مسودة قانون لتجنيد الحريديم في الجيش يثير الجدل بإسرائيل (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          الفريق أول ركن شمس الدين الكباشي - عضو مجلس السيادة الانتقالي في السودان (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 1 - عددالزوار : 20 )           »          مقال في "نيويورك تايمز": ترامب فوق القانون (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          الجنرال محمد إدريس ديبي - رئيس المجلس الانتقالي في تشاد (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 5 - عددالزوار : 2415 )           »          الجيش الأحمر.. قصة منظمة زرعت الرعب في ألمانيا واغتالت شخصيات هامة (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          البنتاغون: إسرائيل ستشارك في تأمين الميناء المؤقت بغزة (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          جرائم الحرب (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          جرائم ضد الإنسانية (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          التطهير العرقي (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          تنظيم الدولة يتبنى هجوم موسكو وسط إدانات دولية ونفي أوكراني بالضلوع فيه (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 2 - عددالزوار : 63 )           »          احتكاك عسكري بين روسيا وأميركا في القطب الشمالي (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »          صحيفة روسية: الناتو مستعد للحرب ضد روسيا منذ 10 سنوات (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          ولاية ألاسكا.. تنازلت عنها الإمبراطورية الروسية واشترتها أميركا (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 5 - عددالزوار : 65 )           »          حزب الله يستهدف موقع رادار ومنصتين للقبة الحديدية الإسرائيلية (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          بعد عامين من إنشائه.. ما هو حال قراصنة "جيش أوكرانيا الإلكتروني"؟ (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »         



 
العودة   ..[ البســـالة ].. > جـناح الدراســات والبـحوث والقانون > قســــــم الدراســـــات والتـقـاريــر
التعليمـــات قائمة الأعضاء وسام التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة
 


التعددية القطبية في مواجهة الحروب

قســــــم الدراســـــات والتـقـاريــر


إضافة رد
 
أدوات الموضوع

قديم 12-12-10, 08:53 PM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
ثعلب الصحراء
مشرف قسم الدراسـات

الصورة الرمزية ثعلب الصحراء

إحصائية العضو





ثعلب الصحراء غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي التعددية القطبية في مواجهة الحروب



 

التعددية القطبية في مواجهة الحروب

بسـام العسـلي
لم تكن (الثنائية القطبية) التي حكمت العالم على امتداد سنوات عصر الحرب الباردة (1945 - 1991م) هي ظاهرة جديدة أو مستحدثة في حياة الأمم والشعوب - عبر التاريخ . وقد تشكلت هذه الظاهرة ونبتت في رماد الحرب العالمية الثانية؛ حيث رفعت الحرب برافعتها الثقيلة دولتين إلى موقع القيادة العالمـية هما:

(الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق)، فعملت الدولتان على قيادة المعسكرين الاقتصاديين المتصارعين (المعسكر الرأسمالي، والمعسكر الاشتراكي)، وعندما تفكك الاتحاد السوفيتي، برزت الولايات المتحدة على قمة (النظام العالمي الجديد)، وسرعان ماعادت الثنائية القطبية للظهور ولكن بشكل متطور، وعاد السؤال الذي طالما شغل العالم طوال سنوات عصر الحرب الباردة، وهو: هل ستبقى هذه الثنائية في إطار قيادتي أمريكا وروسيا المتنازعتين؟ أم ستنهار هذه الثنائية وتتحول إلى تعددية قطبية عند الاصطدام بالحرب العسكرية وغير العسكرية؟

1
. التعددية والأزمـة الاقتصادية
ما كانت الحروب عبر التاريخ إلاّ حروباً اقتصادية في تشكلها وفي منطلقاتها وفي تطوراتها؛ غير أن طبيعة هذه الحروب قد تطورت بتطور النظام الاقتصادي ذاته، ولقد كانت التطورات الاقتصادية في عصر الثورة الصناعية (1570 ــ 1980م) تقريباً بمثابة ثورة اقتصادية ربطت أقاليم وقارات العالم بعضها ببعض بروابط صلبة في ظل قيادة استعمارية (تربّع على زعامتها انجلترا، وواكبت تحركها فرنسا وروسيا وبعض الدول الأوروبية)؛ وبذلك كان أي اضطراب في عمل القيادة لابد له من إحداث أزمات حادة ذات أبعاد عالمية. وكانت الأزمة الاقتصادية العالمية سنة 1929م نموذجاً تاريخياً لقوة تماسك النظام الاقتصادي العالمي آنذاك، رغم استمرار المنافسات الاستعمارية وحتى الحروب الاستعمارية، سواء بين الدول الاستعمارية بعضها ضد بعض، أو بين الدول الاستعمارية والدول أو الشعوب التي تم إخضاعها لنظام الاستعمار.


وقد يكون بالمستطاع تجاوز ما استجد من تطورات عبر الانتقال من النظام الاستعماري الغربي الأوروبي إلى النظام الانتقالي في عصر الحرب الباردة، وكذلك ما حدث من تطورات عند الانتقال من نظام الثورة الصناعية إلي نظام عصر (ثورة التقانة)، و (ثورة المعلوماتية)، و (ثورة عصر حرب الفضاء)، أو حتى (عصر الحروب تحت دعوى خطر استخدام أسلحة الدمار الشامل)، للوصول بعد ذلك إلى الأزمة الاقتصادية العالمية التي ظهرت بواكيرها منذ منتصف العام 2008م، واستمرت مع انتقال الإدارة الأمريكية من عهد الرئيس السابق (جورج بوش) إلى عهد الرئيس (باراك أوباما) مع مطلع العالم 2009م، ويبدو ــ وبحسب أبحاث الاقتصاديين واجتهادات رجال المال في العالم ــ أن هذه الأزمة قد تستمر إلى ما بعد انتهاء العام 2009م، فما هو تأثير هذه الأزمة على الأحادية، أو التعددية القطبية؟

لابد من التوقف قبل كل شئ وبعده عند الموقف الأمريكي الذي صنع وفجَّر الأزمة الاقتصادية؛ فاعترفت الإدارة الأمريكية بمسؤوليتها الأولى عن الانهيارات المالية والاقتصادية التي ضربت اقتصاد كل دول العالم، واعتبر ذلك بأنه البرهان على الدور المركزي للاقتصاد الأمريكي في تكوين النظام الاقتصادي المعاصر، ولئن كانت هذه الحقيقة معروفة من خلال الانتشار الواسع (للدولار)، واعتماده قاعدة للمبادلات في أسواق العالم، فإن الإدارة الأمريكية تحرّكت للتعامل مع الأزمة من خلال مجموعة من التدابير، منها:

أولاً: تقديم القروض والدعم للبنوك الكبرى والمؤسسات الضخمة حتي تتمكن من معالجة عجزها، والاستمرار في ممارسة أعمالها.
ثانياً: إصدار قوانين اقتصادية جديدة تسمح للدولة بفرض سيطرتها والتدخُّل في عمليات البنوك والمؤسسات، بعد أن تبيّن أن تحرر المسؤولين عن رقابة الدولة وسيطرتها تحت ذريعة (حرية العمل وحرية تحرُّك رؤوس الأموال) كان سبباً مباشراً لانتشار ظاهرة الفساد التي اتخذت إجراءات لإيقافها.

ثالثاً: تغطية الديون العقارية والسندات المؤجلة وغيرها، وقيام الدولة بشراء الديون المستحقة والأسهم لبعث الثقة في عمل المؤسسات.

رابعاً: استنفار قوى العالم الاقتصادية الكبرى للمشاركة في معالجة الأزمة عبر مؤتمرات ومناقشات لإصلاح النظام الاقتصادي تحت إشراف أمريكي، وبمشاركة أمريكية فاعلة، وتنظيم تعاون دولي لتحقيق نوع من التوازن يساعد على إعادة النهوض بالاقتصاد. وقد لا تكون هناك حاجة للتعرُّض لكل ما حدث من تحركات دولية وقارية لمعالجة الأزمة، أو الدخول في تفاصيلها ولكن لابد من التوقُّف عند النقاط التالية:

لقد جاءت الأزمة لتفجّر الحرب ضد أمريكا اقتصادياً، ولفرض قيود عليها، أو نوع من الوصاية الدولية، واتخذت فرنسا وروسيا بخاصة دور (رأس الحربة في الهجوم وقدمتهما دول كثيرة طالبت بعزل أمريكا عن موقعها المهيمن والمسيطر، ومن ذلك على سبيل المثال: عندما عُقد المنتدى الاقتصادي العالمي في (دافوس ــ سويسرا) ـــ الذي اختتم أعماله يوم 30 كانون الثاني/ يناير 2009م، والذي حمل عنوان: (ما بعد الأزمة المالية العالمية) ـــ تحدث الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين)، وكان مما جاء في كلمته: »إنني أحذر من خطورة بقاء الاعتماد على الدولار باعتباره عملة احتياطية، إذ إن هذا الاعتماد هو الذي جعل من أوروبا كمثل إقليم ريفي منعزل في العملية الاقتصادية دون دور فاعل، وإنني أدعو إلى قيام اقتصاد المستقبل على قيم أكثر ثباتاً، مثل القيمة الفعلية للأصول المالية، وليس القيم الافتراضية التي تضع بعض الشركات في مكان أكبر من حجمها الحقيقي». أما كلمة رئيس الوزراء الصيني فقد تضمنت ما يلي: «إنني أطالب بإلغاء هيمنة الدولار، وتكريس التعاون الدولي سبيلاً أفضل للرد على الأزمة المالية، بدلاً من تحركات فردية، منها ما يركّز على اتفاقات عسكرية خطيرة». لقد كان عنوان البحث: «المنتدى الاقتصادي العالمي ــ دافوس» هو: (ما بعد الأزمة المالية العالمية)، ويعني ذلك ببساطة أن الحشد الاقتصادي للخبراء في (دافوس) لم يكن يحمل مثل هذا التفاؤل، وهو ما أكّدته حوارات الخبراء وأوجزته بالكلمات التالية: «إن العالم ذاهب إلى ما هو أقسى وأصعب مما هو فيه، إذا لم يتم اتخاذ الاحتياطات اللازمة، وإن أزمة مماثلة قد تستمر لعدد من السنين ولكن في ظروف أسوأ، وستأخذ هذه الأزمة في الولايات المتحدة شكل ركود اقتصادي وانكماشي في الأسعار وجمود اقتصادي حاد، وقد يسري ذلك إلى الدول المرتبطة بالاقتصاد الأمريكي في المحيط العالمي». وهنا قد يكون من المفيد تذكُّر المثل العربي الشائع، والذي يقول : «متى تقع البقرة يتكاثر الجزارون من حولها».

وهكذا، فجَّرت الأزمة الاقتصادية المالية عاصفة قوية من المنافسين والخصوم والحاقدين، وحتى الطامعين بغير حق للنيل مما لا يستطيعون، وبذلك لم تقف عمليات الهجوم عند توجيه اللوم أو حتى الإدانة لشخص الرئيس الأمريكي السابق (جورج بوش) والعاملين في إدارته، على قاعدة أنهم أول المسؤولين عن الأزمة، بل تجاوزت ذلك للتبشير بزوال شمس (الولايات المتحدة الأمريكية)، وضرورة عزلها أو على الأقل منعها من ممارسة دور عالمي بسبب قصورها على حد زعمهم، وجاءت الأوصاف والتعابير عن أوساط كثيرة في المحيط العالمي، وكنموذج عن هذه (المدرسة السياسية الفكرية) يمكن التوقُّف عند مقالة نشرت في صحفية (الجارديان البريطانية) يوم 19 نيسان/أبريل 2009م للكاتب الإنجليزي (مارتن جاك)، جاء فيها: «لقد ولَّت ومضت أيام الهيمنة الأمريكية على العالم، ويشهد العالم في هذه الأيام تغييرات كبرى في القوة العالمية، أسهمت الأزمة الاقتصادية العالمية بدفعها بسرعة قصوى، وبذلك فقد دخل العالم مرحلة سياسية نادرة تتميز بانتقال الهيمنة العالمية من قوة عظمى إلى قوة أخرى، وقد حدث مثل ذلك من قبل في الفترة (1936 ــ 1945م) عندما انتهي صعود بريطانيا المالي لتحل محلها الولايات المتحدة الأمريكية، وتتمثل المرحلة الجديدة بصعود الصين وتراجع الولايات المتحدة ...».

ولاريب أن مثل هذه المقالات والمواقف قد ساعدت الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة الرئيس (باراك أوباما) على تطوير عمليات إعادة تنظيم علاقات أمريكا بدول العالم، فتحركت هذه الإدارة على كل جبهات العالم بداية من الأقارب من دول أمريكا اللاتينية، وحتى الأباعد وصولاً إلى اليابان في أقصى الأرض، ومروراً بالحلفاء والأصدقاء مثل: دول أوروبا، وتركيا، والمنطقة العربية، ونهاية بالأصدقاء الألدّاء من منافسين وخصوم، وفي طليعتهم: روسيا، والصن، وكوريا الشمالية، وإيران، هذا مع الاستمرار في تطوير عمل الهيئات والمنظمات الاقتصادية ــ الدولية منها والإقليمية ــ بهدف حشد أكبر قدرة اقتصادية لإعادة تنظيم ودعم النظام العالمي.

جاءت زيارة الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) لدول أمريكا اللاتينية في الفترة من 16 ـــ 19 نيسان/أبريل 2009م، وسبقت الزيارة قيام وفد رئاسي أرسله (أوباما)، وضم نائبه (جوبايدن)، وعدداً من الوزراء بجولة في عواصم أمريكا اللاتينية. وبدأت الزيارة في التوقُّف عند الحلفاء (المكسيك وجزر الكاريبي)، حيث بحث (أوباما) مع الرئيس المكسيكي (فيلبي كالديرون) تداعيات الأزمة الاقتصادية، وتصاعد تحديات منظمات تجارة المخدرات (المافيات)، وقضية ضبط الحدود وتدفّق الأسلحة والمهاجرين .... وغيرها، وفي اليوم الثاني من الزيارة عقدت القمة الأمريكية ــ اللاتينية، حيث التقى الرئيس (أوباما) رؤساء دول وحكومات أكثر من (30) بلداً في (أرخبيل ترينيداد وتوباغو)، وكان على رأس أولوياته طمأنة جيرانه الجنوبيين إلى الأهمية الكبرى التي توليها الولايات المتحدة للعلاقات معهم، إضافة إلى تداعيات الأزمة الاقتصادية.

ولقد عمل مستشار (أوباما) على متابعة نتائج القمة بدقة، وقدم خلاصة وجيزة أعلنها بقوله: «ستشعر دول أمريكا اللاتينية أنها أهملت خلال سنوات طويلة، ويسعى الرئيس جاهداً للتصدي لهذا الأمر، فخلال السنوات الثماني من ولاية الرئيس السابق (جورج بوش) تشكل في أمريكا اللاتينية تيار مناهض للولايات المتحدة الأمريكية، تجسّد خصوصاً في شخص الرئيس الفنزويلي (هوجو تشافيز)، وإن (أوباما) المدافع عن تعددية الأقطاب قد حضر القمة مدعوماً برصيد شعبيته لدى الرأي العام في المنطقة، وحاملاً معه قرار كبار قادة العالم لمنح صندوق النقد الدولي، والبنك العالمي، مبلغ ألف مليار دولار إضافي، يُفترض أن تحصل دول أمريكا اللاتينية منها على حصة كبيرة».

ولقد جاءت ردود الفعل المتلاحقة على هذه الزيارة لتبرهن على أهمية هذا التحرّك وفائدته في إعادة تنظيم العلاقات الدولية على القاعدة الاقتصادية وبرعاية الولايات المتحدة، وكان أول رد فعل: «ترحيب أسبانيا بالتقارب الأمريكي ــ الكوبي»، وكذلك حديث (أوباما) إلى الرئيس الفنزويلي (هوجو شافيز)، حيث قال (أوباما) لمحدثه: «إنني أقطع على نفسي وعداً بشراكة جديدة وندية»، وكذلك حديث (أوباما) إلى الرئيس الكوبي (راؤول كاسترو) وقوله في حديثه: «إن سياسة أمريكا تجاه كوبا لم تحقق أي نجاح»، وكانت تلك بداية التحولات المتسارعة؛ ففي يوم 24 نيسان/أبريل 2009م، عقد وزراء مالية مجموعة العشرين اجتماعاً لهم في واشنطن لتنسيق التعاون بين دولهم في مواجهة الأزمة الاقتصادية المالية العالمية، ومتابعة ما تم اتخاذه من قرارات في لندن في مطلع شهر نيسان/ أبريل، وسبق الاجتماع لقاء لوزراء الاقتصاد والمال ورؤساء المصارف المركزية لدول مجموعة السبع تمهيداً لاجتماع أعضاء صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وهذه الدول السبع هي: (أمريكا، وكندا، وألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، واليابان)، وأُمكن بذلك وضع (التعددية القطبية) أمام مسؤولياتها في الحرب الاقتصادية.

2. الصين في موقع القطب العالمي
كانت الصين طوال سنوات عصر الحرب الباردة الحليف الاقتصادي الأول للولايات المتحدة الأمريكية التي منحت الصين امتياز (الدولة الأفضل رعاية)، وهذا ما فتح أبواب أمريكا الواسعة أمام التجارة والصناعة الصينية، وبقيت العلاقات الأمريكية ــ الصينية مميّزة باستمرار رغم ما اعترض مسيرتها وتطوراتها من صدامات وأزمات، أُمكن تجاوزها باستمرار عبر الحوار والتفاهم المتبادل. ولذلك كان من الممكن أن يتوجه الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) إلى الصين ليطلب مساعدتها في مواجهة الأزمة الاقتصادية ــ المالية، وفي مواجهة الحرب على الإرهاب أيضاً في (أفغانستان)، علاوة على قيام الصين بدور إيجابي في دعم أمريكا للتعامل مع القضايا الدولية، وأولها الانتشار النووي الذي تمثله في أقصى الشرق الآسيوي (قضية الملف النووي لكوريا الشمالية والتسلّح الصاروخي).

وفي الواقع، فقد كان التحرّك الصيني على كل هذه المحاور ــ وسواها أيضاً ــ تحركاً واضحاً، ومن ذلك تصريح نائب رئيس الوزراء الصيني (وانغ كيتشان)، والذي نشرته الصحيفة البريطانية (فايننشال تايم) يوم 7 آيار/ مايو 2009م، وجاء فيه: «ستواصل الأزمة المالية الحالية انتشارها، وسيزيد الاقتصاد العالمي سوءاً قبل أن يستعيد عافيته، ولذلك فإن الوضع مازال خطيراً، ومن الضروري أن تنسق الدول سياساتها للاقتصاد الكلي، وأن تتبنى سياسات مالية ونقدية وتحفيزية، وإن حزمة الحوافز الضخمة التي تبنتها الصين قد أعطت ثمارها الآن عن نتائج أولية من خلال إحداث تغيير إيجابي في الاقتصاد الصيني، وستواصل الصين سياسة مالية نشطة، وسياسة نقدية تيسّر الائتمان بشكل معتدل، لضمان الاقتصاد العالمي، وإنني أدعو إلى تعزيز الإشراف على أساس القواعد السيادية والتعاون في تنظيم تدفّق الأموال الخاصة والمؤسسات المالية والأسواق والوسطاء. ومن المهم أيضاً تحسين النظام المالي الأساسي بما في ذلك معايير المحاسبة الدولية، وتقويم المنتجات المالية المعقّدة، ونظام التصنيف الائتماني، وإدارة الأزمات أو المخاطر الداخلية». ولقد حملت كلمات هذا التصريح مجموعة من مبادئ التحرّك الصيني عند التعامل مع كل القضايا ذات العلاقة بالسياسات الدولية، وفي طليعتها القضية المالية ــ الاقتصادية، ومنها:
أولاً: الدراسة العميقة للقضية من خلال رؤية صينية توفيقية لتطوير التعاون الدولي، والنظام الدولي بعيداً عن الاستفزاز والإثارة.
ثانياً: الثقة غير المحدودة بقدرة النظام الصيني على إعطاء أمثلة جيدة وحلول مقبولة قد يمكن الإفادة منها في التعامل مع القضايا الدولية.
ثالثاً: استعداد الصين للعمل بجدية، وبكل جهد مستطاع، لممارسة دور فعّال في مواجهة الأزمات العسكرية، والاقتصادية، والسياسية ... إلخ، ووضع كل أزمة أو قضية لها أهميتها وخطورتها ضمن أبعادها العالمية على أساس أن عالم اليوم يشكّل مجموعاً متكاملاً.

ولعل ما هو أكثر أهمية هو توافر مجموعة كبيرة من الإجراءات والدراسات والبيانات والمواقف والممارسات، التي أكّدت بمجموعها تحرّك الصين ـــ بهدوء وثبات وتصميم ـــ من أجل الوصول إلى موقع قطبي مميز من خلال الاقتصاد بالدرجة الأولى، وليس من المهم أن يكون الموقع الثاني أو الثالث في سلم (التعددية القطبية)، ولكن من المهم أن يضمن شراكة الصين لأمريكا في قيادة العالم، وهذا ما أشار إليه ــ على سبيل المثال ــ وزير الخارجية البريطاني (ديفيد ميليباند) في تصريح له نشرته صحيفة (الجارديان) البريطانية يوم 71 آيار/مايو 2009م، وجاء فيه: «إن الصين هي القوة الضرورية للعالم في القرن القادم (21)، وذلك بفضل ما تمتلكه من القدرة الحاسمة في التأثير على مستقبل الاقتصاد العالمي، وتغيير المناخ، والتجارة العالمية. وبات من المتوقع أن تتحول الصين خلال العقود القليلة القادمة إلى إحدى القوتين المؤثرتين مع الولايات المتحدة، وبإمكان أوروبا أن تشكّل القوة الثالثة فقط إذا اجتمعت على كلمة سواء. وتعتمد الصين في بناء قوتها على ما يتوافر لها من نمو اقتصادي قوي، يحتمل أن يبلغ في هذا العام نسبة (8?)، بالإضافة إلى ما يتوافر لها من احتياطيات مالية هائلة، وسيسجل المؤرخون حقيقة أن الصين في العام 2009م قد اضطلعت بدور بالغ الأهمية في ترسيخ الرأسمالية العالمية، وهذا أمر مهم جداً وهذا ما أطلق مقولة انتشرت بسرعة في أرجاء العالم، ومفادها: لقد عملت الرأسمالية على إنقاذ الصين بعد العام 1989م، وها هي الصين تنقذ الرأسمالية بعد العام 2009م.

وبذلك أصبحت الصين تتحول إلى قوة ضرورية في القرن (21) بالطريقة ذاتها، والتي عبّرت عنها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة (مادلين أولبرايت) عندما قالت: «كانت أمريكا قوة ضرورية في نهاية القون الماضي، ثم أصبحت أمريكا قوة اقتصادية أساسية، وستصبح الصين قوة أساسية من خلال مجموعة أوسع من القضايا»، فماذا يعني ذلك؟ إن ذلك يعني ــ ببساطة ووضوح ــ أن الصين، بثروتها البشرية المتفوقة وباستخدام قدراتها المتوافرة بطريقة صحيحة، قد أفسحت لنفسها المجال الرحب لاحتلال موقعها القطبي، ولهذا ــ ورغم قدرتها العسكرية ــ فإنها تحرص على العمل باستمرار لدعم السلم الذي حقق لها من المكاسب ما لا يمكن أن تحققه الحروب. ومن أجل ضمان الدعم لموقعها القطبي، فإنها تتحرك على كل جبهات العالم بتوازن مذهل، بحيث تبدو سياساتها الاستراتيجية بأنها «تعمل مع الجميع، وتتعاون مع الجميع، وهي كالقاسم المشترك بين الجميع». وعلى سبيل المثال، فمن المعروف أن مشكلة (تايوان)، و (قضية الحريات) وسواهما قد تسبب في أزمات إعلامية حادة أشبه ما تكون بحرب كلامية. ولكن وبعد كل عاصفة عارضة، تتطور العلاقات الأمريكية ــ الصينية لما هو أفضل، وضمن هذا الإطار أعلن في 14 نيسان/أبريل 2009م في بكين ما يلي: «وجّهت بكين دعوة غير مباشرة إلى (تايبه) عاصمة (تايوان)، لعقد اجتماع بين أكاديميين وضباط متقاعدين من الطرفين للبحث في (وضع آلية للثقة المتبادلة في المجال الأمني والعسكري)، وقد رحّبت (تايوان) بهذه الدعوة التي تستحق الاهتمام، وقد جاءت هذه الدعوة من جانب الصين تجاه تايوان بهدف تذليل ما تبقي من عقبات لتحسين العلاقات بينهما».

وتعتبر هذه الدعوة نموذجاً لسياسة الصين في مجابهة مشكلاتها، فهي لا تريد ولا ترغب أن تكون الولايات المتحدة طرفاً وسيطاً بينها وبين (تايوان) التي تعتبرها إقليماً صينياً ولو بصورة غير رسمية. ولهذا فهي ضد أي تسليح أمريكي لــ (تايوان)، ولكنها تعرف في الوقت ذاته أن أمريكا لا تريد صداماً عسكرياً بين (تايوان) و (بكين)، ولهذا فهي تعمل على تهدئة مخاوف (تايوان) واكتساب ثقتها، وترسل في الوقت ذاته رسالة إلى (واشنطن) بأن تجاوب بكين مع رغبات واشنطن يتم أخذها ــ دائماً ــ بعين الاعتبار والتقدير.

ومع حرص (بكين) على ممارسة دور الشريك والحليف و القطب الفاعل، فإنها لا تتوقف عند حدود علاقاتها مع أمريكا، وإنما تنطلق بكل ما هو متوافر لها من القدرات على كل الاتجاهات لبناء وتطوير (هذه القطبية)، وفي طليعة ذلك علاقتها مع (أوروبا)، ونموذج ذلك ما أعلنه المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية (مازهاوشو) يوم 20 أيار/مايو 2009م، وهو يوم انعقاد القمة الصينية ــ الأوروبية في القمة التشيكية (براغ)، حيث تضمن التصريح ما يلي: «ترغب الصين في تعزيز علاقات التعاون مع الاتحاد الأوروبي، وأن مشاركة رئيس الوزراء الصيني (وين جباباو) في هذه القمة يثبت عزم بكين على العمل مع الاتحاد الأوروبي لما فيه مصلحة الجانبين، وتتوقع بكين من القمة أن تؤدي إلى المزيد من تعزيز الثقة المتبادلة بين الجانبين، وتقوية التعاون بما يعود بالفائدة المشتركة على الجانبين، كما سيعزز العلاقات الصينية ــ الأوروبية، وأن مشاركة رئيس الوزراء الصيني في القمة ما هي إلاّ لتأكيد حسن نوايا الصين، حيث سيتم توقيع مجموعة من الاتفاقيات للتعاون بين الجانبين في إطار مواجهة الأزمة الاقتصادية».

وتحاول (بكين) من خلال مرقعها القطبي بناء علاقات قاعدتها (الثقة) وهدفها إعطاء نموذج متقدم (للدور الإنساني للقطبية)؛ ففي يوم 6 شباط/فبراير 2009م صرَّح مساعد وزير الخارجية الصيني (زاي جون) بما يلي: «إن علاقات الصين مع أفريقيا تتجاوز حدود الصفقات والنفط والمناجم، وسيقوم الرئيس (هوجينتاو) بزيارة إلى (مالي، والسنغال، وتنزانيا، وموريشيوس) في الأسبوع المقبل، وهي دول أفريقية غير غنية بالطاقة ولا بالموارد، ومع ذلك لدينا صداقة عميقة وتقليدية مع الدول الأربع، وتعاون متبادل طيب، ولا يعني هذا تعاوناً في مجال الطاقة والموارد، وأن العلاقات الصينية الأفريقية تتطور في هذه المرحلة، فقد وقّعت الصين وأفريقيا (16) اتفاقية خلال قمة بين الجانبين في العام 2006، وبلغت قيمة هذه الاتفاقيات (109) مليارات من الدولارات، ووصل حجم التبادل التجاري بين الطرفين إلى (106) مليارات، وبارتفاع ما نسبته (45?) في العام 2007». ولقد كان التحرك الصيني الصامت في أفريقيا، والتوغُّل العميق والواسع في الأقطار الأفريقية ظاهرة باغتت أوروبا وأمريكا.

3، السياسات القطبية والثقة المفقودة
لقد تكررت في الفقرة السابقة (الصين في موقع القطب العالمي) كلمة (الثقة المتبادلة)، و (بناء الثقة)، وما يماثلهما من مصطلحات، وما ذلك إلاّ التأكيد على دور الثقة في بناء العلاقات الدولية، وفي كل مجالات التعاون، وليس في حدود العلاقات الاقتصالية والمالية. وقد يكون من طبيعة الأمور أن يبقى الشك والحذر، واتخاذ الإجراءات الوقائية موجوداً وثابتاً في تنظيم العلاقات، وهذا مما يتطلب جهداً صادقاً ومستمراً لاستبعاد احتمالات الشك أو مسبباته، ويمكن اعتبار أن المواقف المتناقضة والبيانات المتضادة وما يماثلها هي من أشد العوامل في تدمير الثقة، واستنفار مشاعر العداء والكراهية.

وتعتبر العلاقات الروسية ــ الأمريكية ــ الأوروبية نموذجاً للنزاعات والصراعات القطبية التي تؤكد في كل قضية من النقاط وجود الثقة المفقودة، أو عدم وجود الثقة، والتي لابد من وجودها لنجاح السياسات القطبية، فالذرائعية (البراغماتية) التي اشتهرت بها السياسة الروسية، والعدوانية الكامنة لدى الأقطاب، أو المنافسات القطبية، والتي ميّزت السياسات الأوروبية ــ الأمريكية، قد مارست دورها في حجب الثقة وإبعادها عن ممارسة دورها في بناء (القطبية التعددية). ويبدو أنه لابد هنا من التوقُّف عند بعض الشواهد؛ ففي يوم 9 أيار/مايو 2009م كانت موسكو ومعها كل المدن الروسية تقيم المهرجانات والاستعراضات بمناسبة ذكرى الرابعة والستين لانتصار (الاتحاد السوفيتي السابق) على النازية، وألقى الرئيس الروسي (ديمتري ميدفيديف) بهذه المناسبة كلمة جاء فيها: «... بمناسبة الذكرى الانتصار، لابد من العمل لمنع الحروب، ومن أجل ذلك تقدمت روسيا بمبادرة لعقد معاهدة جديدة حول الأمن الأوروبي، المستند إلى الرقابة المحكمة على الأسلحة، والكفاية الرشيدة للبناء العسكري والتعاون الواسع بين الدول والتسوية السلمية للنزاعات، وستعمل روسيا بالتأكيد وبكل ثبات لتنفيذ هذه المبادئ؛ إذ إنه لا يمكن إقامة عالم يسوده الأمن إلاّ بالمراعاة الصارمة لقواعد القانون الدولي، وإنني أدعو إلى درء نشوب حرب جديدة، وبذل كل ما يمكن من أجل إقامة منظومة مضمونة للأمن في العالم».

ومن المعروف أن توجّّه روسيا نحو القطبية يعتمد على استخلاص الدروس من تجارب الماضي القريب (الحرب العالمية الثانية وما بعدها)، وإعادة بناء روسيا على القاعدة العسكرية المتفوقة، وتطوير البنية الاقتصادية والاجتماعية على الجبهة الداخلية، ليكون البناء الجديد أوفر قدرة، وأكثر قوة، وأشد تماسكاً وتلاحماً في مواجهة التحديات الخارجية، وقد تضمنت الاستراتيجية الجديدة للأمن القومي الروسي حتى العام 2020م ـــ والتي طرحها الرئيس (ديمتري ميدفيديف) على (جلسة مجلس الأمن القومي الروسي) يوم 24 آذار/مارس 2009م لمناقشتها واعتمادها ـــ الخطوط العامة لممارسة روسيا دورها القطبي، ومماجاء فيها: «تتجسّد الفكرة الرئيسة في شعار الأمن عبر التنمية، بما يستجيب مع تحقيق الأهداف الاستراتيجية لتنمية البلاد، ولقد تجاوزت روسيا بالتأكيد المرحلة الانتقالية، وخرجت إلى مستوى جديد نوعي للتنمية الاستراتيجية بصورة واثقة ومستقرة. لقد تغيّر الوضع في العالم في السنوات الأخيرة، كما تغيّرت الأخطار والتحديات التي تواجه روسيا، ولقد انعكست هذه الأخطار على مشروع الاستراتيجية الجديدة المرتبطة بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية لروسيا لضمان الأمن القومي. والذي لابد له من أن يشمل مجالات عديدة، بما فيها المجال الاجتماعي والاقتصادي، والدولي، والجوانب الأخلاقية والإعلامية للأمن القومي، إن عالم اليوم يمر بأزمة مالية ــ اقتصادية، ولا يجوز أن تكون هذه الأزمة سبباً لكي تقلّص روسيا آفاق تخطيطها الاستراتيجي، وتنفيذ مهماتها الأولية المرسومة؛ فروسيا يجب أن تصبح بلداً يضمن نوعية عالية لحياة مواطنيه، ومجتمعاً يمتلك تقانة متقدمة، وصناعة عالية الجودة، وقدرة دفاعية عصرية، ولابد من تحقيق الترابط بين مسائل الأمن القومي وبين القضايا المطروحة على جدول أعمال السياسة الخارجية الروسية».

ولكن ما هي تلك القضايا المطروحة على جدول أعمال السياسة الخارجية الروسية؟ إنها مجموعة من القضايا التراكمية التي تصدرت قائمة الأزمات منذ انتهاء عصر الحرب الباردة، ومنها:

1. قضايا انضمام الدول التي كانت تحت حكم روسيا من أخطار أوروبا (الشرقية) إلى الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي (الناتو).
2. قضية الدرع الصاروخي الأمريكي المضاد للصواريخ.
3. قضية الحد من الانتشار النووي.
4. قضايا النزاع والحروب المحدودة والمرتبطة بالصراعات القطبية، (صربيا، وجورجيا، وأوكرانيا، وحتى الصراع العربي ــ الإسرائيلي).
5. قضية الحد من انتشار الأسلحة التقليدية في أوروبا.
6. قضية تنظيم استثمار القطب الشمالي ومشاركة روسيا في ثرواته.

وهناك قضايا خلافية كثيرة تتزايد تراكماً دون البحث عن حلول لها، أو محاولة الاتفاق بشأنها، بحيث أن تراكمها قد شكّل مصدر خطر على الأمن العالمي، وهو ما تحاول (البيانات والمواقف) التخفيف من حدّة المخاوف في ظل التجاذبات القطبية. ولئن كان من الصعب البحث في كل هذه القضايا وتطوراتها واستطالاتها، وحتي ذرائعها أو جذورها، فإنه لابد من التوقُّف عند بعض نماذجها، ومنها ـــ على سبيل المثال ـــ ما حدث يوم 5 آيار/مايو 2009م، صرّح الرئيس الروسي (ديمتري ميدفيديف) بما يأتي: «إنني أرحّب باستعداد إدارة الرئيس الأمريكي (جورج بوش) للبحث مع موسكو في موضوع الخطة الأمريكية لنشر عناصر من منظومة الدفاع الأمريكية المضادة للصواريخ في أوروبا، ذلك أن نشر عناصر من هذه المنظومة في أوروبا لا يسهم في تعزيز الأمن بل يزيد من شدة التوتر، وهناك ضرورة بالتأكيد للتحرّك من أجل بناء منظومة دفاعية شاملة».

وفي اليوم ذاته (5 أيار/مايو 2009م)، كانت (جورجيا) تشهد تمرّداً عسكرياً في قاعدة عسكرية قريبة من القاعدة (تبليسي) مع استمرار التظاهرات الواسعة في العاصمة (تبليسي)، والمطالبة بإسقاط نظام الرئيس الجورجي (ساكاشفيلي)، وسارعت أمريكا وحلف الناتو لإرسال قطع بحرية لإجراء مناورات لدعم (جورجيا)، فيما استنفرت القوات الروسية المسؤولة عن حماية (أبخازيا، وأوسيتيا الجنوبية)، وقد اتهمت (جورجيا) الحكومة الروسية بإثارة الاضطرابات. وكان من المقرر أن يعقد (مجلس الناتو وروسيا) اجتماعاً في شهر أيار/مايو للبحث في قضايا (أمن القوقاز)، ولكن الخارجية الروسية أعلنت قراراً بتأجيل موعد الاجتماع، وذلك بسبب إجراء (حلف الناتو) مناورات عسكرية استفزازية في أراضي (جورجيا)، وقيامه بطرد دبلوماسيين روسيين يعملان في ممثلية روسيا الدائمة لدى الحلف في (بروكسل)، ومن جانب آخر، فإنه ليس لموسكو علاقة بالأوضاع الأمنية المتدهورة في (جورجيا)، وأن اتهامات (جورجيا) لــ (موسكو) هي اتهامات استفزازية، حيث تحاول السلطات الجورجية تغطية فشلها في التعامل مع الأزمة الناتجة عن تفاعلات سياسية واقتصادية تفاقمت في عهد الحكومة الحالية».

وجاء تعليق الأمين العام لحلف الناتو (بوب دي هوي شيفر) وجيزاً وواضحاً، بقوله: «إنه قرار مؤسف اتخذته روسيا بإلغاء مشاركة وزير الخارجية (سيرجي لافروف) في القمة بين (الناتو وروسيا)، لأن هناك كثير من الموضوعات المشتركة التي يمكن حلها مع روسيا». وقد يكون من المثير ملاحظة ما تردده البيانات والتصاريح الصادرة عن قادة موسكو والقائل: «إن موسكو تعتبر هذا الإجراء لا يساعد على تحقيق الأمن والاستقرار، ويزيد من صعوبة العلاقات الروسية ــ الأمريكية ... إلخ».

ويبرر ذلك السؤال الحاسم: من هو المسؤول عن هذه العلاقات المتردّية بين الدول القطبية؟ ومهما كانت الإجابة، فإنه من المناسب التعرُّض هنا إلى أن القمة الروسية ــ الجورجية التي عقدت يوم 19 أيار/مايو 2009م في موعدها وبرعاية أو مشاركة أوروبية، وهذه القمة هي الجولة الخامسة من المباحثات الروسية ــ الجورجية، وكان من المثير انسحاب مندوب روسيا بحجة رفض حضور ممثل (أبخازيا)، و (أوسيتيا الجنوبية)، والذي كانت قد اقترحته موسكو، في حين أنه ما من دولة اعترفت باستقلال جمهوريتي (أبخازيا، وأوسيتيا الجنوبية) إلاّ موسكو، ثم عاد ممثل روسيا لاجتماع القمة التي لم تتوصّل إلى قرار سوى قرار معاودة عقد القمة، ولكن دون تحديد موعد انعقادها. وأُعلن في موسكو ــ يومها ــ «بأن موسكو ستعيد النظر في برنامج المناورات العسكرية المقررة في شهر حزيران/يونيو 2009م في منطقة القوقاز، وذلك على ضوء المناورات التي قامت بها قوات حلف الناتو في (جورجيا)، وأن تشمل التعديلات إجراء تدريب يشمل القضايا أو الأهداف الاستراتيجية والتكتيكية للمناورة التي حملت اسم (القوقاز ــ 2009)»؛ فهل يمكن وصف هذه العلاقات بالاستفزازات القطبية المتبادلة؟

4. سقوط التعددية
لم يعد من الصعب ـــ بعد استعراض الوجيز من نتائج الأزمة الاقتصادية والمالية في إطار الصراعات القطبية ـــ استخلاص أو تأكيد واقع التعددية القطبية التي طالما شغلت العالم خلال العقدين الماضيين من عمر (النظام العالمي الجديد)، ومنها:

أولاً: سقوط التعددية في مواجهة الأزمات والحروب، ذلك أنه من غير الممكن تجاهل ما فجّره قادة الأقطاب الكبرى من مواقف عدائية، ومن تحديات استفزازية اتخذ خلالها كل قطب من الأقطاب الكبرى ما يتناسب مع مصلحة القطب الذي يعيشه، حتى لو التقى مع بعض مواقف الأقطاب الأخرى. ولقد أوضح ذلك حقيقة التعددية القطبية بأنها مجرد تجمّع للأقطاب وليس اندماج للأقطاب في نظام عالمي واحد، ويعيد ذلك قضية التعددية القطبية إلى بداياتها في مطلع عقد التسعينيات عندما ترجمت كل دولة كبرى قطبية النظام العالمي الجديد ترجمة خاصة بها، ومن منطلق ما يتحقق لها من مكاسب ومن فوائد عبر التحولات العالمية التي وقعت آنذاك، وسارت كثير من دول العالم على النهج ذاته في قراءة التعددية القطبية، ولم يكن يعني ذلك أكثر من (تمرد على الأحادية القطبية، ورفض للاستبداد والتحكّم الذي قد تنتحله تلك الأحادية القطبية والتي تمثلها الولايات المتحدة الأمريكية)، ولم يكن ما عرفه العالم من أحداث مثيرة، وصراعات مريرة طوال سنوات العقدين الماضيين في جانب من جوانبه على الأقل، إلاّ تعبيراً عن الصراع بين الأحادية القطبية التي تسعى لإقامة نظام عالمي يسوده السلم وتلتقي فيه إرادة كل الأقطاب، وبين التعددية القطبية التي تريد تحقيق أهدافها الخاصة وسياساتها، والتي قد تتناقض مع توجهات الأحادية القطبية.

ثانياً: إن معالجة الأزمة الاقتصادية والمالية، وتحقيق نتائج أولية ناجحة للتعامل مع الأزمة قد أكّد أن دور التعددية القطبية هو تنسيق التعاون الدولي تحت إشراف قطب مهيمن، فلا هو إلغاء للقطبية الأحادية، ولا هو إقامة تنظيم متنافر من الأقطاب التعددية، وبالتالي فإن التعامل مع قضايا السلم والحرب، ومجابهة الأزمات العالمية، لا يتحقق من خلال التنافر القطبي، وإنما يتحقق من خلال التعاون القطبي البعيد عن التمسك برواسب تاريخية، أو مخلفات عصور ماضية. وبوضوح أكبر عدم العودة إلى تجارب استخدام القوة أو التهديد بها من أجل فرض أحادية قطبية على القطبية التعددية، وفي الواقع، فقد كان من حسنات أو فضائل الأزمة المالية الاقتصادية أنها أبرزت بوضوح أهمية التعاون في مجابهة الأزمات والحروب، وكذلك خطورة إثارة التناقضات في عمل التعددية القطبية، وبذلك تشكّلت فرصة تاريخية قد يكون من الصعب افتراض فرصة مماثلة لها، من حيث ضرورة استخلاص الدروس الصحيحة، لإعادة النظر في بناء النظام العالمي الجديد الذي تريده شعوب الأرض للعيش بأمن وسلام.

ثالثاً: ارتباط بقاء التعددية أو سقوطها بسياسات الحروب، وهذا أيضاً ما أبرزته اجتهادات متنوعة ومواقف كثيرة حذّرت من السقوط في مهاوي سياسات الحروب أو الأزمات، والتي برهنت التجارب التاريخية أنها الرافعة الخافضة، والتي ترفع شعوباً ودولاً إلى المواقع القطبية، وتسقط شعوباً وامبراطوريات أخرى إلى مهاوي العزلة والضعف والانهيار. ولطالما عمل الباحثون ــ العسكريون بخاصة ــ والكتّاب والمؤرخون على التذكير بنتائج الحروب العالمية الأولى والثانية من حيث إسقاط امبراطوريات من موقع القطبية، ورفع امبراطوريات جديدة إلى ذلك الموقع، فلقد أسقطت الحرب العالمية الأولى امبراطوريات عظمى في طليعتها الامبراطورية العثمانية، والامبراطورية البروسية (الجرمانية)، والامبراطورية النمساوية الهنغارية، والامبراطورية الروسية، كما أن الحرب العالمية الثانية أسقطت الامبراطوريتين الاستعماريتين (بريطانيا وفرنسا) . ولا ريب أن الحرب الاقتصادية التي واكبت تطور الحروب في أفغانستان، والعراق، وفلسطين، ولبنان قد شكَّلت صدمة الحرب التي هزّت العالم، وأظهرت أخطار نزاعات التعددية القطبية التي قد تدفع للحرب العالمية.

رابعاً: ظهر من خلال البحث، الدور الكبير للدول الصغرى غير القطبية في تحديد مسارات السياسات العالمية التي توجهها التعددية القطبية. وقد استوعب قادة الدول القطبية الدروس المستخلصة من تجربة الأزمة الاقتصادية العالمية، من حيث ضرورة وضع سياسات جديدة تضع في رأس قائمة اهتماماتها مصالح الدول الأخرى الصغرى. وكانت جولات القادة الأمريكيين والروس والصينيين علاوة على الأوروبيين خلال الشهرين الماضيين، وفي طليعتها زيارة الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) لكبريات دول الوطن العربي، وحديثه إلى الشعوب الإسلامية من القاهرة، هي البرهان الواضح على أن الدول القطبية لن تكون أبداً دولاً قطبية إذا ما أعرضت عنها الدول غير القطبية، وأظهرت لها العداء في مواجهة ممارساتها وسياساتها غير العادلة وغير المتوازنة.

خامساً: إن دور التعددية القطبية في تصنيع النظام العالمي الجديد يجب له أن يدعم دور الدول غير القطبية، لممارسة دور إيجابي وأكثر فاعلية لبناء المستقبل، وهذا مما يضع على كاهل الدول غير القطبية ثقل كبير من المسؤولية لإعادة تنظيم علاقاتها الخارجية، وممارسة استقلاليتها بأكبر قدرة متوافرة لضمان مصالح شعوبها وتطويرها لتواكب التحركات والتطورات العالمية، ليس في مجال الاقتصاد وحده ولا في مجال استحواذ التقانة وحدها، ولا في مجال التسلّح وبناء القدرات الدفاعية، وإنما في السير على كل الاتجاهات لدعم قدراتها الذاتية. وإذا كانت الدول القطبية قد انتحلت صفة القطبية بفضل ما توافر لها من محصلة القدرات الذاتية المتكاملة، فإن للدول غير القطبية أيضاً قدرات مميزة، سواء في مميزات الموقع الجيواستراتيجي، أو في خصائص التكوين الديموغرافي وقدراته، أو في أفق الثروة الاقتصادية، أو في قيمة وأهمية الموروث الحضاري والفكري والثقافي؛ وهذا يعني ببساطة ضرورة تحقيق التكامل في القوى غير القطبية، والتي يحق لها أن تشكّل أقطاباً مستقلة هدفها ممارسة دور حقيقي في بناء المستقبل على قاعدة الأمن والسلام، والتذكّر دائماً أن سماء الدنيا مزيّنة بأعداد لا تُحصى من النجوم، ولكن هذه النجوم هي التي تبرز أهمية المجرات والأقمار والكواكب الكبرى في الحركة الأرضية.

سادساً: كذلك أسقطت صدمة الأزمة الاقتصادية المالية الأقنعة عن الفضائل التي كانت تنتحلها مجموعة الأقطاب العالمية؛ فالقطبية تعني من وجهة نظر شعوب الأرض حتمية توافر فضائل مميزة، إذ إن كل الشعوب تتطلع إلى الفضائل حتى في عصر انتشار الفساد والرذيلة، بل ربما كانت كل الشعوب في حاجة لمثل هذه الفضائل بقدر أكبر في مواجهة تحديات الرذائل والفساد. ومعروف أن فضائل الصدق والشفافية، وعدم الازدواجية في المقاييس والمعايير، وتحقيق العدل بكل أنواعه، والحريات بكل مكوناتها هي ما تبحث عنه الشعوب في عصر ضياع القيم والفضائل. والقضية ليست بالتأكيد قضية نصائح ومواعظ، وإنما هي متطلبات برهنت كل التجارب التاريخية على أهميتها في تنظيم علاقات القبائل والشعوب بعضها ببعض.

ولابد من الاعتراف بحقيقة أنه في عصر المعلوماتية، وشبكات الاتصال العالمية، والتوسُّع المذهل لدور الإعلام، قد أفسح المجال الرحب أمام انتشار المعرفة السياسية، وأصبح من الصعب خداع كل الشعوب لكل الوقت، فهل استوعب قادة الأقطاب دروس صدمة الأزمة الاقتصادية المالية؟، وهنا يبرز السؤال مجدداً: هل كان العالم في حاجة وضرورة لوقوع مثل هذه الصدمة المالية والاقتصادية، ليعيد النظر في مكونات وجوده وفي واقع حياته؟ ربما كان ذلك ـــ لاسيما في عصر انتشار تقانات التسلح وسباقات الانتشار النووي وأسلحة الدمار الشامل ــ وكما يحدث دائماً من تحولات حاسمة في مسار الحياة على أرض الدنيا، فإن كثيراً من التحولات تحدث وتمضي دون أن يتمكن قادة الشعوب من استخلاص فوائدها، والإفادة من نتائجها، ومقابل ذلك، فهناك على أرض الدنيا من يرصد بدقة، ويستخلص بحكمة ما يقع تحت سمعه وبصره، وهؤلاء وأمثالهم هم الذين يسيرون على درب الريادة العالمية، وبالتالي فإن عالم ما بعد الأزمة المالية والاقتصادية لابد من أن يكون مختلفاً ومغايراً لعالم ما قبل هذه الأزمة. وإذا كان عالم اليوم قد أدرك ـــ بفضل الأزمة ـــ أهمية البناء والتعاون والعلم والأمن لتحقيق التنمية وبناء المستقبل، فإنه قد يكون من المتوقع أن تكون هذه الأزمة هي التربة التي ستحتضن التعددية القطبية المتطورة لبناء نظام عالمي جديد.

مراجع البحث :
1. Eegional Fears of Western Primacy and the Future of us. Middle Eastern Basing Policy (W.Andrew Terril) s.s.i (U.S. Army War College), December 2006. 122 Forbes Ave, Carlisle, PA 17013-5244, U.S.A.
2. Regional Treats and Security Strategy: The Troubling CVase of Today’s Middle East (James - a-Russell), November 2007 (s.s.i - U.S.Warmy War College).
3. Sustaining the Peace After Civil War (T.David Mason) December 2007, s.s.i.

 

 


 

ثعلب الصحراء

يقول ليدل هارت، المفكر العسكري والإستراتيجي الإنجليزي عن رومل : "إن القدرة على القيام بتحركات غير متوقعة، والإحساس الجاد بعامل الوقت والقدرة على إيجاد درجة من خفة الحركة تؤدي كلها إلى شل حركة المقاومة ، ولذلك فمن الصعب إيجاد شبيهاً حديثاً لرومل ، فيما عدا جوديريان، أستاذ الحرب الخاطفة".
لُقّب رومل بثعلب الصحراء لبراعته في التكتيك الحربي. وقامت شهرته على قيادته للجيش الألماني في الصحراء الغربية، وقد لعب دوراً مهماً في بروز هتلر.

   

رد مع اقتباس

إضافة رد

أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:52 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
 

شبكـة الوان الويب لخدمات المـواقع