مسودة قانون لتجنيد الحريديم في الجيش يثير الجدل بإسرائيل (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          الفريق أول ركن شمس الدين الكباشي - عضو مجلس السيادة الانتقالي في السودان (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 1 - عددالزوار : 25 )           »          مقال في "نيويورك تايمز": ترامب فوق القانون (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          الجنرال محمد إدريس ديبي - رئيس المجلس الانتقالي في تشاد (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 5 - عددالزوار : 2421 )           »          الجيش الأحمر.. قصة منظمة زرعت الرعب في ألمانيا واغتالت شخصيات هامة (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          البنتاغون: إسرائيل ستشارك في تأمين الميناء المؤقت بغزة (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          جرائم الحرب (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »          جرائم ضد الإنسانية (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »          التطهير العرقي (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »          تنظيم الدولة يتبنى هجوم موسكو وسط إدانات دولية ونفي أوكراني بالضلوع فيه (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 2 - عددالزوار : 63 )           »          احتكاك عسكري بين روسيا وأميركا في القطب الشمالي (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »          صحيفة روسية: الناتو مستعد للحرب ضد روسيا منذ 10 سنوات (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          ولاية ألاسكا.. تنازلت عنها الإمبراطورية الروسية واشترتها أميركا (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 5 - عددالزوار : 65 )           »          حزب الله يستهدف موقع رادار ومنصتين للقبة الحديدية الإسرائيلية (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          بعد عامين من إنشائه.. ما هو حال قراصنة "جيش أوكرانيا الإلكتروني"؟ (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »         



 
العودة   ..[ البســـالة ].. > جناح المواضــــيع العســـــــــكرية العامة > قســم العــقيدة / والإســـتراتيجية العســـكرية
التعليمـــات قائمة الأعضاء وسام التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة
 


قوس القوة والاستراتيجية المتطورة

قســم العــقيدة / والإســـتراتيجية العســـكرية


إضافة رد
 
أدوات الموضوع

قديم 31-08-09, 08:52 PM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
المنتصر
مشرف عام

الصورة الرمزية المنتصر

إحصائية العضو





المنتصر غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي قوس القوة والاستراتيجية المتطورة



 

قوس القوة والاستراتيجية المتطورة


المقدمة.
عملت الولايات المتحدة الأمريكية طوال عصر الحرب الباردة على تنظيم نطاق محكم من الأحلاف والقواعد العسكرية للإحاطة بالاتحاد السوفيتي (السابق) لحرمانه من حرية العمل - قدر المستطاع - سياسياً وعسكرياً واقتصادياً؛ وعندما ماتفكك الاتحاد السوفيتي، كان ذلك بمثابة انطلاقة جديدة لإعادة تنظيم العلاقات الدولية تنظيماً يتناسب ويتكيف مع متطلبات ما أصبح يحمل اسم (النظام العالمي الجديد). وكانت الظاهرة الأكثر وضوحاً في هذه التحولات، هي تراجع السياسات العسكرية في العالم إلى ما وراء أفق السياسات الاقتصادية. ولئن كان الوطن العربي هو مركز الثقل والتوازن في سلسلة الأحلاف القديمة (حلف بغداد والحلف المركزي)، فإن مركز الثقل والتوازن في النظام الجديد أصبح في الهيمنة الاقتصادية على الوطن العربي (الشرق الأوسط). وفي الأوضاع القديمة والجديدة، كان للوطن العربي تحركه الخاص لممارسة دور إيجابي يضمن المصالح العربية.


1- قوس القوة الجديد.

ما اجتمع سيفان في غمد واحد"، ويظهر أن صانعي السياسات الاستراتيجية الأمريكية يؤمنون بمضمون هذا المثل العربي القديم، ويعتقدون بصحته، ولهذا فهم رغم ديموقراطيتهم وتمسكهم بلغة الحوار والتفاهم بحرية وفي الحدود المناسبة لهم، إلا أنهم يرفضون بشكل تام من يشاركهم غمدهم، ولئن كان عصر الحرب الباردة قد ضمن لهم نوعاً من الهيمنة العالمية، إلا أنهم منذ العام 1991م، قد وجّهوا جل اهتمامهم لإرساء دعائم امبراطوريتهم العالمية ذات القطبية الواحدة، والتي لا تعترف بالتعددية القطبية إلا في حدود التعاون المطلوب مع السياسة الاستراتيجية الأمريكية. وكانت أحداث 11 - ايلول - سبتمبر - 2001م هي نقطة الانطلاق للمضي قدماً في بناء (النظام العالمي الجديد) - وفقاً للمقاييس والمفاهيم الأمريكية - فأمكن من خلال (الحرب في أفغانستان) ومكافحة الارهاب، إقامة عدد من القواعد العسكرية الأمريكية على تراب جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية، وكانت هذه القواعد مرتبطة بتحولات سياسية واقتصادية وعسكرية متكاملة في أقاليم - ربما لم تكن معروفة لكثير من شعوب الارض بحكم العزلة التي فرضت عليها منذ احتلالها في القرن الثامن عشر - وأصبح هناك قوس جغرافي متصل من حدود روسيا الجنوبية حتى أفغانستان، بالإضافة إلى باكستان. وكانت نقطة الضعف في هذا القوس هي وجود قواعد روسية على مؤخراته - هي محور: طهران، بغداد، دمشق - والخاضع للسيطرة الروسية، والمرتبط مع روسيا بتحالفات استرتيجية (ثنائية)، وكانت روسيا تمارس التنسيق بين سياسات هذه الدول على ضوء المصالح الروسية، مع مراعاة التطورات العالمية.

جاءت الحرب على العراق (2003م) لتسقط الحلقة المتوسطة في هذا المحور، ويمكن هنا اعتبار الحرب على العراق - في جانب هام من جوانبها على الأقل - بأنها مرحلة حاسمة في بناء ودعم (قوس القوة) الذي يتصل اتصالاً وثيقاً (بالشرق الأوسط الكبير)، بحيث يحقق في تكامله - ما بين (الرباط وطشقند) مروراً بكل إقاليم جنوب شرق آسيا (ماليزيا واندونيسيا) - السيطرة الأمريكية على ثلاث قارات (أوروبا وأفريقيا وآسيا)، ولكن تبقى منطقة الوطن العربي (الشرق الأوسط) هي قلب قوس القوة، وتبقى القارة الأسيوية بكتلها البشرية الجبارة، وثرواتها الضخمة، وقدراتها القتالية الكبرى، واتساعها الجغرافي، مما يجعل آسيا القارة القديمة والواعدة بممارسة دور كبير في بناء مستقبل العالم الجديد، عالم ما بعد عصر الحرب الباردة.

وهنا لابد من التساؤل عن دور هذا القوس الذي يتشكل من الوطن العربي والعالم الإسلامي بصورة أساسية في مواجهة الدول الكبرى والتكتلات القارية؟ لاريب أن من الصعب تحديد دور دقيق وواضح لقوس القوة في التعامل مع القوى الدولية الكبرى المتحركة بصورة نشطة ومتسارعة، سواء في أوروبا أو في آسيا. غير أنه من الواضح حتى الآن هو إبقاء كل قوى العالم الكبرى - وبدون استثناء - تحت السيطرة الاقتصادية الأمريكية بالدرجة الأولى، وفي طليعتها القدرة الاقتصادية المتوافرة للثروة البترولية، حيث يمتلك قوس القوة مفاتيح الثروة البترولية الأساسية في العالم، والتي تستطيع بتحركها ممارسة دور حاسم في كل تحرك سياسي أو عسكري. وبوضوح أكبر، فإن الهدف الأمريكي من بناء قوس القوة هو تطوير لسياسة الردع التي هيمنت على عصر الحرب الباردة، وأمكن من خلالها ضمان الاستقرار والأمن في تنظيم علاقات الدول الكبرى مع بعضها البعض، وجميعها مع الولايات المتحدة الأمريكية. وبالتالي، فإن السياسة الاستراتيجية الأمريكية، وهي تستكمل بناء (قوس القوة) على هيكل (الشرق الأوسط الكبير)، لا تحدد عدواً ذا مواصفات محددة، ولاتستهدف خصماً بالذات، وإنما تحرص على عدم ظهور مثل هذا العدو، وكذلك لمجابهة احتمال تشكل أحلاف أو محاور مضادة للسياسة الاستراتيجية الأمريكية، ويعني ذلك (تجنيد) كل القوى المنتشرة على سطح الكرة الأرضية - وفي طليعتها القوى المنافسة للولايات المتحدة الأمريكية - في موقع من المواقع المتفرقة (علمياً أو اقتصادياً أو عسكرياً أو ثقافياً). وهنا، لابد من تذكر حقيقة أن كل الدول الكبرى، ودونما استثناء، قد عملت بكل جهد مستطاع، وكلما سمحت لها الظروف، على انتهاج سياسة استراتيجية مماثلة، بهدف تكوين عالم مماثل لها، أو قريب منها، وهل كانت المستعمرات الفرنسية إلانماذج تم تصنيعها لمحاكاة المجتمع الفرنسي؟ ثم هل اختلف نهج إدارة المستعمرات البريطانية عن النظام الملكي البريطاني؟ وهل هناك من ينكر نجاح روسيا في تشكيل جمهوريات آسيا الوسطى في قوالب روسية؟.

قد يكون من الطبيعي ومن المتوقع أن تعمل أمريكا على بذل الجهود لتوحيد العالم تحت شعارات متماثلة، وفي إطار تنظيمات تحاكي النهج الأمركي، فرفع رايات الديموقراطية والحريات وحقوق الإنسان ما هي إلا رايات لتلوين العالم بالألوان التي تحقق الانسجام في الفكر والممارسات. ومما لابد من تذكره أن رايات: (الحرية، والديموقراطية، وحقوق الإنسان) قد استخدمت من قبل الإدارات الأمريكية قبل وقت طويل من أحداث 11 - أيلول - سبتمبر - 2001م، ولطالما كانت سبباً في حملات إعلامية قاسية بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة وبين كل من روسيا والصين من جهة ثانية. ولكن بعد إعلان أمريكا حربها ضد الإرهاب (في كل زمان ومكان) بداية من الحرب على أفغانستان، تركزت حملات أمريكا على أقطار (قوس القوة) في الوطن العربي والعالم الإسلامي، لتشكيل ما هو مطلوب من تماثل وتشابه في بناء (النظام العالمي الجديد).

والمهم بالنسبة للسياسة الاستراتيجية الأمريكية هو (الغيير) من أجل البناء، وهذا ما تضمنته كلمة وزيرة الخارجية الأمريكية (كوندو ليزا رايس) يوم 12-2-2005م في تصريح لها جاء فيه: "ليس العالم ثابتاً، وما يعتبر أمراً واقعاً، هو ليس مقدساً، وفي أوقات التغيير الخارقة للمألوف، مثل هذا الوقت، حينما تكون تكاليف عدم القيام بأي شيء تزيد بقيمتها على مخاطر القيام بإجراء ما، فإن تجنُّب القيام بأي شيء هو ليس الخيار الصحيح. وإذا كانت مدرسة التفكير المعروفة باسم الواقعية هي فعلاً واقعية، فإن عليها الاعتراف بأن الاستقرار بدون ديموقراطية، سيبرهن على أنه استقرار زائف. والخوف من التغيير لا يعتبر وصفة إيجابية لوضع سياسة ما، فلو لم نكن مؤمنين بالتغيير، هل كان بالمستطاع رؤية ما تحقق خلال سنة واحدة؟ لقد تحرر لبنان من الاحتلال السوري، وهو يسير على طريق الإصلاح الديموقراطي. أما السلطة الفلسطينية فتتم إدارتها برئيس منتخب يدعو - وبشكل علني - لإقامة سلام مع إسرائيل، كذلك عملت مصر على تعديل دستورها حتى تتمكن من إجراء انتخابات تخوضها أحزاب متعددة؛ وأصبحت النسوة في الكويت يتمعن بالمواطنة الكاملة؛ وهناك العراق الذي يواجه تمرداً رهيباً، ولكنه تمكن من تنظيم انتخابات تاريخية، وقد وضع دستوراً جديداً خاض على أساسه انتخابات المجلس الوطني (المجلس التشريعي)، وسيتم اختيار حكومة دستورية جديدة". فهل ستكون الديموقراطية هي هيكل (قوس القوة) الذي تحاول أمريكا تصنيعه ليصبح القاعدة لبناء النظام العالمي الجديد؟ وبوضوح أكبر: هل ستصبح الأقطار العربية والإسلامية - بحسب المنظور الأمريكي - هي قاعدة نشر الديموقراطية والحريات وحقوق الإنسان في أفق المستقبل؟


2- في مواجهة القوى الآسيوية الكبرى.

احتفظت روسيا الاتحادية بمواقعها المنافسة للسياسات الأمريكية، ليس ذلك فحسب، بل إنها انطلقت بعد انتهاء عصر الحرب الباردة لدعم مكانتها في المجتمع الدولي الذي لم يكن باستطاعة (الاتحاد السوفيتي السابق) اقتحامه، كمثل إقامة علاقات قوية ومتطورة مع الدول الأوروبية (وبخاصة مع القطبين الرئيسين فرنسا وألمانيا)، وكذلك الأمر مع اليابان، رغم استمرار النزاع على (جزر الكوريل) التي احتلتها روسيا في نهاية الحرب العالمية الثانية واحتفظت بها حتى اليوم. أما التحول الأكثر أهمية فهو انتهاء المنافسة العقائدية بين الصين وروسيا، بعد أن تخلت روسيا رسمياً عن الاشتراكية، حيث انطلقت روسيا والصين - منذ سنة 1994م - لإقامة أفضل العلاقات، والتي جرى تطويرها باستمرار، وبخاصة في المجالات الاقتصادية والتقانه والتسلح والصناعة، علاوة على التعاون السياسي الذي وصل مرتبة (التحالف الاستراتيجي)، والذي تم التعبير عنه بشكل عملي في المناورات الروسية - الصينية الضخمة التي انتهت في 25 آب - أغسطس - 2005م، وكانت ذات نتائج مثيرة، لعل من أبرزها أنها مهدت لتحالف استراتيجي عسكري (صيني - روسي - هندي)، واعتبرت ذلك بمثابة "انتهاء لعصر التفرد الأمريكي"، لاسيما وأن الموقف الأمريكي من هذه المناورات قد اكتسب طابع الانتقاد الحاد والمثير، ولكن أطراف التحالف الأسيوي تابعوا مسيرة التعاون في كل المجالات (بما في ذلك - على سبيل المثال - الدفاع عن حق إيران بامتلاك قدرة نووية للاستخدام السلمي) و (الدفاع عن القضايا العادلة التي تعتمدها سوريا) بحسب التعابير الروسية والصينية.

وفي إطار كل هذه المكاسب الروسية، أصبح باستطاعة روسيا وضع حد للنفوذ الأمريكي الذي بدأ ينازع النفوذ الروسي في مواطن كثيرة، وبخاصة في جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية المتاخمة لحدود روسيا، حيث عملت روسيا على إعادة تنظيم علاقاتها مع هذه الجمهوريات، بالإضافة إلى دعم نفوذها في (دائرة الدول المطلة على بحر قزوين)، وكذلك تطوير علاقاتها الاقتصادية في دائرة ما يعرف باسم (دول شنغهاي)، والتي تضم دول جنوب شرق آسيا.

ولم يكن مباغتاً أن تطلب روسيا من الولايات المتحدة الأمريكية (يوم 17 تشرين الأول - أكتوبر - 2005م) إغلاق قواعدها العسكرية في جمهورية آسيا الوسطى، (وهي القواعد المنتشرة في أوزبكستان وقرغيزستان، وأوزبكستان، وسواها منذ بداية الحرب على أفغانستان سنة 2001م). ليس ذلك فحسب، بل إن روسيا استمرت تطوّر قدراتها في مجالات الفضاء والأسلحة الاستراتيجية، علاوة على احتفاظها بمفاتيح التفوق في الأسلحة التقليدية (البرية بخاصة).

وليس المجال هنا هو مجال التعرض للقدرة القتالية الروسية، ونقاط ضعفها وقوتها، ولكن يمكن التوقف عند ظاهرة تطوير الأسلحة الاستراتيجية، ففي يوم 21 كانون الأول - ديسمبر - 2005م، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنه تم تجربة صاروخ عابر للقارات من نوع (بولافها)، تم إطلاقه من غواصة تحت المياه في البحر الأبيض شمال روسيا، وأن الغواصة (ديمتري دونسكوي) أطلقت الصاروخ الجديد على اتجاه (ميدان كامتشاكا) الذي يبعد آلاف الكيلومترات، في إطار حلقة من التجارب الإضافية التي ستتم في العام 2006م - قبل وضعه موضع الاستخدام في الخدمة بحلول العام 2007م - ومما يجدر تذكره أن روسيا التي عارضت بقوة إقدام الولايات المتحدة على إقامة (نظام الدرع الصاروخي) أكدت في السنوات الأخيرة تطويرها (لدرع صاروخي ضد الصواريخ الباليستية - عابرة القارات) واقترحت على أوروبا واليابان وسواها المشاركة في هذا المشروع المنافس للمشروع الأمريكي.

لعل من أكثر الظواهر إثارة في مجال العلاقات الأمريكية - الروسية، ظاهرة التعاون الوثيق بين الدولتين، حتى في أكثر أوقات عصر الحرب الباردة شدة وتوتراً، حيث بقي الود الحميم والتفاهم المتبادل عند التعامل في كل القضايا الثنائية أو الدولية، ولقد اعتبر ذلك بحق النموذج الأفضل للقناعة المشتركة بضرورات العمل من أجل السلام، وتجنب الحروب المدمرة. وعلى هذا فإن إقامة (قوس القوة) ونشر القواعد من جانب الولايات المتحدة، والعمل على الاتجاه الموازي - وليس المضاد أو المعاكس - من جانب روسيا الاتحادية، هو نموذج العلاقات المستقبلية.

ولا تختلف العلاقات الأمريكية الصينية عن نظيرتها (الروسية)، لا في الشكل ولا في المضمون، لا في الهدف ولا في الوسائل ، فالعلاقات الاقتصادية والعلمية بين البلدين متعددة ومعقدة، وهي تحقق مصالح الطرفين. ولقد مضى أكثر من عقدين من الزمن والأسواق الأمريكية مفتوحة على مصاريعها أمام الصناعات الصينية والمنتجات الصينية التي ضمنت للتجارة الأمريكية أرباحاً كبيرة، وضمنت للصينيين سوقاً رائجة واستهلاكية على أوسع نطاق ممكن. وكانت الاتفاقية الأمريكية الصينية التي منحت الصين ميزات (الدولة الأكثر رعاية) هي التي دفعت الاقتصاد الصيني للتسارع في النمو حتى وصل إلى أعلى نسبة للنمو في العالم - بلغت خلال العقد الماضي نسبة 9-10 بالمائه بصورة متوسطة - ولقد تناقضت وجهات نظر الباحثين الأمريكيين في قضايا الصين تجاه ظاهرة النمو الاقتصادي الصيني؛ ففي تقرير ظهر في واشنطن (يوم 27 كانون الثاني - يناير - 2006م) ورد ما يلي: "ظهر بشكل واضح جداً تصاعد النفوذ الدبلوماسي الصيني خلال أيام متندى (دافوس) الاقتصادي الذي انتهى منذ أيام، مما أثار قلق الولايات المتحدة التي رأت في (بكين) منافساً قوياً في عدد من المناطق المهمة في العالم، وشريكاً لابد منه في الملف الإيراني، وأن واشنطن التي طلبت إلى بكين في العام 2005م التحرك - باعتبار الصين الشريك المسؤول في المجتمع الدولي - أخذت تنظر بقلق شديد إلى تزايد تأثير الصين في دول أمريكا الجنوبية وأفريقيا، حيث تسعى إلى اكتساب أصدقاء جدد، انطلاقاً من حاجتها الدائمة إلى المواد الأولية، وتحاول واشنطن إقناع بكين - التي تتمتع بحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي - بتجاوز مصالحها الاقتصادية، بهدف إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن، حيث وضعت واشنطن احتمال عدم التجارب مع النداءات الأمريكية، باعبتارها ثاني مستهلك عالمي للنفط بعد الولايات المتحدة، وهي تحتاج للنفط الإيراني. كما أنها أصبحت أكبر مستورد للمواد الأولية في المنطقة، مما جعلها شريكاً تجارياً له حضوره المميز في أمريكا الجنوبية".

وهذا ما أكده مساعد وزير الخارجية الأمريكية (روبرت روليك)، الذي أعلن - بعد زيارته الغربية للصين - قوله: "إن بكين ليست تماماً على الموجة الأمريكية نفسها فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني". وقد يكون من المناسب في هذا السياق ذكر تصريح رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة (بيتر مايس) يوم 3 شباط - فبراير - 2006م، عند زيارته عاصمة كوريا الجنوبية (سيؤول) والذي جاء فيه: "إن قيام الصين بتعزيز قدراتها العسكرية لن يشكل خطراً على الولايات المتحدة الأمريكية، إذا ما استمرت أمريكا في دعم وتقوية علاقاتها - ولاسيما الاقتصادية منها - مع بكين. وإني أشعر بالتفاؤل بشأن مستقبل العلاقات مع الصين، باعتبار أن الأمور المشتركة بين البلدين، هي أكبر من موضوعات الخلاف. ولهذا يعمل البلدان على بناء الجسور للتعاون الاقتصادي بينهما، وأصبحا يعتمدان أكثر فأكثر على بعضهما البعض في هذه المسألة، وعندما يتعمق ذلك بشكل كامل، يصبح خطر وقوع مواجهة عسكرية بين الجانبين بعيداً جداً"
. وقد يكون من المناسب هنا الإشارة إلى تراجع حدة الهجمات الإعلامية الأمريكية على سياسات الصين الداخلية في موضوع الديموقراطيات والحرية وحقوق الإنسان، وكذلك الحد من أنشطة (اللوبي الصيني) الذي يشكل أكبر مجموعة من مجموعات الأقليات في الولايات المتحدة الامريكية، حيث كان هذا اللوبي ينظم التظاهرات ويمارس الضغوط على الإدارت الأمريكية لحملها على الحد من علاقاتها مع (بكين)، إذ كان ذلك يستثير غضب القيادات الصينيه ويحملها على اتخاذ ردود الفعل العنيفة. ويؤكد ذلك أكثر من حقيقة، فذريعة (ضغوط اللوبي) - وأي (لوبي) في الولايات المتحدة - ما هي إلا ذريعة تعتمدها السياسات الأمريكية لتغطية سياسات خاصة وربما غير شرعية، وكذلك فإن (المصالح) تبقى هي العامل الأقوى من الأغطية الفكرية أو الأيديولوجية. ولا ريب أن تمسك كل من روسيا والصين بسياساتهما الخاصة في تنظيم علاقاتهما بما يضمن مصالحهما، هو الذي ضمن لهما النجاحات، سواء على صعيد حشد القوى الأسيوية الكبرى في موقع واحد، أو في مجال بناء ودعم القدرات الذاتية للبلدين في كل المجالات.


3- لامكان للعزلة في عالم الانفتاح.

لقد تضمن العرض الوجيز السابق لنماذج العلاقات الدولية في محيط الدول الكبرى، تأكيداً لمجموعة من الحقائق المعروفة في أفق السياسات الدولية المعاصرة، والتي برزت بوضح كبير خلال السنوات القليلة الماضية، ومن ذلك:
أولاً: هناك ثمة إجماع بين صانعي سياسات الدول الكبرى على حتمية (إقامة النظام العالمي الجديد) بما يتناسب مع تطورات شعوب العالم في ظل تطورات التقانة والاتصالات والاقتصاد والعلوم والثقافات.

ثانياً: كذلك هناك إجماع أيضاً على بناء (النظام العالمي الجديد) من خلال التعايش السلمي والتعامل مع البؤر المتفجرة في العالم بإيجابية، ونبذ العنف، ومحاربة التطرف والتعصب، وكل ما يسبب انتشار الحقد والكراهية بين الشعوب.

ثالثاً: انفتاح الشعوب على بعضها البعض في إطار من الديمقراطية والحرية ومراعاة حقوق الإنسان، واعتبار أن أي اضطراب في أي مكان من العالم، هو حدث لابد من أن ينعكس على أمن العالم واستقراره وتطوره.

رابعاً: الاهتمام بأوضاع الشعوب - مهما كان حجمها، وحثيما كان موقعها - إذ لامكان في عالم الانفتاح للعزلة أو (التفرد والخروج على مسيرة المجتمع الدولي)، فاتصال الشعوب ببعضها البعض، وتعاونها المشترك، هو الضمان الأكيد للسلام.

خامساً: لابد من بذل كل الجهود لإقامة العلاقات الدولية على قاعدة (المصالح المشتركة) و (البناء الاقتصادي)، وذلك لضمان محاربة الفقر والجهل والبطالة، وللتعامل بإيجابية مع الكوارث والنكبات (الطبيعية وغير الطبيعية).

سادساً: نبذ سياسات الحروب، وتجنب الدخول في دوائر سباق التسلح، والعمل على منع الصراعات والنزاعات قبل وقوعها، أما إذا ما تفجر نوع من الصراعات أو الحروب، فعلى المجتمع الدولي إلقاء ثقله للحد من نتائج الحروب المدمرة، وما من حاجة لاستعراض مجموعة الأحداث - الدولية منها والإقليمية - مما وقع في أقطار العالم منذ نهاية عصر الحرب الباردة، لاستحضار الشواهد التي تؤكد ما أمكن استخلاصه من حقائق تحولات السياسات الدولية.

ويبقى السؤال المطروح هو:
أين موقع (قوس القوة) مما هو متوقع من تحولات في الأمن المنظور؟ وهل (قوس القوة) هو قوس للحرب أم هو جسر للسلام؟ وهل سيكون (قوس القوة) بمثابة جسر تسير فوقه مصالح الدول الكبرى لسحق الشعب العربي والشعوب الإسلامية التي يتم العمل على تشكيلها في إطار (الشرق الأوسط الكبير) الذي يرتكز عليه (قوس القوة)؟ وتبقى هناك أسئلة كثيرة، ولكن لابد من القول إن إعطاء صفة (القوة) للقوس إنما تهدف إلى تأكيد دور هذا القوس في إعادة تنظيم العلاقات الإقليمية والدولية بفضل ما توافر لهذا القوس من القوة، ولا ريب أن الإفادة من (قوة القوس) لابد لها من الاعتماد أيضاً على القوة الأمريكية وعلى قوة الدعم الدولية من أجل قيام القوس بدوره للتنمية الاقتصادية ودعم الاتصال بين الشعوب.

وهناك أيضاً (القوة الذاتية) لما يسمى بجسر القوة، فالأمة العربية والشعوب الإسلامية التي يراد إعادة تشكيلها في تكوين جسر القوة، تتميز بظاهرة أصبحت معروفة، وهي أن قوة العرب والمسلمين - شعوباً - إنما تكمن فيما هو متوافر من قوة كامنة، رصيدها الضوابط والقواعد الإسلامية، والموروث من الأعراف والتقاليد والتجارب التاريخية؛ وهذا ما أعادت تأكيده التجارب الحديثة في ميادين الصراع المسلح - من فلسطين إلى أفغانستان إلى العراق - هذا علاوة على الرصيد المادي المتوافر في ثروات العرب والمسلمين: البشرية، والجيواستراتيجية، والاقتصادية، والبترولية ... وسواها.

ولكن كيف يمكن للعرب والمسلمين الاضطلاع بدورهم في بناء جسر القوة، وهم يتعرضون للتدمير المنظم لمصادر قوتهم المادية والمعنوية؟ في الواقع أصبح من المعروف أن محاولات التدمير والاستنزاف للقدرات الكامنه في وجود الشعوب العربية والإسلامية ليست بالظاهرة الجديدة ولا المستحدثة، وإنما هي قضية قديمة جداً أو مستمرة دائماً وذات ألوان متنافرة وأشكال متباينة. وقد اكتسبت الشعوب الإسلامية مناعة ذاتية ثابتة، بحيث أن جميع المحاولات عبر القرون لم تأخذ من وجود الشعوب الإسلامية سوى القشرة الخارجية المتجددة دائماً. وعلى هذا، وعلى الرغم من ضرورة اليقظة دائماً لإحباط محاولات التدمير والاستنزاف، إلا أنه من المحال قبول التوقف عندها أو السماح لها بترك تأثيرات أو رواسب سيئة، وقد لا يتم تحقيق ذلك الا بالعمل المنظم والهادف والشامل، وهو ما تقوم به المؤسسات والمنظمات الإسلامية التي اكتسبت خبرات واسعة وعميقة للتعامل مع حوافز العداء الكامنه في وسط (المعاندين).

وكما أنه لايمكن تحقيق الحرية إلا بمزيد من الحرية، فإنه لايمكن تحقيق الهدف لإحباط المحاولات العدائية والمتعمدة بالعزلة والهروب والتقوقع، وإنما بالانفتاح وبالمزيد من الانفتاح (بالحكمة والموعظة الحسنة)، وهل وصل الإسلام إلى ما وصل إليه إلا بفضل انفتاح المسلمين على العالم؟

لقد تغير العالم كثيراً عما كان عليه قبل ثلاثة عقود فقط من عمر الزمن، وصار باستطاعة إنسان اليوم (في العام 2006م) أن يتابع كل ما يجري على سطح الكرة الأرضية من تطورات في كل المجالات، وهوجالس على مقعده الوثير وراء شاشه الرائي (التلفاز) أو الانترنت، ولقد أصبحت الكرة الأرضية مطوقة بنطاقات من شبكات الرصد والاستطلاع لاكتشاف أي تغيير له أهميته، فهل بالإمكان الانزواء والابتعاد عن محيط العالم في بلدان قريبة كانت أو بعيدة؟ ولو كان الزعيم السوفيتي (جوزيف ستالين) - الذي قاد الحرب العالمية الثانية وتوفي سنة 1952م - عاش لمثل هذه الأيام وشهد عصر الفضائيات، هل كان سيقيم (الستار الحديدي) ليعزل الاتحاد السوفيتي عن العالم (الرأسمالي المتوحش)؟

إن ذلك يشير إلى أن بعض الأنظمة التي احتفظت بنهج العزلة والانغلاق والمعاندة في رفض التطورات الإقليمية والعالمية، هي أنظمة قد تجاوزها الزمن، وهي مخلصة في انتمائها لمنتصف القرن العشرين ولعصر الحرب الباردة الذي شكل أنظمة مازالت بقاياها منتشرة في عدد من أقطار العالم.

لقد جاءت الحرب الأمريكية على العراق - بخاصة - لتحدث تغييرات كبيرة في توجه السياسات الدولية، وفي إعادة تنظيم العلاقات الدولية، وقد ظهر ذلك بشكل واضح خلال أحداث السنتين الماضيتين، إذ أمكن للسياسة الاستراتيجية الأمريكية كسر طوق عزلتها، والابتعاد عن اتخاذ القرارات الأحادية الجانب، مع احتفاظ صانعي القرارات الأمريكية بحريتهم في طرح المبادءات لمعالجة القضايا الهامة، والمسائل الصعبة والمعقدة، وعلى سبيل المثال، فقد تم الاتفاق على إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن في مطلع شباط - فبراير - 2006م، رغم تحفظات روسيا والصين، وتم استصدار عدد من القرارات في مجلس الأمن ضد سوريا، رغم بعض التحفظات أيضاً. وفي معالجة بقية القضايا(مثل قضية الصراع العربي - الإسرائيلي وقضية العراق) استمرت الولايات المتحدة في الإمساك بمفاتيح الموقف، فهل يعود سبب ذلك إلى حرص أمريكا على استكمال تشكيل (قوس القوة)؟ أم أن ذلك يعود إلى فصل الإدارة الأمريكية لقضايا ما قبل الحرب على العراق عن القضايا التي برزت أهميتها بعد حرب العراق؟

المهم في الأمر هو التوقف عند دور كل حدث يقع على سطح الأرض، ومتابعة تأثيره على السياسات الإقليمية والدولية، إذ إن مثل هذه التفاعلات في مقدمات الأحداث وتطوراتها ونتائجها، هي التي تضيء ما قد يتم اتخاذه من مواقف عند ظهور أي تطورات مستجدة، ويبقى هناك مجال واسع للحديث عن دور الدول الصغرى في توجيه الأحداث وتطويرها؛ فقد تم طرح مشروع (الشرق الأوسط الكبير) منذ أكثر من عقد من عمر الزمن، وشغل هذا المشروع تفكير رجال السياسة والقادة وأصحاب الرأي والمفكرين - وحتى من لا علاقة لهم بالعمل السياسي - وظهر أن تحقيق مثل هذا المشروع لا يمكن أن يتم إلا بموافقة الأطراف صاحبة العلاقة في الشرق الأوسط. ويجري الحديث اليوم عن مشاريع أخرى (مثل قوس القوة)، والذي قد يموت في مهده، وقد يأخذ شكلاً من الأشكال العملية والواقعية. والمهم هو أن الدور الأساسي لأي مشروع تقترحه الدول الكبرى، لا يعني حتمية فرضه وتنفيذه في عالم تضارب المواقف وتعارض المصالح، فالحوار والالتزام بمباديء الحريات والديموقراطية هي التي يجب لها أن تهيمن على صناعة المشاريع والقرارات الإقليمية والدولية، وإذا كان للدول الكبرى مصالحها الاستراتيجية فإن لبقية دول العالم أيضاً حقوقها ومصالحها.


4- السعودية في مركز الثقل العالمي.

يمكن على ضوء ما تقدم وضع زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى آسيا - بداية من الصين يوم 22 كانون الثاني - يناير - 2006م، ثم الهند، وباكستان، وماليزيا، وعقد معاهدات واتفاقات استثمارية وتسهيلات ضريبية، وتعاون علمي وثقافي، بأنها زيارة تاريخية من شأنها تجديد جسر التعاون بين المملكة العربية السعودية وبين أكبر الدول الآسيوية، ولكن وقبل هذه الزيارة المباركة - بإذن الله - بمدة شهر تقريباً (يوم 12 كانون الأول - ديسمبر 2005م) صدرت أول موازنة سعودية من دون عجز في ربع قرن للعام 2006م، حيث بلغ الفائض 55 مليار ريال، وانخفض الدين العام إلى 475 مليار تختلف العلاقات الأمريكية - الصينية عن نظيرتها (الروسيه)، لا في الشكل ولا في المضمون، لا في الهدف ولا في الوسائل، فالعلاقات ريال، وبلغت الواردات 390 مليار ريال (3ر89 مليار دولار). وبذلك - وفي حدود هذه الميزانية الضخمة - أطلق الملك عبدالله بن عبدالعزيز العنان للمشاريع في حديثة للوزراء بقوله: "لايوجد الآن عذر، ولم يبق إلا التنفيذ". ولقد كان لهذا الوضع الاقتصادي القوى والمتوازن مضمونه السياسي، فالمملكة العربية السعودية عندما تتحرك في مجال سياستها تجاه دول الوطن العربي والعالم الإسلامي لمساعدة شعوبها، فإنها تحرص أيضاً على ضمان الاستقرار والتوازن في أخطر سوق مهدد بالاضطراب - وحتى الانهيار- بسبب تناقضات سياسية دولية، وهو سوق البترول. والصين بدورها تشكل سادس دولة اقتصادية في لعالم، وبلغ دخل الفرد فيها حوالي 250 دولاراً في السنة بصورة متوسطة، ويعتبر هذا دخلاً مرتفعاً بالنسبة لدولة تجاوز عدد سكانها مليار و 335 مليون نسمة. وقد استطاعت صناعاتها تحقيق السيطرة على أسواق العالم - حيث بلغ حجم صادراتها في مجال بيع إطارات السيارات والمركبات وحدها مبلغ 12 مليار دولار سنوياً - وتمتلك الصين مخزوناً بترولياً يقدر بحوالي 5ر29 مليار برميل من النفط الخام، وحوالي 3ر48 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي. ولكن هذه الكيمات قد لا تكفي الاحتياجات الصينية في السنوات القادمة، في ظروف النمو الاقتصادي المتسارع للصين، وزيادة الاحتياجات للموارد البترولية. وقد أصبح معروفاً أن معظم الدول الصناعية الكبرى في العالم (اليابان، والولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا، وكوريا الديموقراطية .... وغيرها) تعتمد اعتماداً كلياً أو كبيراً على وارداتها البترولية من منطقة الخليج العربي - وبخاصة من المملكة العربية السعودية التي تمتلك 260 ملياراً من النفط الخام، وأكبر احتياط بترولي في العالم - وبذلك تستطيع المملكة إزالة مخاوف الصين من حدوث انهيار بترولي أو نقص في الطاقة، مما يحرر الصين من الضغوط التي قد تتعرض لها، والتي قد تسبب لها أزمات صناعية واجتماعية واقتصادية خطيرة.

لقد كانت هي المرة الأولى التي تستقبل فيها (بكين) قائداً عربياً مسلماً لدولة تتمتع بثقل وأهمية ودور المملكة العربية السعودية، فلا غرابة إن تميزت مراسم الاستقبال بالحفاوة الكبيرة على ما تتميز به التقاليد الصينية من التكريم والحفاوة لضيوف الشعب الصيني العظيم.

وعندما انتقل الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى الهند، تصادف وصول جلالته مع احتفلات الهند بعيدها الوطني، وكانت مناسبة أعادت للهند ذكريات (مؤتمر باندونج) قبل نصف قرن تقريباً من عمر الزمن، حيث كانت آخر مرة شهدت زيارة مسؤول سعودي كبير للمنطقة. وكانت مصادفة الزيارة مع عيد الهند الوطني ثم زيارة باكستان، بمثابة مباركة لمسيرة البلدين الشقيقين على طريق السلام، بعد معاناة البلدين من حروب طاحنة (في عقد السبعينيات) مع استمرار الصراع على أرض كشمير وجامو، ومما لاريب فيه أن المسلمين في البلدين - كما في سواهما - غمرتهم فرحة زيارة خادم الحرمين الشريفين للمنطقة، وعبروا عن اعتزازهم بأساليب مختلفة، كان من أبرزها اهتمام أجهزة الإعلام في الهند - كما في باكستان - بتفاصيل الزيارة وبما حققته من نتائج، وظهر ذلك واضحاً يوم 29 كانون الثاني - يناير - 2006م خلال زيارة الملك عبدالله بن عبدالعزيز لهونج كونج، وفق ما تضمنه تقرير جاء فيه: "استقبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، في مقر إقامته في هونج كونج الأمراء والوزراء أعضاء الوفد الرسمي ورؤساء تحرير الصحف والمجلات السعودية، ودار حديث بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والحضور حول الزيارتين اللتين قام بهما لكل من جمهورية الصين الشعبية وجمهورية الهند، وما أسفرت عنه الزيارتان من مباحثات ونتائج تصب جميعها لمصلحة شعب المملكة العربية السعودية والشعبين الصديقين في كل من الصين والهند، وتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية مع البلدين من خلال المباحثات المثمرة التي أجراها خادم الحرمين الشريفين مع القادة والمسؤولين الصينيين والهنود، والاتفاقيات الموقعة بين المملكة والدولتين الصديقتين".

وكان يوم 30 كانون الثاني - يناير 2006م يوم لقاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مع قادة ماليزيا في العاصمة (كوالا لامبور)، حيث صرح بما يلي: "تتطلع المملكة العربية السعودية لإقامة شراكة حقيقية مع ماليزيا في كل المجالات، حيث تقضي الضرورة العمل مع جميع الدول الإسلامية لتفعيل قرارات القمة الإسلامية الاستثنائية التي انعقدت في مكة المكرمة مؤخراً". وكان ملك ماليزيا (توانكو سيد سراج الدين بوثرا جمال) سعيداً بهذا اللقاء، حيث أعلن عن: "توقيع اتفاقات لتجنب الازدواج الضريبي، والتعاون العلمي والثقافي في مجال التعليم. وكذلك التوقيع على اتفاقية تأسيس صندوق استثماري بين جمعية الصداقة المالية السعودية ومجلس الأعمال الماليزي السعودي، إلى جانب التوقيع على اتفاقية أخرى بين مصنع التلفزيون السعودي بجدة وشركة ماليزيا". ومما هو جدير بالذكر استعادة ما صرح به وزير الخارجية الماليزي يومها (سيد حميد البار) بقوله: "ستشمل المسائل السياسية في المباحثات كل ما يتعلق بأوضاع العالم الإسلامي، ونحن على ثقة بأن البحث سيشمل أيضاً مسألة ارتفاع أسعار النفط وعدد من القضايا الثنائية". قد يكون من الضروري بعد ذلك التوقف عند العلاقات السعودية - الماليزية باعتبارها النموذج لما يجب أن تكون عليه العلاقات بين الدول العربية والإسلامية - وبخاصة في المجالين الاقتصادي والثقافي - مما يسهم في تطوير العمل السياسي.

لقد شهدت العلاقات السعودية - الماليزية تطوراً واضحاً في العام 2006م، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري بنسبة 10 بالمائة عن العام 2005م، فوصل هذا التبادل إلى 7 مليارات من الريالات (أي ما يعادل 86ر1 مليار دولار). وجاء مشروع تحلية المياة المالحة وتوليد الطاقة الكهربائية ليكون من أكبر المشاريع الاستثمارية التي اضطلعت ماليزيا بتنفيذها في المملكة العربية السعودية ( في محطة الشعيبة)، وكان تحالف الشركات السعودية - الماليزية هو الذي أخذ على عاتقه تنفيذ المشروع الذي قدرت تكاليفه بمبلغ 9 مليارات من الريالات (أو ما يعادل 4ر2 مليار دولار). كما حددت القدرة الإنتاجية لمحطة الشعيبة بحوالي 194 مليون غالون ماء يومياً (أو ما يعادل 880 ألف متر مكعب)، بالإضافة لإنتاج 900 ميجاوات من الطاقة التي تعمل على إمداد وتغذية منطقة مكة المكرمة والطائف والباحة. ومشروع محطة الشعيبة هذا هو واحد من أربعة مشاريع مماثلة في قطاع المياه والطاقة الكهربائية، وهي رأس الزور والجبيل والشقيق، وتبلغ كلفتها 30 مليار ريال (8 مليارات من الدولارات)، وعندما يكتمل تنفيذ هذه المشاريع، سيكون إنتاجها من المياه الحلوه يقارب 492 مليون غالون يومياً (أو ما يعادل 364ر236ر2 متراً مكعباً). أما الطاقة الكهربائية التي سيتم إنتاجها، فستكون في حدود (4500) ميجاوات، وذلك في موعد حدد بفصل الربيع من سنة 2009م، فماذا يعني ذلك؟ إنه ذلك يعني ببساطة أن وطننا العربي وعالمنا الإسلامي يضج بالإمكانات المتنوعة والضرورية للنهوض والتقدم والبناء، وليست القضية بالتأكيد هي قضية الإمكانات فحسب، وإنما هي - قبل كل شيء وبعده - قضية الإرادة الحقيقية لاستثمار ما هو متوافر من القدرات الكامنة والإمكانات المتاحة، والحرص على تطويرها وتعهدها لبناء المستقبل بإمكانات ذاتية؛ فالمعروف أن القضايا الحياتية (مثل تحلية المياه وإنتاج الطاقة النظيفة، وسواهما) هي من القضايا المعروفة في الدول الصناعية وسواها، غير أن إرادة تنمية القدرات الذاتية هي التي وجهت الجهود السعودية للبحث في الميحط العربي والإسلامي، وهناك الكثير مما يمكن استخلاصه - سياسياً واقتصادياً واجتماعياً - في تحرك السياسة الاستراتيجية السعودية لاحتلال الموقع المناسب في مركز الثقل العالمي


 

 


 

المنتصر

يقول احد القادة القدماء وهويخاطب جنوده . ( اذا لم تكونوا مستعدين للقتال من أجل ما تروه عزيزاً عليكم , فسوف يأخذه أحد ما عاجلا أو اَجلا , واذا كنتم تفضلوا السلام على الحرية فسوف تخسرونهما معاً , واذا كنتم تفضلوا الراحة والرخاء والسلام على العدل والحرية فسوف تخسروهما جميعا ) .

   

رد مع اقتباس

إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
والاستراتيجية, المتطورة, القوة

أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:21 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
 

شبكـة الوان الويب لخدمات المـواقع