ باحث فلسطيني مختص بالشؤون الإسرائيلية الهوامش 1-مركز بحثي إسرائيلي، جُل عمله موجه إلى دراسة التهديدات المحيطة بإسرائيل، والأوضاع المتغيرة في الشرق الأوسط والعالم بأسره وأثرها على إسرائيل في مختلف المجالات. 2- يمكن استنتاج ذلك من تصريحات للجنرال "عاموس يادلين" رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية "أمان"، هآرتس 16/5/2008، وقد استندت الدراسة إلى تقرير "نيكولاس بلانفورد" المنشور في دورية "كريستيان ساينس مونيتور"، للاطلاع إضغط هنا. 3- تقرير جهاز الشاباك عن تنامي القوة العسكرية لحركة حماس بعد الحرب، بتاريخ 30/11/2008، للاطلاع إضغط هنا. 4- لإلقاء نظرات فاحصة على تطور السلوك العسكري الإسرائيلي ضد منظمات المقاومة الفلسطينية يمكن الرجوع إلى المصادر التالية: بين حربين، حاييم نادل، تل أبيب 2006. حنون برتوف، 48 عاماً و20 يوماً، تل أبيب 2002. يسرائيل تال، الأمن القومي الإسرائيلي، تل أبيب 1996. شلومو غازيت، 30 عامًا من السياسة الإسرائيلية في المناطق، تل أبيب 1999. 5- خطة "الجبهة الداخلية" للتعاطي مع تهديدات الأمن القومي الإسرائيلي، إعداد خبراء إستراتيجيين من معهد "ريئوت"، 2009. للاطلاع إضغط هنا. 6- ورقة عمل د. "روبي ساييبل" المستشار القانوني في وزارة الخارجية الإسرائيلية، حول سلوك الجيش في حرب غزة، فبراير/شباط 2009. للاطلاع إضغط هنا. 7- المحاور الواردة في الدراسة: قراءة في بناء قوة حزب الله لـ"غاي أفيعاد"، الاستخبارات وتحديات الرماية منحنية المسار لـ"أمير كوليك"، زوال مفهوم الحسم والانتصار لـ"غبريئيل سيفوني"، الجيش الإسرائيلي وكيفية مواجهته لتحديات المستقبل لـ"يوفال بيزيك"، الحرب ضد القوى الثورية.. لـ"تال طوبي"، المصدر: مركز الجزيرة للدراسات |
الساعة الآن 11:18 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir