مسودة قانون لتجنيد الحريديم في الجيش يثير الجدل بإسرائيل (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          الفريق أول ركن شمس الدين الكباشي - عضو مجلس السيادة الانتقالي في السودان (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 1 - عددالزوار : 6 )           »          مقال في "نيويورك تايمز": ترامب فوق القانون (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الجنرال محمد إدريس ديبي - رئيس المجلس الانتقالي في تشاد (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 5 - عددالزوار : 2404 )           »          الجيش الأحمر.. قصة منظمة زرعت الرعب في ألمانيا واغتالت شخصيات هامة (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          البنتاغون: إسرائيل ستشارك في تأمين الميناء المؤقت بغزة (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          جرائم الحرب (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          جرائم ضد الإنسانية (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          التطهير العرقي (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          تنظيم الدولة يتبنى هجوم موسكو وسط إدانات دولية ونفي أوكراني بالضلوع فيه (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 2 - عددالزوار : 63 )           »          احتكاك عسكري بين روسيا وأميركا في القطب الشمالي (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          صحيفة روسية: الناتو مستعد للحرب ضد روسيا منذ 10 سنوات (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          ولاية ألاسكا.. تنازلت عنها الإمبراطورية الروسية واشترتها أميركا (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 5 - عددالزوار : 60 )           »          حزب الله يستهدف موقع رادار ومنصتين للقبة الحديدية الإسرائيلية (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          بعد عامين من إنشائه.. ما هو حال قراصنة "جيش أوكرانيا الإلكتروني"؟ (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »         



 
العودة   ..[ البســـالة ].. > جـناح التــاريخ العسكــري و القيادة > قســـــــم الــقائد والقــــيادة
التعليمـــات قائمة الأعضاء وسام التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة
 


جندي أميـركي (1)

قســـــــم الــقائد والقــــيادة


إضافة رد
 
أدوات الموضوع

قديم 28-03-09, 02:56 PM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي جندي أميـركي (1)



 

جندي أميـركي (1) ـ فرانكس يروي قصة يوم الهجوم ومخاض الوصول لقرار الحرب .. والـ1634 ساعة
في عملية تحرير العراق هيأنا قوة تعادل نصف القوة التي هزمت الجيش العراقي في عام 1991 * الهدف: أن لا تتوقف عند نهر الفرات وإنما المضي في الطريق بأكمله الى بغداد وما وراء ذلك
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
يأتي الجنرال تومي فرانكس لينضم كاسم ورقم أساسي في تاريخ السياسة الأميركية عامة، وأدائها العسكري خاصة. وتشفع له سيرته الذاتية للوصول لمثل هذا التقييم، فيما يشفع له معها الموقع الذي تقلده والمهام التي أوكلت اليه. والى ذلك، فإذا كانت ذاكرة التاريخ الأميركي الحديث قد حجزت بطاقات مضيئة فيها لنورمان شوارتسكوف الذي قاد عملية عاصفة الصحراء، التي ألحقت الهزيمة بصدام حسين في 1991، وقد شارك فيها تومي فرانكس، مثلما حفظت مكانة أكبر لكوان باول قائد هيئة الأركان أيام تلك المعارك، فحري بتلك الذاكرة أن تحتفظ بمساحات أكبر لرجل تولى المهام العسكرية وقيادتها وتنفيذها في الحقبة التالية مباشرة لأحداث 11 سبتمبر (أيلول) بكل استحقاقاتها المعروفة، وعلى رأسها قضية الحرب ضد الإرهاب وفق الرؤية الأميركية. وهنا تحفظ سيرة الجنرال فرانكس قيادته وإدارته لعمليات تحرير أفغانستان من نظام طالبان في أكتوبر 2001 بعملية الحرية الدائمة ENDURING FREEDOM من موقع مسؤوليته عن العمليات العسكرية الأميركية في 25 دولة بدءا من أفريقيا ومرورا بآسيا الوسطى ونهاية بالشرق الأوسط. ثم قيادته لعملية حرية العراقIRAQI FREEDOM في مارس .2003 الشرق الأوسط تقدم لقارئها حلقات من كتاب (جندي أميركي) للجنرال فرانكس الذي ألفه بالاشتراك مع مالكولم ماكونيل ونشرته له دار ريجانسبوكس في مطلع أغسطس (آب) الحالي.
والكتاب يقع في نحو 567 صفحة من القطع المتوسط، ويضم بين دفتيه أربعة أجزاء، جاء الجزء الأول منها بعنوان (جذور عميقة) وقد خصصه الجنرال لتاريخ حياته ومنظومة القيم التي ورثها عن بيئته وأسرته ومجتمعه، فيما حمل الجزء الثاني عنوان (جندي محترف) وخصصه لطبيعة الجيش الأميركي ومهامه، مشيرا الى أنه ومع توليه لمهامه أصبح ذلك الجيش جيشا جديدا أو متجددا. أما الجزء الثالث فقد حمل عنوان (قائد الجيش) وهو من أكثر فصول الكتاب إثارة، وقد حمل في فصوله الثلاثة وصفا دقيقا للمحيط الجغرافي الذي اضطلع بإدارة العمليات فيه وحمل الفصل اسم (جوار خطر)، فيما حمل الفصلان اللاحقان اسمي (نوع جديد من الحرب ونصر تاريخي)، ويختتم بالجزء الرابع الذي خصــصه لمفاهيمه للحرب والقتال وخطة حرية العراق واختلاف التحالف الذي قاده عن سائر التحالفات السابقة.
وأخيرا فقيمة هذا الكتاب تكمن في أن الجنرال فرانكس قد تحدث أخيرا أو خرج عن صمته الذي دفع الإعلام الأميركي الى وصفه بالشريك الصــامت أو الهادئ SILENT PARTNER، ليكشف عــن خــفايا أحداث كثيرة لم يكن طرفا فيها فحسب، وإنما في قلبها أيضا. ونقدر هنا أن كتابه يكتسب أهمية تاريخية كونه أول الغيث في التأريخ لأحداث لا تزال ساخنة في منطقتنا فيما لا تزال تداعياتها تســير بيننا كل يوم.
* الزمان: 19مارس 2003
* كنت أميل في جلستي على الكرسي الجلدي الى أمام، وأنا أراقب شاشة الفيديو الفارغة. وبعد ومضة توقف استقطبت غرفة متابعة الأوضاع في البيت الأبيض الانتباه.
كان الرئيس جورج دبليو بوش يجلس بين نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الخارجية كولن باول في رأس الطاولة. وجلس الأعضاء الخمسة الآخرون لمجلس الأمن القومي على الجانبين، في مواجهة الشاشة التي ظهرت عليها صورتنا كما ظهرت صورتهم هنا.
كانت بدلات الرجال السوداء أنيقة. وكانت الدكتورة كوندوليزا رايس ترتدي سترة بسيطة. لقد كان بوسعهم أن يكونوا مجلس ادارة شركة، ولكن الموضوع في المؤتمر ـ الاجتماع المصور الذي جمعنا لم يكن الربح أو الخسارة ، وإنما الحرب.
الى ذلك، ولو كان الرئيس قد اعطاني الأوامر، فإن آلافا من جنود التحالف وأفراد المارينز كانوا سيشنون هجوما عبر الحدود العراقية في غضون ساعات. وستقوم مئات الطائرات الحربية الأميركية والبريطانية والأسترالية بدعم القوات البرية.
توجهت بالسؤال: «هل يمكنكم أن تسمعوني سيادة الرئيس؟» جاءت الإجابة: «أجل بوسعنا ذلك يا تومي. نستطيع ان نسمعك بوضوح. هنا يوجد مجلس الأمن القومي».
وبدأت: «سيدي، أود أن أبدأ بمقدمة موجزة عن قادتنا العسكريين ثم أتركهم يعطونكم تقريرا سريعا عن الوضع. سأبدأ بالجنرال بوز موسلي.
أدرت رأسي الى جهة اليسار. كان بوز يرتدي بدلة سلاح الجو الأميركي الصحراوية ويضع رتبته ذات النجمات الثلاث على كتفيه. وبجانبه على طاولتنا البيضاوية نائب المارشال في سلاح الجو الملكي غلين توربي الذي يقود ملاحي الجو البريطانيين في قوات التحالف. وكان قائد المجموعة جيف براون، القائد من سلاح الجو الأسترالي، يجلس الى يميني.
قال بوز: «قيادتنا على أتم استعداد سيدي الرئيس. وقوات التحالف جاهزة. وطائرات سلاح الجو تحلق في أجواء العراق الآن. سيدي الرئيس لدينا افضل الأفراد في العالم من حيث التدريب والتجهيز والدوافع، ونحن على أتم استعداد لتنفيذ هذه المهمة».
كان التوتر يبدو على الجالسين في الطرف الآخر. ومن الجلي أن كولن باول كان متعبا. وربما الى الحد الذي كنت أنا أشعر به. وكان رئيسي المباشر وزير الدفاع دونالد رامسفيلد هادئا ومستغرقا في التفكير. وبجانبه كان يجلس جنرال سلاح الجو ديك مايرز، رئيس هيئة الأركان المشتركة، وقد بدا بملامح كئيبة. وجلس مدير وكالة المخابرات المركزية جورج تينيت عبر الطاولة، مصغيا بانتباه. كانوا يدركون خطورة اللحظة.
كانت بغداد الهدف النهائي لقواتنا. وكانت مهمتها إلحاق الهزيمة بالعدو والاطاحة بواحد من أخطر الأنظمة الدكتاتورية في العالم وأكثرها قمعا، ذلك هو نظام البعث الذي يقوده صدام حسين.
وبعدئذ، وبينما كنت أنظر الى الشاشة، كان بوسعي رؤية الرئيس بوش يتكلم، ولكنني لم أعد أستطيع الآن ان أسمع كلماته. ومن الواضح أنه كان هناك خلل في الاتصال الصوتي عبر الأقمار الصناعية. وكنت آمل أن لا يكون هذا تكهنا أو نذيرا. وتحدث الرئيس ثانية، ولكن الصورة كانت ساكنة. وقد لوح رامسفيلد بيده، مشيرا باصبعه الى أذنه ومتفوها بشيء ما. ثم انحنى بوز وأغلق مفتاحا في لوحة مفاتيحي السوداء.
وكنت قد قطعت الصوت على نحو غير مقصود. وقلت بلهجة نادمة «سيدي الوزير، وجدت هذا الشيء على جهازي. أستطيع ان أتحدث اليك بوضوح وصوت عال الآن».
وكانت غلطتي قد أزالت التوتر. وترددت أصداء الضحكات في غرفة المتابعة بالبيت الأبيض. وقال الرئيس مبتسما «لا تقلق تومي. لم نفقد الثقة. ولحسن الحظ نتعامل مع طيارين يجلسون الى جوارك».
وتغيرت لهجته. وأصبحت كلماته محددة، فقال: ايها «الجنرال»، موجها حديثه الى بوز موسلي «هل لديك كل شيء تحتاجه لتحقيق النصر؟» ـ «بكل تأكيد سيدي».
واستمر الرئيس «سعيد بالاستراتيجية»؟
ـ ورد بوز «تماما».
وكانت استراتيجيتنا لهزيمة صدام وتحرير العراق متضمنة في خطة عمل معقدة وطموحة اعددتها انا وطاقمي طوال عدة شهور مع دون رامسفليد. خطة عمل مميزة في التاريخ العسكري. وخلال عملية عاصفة الصحراء التي اخرجت العراقيين من الكويت، نشر التحالف 560 ألف جندي في 14 فرقة. ولم تبدأ الحرب البرية الا بعد حملة جوية مكثفة لمدة خمسة اسابيع على اهداف العدو، فيما سأتولى أنا وفي عملية حرية العراق، قيادة قوة من نصف تلك القوات التي هزمت الجيش العراقي في عام 1991. (قوتي هذه مكونة من 5 فرق مجهزة بأقل من نصف المدرعات والمدفعية). ولكن لن نتوقف عند نهر الفرات. فقد خططنا للمضي في الطريق بأكمله الى بغداد وما وراء ذلك. وطبقاً لاستراتيجيتنا، فالعمليات الجوية الحاسمة ستبدأ بعدما تبدأ القوات البرية عملياتها.
ويعتبر ذلك مخاطرة محسوبة. ولكن خلال خدمة امتدت 38 سنة كجندي، تعلمت الفرق بين المخاطرة والمقامرة.
وعقب ذلك قدمت الجنرال دافيد مكيرنان قائد القوة البرية في الكويت. «سيادة الرئيس لدينا 170 ألف جندي مشاة ومارينز أميركي وبريطاني وأسترالي على أهبة الاستعداد».
وقال الرئيس «فخورون بالبريطانيين والاستراليين».
واستطرد دافيد «ونحن نتحدث الان، نتحرك الى مواقع هجومية متقدمة على الحدود الكويتية. وإمكانياتنا اللوجستية في مكانها لاستمرار عملياتنا الى اقصى درجة شمالا والى اقصى وقت نحتاجه».
وسأل جورج بوش «جنرال، هل لديك كل شيء تحتاجه لتحقيق الفوز»؟
ـ «نعم سيدي».
ـ «تشعر بالرضى عن الاستراتيجية»؟
ـ «نعم سيدي».
ثم جاء بعد ذلك دور قائد القوة البحرية نائب الادميرال تيم كيتينغ، في البحرين. ووصف قوته المكونة من 149 سفينة ـ 60 من قوات التحالف ـ المنتشرة في شرق البحر المتوسط والبحر الاحمر والخليج العربي، وهو اسطول يتكون من 5 حاملات طائرات «على استعداد للتنفيذ سيادة الرئيس».
وسأل بوش مرة اخرى «هل لديك كل ما تحتاجه»؟
ـ «نعم لدينا سيدي».
وتراجع الرئيس بوش بمقعده الى الخلف وابتسم. «سأتوقف عن السؤال عن الخطة بما انكم انتم الذين اعددتموها».
وسمعت ضحكات عبر مؤتمر الاتصالات. فالرئيس يتمتع بقدرات القائد الطبيعية لاراحة مرؤسيه.
وانتقلت الى قائد قوات المارينز الجنرل ايرل هالستون، وهو في البحرين ايضا، الذي يقود قوة متابعة التطورات، فاكد أن «المعنويات عالية». ثم اضاف ان قواته «على استعداد للرد على أي حادثة» تتعلق بالاسلحة البيولوجية والكيماوية».
وعبر مسرح العمليات كان الشباب والشابات يضعون السترات الواقية قبل ان يضعوا باقي معدات المعارك. وكانت أحدث المعلومات الاستخبارية لدينا تشير الى ان الوحدات العراقية على الجبهة وفرق الحرس الجمهوري مسلحة بغازات الاعصاب وغاز الخردل، ومن المحتمل، باسلحة مجهزة بمادة الجمرة الخبيثة وسموم البلوتونيوم.
ولم يتمكن ايرل هالستون، ولا أنا، من تأكيد مصداقية هذه المعلومات الاستخبارية الى ان دخلنا العراق. الا اننا شاهدنا العراقيين يتدربون على العمل وسط بيئة اسلحة دمار شامل، وتشير الاتصالات التي تم التنصت عليها الى قلقهم من «الكيماويات والسموم». وبما ان العراقيين يعرفون عدم وجود اسلحة دمار شامل لدينا، فاعتقد ان تلك الاستعدادات تعني انهم سيستخدمونها.
لم يساورني شك في ان اسلحة الدمار الشامل ستستخدم ضد قواتنا في الايام المقبلة. فالعدو يملك المدفعية والصواريخ اللازمة لإطلاق هذا النوع من الاسلحة. وتطلب واجبي كقائد للقيادة المركزية للقوات الاميركية ان اكون متأكدا من أن قواتنا التي ستصدر اليها التعليمات بالقتال محمية من أي خطر يشكله العدو.
ليس ثمة شك في انني كنت مسرورا ازاء تكوين فريق عمل «ايرل هيلستون» للرد على أي خطر يتعلق بأسلحة الدمار الشامل تواجهه القوات الاميركية.
تعاملت بصورة جادة للغاية مع مسؤوليتي المتمثلة في توفير اعلى درجة من الحماية لأبنائنا وهم ينفذون المهمة المناط بهم انجازها. وكنت على علم بأنه ومهما كانت درجة استعداد الوحدات العسكرية المختلفة، فإن بعضا من هؤلاء الشباب الشجعان سيقتل، وسيجرح آخرون بالطبع، وهذا جانب من الحرب يغفله في الغالب من ليست لديهم تجربة قتالية.
تعلمت اول دروس الواقع القاسي للحرب خلال عملي مراقب مدفعية في حقول الارز ومستنقعات المانجروف في دلتا ميكونغ بفيتنام قبل 35 عاما. فعندما يشق جنودنا وقوات مشاة البحرية الليلة طريقهم عبر كثبان الرمال على الحدود العراقية صوب حقول الالغام المظلمة، سيكونون على استعداد للتضحية بأرواحهم عقب التعليمات التي ستصدر من قياداتهم العسكرية ببدء العمليات.
وما زلت أشعر، حتى بعد هذه السنوات الطويلة من الخدمة في الجيش ، بالدهشة ازاء هذا الوضع. أي عندما أكون جالسا داخل مركز القيادة المكيف الهواء في قطر أجول بنظري على الخرائط الرقمية على الجدران، لكنني سأكون أيضا على متن دبابات أبرامز او مركبات برادلي القتالية، فدار في ذهني انني سأختنق بفعل الغبار وابخرة الديزل القاتمة واستنشق رائحة عرق الخوف.
واصلت تقديم قادتي العسكريين عبر شبكة الاتصال بالفيديو في مختلف المواقع بالمنطقة.
ومن موقع ميداني صحراوي على مقربة من الحدود السعودية مع العراق ابلغ الجنرال ديل ديلي، قائد وحدات القوات الخاصة (القوة 20)، الرئيس بوش بأن جنوده «على استعداد للذهاب للحرب مجددا».
الى ذلك، كانت القوات الخاصة التي يقودها الجنرال ديلي قد قادت القتال في افغانستان في اكتوبر (تشرين الاول) 2001 بعد اقل من شهر من هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 . وفي تلك الحرب هزمت القيادة المركزية وحلفاؤها الافغان نظام حركة طالبان ودمرت خلال 76 يوما الملاذ الذي كان يأوي تنظيم «القاعدة». والآن تتجه القيادة المركزية الى الحرب للمرة الثانية خلال اقل من عامين.
نظرت، في الوقت الذي كان يؤكد فيه القادة العسكريون استعدادهم لخوض الحرب، الى شعار القيادة العسكرية المركزية على جدار غرفة الاتصال ، ولاحظت ان المنطقة التي تقع تحت مسؤوليتنا تشتمل على 25 دولة تنتشر من القارة الافريقية عبر الجزيرة العربية وإيران والعراق وافغانستان وباكستان باتجاه منطقة آسيا الوسطى السوفياتية سابقا ، الى حدود قرغيزستان مع الصين. يعيش في هذه المنطقة المضطربة نصف مليار نسمة غالبيتهم من الشباب الذي يعاني الفقر ويشعر بالغضب تجاه محنته. فالحرب ظلت تعصف على مدى عقود بهذه المنطقة التي تحوز نسبة 65 بالمائة من احتياطي العالم من النفط والغاز الطبيعي.
ما زالت اتذكر نصيحة سلفي الجنرال توني زيني قبل ان اتسلم مسؤولية القيادة في يوليو (تموز) 2000 . قال لي زيني: «توم... مهمتك ستكون مركزة على رعاية السلام والاستقرار والأمن. إلا ان المنطقة تغلي بفعل الاضراب القبلي والعرقي والكره الديني وتعتبر ارضا خصبة للارهاب. اذا شاركت الولايات المتحدة في حرب رئيسية مقبلة، فإنها ستكون في هذه المنطقة من العالم. هذه منطقة خطيرة».
عند نهاية تقارير القادة تحدثت مرة اخرى بروية وتأن مدركا اهمية اللحظة التاريخية.
ابلغت الرئيس بأن القوات على استعداد وأن ساعة الهجوم هي التاسعة مساء بتوقيت العراق والسادسة مساء بتوقيت غرينيتش والواحدة بتوقيت الساحل الشرقي للولايات المتحدة.
التفت الرئيس بوش نحوي وقال: «حسنا... من اجل السلام في العالم ومن اجل امن بلدنا وأمن بقية العالم الحر»، ثم توقف فيما كنا نحن نستمع باهتمام بالغ وواصل حديثه: «ومن اجل حرية الشعب العراقي، أصدر الآن التعليمات اللازمة لوزير الدفاع دونالد رامسفيلد لتنفيذ عملية حرية العراق».
وأضاف الرئيس قائلا: «تومي... بارك الله في القوات الاميركية».
تلاشت مسافة السبعة آلاف ميل التي تفصل بيني والبيت الابيض.
اجبت الرئيس بوش قائلا: «بارك الله في أميركا».
اديت التحية للقائد العام، الذي رد بدوره التحية.
امتلأ الشارع بآليات تزويد الدبابات بالوقود وبدأت تظهر أصوات إقلاع طائرات الاستطلاع.
توقفت وأنا على سلم طائرتي. فالرئيس قد ابلغني تعليماته بشن الحرب. القوات كانت على اتم استعداد، إلا ان السؤال الذي كان في ذهني هو: «هل أنا على استعداد؟».
كنت في ذلك الوقت اشاهد طائرة ضخمة رمادية اللون على المدرج وهي في طريقها الى الإقلاع.... ذلك المنظر جعلني اشعر بثقة عميقة. ولكن للغرابة لم افكر في سنوات أخرى عندما كنت ضابطا قائدا، او في التربية العسكرية التي تلقيتها خلال عملي في السلك العسكري.
اتجهت أفكاري في واقع الامر الى المدن الصغيرة في جنوب غربي الولايات المتحدة حيث نشأت. انها هذه البيئة ... اسرتي واصدقائي ومعتقداتي التي شكلت مجموعة القيم التي اؤمن بها مثلما شكلت شخصيتي قبل سنوات من التحاقي بالخدمة في الجيش، فرددت مع نفسي:
النجاح في الحملة العسكرية المقبلة يعتمد على الشخصية والاحساس بالهدف والغاية والقيم، قيم الشعب الاميركي والرئيس وقيمي الشخصية وقيم قواتنا، اكثر من اعتماده على القوة العسكرية الصرفة.
* الجنرال: التسريبات الصحافية اضطرتني لشتم واشنطن وبعض منسوبي البنتاغون
* رامستاين، ألمانيا: مارس (آذار) 2002
* أظلمت الشاشة وأضاءت غرفة العمليات، ووقفت على رأس الطاولة. كانت ظهيرة متأخرة من يوم الخميس 21 مارس 2002، وكنا في نهاية يوم عمل مرهق استعرضنا فيه خيارات الموقف العراقي مع قادة القيادة الوسطى بمركز الناتو للعمليات على الجانب المقابل من «الأوتوبان» بالقرب من قاعدة رامستاين الجوية. كانت تلك هي المرة الأولى التي يجلس قادة القوات البرية والجوية والبحرية، الخاضعة لقيادتي، في مكان واحد معي لمناقشة شكل ومدى العملية العسكرية المحتملة لإسقاط نظام صدام حسين. كانت تلك الرؤية تحتوي على سبعة خطوط من العمليات وتسع شرائح تمثل مراكز الجاذبية العراقية. وقمت بتلخيص المناقشة التي دارت بيني وبين الرئيس ومجلس الأمن القومي في مزرعة كروفورد وفي البيت الأبيض. وقلت إنه إذا أعلن الرئيس الحرب فإن العملية لن تكون نسخة أخرى من حرب الخليج. سنقتحم العراق على وجه السرعة وبعنف استثنائي، وليس ببطء وتثاقل، وسنشن حربنا من أكبر عدد من الدول التي تنجح مفاوضات أميركا القائمة على الجزرة والعصا، في إقناعها بلعب ذلك الدور. وقلت:
«أعزائي: هناك لص داخل المنزل».
وكلهم يفهمون هذا التعبير المستخدم لدى القوات الخاصة: فإذا كان هناك لص بالطابق الأرضي يحمل مسدسا، فإنك لا تعود إلى فراشك لتواصل النوم. هذه مهمة عاجلة تتطلب انتباههم كاملا. نحن نريد خطة صلبة راسخة، بتخطيط جماعي يمهد لتنفيذ جماعي.
ثم قلت رافعا يدي:
«هناك نقطة أخيرة. ما ناقشناه اليوم، لن يتخطى المجموعة الجالسة الآن في هذه القاعة. هذا الأمر غير قابل للتسريب. ».
رأيت وقتها أن رسالتي وصلت وأصابت هدفها.
كان شعوري أن الجلسة كانت ناجحة جدا. فقد شعر القادة بعظم المهمة الملقاة على عواتقهم. وأعتقد أنهم استوعبوا تماما ما قلته عن العمل المشترك وعن التسريب.
ولكن في صباح أحد أيام مايو (أيار)، وكنت حينها قد عدت إلى تامبا، أتاني مدير مكتبي للشؤون العامة، الأدميرال كريغ كويغلي، بنسخة من صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، بها مقالة لوليات أركين، تفيض بمعلومات مسربة من مؤتمر رامستاين حول تخطيطنا للعراق. وقد وصف المصدر الذي تحدث إلى آركين، وهو من البنتاغون، تخطيطنا بأنه ساذج ومحدود الأفق. وانتقد اركين كذلك عملية التخطيط التي قال عنها إنها «مكرورة»، وانها ظهرت في فبراير (شباط) السابق. مشيرا إلى أنه استقى معلوماته من «مسؤولين كبار بوزارة الدفاع، من المدنيين الذين لا يرتبطون بأي سلاح من الأسلحة». وقد اتهم المصدر المجهول بالبنتاغون القيادة الوسطى بأنها تعاني من افتقار فاضح في الكفاءة والاستراتيجي، وأنها تجاهلت «عوامل النجاح» في عمليات عاصفة الصحراء وحملة كوسوفو الجوية والعمليات التي نفذت في أفغانستان. واحتوت المقالة على معلومات غاية في السرية تخص بعض الشعب، بما فيها خيارات الهجوم المتزامن بريا وجويا من عدة جهات. كان واضحا أن أحد الحاضرين في اجتماع رامستاين، سرب محتوى الاجتماع إلى عضو غير معروف من جماعة البنتاغون، وأن ذلك الشخص تقيأ كل شيء، منتقدا الخيارات العملياتية التي صغناها، لأنها في ما يبدو لم تتوافق مع رؤيته للأمور. وجاء في مقالة الصحيفة حرفيا:
«الخطة العراقية التي تتشكل الآن لم تطرح رسميا للحوار بين قادة كل الأسلحة».
لم أكن لأسمح لغضبي لمثل هذه الممارسات أن يؤثر في عملي بالطبع. ولكنني سأنقل لوزير الدفاع رأيي في هؤلاء الثرثارين بالبنتاغون، والذين يعرضون للخطر حياة أبناء أميركا وبناتها. وعند ظهيرة اليوم التالي قلت لرامسفيلد:
«سيادة الوزير، لو بدوت لك غاضبا، فهذا لأنني غاضب بالفعل». وشرحت له كمية المعلومات الخاصة بالشُعب المختلفة التي ظهرت في مقالة آركين. ثم قلت:
«ما أطالب به هو أن يخضع كل شخص في مكتب وزير الدفاع، وهيئة الأركان المشتركة، ممن يعرفون خطتنا، إلى اختبار البوليغراف، وأن يحاكموا إذا أتضح أنهم سربوا تلك المعلومات البالغة السرية».
أعطاني رامسفيلد فرصة لتهدئة أعصابي، ثم قال:«هذا شيء لا يصدق».وقلت له:
«سيدي الوزير، إن واشنطن هي الإناء الوحيد في هذا الكوكب الذي يسرب من قمته».
وقال وزير الدفاع:
«سأحسم هذا الأمر سيادة الجنرال».
خلال الأيام التالية عقد رامسفيلد اجتماعات «اعترافات مسيحية» مع قادة الأسلحة وموظفي مكتب وزير الدفاع، وعبرت عن خيبة أملي من حادثة التسريب لقادة القيادة الوسطى ولموظفي إدارتي. وهنا تقلصت التسريبات. ومع أن تسريبات طفيفة ظهرت من جديد، إلا أنها لم تسبب قدرا من الضرر يساوي ذلك الذي سببه أحد أراذل الناس وهو يتحدث إلى ذلك الصحافي.

 

 


 

   

رد مع اقتباس

قديم 28-03-09, 02:59 PM

  رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

جندي أميركي « 2 » ـ فرانكس: قلت لبوش إنني فهمت من رامسفيلد أنك قررت إعلان الحرب فلم يجب فيما أومأ رامسفيلد بالموافقة
طلبت قبل عامين من الحرب من أمير قطر أن يخبرني بما يمكنني أن أفعله من أجله فقال مبتسما: أرسل لي عشرة آلاف جندي أميركي فقلت له لاحقا: ربما أكون قد تأخرت ولكنك ستحصل على جنودك الأميركيين
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
تنفرد بنشره «الشرق الأوسط»
* رامستاين، ألمانيا: مارس (آذار) 2002
* غرفة العمليات بالبيت الأبيض كانت ذات جو بارد لطيف، خاصة بعد حرارة واشنطن الحارقة في شهر أغسطس. كان كولن باول وجورج تينيت قد وصلا لتوهما، فقد عطلتهما الحركة المزدحمة في المدينة. وكانت ياقات قمصاننا جميعا مبللة بالعرق. وقال شخص ما مازحا بينما كان باول يجلس بجانب الرئيس:
«ما زال البريطانيون يصنفون واشنطن كمدينة مدارية (في إشارة لحرارة طقسها)، ويعتبرونها منطقة شدة (في إشارة لمشقة الحياة فيها)».
وكنت أنا وجين رينوارت قد جئنا إلى البيت الأبيض في ذلك اليوم، وكان الاثنين الأول في شهر أغسطس لتنوير الرئيس ومجلس الأمن القومي حول النسخة الأخيرة لخطتنا للعراق التي صارت تعرف بـ«أوبلان»، والتي لم تعد مجرد مفهوم نظري، بل صارت خطة متكاملة من لحم ودم. سنقوم بالطبع بطرح كل التطورات التي طرأت منذ اجتماعنا في مايو الماضي، عندما شرحت عددا من الخيارات العسكرية لإزاحة صدام حسين من السلطة.
وفي واحدة من أبلغ الخطب التي سمعتها في حياتي، طرحُ كولن باول إن العالم أصبح مختلفا جدا عما كان عليه الحال في 1990 ـ 1991، عندما تكون التحالف العالمي لطرد صدام حسين من الكويت. وقال باول إنه لم يعد ممكنا بناء تحالف واسع يسمح بتكوين وفاق حول العمل العسكري داخل مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة. لم تكن مساهمة باول سلبية، كما لم تكن إيجابية، كانت ترمي إلى كشف الواقع كما يراه. وعندما كنت أستمع إليه أعجبني هذا التوازن العجيب الذي يتحدث به. كان وزير الخارجية يفصح عن تحذير واضح: وهو أن الأمر لن يكون سهلا. ولكن لم يكن هناك ميل للحجاج أو لوي الأيادي. وفي مواقع مختلفة من ذلك الطرح، كان الرئيس ونائب الرئيس يومئان برأسيهما علامة الموافقة. وقال باول:
«لا أعرف إن كنا سنضمن كل الدعم الدولي الذي نحتاج إليه، أم لا، ولكننا سنبذل قصارى جهدنا».
كنت أعرف أن الوضع في الأمم المتحدة سيكون صعبا، ولكنني كنت أفكر أيضا، وبتركيز شديد، في احتياجاتنا من التحالف، وكان رأيي أن الدول الواقعة في منطقة القيادة الوسطى ستمدنا بكل المساعدات التي نحتاجها، حتى وإن لم تقدم كل المساعدات التي نتمناها.
وفي الفترة بين منتصف مايو وأواخر يوليو (تموز) قمت بثلاث رحلات إلى كل منطقة المسؤولية، مركزا على تحسين البنى التحتية وتعزيز قواتنا. وقد التقيت بالقادة في قطر وعمان والإمارات العربية المتحدة والبحرين والأردن. وكما أفعل دائما زرت قواتنا في افغانستان.
كان اللفيتنانت جنرال دان ماكنيل، قائد الفرقة 18 الجوالة جوا، قد تولى قيادة القوة 180، وهي قوة خاصة بالتحالف، وأقام قيادته في قاعدة باغرام الجوية. وقد عملت مع دان في كوريا خلال التسعينات. كان جنديا مخضرما، ممتازا وحكيما، وكنت سعيدا بأن يكون واحدا من فريقنا.
وكان الرئيس بوش قد ركز على أن نحافظ على قوة اندفاعنا في أفغانستان، حتى في حالة تنفيذ الخطة «1003 في»، المتعلقة بالعراق. وكنت موافقا على ذلك. وقد قلت للرئيس:
«سيدي الرئيس: سنكون على نفس درجة التركيز في أفغانستان، لأن عملياتنا هناك ستكون جناحا لعملياتنا في العراق».
وكنت قد ناقشت الأمر مع رامسفيلد واتفقنا على أن يكون عدد قواتنا في أفغانستان 9500 جندي، ما لم يطرأ سبب يجبرنا على التغيير، وعندها سيكون الأمر خاضعا أيضا للنقاش. وكان دان ماكنيل هو بالضبط الرجل الذي كنا نحتاج إليه في الميدان، حتى يواصل ضغطه على أسامة بن لادن وبقايا القاعدة. وفي الوقت الذي اقتربنا فيه من شن حرب العراق، انضم دان إلى فريق القيادة، وأصبح عضوا في القيادة الوسطى، فصار حاضرا في كل جلسة للتخطيط والتنوير. وبعد أن قدمته إلى الرئيس مشرف والرئيس حميد كرزاي، أقام علاقات لا يمكن الاستغناء عنها مع الرئيسين ومع غيرهما من قادة المنطقة. ونتيجة لقيادته فإن قواتنا في أفغانستان لم تعان مطلقا.
وبينما كان أعضاء مجلس الأمن القومي يستمعون، كنت أرسم معالم التقدم الذي أحرزناه. وقلت:
«سيدي الرئيس، إذا اتخذ قرار بتنفيذ عملية عسكرية في العراق، فإننا لسنا مضطرين لتنفيذها وحدنا. فلدينا اتفاقات مبدئية ناجحة تشمل استخدام الأراضي والعبور الجوي وإقامة القواعد ومناطق الانطلاق في كل منطقة الخليج».
كانت الغرفة هادئة، وكنت قد ناقشت مع قادة دول محليين ووزراء دفاعهم، قضايا تطوير القواعد العسكرية التي كنا نستخدمها للتدريب وإرسال القوات إلى أفغانستان، كما أنني أخبرتهم بمبادرة خاصة مني أننا نقوم بتحسين البنية التحتية وإعداد القوات في حالة الاضطرار لنزع سلاح العراق بالقوة. وقد كانت الكويت مستعدة دائما وكنا نعتمد عليها كثيرا، فقد كانت قاعدتنا. والآن ضمنا التزام الملك عبد الله الثاني بالأردن، وقادة دول الخليج بالسماح للقوات بالاستعداد وإقامة القواعد وعبور المجالات الجوية، وذلك بالنسبة للقوات البحرية وطائرات الاستطلاع والطائرات المقاتلة وإعادة التزود بالوقود والتحليق الآمن، وذلك في عدد من الدول المجاورة للعراق.
وكان الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني قد سمح بإقامة الطائرات بقاعدة العديد، «وأن ننقل قيادتنا المتنقلة إلى معسكر السيلية، بمجرد انتهاء العمل فيها من قبل مقاولينا من فلوريدا. وقد ذكرت الأمير، عندما أصبحت قائدا للقيادة الوسطى، وفي أول اجتماع عقدته معه، بأنني طلبت منه قبل ذلك أن يخبرني بما يمكنني أن أفعله من أجله. وقال لي الأمير وهو يبتسم:
«أرسل لي عشرة آلاف جندي أميركي».
وقد لبيت طلبه عند عودتي الأخيرة إلى قطر. وقلت له:
«ربما أكون قد تأخرت عامين، ولكن ستحصل على جنودك الأميركيين».
كان كولن باول يستمع باهتمام شديد عندما كنت أثني على السفراء الأميركيين في المنطقة لمساعدتهم لي في تحقيق النجاحات التي حققتها. وابتسم وأثنى بدوره على دبلوماسييه على كل ما أنجزوه. وقال:
«هؤلاء قوم من طينة جيدة».
وواصلت لأقول:
«سيدي الرئيس: كما أخبرت وزير الدفاع رامسفيلد، فإن كل قائد في المنطقة يتفهم أننا نضع خططا للطوارئ، وأنك قررت إعلان الحرب».
أومأ رامسفيلد بالموافقة. وقلت للرئيس:
«مع الرحلات المتداخلة لحاملات الطائرات، ومع زيادة موجات نشر القوات بغرض «التدريب»، وخاصة كتائب الفرقة الثالثة مشاة، بالكويت، ومع تزايد عدد الطائرات التي بحوزتنا في عملية «سازورن ووتش»، فإننا نقترب من تجميع قوة تكون قادرة على تنفيذ الخيارات المتعددة، الحمراء والبيضاء والزرقاء، إذا أصبح ذلك ضروريا».
وكان مجلس الأمن القومي قد استوعب منذ 11 سبتمبر (أيلول) كثيرا من المعلومات العسكرية، ولكنه مطالب بمزيد من الاستيعاب هذه المرة. وواصلت حديثي قائلا:
«الفرقة الثالثة مشاة، هي فرقة مشاة ميكانيكية تملك أسلحة نوعية ومدافع ووراءها سنوات من الخبرة الصحراوية وهي تنقل ألويتها عبر الكويت، بصورة دورية. ويبدو أنه لا يزعج العراقيين كثيرا وصول ألوية الفرقة الثالثة إلى الكويت في دورات تدريبية مع وجود منصات إطلاق الصواريخ البعيدة المدى التابعة لقوات المارينز والطائرات المقاتلة. فاستخباراتهم ليست بالتقدم الذي يجعلها قادرة على التقاط هذه الزيادات الكمية».
وقال الرئيس:
«أفهم ذلك جيدا».
قلت وأنا أنظر في أوراقي وملاحظاتي:
«حلقنا بأكثر من أربعة آلاف طلعة فوق الأراضي العراقية منذ يناير (كانون الثاني) الماضي. أما الدفاعات الجوية العراقية فقد صوبت نيرانها نحو قواتنا أو خرقت منطقة الحظر الجوي 52 مرة فقط. وهذه ضعف نسبة العام الماضي».
وهنا تساءلت كوندوليزا رايس:
«هل يمكن تخفيض خسائرنا بتخفيض عدد الطلعات الجوية؟».
وأجبتها قائلا:
«كوندي: نعم في مرحلة لاحقة يمكن أن يكون ذلك إجراء ذا معنى، ولكن ليس بعد. فنحن نريد استخدام خيارات الرد حتى نقلل من مقدرة نظام الدفاع الجوي العراقي المتكامل. وإذا اتخذ قرار الحرب فإننا نريد لدفاعهم الجوي أن يكون في أضعف حالاته».
* لم نهزم الحرس الجمهوري بالتكنولوجيا..
* تحول تفكيري ، خلال استعراضي للخرائط التوضيحية ، الى نقاش خاص كنت اعتزم إجراءه مع دونالد رامسفيلد خلال الساعة التالية. فمنذ نجاح عملية فرقة المدرعات الاولى خلال عملية «عاصفة الصحراء» عام 1991 تكون لدي اعتقاد في ان عمليات الخداع الجيدة الإعداد والتنفيذ ستنجح مع العسكريين العراقيين وقادة النظام. فمعلوماتهم الاستخبارية تركز بصورة كاملة تقريبا على الأمن الداخلي، قمع الاكراد والشيعة واستباق الانقلابات العسكرية، وليس على القتال في الحرب. وكانت لدي كذلك قضية حساسة أخرى كان لا بد من مناقشتها مع رامسفيلد وجها لوجه. فقد قدم عدد من الرؤساء العرب، الذين تجمعني بهم علاقات وثيقة، معلومات قيمة من واقع علاقاتهم الشخصية مع صدام حسين. كنت ادرك ايضا ان هؤلاء القادة كانوا بمثابة قنوات مهمة للغاية يمكن عبرها توصيل المعلومات ـ والتضليل ـ( الى النظام العراقي). انتقلت في ختام التنوير الى الخارطة التوضيحية الاخيرة حول «البداية السريعة». اوضحت ان ما نحن بصدده هو توقيت بديل قيد النظر، كما ذكرت ايضا اننا اذا قطعنا شوطا كبيرا في تجهيزاتنا في المنطقة فمن المحتمل ان نختصر الحملة الجوية ونجعل العمليات البرية والجوية متزامنة على ان يسبقها عمل مكثف للقوات الخاصة. كان ذلك مفهوما ثوريا خارج دائرة الأعراف التقليدية. لكنني كنت خارجا على العرف طيلة حياتي. فعندما لا يصبح بالإمكان تنفيذ المهمة وفقا للاعراف التقليدية احاول فورا العثور على طريقة اخرى. ويمكن القول هنا ان اسلوب التفكير الذي اتبعه بصورة عامة يضعني باستمرار خارج دائرة التيار المحافظ داخل الجيش. عززت «عاصفة الصحراء» قناعتي بأن سرعة المناورة والمفاجأة التكتيكية تضاعفان القوة الأعظم للحرب. وفي جنوب العراق وجهت القوات الأميركية والبريطانية ضربات عنيفة الى الفيالق الضعيفة للحرس الجمهوري في مناورة تخيرنا أن تكون مع عاصفة صحراوية تحجب الرؤية لمفاجأة العدو. وكانت الأفواج السريعة الحركة قد ألحقت هزيمة بالألوية العراقية المتخندقة. ولم تكن التكنولوجيا فقط هي التي حققت الانتصار على الحرس الجمهوري في ميادين القتال مثل فيلق المدينة وانما تأثير السرعة. وفي الكثير من نقاط اتصالنا الأولية كان العراقيون يفوقون قواتنا المهاجمة عدديا. وكما هو الحال في الفيزياء فان تأثير الكتلة زاد من السرعة.
* رامسفيلد اقترح الأول من فبراير موعدا للغزو فوضعنا خطة البداية السريعة ـ 4 أشخاص فقط كانت لديهم الصورة الكلية لخطة الغزو
* اعتدنا، منذ بداية عملية الحرية الدائمة مع افغانستان،على مطالب الوزير رامسفيلد. ولكن الان وجد المخططون، الذين يعملون بدأب، مع الحالة العراقية ان سيل المهام اليومية والاسئلة تصل الى حد التحرش. وكان هؤلاء الضباط الذين تصفهم جين انهم «ادمغة 50 رطلا» اهم الاشخاص في القيادة. وكان الكولونيل مايك فيتسجيرالد والكولونيل ديف هالفرسون المخططان الرئيسيان، وهم من اكثر الناس الذين عرفتهم تضحية وعملا. ولذا اذا ما أبدوا شعورهم لي بالضيق فمن الافضل لي مواجهة مشاكلهم فورا.
وكان جزء اساسي من شعورهم بالضيق بسبب الضغط العصبي الناجم عن الجهد الاضافي المتعلق بالحفظ على السرية لمنع التسريبات. وكانت هناك مجموعة صغيرة من كبار ضباط القيادة المركزية يعرفون اجزاء مهمة من المفهوم، واربعة فقط كانت لديهم الصورة الكاملة. وكان افرادنا معزولين عن بعضهم البعض. وهو ليس بالامر الجيد لفريق محكم الاتصالات.
وقلت وانا اقف امام الحجرة «اوكى. هذا هو الاتفاق. اعلم ان مكتب وزير الدفاع ورامسفلد وولفويتس وفيث - يطالبون بالكثير. ولكنهم ليسوا الاعداء. لا تأخذوا في التفكير بطريقة الرجال الجيدين والرجال السيئين. نحن جميعا في نفس الجانب».
ولاحظوا جديتي.
واستطردت قائلا «سأتولى موضوع مكتب وزير الدفاع بنفسي، كلهم جميعا، بما فيهم دو فيث، الذي تزداد سمعته هنا بإنه اغبى رجل في الكون. مهمتكم هو ان اشعر بالدفء. نحن من المحترفين. فلنعمل من اجل مرتباتنا».
ربما نتذمر فيما بيننا بخصوص عبء العمل، ولكن هذا لا يعني اننا سنتخلى عن ولائنا للرئيس.
واستمر التكرار. وكانت الايام والليالي مثل مرحلة ما بعد 11 سبتمبر (أيلول) مرة اخرى. وبالرغم من الالم فقد حققت العملية بعض التقدم.
اراد الوزير رامسفيلد معرفة خطط الطوارئ في حالة ما اذا استفزنا صدام حسين عن طريق عمل عسكري، مثل مهاجمة الاكراد، او الاكثر ترجيحا اسقاط طائرة لقوات الحلفاء في منطقة حظر الطيران.
وجعلنا هذا نعيد التفكير في كل بدائل الرد، بما في ذلك خطة «الغرير» وهي ترمز لرد فعلنا المحدد اذا ما اسقطت الدفاعات الجوية للعدو واحدة من خططنا. وادى اعادة التفكير الى ثلاثة مستويات من الرد: الاحمر والابيض والازرق. والاحمر هو اقلها حركة وسيؤدي الى ضربة فورية بإستخدام صواريخ توماهوك الهجومية على اهداف دفاعات جوية عراقية مهمة. بينما يشمل الابيض توسيع نطاق استخدام صواريخ توما هوك وغارات جوية لمدة 48 ساعة. ويدعو التحذير الازرق الى عمليات جوية تعقبها عمليات برية، لتأسيس جيب داخل العراق يتم توسيعه عن طريق نشر قوات بسرعة.
وبدأ عدد من المخططين في اطلاق اسم عملية «البداية السريعة»، واستخدمت التعبير بعد ذلك في مناقشاتي مع الوزير.
وخلال واحدة من مؤتمرات الاتصالات قلت لرامسفيلد :«سيادة الوزير، توجد طريقتان فقط لدخول الحرب. اما ان يبدأ العدو الحرب طبقا لبرنامجه ، او نبدأها نحن طبقا لبرنامجنا. وبما انه لا يوجد قرار بدخول الحرب طبقا لجدولنا الزمني، فنحن في حاجة الى بدائل في حالة ما اذا بدأ صدام الحرب طبقا لبرنامجه الزمني. ان افضل فكرة هي«البداية السريعة» كبديل. وسنستمر في اعداد القوات والبنية الاساسية في المنطقة لدعم الدبلوماسية. واذا ما اتخذ الرئيس قرارا بالهجوم فسنبدأ بما لدينا ونتبع ذلك ، طبقا لاحتياجات الامر، بقوة اكبر».
وقال رامسفيلد «افهم. ولكن نحتاج الى اعتبارات واقعية للوقت. ما هي الجداول الزمنية المختلفة؟ ما هو تقديركم لكل فترة؟» واجبته «نعمل علي ذلك» وقال «حسنا. فلنجعله اول فبراير».
وفكرت ونحن ننهي المكالمة يا آلهي. يعني ذلك الاسبوع القادم.
وعدت الى جين ورايفل ديلونغ وقلت لهما : «اتمنى وجود قهوة كافية في مكتبكم، لانه امامنا بعض الليالي الطويلة، ولن اسمح لكم بمشاركتي في قهوتي».
* بوش سأل عن بن لادن في خضم اجتماع للتنوير
* قلت: الجنرال مشرف لا يعتقد أنه موجود في باكستان وأنا لست متأكدا من الأمر لأنه ليس على موجات البث قدمت ايجازا الى الرئيس ومجلس الأمن القومي فيما بعد ظهر يوم الخميس السابع من فبراير (شباط) في غرفة المتابعة في البيت الأبيض. وكما كان الحال خلال مؤتمر الاتصالات في ديسمبر (كانون الاول) من تكساس قدمت تقريرا عن الوضع في أفغانستان ملخصا خططنا في العمليات الهجومية الهادفة الى تدمير حصون «القاعدة» في الجبال الواقعة جنوب كابل.
وقلت ان ثلج الجبال سيذوب وسنتحرك من اتجاهات عدة على الأرض بينما ندخل قوات هجومية جوية في الوقت ذاته باتجاه الهدف.
وحددت النواحي الرئيسية لخطة المناورة على خريطة تكتيكية. وقلت: سنستخدم عناصر من فرقة الجبل العاشر والفرقة الجوالة جوا، والقوات الهجومية الاستراتيجية للتحالف، بما في ذلك القوات الألمانية والأسترالية، وقوات حلفائنا الأفغان. وسأواصل تقديم المعلومات والتقارير الى الوزير رامسفيلد عند بدء العملية.
وسأل الرئيس بوش «هل هو موجود هناك يا تومي؟» وكان الجميع يعرفون ان المقصود بالسؤال هو بن لادن. قلت: ان رجال الاستخبارات يعتقدون ان هناك مثل هذا الاحتمال. ولا يعتقد الجنرال مشرف انه موجود في باكستان. والحقيقة سيدي الرئيس هي انني لست متأكدا من الأمر. انه ليس على موجات البث، كما أنني لم أتلق تقارير موثوقة عن أماكن اختفاء بن لادن. وواصلت حديثي قائلا «هذا بلد شاق لا يسهل الوصول اليه. فقد اختفى المجاهدون عن أنظار السوفييت في هذه الجبال لفترة سنوات. وهذه هو السبب الذي يجعل حلفاءنا الأفغان اساسيين. فهم يعرفون كل كهف ونفق».

 

 


   

رد مع اقتباس

قديم 28-03-09, 03:00 PM

  رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

جندي أميركي (3) ـ فرانكس: نعم .. هناك أزمة ثقة بين وزارتي الدفاع والخارجية.. وهذه هي الأسباب: غياب الثقة بين الوزارتين تعزز على يد نائب وزير الدفاع بول وولفويتز ونائب وزير الخارجية ريتش أرميتاج
بيروقراطية واشنطن دخلت كثيرا في قتال شبيه بقتال مجموعة من القطط موضوعة في كيس واحد * رامسفيلد على استعداد لمصافحة الشيطان إذا كان في ذلك تعزيز لتحقيق أهدافنا في الحرب على الإرهاب
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
تنفرد بنشره «الشرق الأوسط»
ظل باول ورامسفليد، مثل بقية أعضاء مجلس الأمن القومي، يراقبان الحوار الحاد بصمت. شعرث أن هناك توترا بين دونالد رامسفيلد وكولن باول، وهذا لم يبد كشيء مفاجئ لأي شخص يعرفهما. فهذان موظفان ألمعيان ودؤوبان ويتمتعان بشخصيتين قويتين (والأنا فيهما قوية ومتعالية) وتتناسب مع موقعهيما الوزاريين. وكلاهما يمتلك طاقة لا تنفد ، مع رؤى استراتيجية متعارضة بينهما. فهما شخصان موهوبان مثلما يصفهما كتاب الاعمدة غالبا، وكلاهما يتمتع بخلفية متماثلة من حيث الخبرة.
الى ذلك يذهب رأي كولن باول بأن أميركا هي في المرتبة الأولى بين أفراد عائلة متساوين يمثلون الأمم الحرة. واعتقد أنه يرى أن مهمة أميركا في العالم هي خلق شبكة من العلاقات الدولية لتخفيف التوتر في الشرق الاوسط وجنوب غرب آسيا وفي محاربة الإيدز والفقر، وتعزيز حقوق الإنسان، وتحجيم تجارة المخدرات، والتخفيف من الحواجز الجمركية، وبالتأكيد محاربة الإرهاب الدولي. لكنه أيضا يضع أهمية كبيرة لدور المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة والناتو. ويؤمن بعقد الشراكة مع أولئك الذين وقعوا على اتفاقيات أوسلو لحل النزاع العربي / الإسرائيلي العسير.
أما وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، فهو الآخر لديه أولويات في ما يخص قضايا الأمن الدولي قبل 11 سبتمبر. لكنه منذ ذلك الوقت قد كسب الحرب ضد الإرهاب، وتمكن من تحويل وزارة الدفاع الى مركز اهتمامه الأساسي. وحينما أعلن الرئيس بوش لأمم العالم بأنها إما أن تكون معنا أو ضدنا في الصراع والحرب على الارهاب، وافق رامسفيلد على ذلك بدون أي تحفظ ، وكأنه محارب طلائعي من الحرب الباردة راح يظهر استعداده لدفع أي ثمن لضمان أمن أميركا.
الى ذلك آمن رامسفيلد بما يعرف بالسياسة الواقعية (ريل بوليتيك)، ولذلك فهو على استعداد لقطع مسافة تساوي نصف محيط الأرض كي يلتقي بالرئيس الأوزبيكي إسلام كريموف، الذي يتميز بسجل سيئ في مجال حقوق الإنسان ، لضمان قاعدة جوية للعمليات الأميركية في أفغانستان. ولعله على استعداد لمصافحة الشيطان إذا كان في ذلك تعزيز لتحقيق أهدافنا في الحرب على الإرهاب.
ومن هنا تم تقديم الانشقاق، والذي تنامى في نهاية المطاف بين وزارتي الخارجية والدفاع، حول السياسة المتعلقة بالعراق، على أساس أنه نابع من عداوة شخصية بين وزيري هاتين الوزارتين، وهذا تحليل يصطحب الكثير من التبسيط . فهذان رجلان ينظران إلى العالم بطريقة مختلفة. ومن وجهة نظري، فإن ذلك ناجم عن التقارب والتداخل بين مسؤوليتيهما، إضافة إلى طبيعة الشخصيات التي تعمل تحت مسؤوليتيهما ـ وهذا هو السبب الحقيقي للاحتكاك الجاري يوميا بين وزارتي الخارجية والدفاع.
فوزارة الخارجية المسؤولة عن العلاقات الدولية والدبلوماسية تعين السفراء للأمم المتحدة ولمعظم البلدان ذات السيادة في العالم. وفي وقت معين يستخدم باول هذه الشبكة للدفع بسياسات الولايات المتحدة التي تتراوح بين حقوق الإنسان والمصالح التجارية. وكذلك الحال مع وزارة الدفاع، فلديها مسؤولون عسكريون في كل بلدان العالم تقريبا يعملون مع السفراء في المجالين العسكري والأمني. وكأن أيا من الوزارتين عبارة عن اخطبوط وأذرعه تلف العالم. وفي الكثير من المسائل تكون القرارات السياسية ذات تأثير على قدرة السفير لأداء عمله; وكذلك هو الحال أيضا بالنسبة للسفراء الذين يتابعون العمل الذي يقوم به الجيش.
ولكلا هاتين الوزارتين أيضا بيروقراطية هائلة. فكل منهما لديه مئات الشخصيات، والكثير منهم يتنافسون من أجل السلطة والتصيد لضمان أن يكون أي قرار يسير بالاتجاه الذي يريدونه. والى ذلك فقد شاهدت خلال السنة الماضية قدرا كبيرا من الاحتكاك الذي تنامى بين الوزارتين. ففي كثير من الحالات تنظر وزارة الخارجية إلى وزارة الدفاع بأنها تجمع عددا من الصقور المكرسين كل جهودهم للعمل العسكري بدون الاهتمام بما يترتب عليه من نتائج على المستوى المحلي والدولي، فيما تنظر وزارة الدفاع لوزارة الخارجية بأنها تضم عددا من البيروقراطيين المحبين للاجتماعات وكتابة التقارير، لكنها وزارة بطيئة في تجاوبها مع قضايا مهمة. والحقيقة قد تكون موجودة بين هذين القطبين، لكن هناك شيئا واحدا مؤكدا، وهو أن هناك نقصا في الثقة بين الوزارتين.
وقد تعزز غياب الثقة بينهما على يد نائب وزير الدفاع بول وولفويتز ونائب وزير الخارجية ريتش أرميتاج; وكذلك هو الحال بين دوغ فيث وكيل وزارة الدفاع لشؤون وضع السياسات والمسؤولين الكبار في وزارة الخارجية. ومع ذلك يجب عدم الشك بأن هؤلاء الرجال يخدمون بلدهم بعاطفة شديدة. فموالاة رامسفيلد وباول لمساعديهم، وللآراء التي يطورونها، والنقاط التي يثيرونها خلال التخطيط للحرب، يجعل هذا الأمر واضحا جدا. ولكن، وفي المقابل، وفي الكثير من الحالات، يصل التزام هؤلاء المستشارين إلى درجة تفتقد إلى المرونة تجاه أفكارهم، مما يؤدي إلى وضع انقسامي ومعرقل حينما يسعون للتأثير على مسؤوليهم، ثم، وفي نهاية المطاف، التأثير على جورج بوش في ما يتعلق بالسياسة الخاصة بالعراق. وفي الكثير من الحالات دخلت بيروقراطية واشنطن في قتال شبيه بقتال مجموعة من القطط موضوعة في كيس واحد. أما من جانبي، فأنا أرى أن استماعا أفضل، مع مرونة فكرية أعلى، وإرادة أكبر للتعلم والقبول بالحلول الوسط ، كان له أن يخدم مسؤوليهم بشكل أفضل لهم وللقائد العام للقوات المسلحة ولبلدنا.
* كيف قضيت على نمط التفكير التافه لعملية الغزو داخل البنتاغون؟
* الطقس عامل مهم، فطالما ان قواتنا ستحارب، وهي مرتدية ملابس واقية من الاسلحة الكيماوية والبيولوجية، فان حرارة منتصف الصيف، التي قد تصل الى الخمسين درجة مئوية، تجعلنا ضمن خانة الضوء الأصفر، والعواصف الرملية في بداية الربيع عائق آخر. ومن هنا وجب السعي الى تجنبهما ما امكن، لذلك قلت للحضور من مجلس الامن القومي ومخاطبا الرئيس بوش: التوقيت المناسب، سيدي الرئيس، يقع بين ديسمبر ومنتصف مارس.
وإلى ذلك تعمدت احاطة مجلس الامن القومي بمثل هذا المستوى من التفاصيل لأني اردت ان اترك انطباعا مؤثرا عليهم حول الطبيعة المعقدة لعملية اتخاذنا للقرار من وجهة نظر عسكرية محضة. وخلال الاتصال عبر الفيديو قبل اسبوع واحد من هذا اللقاء كان رامسفيلد قد رمى بواحدة من قنابله البلاغية المنمقة في وجهي، فتساءل ما اذا كنا قادرين على البدء بالحملة في ابريل 2002، اي اقل من ثلاثة اشهر قلت: لكن انتشارنا سيحتاج الى ثلاثة اشهر، وهذا يعني اننا سنكون جاهزين في شهر مايو، وانا حقا لم اكن اريد ان نبدأ حربا برية بعد الاول من ابريل ايا كانت السنة التي سنحارب فيها.
ذهب أملي الى ان ذلك التنوير الذي قمت به سيقضي على ذلك التصور بان عملية حاسمة في العراق ستكون امرا سهلا لا يتطلب سوى وحدات عسكرية قليلة والى ذلك كانت بعض كوادر البنتاغون قد اقترحت استخدام فرقة واحدة مسلحة بشكل ثقيل مع دعم جوي كبير باعتبار ان هذا كاف لفتح الباب امام جماعات المعارضة المقيمة في المنفى كي تسير منتصرة صوب تحرير بلدها. كان هذا النمط من التفكير تافها، لذلك اردت ان انهيه بأسرع ما يمكن.
فأي من هؤلاء «الاستراتيجيين» لم يسبق له ان قام بارسال اي وحدات لمواجهة دبابات تي 72 العراقية بينما قمت انا بذلك، واذا امرني الرئيس بخوض الحرب فأنا سأقوم بها بطريقة وتوقيت يعطيان وحداتنا افضل فرصة لتحقيق مهمتها بسرعة، مع اقل قدر ممكن من الخسائر.
* دفعتنا رسالة سرية عن استعدادات عر
اقية لاستخدام الأسلحة الكيماوية لتسريع القتال وإسقاط بغداد ـ صديق عراقي أخبرنا من داخل المستشفى بمكان المجندة جيسيكا لينتش المخطوفة فحررناها
* رن الجرس الأحمر، وأعلنت ساعتي ان الوقت هو الثالثة وخمس دقائق. أي يوم؟
حسنا، انه الأول من ابريل. وكنت آمل ألا يكون هذا يوما لممارسة كذبة ابريل.
أفادني فان موني: «رسالة من ديل ديلي، سيدي. لديهم المسافر».
أنباء سارة. «المسافر» هي المجندة التي كانت الوكالة قد اقتفت آثارها الى مستشفى صدام وسط مدينة الناصرية. وكان عراقي صديق في المستشفى قدم تفاصيل عن مكانها المحدد. وأبلغني فان بتفاصيل ما كان معروفا حتى اللحظة. فقد خاض جنود من وحدة المهمات الخاصة، وبدعم من جنود المارينز، قتالا وسط هجمات الفدائيين واقتحموا المستشفى. ولم يصب أي من أفراد قوات التحالف في عملية الانقاذ. وأضاف فان: «هناك شريط فيديو سجلت عليه العملية».
تمددت في سريري وكنت اشعر بأن النعاس داهمني. وأجبت «سأرى العاملين في الساعة السابعة».
قلت «ما اسم تلك المجندة ؟» أجاب: «لينتش يا سيدي، جيسيكا لينتش».
وكان جيم ويلكنسون متلهفا لتقديم شريط فيديو الرؤية الليلية الدراماتيكي الذي صور عملية انقاذ لينتش الى العالم.
وقال «انها أنباء رائعة جدا ايها الجنرال. مشاهد مذهلة جديرة برؤية العالم لها».
قلت «ليست فكرة جيدة، يا جيم». وأضفت «هذه هي الصفقة. أنقذنا حياة أسير حرب. ولكن هناك سبعة آخرين. وقد يكون هناك عدد أكبر قبل ان ينتهي الأمر. أضف الى ذلك ان علينا أن نكون هادئين. فنحن لم ننته من كل شيء».
أجاب: «الصحافيون يعرفون، الآن، عن عملية الانقاذ، سيدي. وسيطالبوننا بإلحاح بالحقائق في ايجاز الصباح الصحافي».
فكرت قليلا ثم قلت: «حسنا. دعهم يطرحون القضية. اذا ما سألوا عن الفيديو يمكنك عرضه. ولكن لا تظهر ميلك لهذا الأمر. وفي غضون ذلك طمئن عوائل الأسرى الآخرين، عبر التلفزيون، بأننا نفعل كل ما في وسعنا من أجل تحرير أحبائهم». وأدى جيم مهمته. وحصل الصحافيون على قصتهم الاخبارية. ولكن بعد أن نقلت المجندة جيسيكا لينتش، بدأت ماكينة العلاقات العامة في أوروبا والولايات المتحدة عملها النشيط بشأن عملية الانقاذ. وبحلول الوقت الذي انتهوا فيه من ذلك كانت تلك المجندة الشابة التي عانت الكثير من الآلام قد اصبحت بطلة، وباتت عملية انقاذها مادة لصنع الأفلام. وتذكرني القصة كلها بحقيقة القول القديم المأثور: ان الأشياء في نهاية المطاف ليست أسوأ أو أفضل مما تبدو في البداية.
اتصل ضابط مهمات من وحدة الالتحام، عصر الأول من ابريل قائلا «أيها الجنرال، مدير الاستخبارات المشتركة يرجو ان تنضم إليه لدقيقة اذا كان ذلك ممكنا».
لا بد ان هناك شيئا هاما. فقد كان لجيف كيمونز أن يجلب أية تقارير استخباراتية عادية يريد مني رؤيتها الى غرفتي.
قال جيف وهو يناولني خلاصة في صفحة واحدة سرية للغاية. قال ديفيد ان قوات المارينز والقوات البريطانية اكدت هذا الأمر.
قلت «شكرا»، وأنا أقرأ الورقة بعناية. هذا أمر هام. وجد المارينز الذين دخلوا الى الثكنات العسكرية للفدائيين في السماوة سقيفة وفيها أبواب فولاذية مغلقة تحتوي على أطنان من العتاد والكثير من الصناديق التي تعود الى وحدات الحرس الجمهوري الخاص. كما اكتشف المارينز أيضا ما يزيد على 300 من بدلات وأقنعة الوقاية من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية. ولم تكن هذه من المعدات الاضافية المنسية من حرب الخليج قبل 12 عاما. فقد كانت جديدة وحديثة وغير مستخدمة، وكافية لعمل مؤسسة مكلفة بالعمل في مجال أسلحة الغازات السامة مثل غاز الأعصاب. ويتمتع بأهمية مماثلة ان المارينز وجدوا مئات عدة من الحقن مليئة بغاز الأعصاب. وفي الفناء خلف السقيفة كانت هناك عربتان مجهزتان بوسائل التخلص الميداني من التلوث الاشعاعي، وكانت مخازن الضغط العالي فيها مليئة بمحلول منظف. هؤلاء العراقيون كانوا مستعدين للعمل في بيئة أسلحة الدمار الشامل.
وكان العراقيون يعرفون انه ما من قوة من قوات التحالف كانت مجهزة بأسلحة كيمياوية. فالولايات المتحدة وجميع شركائها كانوا قد أدانوا استخدام مثل هذه الأسلحة ودمروا المستودعات التي يملكونها منذ سبعينات القرن الماضي. وكان جيش صدام حسين يستعد لحماية نفسه ليس من أسلحة الدمار الشامل التي نمتلكها وإنما من أسلحته هو.
وناولني جيف ورقة أخرى. فالقوات البريطانية التي تعمل في محيط البصرة وجدت مجموعة مماثلة من الأقنعة وبدلات الوقاية. كما اكتشفوا معدات تدريب ميداني على الحرب الكيماوية، بما في ذلك أجهزة انذار حساسة لغاز الأعصاب ووسائل لحقن مادة الأتروباين.
وكان هناك مزيد من الأدلة تشير الى النتيجة ذاتها: العراقيون كانوا مستعدين لاستخدام الاسلحة الكيماوية، ربما غاز «في إكس» وغاز السارين، وهي المواد ذاتها التي استخدموها ضد القوات الايرانية وضد الأكراد العراقيين في سنوات الثمانينات.
قلت «شكرا جيف. هذه تقارير هامة، ولكنها على اية حال ليست أنباء سارة».
قال جيف «لا أعتقد انه سيمر وقت طويل قبل ان تستخدم الأسلحة الكيماوية ضد قواتنا».
أجبت «أخشى أن تكون على حق».
ولم يتعين علينا ان ننتظر طويلا قبل الأزمة المقبلة لأسلحة الدمار الشامل. ففي ظهر يوم الثاني من ابريل كنا جون أبي زيد وأنا نناقش الخطط العملياتية للمرحلة النهائية في بغداد عندما جاء جيف كيمونز الى مكتبي.
قال جيف «آسف للمقاطعة. هذا التنصت وصل للتو». وناولني ورقة مطبوعة سرية للغاية.
معلوماتنا عبر الاتصالات كانت قد اعترضت سبيل رسالة صوتية من آمر فيلق المدينة للحرس الجمهوري وهو يصدر أوامر لفرقه في منطقة كربلاء.
كانت الرسالة بسيطة ومروعة «دم. دم. دم». وقال جيف «قد يكون هذا تفويضا باستخدام أسلحة الدمار الشامل، سيدي».
رفعت السماعة الحمراء واتصلت بديفيد ماكيرنان «ديفيد ان جيف يرسل اليك بالفاكس تقرير تنصت على آمر فيلق المدينة. نحن على وشك مواجهة موضوع أسلحة الدمار الشامل قريبا».
وقال ديفيد بلهجته الهادئة العادية «مفهوم أيها الجنرال. أصدرت توجيهات الى أفراد القوات في المدى غير المباشر لنيران الحرس الجمهوري لكي يكونوا جاهزين للاحتمالات».
وكنت أعرف ان ارتداء بدلات الوقاية من الأسلحة الكيماوية في حرارة ابريل العالية أمر شاق. ولكننا لا يمكن أن نغامر بحياة الآلاف من جنودنا في هجوم كيمياوي كبير مفاجئ بينما تقترب قواتنا من بغداد. ولم أكن أعرف يوم الثاني من ابريل متى يمكن أن تضرب قواتنا بأسلحة كيمياوية أو بيولوجية، ولكنني كنت واثقا من ان ذلك سيكون قريبا. فقد أعد العراقيون أنفسهم للقتال في بيئة استخدام اسلحة الدمار الشامل، وكان النظام قد استخدم أسلحة كيمياوية في السابق، وهناك دلائل على امتلاكهم اسلحة دمار شامل... ونحن نتقدم على عاصمتهم. وكانت فرصتنا الأفضل هي تسريع القتال، والتحرك بصورة اسرع مما كنا عليه خلال الأيام الـ 12 الماضية.

 

 


   

رد مع اقتباس

قديم 28-03-09, 03:02 PM

  رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

جنـدي أميـركي (4) ـ فرانكس : قلت وأنا أشاهد نقلنا المصور لعمليتي المطار وبغداد: هناك خطأ فني لأنه ليست هناك دبابات للعدو في الصورة
قال لي جون أبي زيد مع السهولة التي اقتربنا بها من مطار صدام: لن يكون هناك حصن لبغداد إذن * واجهنا مئات المقاتلين من مصر والسودان وسورية وليبيا على أطراف بغداد وقد قاتلونا بضراوة ولكن بلا كفاءة فأبدناهم جميعا
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
كانت قواتنا على بعد أميال قليلة من مطار صدام الدولي الواقع في الضواحي الجنوبية الغربية لبغداد.
وكانت الساعة العاشرة وأربع عشرة دقيقة من يوم الجمعة المصادف الرابع من ابريل.
وكانت الوحدة الثالثة مدعومة بضربات قوية ناجحة من طائرات الأباتشي قد قاتلت في منطقة كربلاء.
وألحقت قوات المهمات المدرعة في الفرقة هزيمة ببقايا فيلق المدينة واستطاعوا أن يبعدوا مساعديهم من الفدائيين، فيما كانت مجموعة صغيرة من وحدة الفرسان تتقدم نحو الطريق الرئيسي وعلى وشك أن تتجه نحو الطريق السريع الذي يؤدي الى المطار.
أبلغت جين ان «ولئك الأشخاص هم على بعد قريب من المرتفع هناك، وأنني آمل أن يكونوا على معرفة بمكان وجودهم».
والتقطت السماعة الحمراء واتصلت بديفيد ماكيران وقلت:
«ديفيد، هل تراقب تلك المجموعة من قوات الفرسان التي تتحرك مثل الوطواط في ذلك الجحيم؟».
قال: «أيها الجنرال افتح الميدان على شاشتك بدرجة او درجتين أعلى. ان تلك المجموعة من قوات الفرسان الاستطلاعية تتبعها قوات يبلغ تعدادها ستة أو سبعة آلاف من رفاقهم على بعد ثلاثين دقيقة».
نظرت الى الكومبيوتر. كان هناك صف لا نهاية له من الرموز الزرقاء، وهم طليعة قوات الاستخبارات، يتحركون باتجاه الطريق الرئيسي على بعد 20 كيلومترا خلف مجاميع الفرسان الاستطلاعية، كما قال ديفيد.
قلت وأنا اشعر بالارتياح: «هذا عظيم».
قال غرينتش: «انظر الى وولتر روجرز على محطة سي إن إن».
كان الصحافي يتحرك في عربة برادلي وهو يقوم بتغطية حية عبر هاتف الفيديو. وفي الخلفية الغائمة استطعت أن أميز الطرق الرئيسية المتداخلة والجسور في ضواحي بغداد... وبقايا دبابات الحرس الجمهوري تي 72 المحترقة.
وأوضح ديفيد ماكيرنان على مؤتمر الاتصالات قائلا: «أود ان اقدم لك آخر المعلومات والتطورات عن وضعنا حول بغداد».
كنت وقتها أستطيع أن أرى على الخريطة أن الألوية وقوات المهمات في قوات الاستخبارات الثالثة منتشرة في ضواحي بغداد الغربية والجنوبية، مع التركيز الشديد على المطار الدولي. ولكن لواء واحدا كان يتخذ موقعا على امتداد الطريق العام الثامن على بعد أميال عدة نحو الجنوب.
كان الوقت آخر ليلة الجمعة المصادف الرابع من ابريل. وكنا قد قضينا الساعة الأخيرة في مناقشة أفضل طريقة لتفريق مقاومة النظام المنظمة في العاصمة بغداد. والى ذلك كنت أريد الدبابات الاميركية في المدينة اليوم التالي. وذهب تقديري الى أن فعلا كهذا سيكون أكثر من مجرد استعراض للقوة. والحقيقة ان هدفي كان اختراق دفاعات العدو للتعرف على ما إذا كانت أية وحدات من الحرس الجمهوري كانت قد تراجعت إلى المدينة بعد الضربات التي تلقتها جنوب بغداد.
وقلت لنفسي وأنا أتذكر عمليات الاستطلاع التي شهدتها قرب جسر واي في فيتنام عام 1968 إنها تبدو بالنسبة لي مثل مسير العاصفة. وفكرت للحظة ان شيئا من فيتنام أمر يستحق التذكر. وكانت «مسير العاصفة» وحدة مشاة مدرعة وميكانيكية تتحرك بسرعة كبيرة عبر منطقة تشبه مدينة. وكان الغرض من ذلك إما مفاجأة العدو أو إلحاق الهزيمة به عبر استخدام القوة.
قال لي ديفيد: «مفهوم سيدي. انها مسير العاصفة».
وقلت «وافني بالمعلومات».
وكنت ساعتها تحت إغراء الاهتمام بلوحات الخرائط مع ضباط بوف بلونتس من اجل المساعدة على تخطيط تكتيكاتهم، فيما كانت الفرقة الثالثة قد أثبتت قدرتها على القتال في مختلف الظروف من الصحراء الى المدينة. فقد تقدمت دباباتهم وعربات برادلي عبر دفاعات العراقيين في الصحراء وفي مدن عدة على المسير الطويل في الطرق السريعة من واحد إلى ثمانية.
وفي المقابل،غالبا ما كانت وسائل الإعلام خلف وحدات المناورات الطليعية فيما كان الكثير من هذه المعارك يجري في الليل. ولهذا فان الجمهور لم يكن على دراية بكثافة ومدى المعارك التي خاضها هؤلاء الجنود. ولكن ثلاثة من المعارك في كربلاء ومحيطها كانت حامية الوطيس. وهي تذكر المرء بالمعارك البرية في الحرب العالمية الثانية. ومن هنا رأيت أنه وإذا ما كان لأي وحدة في الجيش الأميركي أن تعالج الوضع فإنها لا بد ان تكون الفرقة الثالثة.
***
في الساعة السادسة والدقيقة التاسعة والعشرين كنت وحيدا في غرفة الحرب. وكانت قوة لواء مهمات على وشك عبور حدودها الهجومية على الطريق الرئيسي رقم 8 لتتحرك الى الشمال باتجاه وسط بغداد. وانضم إلى في تلك اللحظة جون أبي زيد وجين رينوارت. كنا نراقب الرموز وهي تتحرك على الطريق الرئيسي عبر الضواحي باتجاه المدينة.
من جهته كان وزير إعلام بغداد قد ابلغ الصحافيين في المركز الصحافي بفندق فلسطين بأن الأميركيين وقعوا في مستنقع في الجنوب. وادعى قائلا:«إنهم ليسوا قريبين من بغداد، ولكن إذا ما وصلوا فسنذبحهم».
إلى ذلك وخلال تصفحنا في القنوات الفضائية وجدنا بثا تلفزيونيا من الصحافي المرافق لقوة المهمات المدرعة 164 وفيها 29 دبابة من طراز أبرامز و14عربة برادلي. وكانت لدى الفرقة الثالثة ايضا طائرة من طراز (هنتر يو أي ) في ملاحقة للحدث، ولهذا كانت لدينا أحيانا تغطية بالفيديو فوق رؤوسنا.
وفيما كانت الأرتال السريعة من دباباتنا وعرباتنا يسير تحت وابل من نيران الأسلحة الخفيفة والمدافع وقذائف آر بي جي، لاحظنا جميعا شيئا مدهشا: ليست هناك دبابات للعدو.
قلت «هناك خطأ فني».
قالت لي جين: «كان هناك خطأ فني سيدي». فقد اختفت سيارة البيكاب في غيمة دخان عندما مزقها مدفع البرادلي من عيار 25 مليمترا.
والى ذلك استمر القتال في جهة شمال الطريق الرئيسي من مشاة الحرس الجمهوري، الذين يقاتلون بتشكيلات صغيرة مبعثرة، والفدائيين وقد احتشدوا على امتداد الطريق. وبدا كما لو أن كل واحد منهم يحمل «آر بي جي» ويطلق قذائف على دباباتنا وعرباتنا. ولكن قوة المهمات تقدمت الى الأمام وهي تخوض القتال عبر سلسلة من الهجمات الدموية الحادة. وقد أبلوا بلاء حسنا.
وبعد ما يقرب من ساعتين ونصف الساعة وصلت قوة المهمات الى المواقع القريبة من المطار، وكانت قد فقدت في التقدم عددا من المركبات التي أعطبتها قذائف الـ «آر بي جي».
وقال جون أبي زيد وقتها: «لن يكون هناك حصن لبغداد إذن».
قلت: إننا سنعرف ذلك في غضون يوم أو يومين.
وبينما كنا نتكلم كانت أفواج القتال من قوات المارينز تحكم الطوق على الجزء الجنوبي الشرقي من المدينة. لقد خاض المارينز معارك طاحنة مع بقايا وحدات الحرس الجمهوري التي نجت من الهجمات الجوية المكثفة. وواجهوا ايضا مئات عدة من المقاتلين الأجانب من مصر والسودان وسورية وليبيا ممن تلقوا تدريبا من جانب النظام في معسكر يقع جنوب بغداد. وكان أولئك المتطوعون الأجانب يقاتلون بضراوة انتحارية، ولكنهم لم يقاتلوا بكفاءة. وقد قتلتهم قوات المارينز جميعا.
***
وجهت المؤشر على خريطة الرادار الى الركن الشمالي الشرقي من العراق، المنطقة الكردية المستقلة ذاتيا. وقبل ساعات كانت هناك أيقونات محدودة تمثل فرق القوات الخاصة وحلفائهم من البيشمركة، لتظهر من بعد رموز تمثل وحدة من اللواء 173 الجوال جوا، بالإضافة الى مزيد من فرق الوحدات الخاصة التابعة للقوات الخاصة. وعندها اتصل بي غاري هارل من مقره ليقول: «سيدي لقد شاركنا في معركة جيدة هنا. كانت هناك ثلاثة فرق من القوات الخاصة بالاضافة الى 80 من مقاتلي البيشمركة، وتم الاستيلاء علي معابر للواء 173 ثم اوقفوا تقدم سرية آلية تابعة للجيش».
وسألته: «دبابات؟» قال: «فصيلة من دبابات تي - 55 وعلى الأقل مدفع من عيار 57 مليمترا. وقد تقدم الأوغاد متظاهرين بالاستسلام، ولكنهم فتحوا نيرانهم بعد اقترابهم منا. وقد دمرهم رجالنا».
وبالنسبة لغاري هارل فإن مثل هذه العملية من الأمور المعتادة. ولكني تعجبت كيف نفذوا العملية. وسألته: «هل كان هناك دعم جوي؟».
قال: «لا.. ولكن كانت لديهم مجموعة من صواريخ جافلين المضادة للدبابات».
والجافلين هو احدث اجيال الأسلحة المضادة للمدرعات التي تطلق من على الكتف وهي معروفة باسم «أطلق وانس». ومن حسن الحظ ان القوات الخاصة كانت لديها هذه الصواريخ.
والشاهد أنه قد سادني شعور يقترب من اليقين بأننا نكسب هذه الحرب بالفعل، وشعرت بأني محظوظ لوجود مثل هذه القوات الواسعة الحيلة والأداء، ويرجع ذلك الي الرجال والنساء الذين يقاتلون فيها.
***
ضجت قاعة المؤتمرات بالحضور يوم الاربعاء 9 ابريل (نيسان) 2003. كنا نشاهد شبكة «سي إن إن» عندما كانت المركبة العسكرية الاميركية الملطخة تزحف إلى الأمام وسط جموع العراقيين الذي تجمعوا حول تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس. حاول بالعض الإطاحة بالتمثال بجره بواسطة حبال ربطت حول عنق الدكتاتور، إلا أن ذلك لم يطح بالتمثال الى أن تدخل المارينز للمساعدة مستخدمين جنزيرا كان في مركبتهم العسكرية، وبعد ذلك لم تستغرق عملية إطاحة أطنان البرونز وقتا طويلا. تسلق الكثيرون على التمثال بعد إطاحته وانهالوا عليه ضربا بالأحذية مما أثار عاصفة من التصفيق داخل قاعة المؤتمرات حيث تجمع عدد غير قليل لمتابعة الأحداث على شاشات شبكة «سي إن إن». تغطية وسائل الإعلام ربما أشارت الى أن الحرب قد حسمت. صحيح أن المعارك الرئيسية قد انتهت، ولكن الحرب لم تنته بعد. قلت لدونالد رامسفيلد في نهاية الاتصال المصور عن طريق شبكة الفيديو: «سيدي الوزير... كنا نتحدث حول التوقيت الخاص بالمرحلة الرابعة. البريطانيون سينظمون طابورا للاحتفال بالنصر العسكري لدى عودة أولى وحداتهم المقاتلة من الخليج. إلا أن جنودنا لن يعودوا الآن. أود التفكير في وسيلة للاعتراف بالتضحيات التي قدموها. لا يزال هناك الكثير من العمل الذي لم ينجز بعد هنا، إلا أن العمليات القتالية الرئيسية قد انتهت». كنت في واقع الأمر اريد أن يعترف وزير الدفاع او الرئيس علنا بهذه الحقيقية لقواتنا. ثمة سبب آخر يدعو الى إصدار بيان رسمي حول انتهاء المرحلة الثالثة. هناك أعضاء في التحالف لا يرغبون أن تشارك قواتهم في القتال، لكنهم أكدوا استعدادهم للمشاركة بمجرد الانتهاء من هذه المرحلة. وأبلغت رامسفيلد بأننا نرغب في أن نرى وصول قوات هذه الدول للمساهمة في جانب المساعدات الانسانية، وسألته على وجه التحديد حول ما اذا كان لديه أي مقترح محدد في هذا الجانب، وأضفت قائلا، وأنا ابحث عن كلمات مناسبة لهذا السياق، :«سيكون جيدا لو أكد الرئيس على نجاح العمليات القتالية الرئيسية... فالقوات انجزت كل المهام التي اوكلت لها. اعتقد انه لم تكن هناك عملية قتالية اكثر نجاحا من عملية حرية العراق». أجاب رامسفيلد قائلا: «سأتحدث مع الرئيس».
شعرت بالامتنان إزاء كلمات الرئيس في اليوم الاول من مايو 2003 ولم أكن اعلم الانتقادات التي سيواجهها بسبب توصية صدرت عني.
* للتاريخ: بوش قالها لاذعة: لن يكون لتوقيت الغزو أي صلة بانتخابات الكونغرس أو استطلاعات الرأي العام
* تدخل أندي كارد ليقول: «سيادة الرئيس نحن لدينا انتخابات الكونغرس في نوفمبر المقبل. وهذا أيضا يحتاج إلى تحديد موعد لمناقشة هذه القضية». لكن جورج بوش قال بنبرة لاذعة: «ليس لهذا الأمر أي اعتبار. إذا خضنا الحرب فإن ذلك يكون بسبب متطلبات أمن أميركا. لن يكون للتوقيت أي صلة بموضوع انتخابات الكونغرس أو باستطلاعات الرأي العام». كنت أعلم أن الرئيس يحترم كارد لكنه بعث برسالة لفريق الأمن القومي مفادها أن الأولوية بالنسبة له واضحة.
الى ذلك وحول الرسم البياني الأخير وصفت مواقع «القوة في شكلها الأمثل» على الحدود العراقية. وأنا عنيت بذلك وجود وحدات متنوعة مع طائرات وسفن قادرة على إضافة ثقل لضغوطنا الدبلوماسية لتستخدم كبؤرة للحملة الحاسمة. وشددت على أن يكون نمط نشر قواتنا مساعدا لتحقيق هذا الهدف بدون استفزاز صدام إلى رد فعل مستند إلى نصيحة خاطئة.
وعن طريق تبني وجهة نظر معارضة، شارك رامسفيلد في النقاش بطرح هذا السؤال: هل على القيادة المركزية الانتظار حتى ديسمبر كي تبادر بإطلاق عمليات حاسمة؟
كنت أعرف أن وزير الدفاع يريد مني أن أشدد أمام مجلس الأمن القومي على التوقيت المناسب لأي عملية حربية ممكنة. قلت له «سيادة الوزير نحن بإمكاننا أن ننشر الوحدات وننفذ الخطة في أي وقت يأمرنا الرئيس للقيام بذلك».
سأل الرئيس بوش وفي ذهنه خطر استخدام أسلحة الدمار الشامل «هل يمكننا أن نبدأ في وقت أبكر إذا كان ذلك ضروريا؟». أجبته «نعم نستطيع سيادة الرئيس. لكن ستكون الحرب بشعة وستستغرق وقتا أطول مع وقوع سلسلة عمليات أكثر وبخسائر أكبر للجانبين. ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تدمير أكبر للبنية التحتية العراقية في حالة عدم تنفيذ العملية التي وصفتها».
قال رامسفيلد «سيادة الرئيس، الجنرال فرانكس يعمل على عملية متزامنة قادرة على تحطيم المقاومة العراقية في فترة أقصر بكثير من فترة التسعين يوما المخصصة للمعارك البرية الرئيسية».

* الجنرال للقائد البريطاني في البصرة: تحطيم الأهالي لمقار حزب البعث عنف سيجعلنا نبقى هنا لفترة
* جلست على مقعد المقلاع أراقب الصحراء، والطائرة تسير بسرعة 160 عقدة. كنا في طريقنا إلى مقر الفرقة المدرعة البريطانية الأولى بالقرب من البصرة. وكانت الساعة العاشرة صباحا يوم 7 ابريل، وكنت أقوم بأول زيارة للقوات في العراق. وكانت أول زيارة هي للقوات البريطانية، ثم اتجهت الى المارينز ثم إلى الفرقة 101 الجوالة جوا.
واستمع قائد الطائرة إلى رسالة عبر سماعات الأذن، ثم رفع إصبعه وصاح «دقيقة واحدة». كانت هناك شبكة للحماية من الشظايا مفروشة على أرضية الهليكوبتر، وكنا نجلس على سترات واقية. لقد كان الفدائيون ناشطين في تلك المنطقة، وطائرة مثل هذه هدف جيد.
وهبطنا وجلسنا على الرمال.
وتقدم الجنرال روبن بريمز قائد الفرقة البريطانية بزيه الصحراوي المميز إلى الأمام ورفع يده بالتحية قائلا :«أيها الجنرال. امر جيد ان تحضر». كانت درجة الحرارة مرتفعة للغاية في منطقة الهبوط، وكنت أشم رائحة الديزل. وكانت مجموعة من دبابات تشالنجر وسيارات واريور المقاتلة تحيط بمنطقة الهبوط.
وكما هو متوقع، كان الشاي جاهزا في خيمة القائد روبن برمز، مع فناجين وأطباق من الصيني، وأطباق صغيرة عليها ساندويتشات، وبسكويت». وعرض علي بريمز موقفه التكتيكي على خريطة كبيرة. وكانت الفرقة قد فتحت الطريق الى أم القصير. وقال: «الإمدادات الإنسانية في طريقها.» وسألته: «روبين ما هو الوضع الأمني؟» قال: «جيد خلال النهار، أيها الجنرال. صعب بعض الشيء خلال الليل. ولكن السكان يقتربون منا». وأشار الى خريطة تفصيلية لمدينة البصرة الكبرى. وأضاف: «يتجهون الى مكاتب حزب البعث ويحطمونها. يبدو الأمر وكأنه عملية سلب ونهب، ولكنه في الواقع انتقام». وكان مثل هذا العنف غير المنظم ينتشر عبر العراق مع انهيار النظام.
قلت: «يبدو أننا نكسب الحرب يا روبين. ولكن مثل هذا العنف سيجعلنا نبقى هنا لفترة».
ورد: «سيدي، هذا صحيح. وسنكون هنا معا. ولكن وفي الوقت الذي ستبدأ فيه المملكة المتحدة في استبدال قواتها، فإنهم يخططون لتنظيم طابور للاحتفال بالنصر. القوات ترحب بمثل هذه الاشياء».
وقلت بالطبع البريطانيون يستحقونه، كما يقدره الأميركيون.
*** ومن هناك الى محطتنا التالية، فقد هبطت الطائرة بعد ساعتين في مقر الجنرال جيم كونواي قائد قوات الاستكشافية التابعة للمارينز بالقرب من الناصرية. وبدلا من الشاي والبسكويت، أكلنا طعاما جاهزا. وكان عرض جيم كونواي دقيقا وشاملا، قال: «أمر واحد تعلمناه في هذه المعركة جنرال فرانكس. هو ان العدو سواء كان الجيش النظامي او الفدائيين، يضع مراكز القيادة والأسلحة الثقيلة ومخازن الذخيرة في المدارس والمستشفيات والمساجد». قفزت على الجزء الخلفي من مركبة هامفي عسكرية لدى خروجنا من الخيمة لتهنئة المارينز وقلت موجها حديثي للموجودين منهم: «طيلة حياتي لم أر مثلكم... إنكم تولون عناية خاصة للمهمة الملقاة على عاتقكم وتهتمون ببعضكم بعضا. إنكم تتصرفون كما ينبغي أن يتصرف المارينز تماما. لا أود أن ألقي حديثا مطولا هنا، ولكن ما أود قوله لكم هو انه إذا كان لدى ابن أتمنى أن يكون فردا في قوات المارينز». ترجلت من المركبة العسكرية وبدأت في مصافحة الجنود. فقد كنت احرص دائما على التحدث عن قرب وبصورة شخصية مع أفراد القوات، ولكن كان لي غرض آخر في ذلك اليوم، فقد أردت أن أنظر الى وجوههم عن قرب حتى أتمكن من ملاحظة مستوى الإجهاد الجسدي والنفسي عليهم، لأني أعرف جيدا من واقع تجربة حرب فيتنام وعملية «عاصفة الصحراء» ان القوات، وحتى عندما تكون مجهدة تماما، يمكن ان تواصل القتال وتنجز المهمة المكلفة بها. والى ذلك فأفراد هذه القوات يتحلون بمقدرة فائقة على التحمل، وقد وصلوا، كما هو واضح، الى حالة من الإجهاد، والقوات المجهدة لا يمكن أن تواصل القتال. صافحت افراد هذه القوة والتقطت لي معهم صورة فوتوغرافية وحكيت لهم نكتتين على سبيل المزاح، فأفراد هذه القوة يشعرون بالتعب لكنهم لم يصلوا الى مستوى الإجهاد الكامل. *** بعد ذلك اتجهنا الى النجف وعلى متن مركبة هامفي اتجهنا الى زيارة الفرقة 101 الجوالة جوا. ومررنا على طول الطريق بعد خروجنا من المهبط بأعداد من السيارات والدراجات النارية وسيارات الأجرة والحافلات المتهالكة. تعالت أصوات كلاكسات السيارات وظهرت على أوجه الكثيرين ابتسامات واضحة وهم يرفعون أيديهم بعلامة النصر، فيما كان يرفع بعض الأطفال أعلاما عراقية. من الصعب تصديق أن هذه المدينة كانت قبل عشرة أيام فقط مسرحا لقتال شرس. التقينا الجنرال ديفيد بيتراوس، قائد الفرقة، في مدرسة ظهرت على جدرانها ثقوب الرصاص. ألقى الجنرال بيتراوس كلمة مقتضبة تماما مثل كونواي مؤكدا أن المدارس والمستشفيات والمساجد استخدمت كمخابئ للأسلحة ومراكز للقيادة. قال بيراوس إنهم كانوا يجمعون في ذلك الوقت مئات الأطنان من الأسلحة والذخائر التي خلفها الجيش العراقي. وقادنا رقيب يعمل في هذه القوة الى كوم هائل من بنادق الكلاشنيكوف المعطوبة وقاذفات الـ«آر بي جي» وأسلحة رشاشة أتلفتها القوات قبل أن يجمعها السكان لاستخدامها كحديد خردة. وكان الرأي السائد هو أن هناك آلافا من مستودعات الذخيرة في مختلف المواقع وأن عملية التخلص من هذه المستودعات ربما تستغرق سنوات. سألت بتراوس حول ما إذا كان لديهم أسرى حرب، فأجابني قائلا انه لا يوجد عدد كبير من الأسرى لأن غالبية الجنود العراقيين تخلصوا من الزي العسكري وتوجهوا الى بيوتهم. أدركت أن مكتب جاي غارنر لإعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية سيواجه متاعب في هذا الجانب، وذلك لأن ايجاد عمل لهؤلاء الجنود في أسرع وقت ممكن سيكون عاملا رئيسيا في الاستقرار. لذا كان على جاي غارنر التعامل مع هذه الأمر كأولوية قبل أن يجد هؤلاء الجنود وسائل أخرى، غير قانونية، للحصول على دخل.

 

 


   

رد مع اقتباس

قديم 28-03-09, 03:03 PM

  رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

جندي أميـركي (5) ـ معنى التعامل مع 500 مليون نسمة .. ثلثاهم من الشباب العاطل والمتذمر .. والقابل لاستقطابات الإرهابيين
سلفي الجنرال زيني : المنطقة لن تصبح مستقرة ما لم تتحقق تسوية سلمية عادلة ودائمة بين إسرائيل والفلسطينيين * في أزقة مقديشو بالصومال تعرض الجيش الأميركي لواحدة من أسوأ هزائمه التي تركت انطباعا بأننا نمور من ورق
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
نظرت الى اعلى خلال إطلاعي على الرسائل السرية التي كنت اضعها أمامي عندما انزلت سائقة شابة بسلاح الجو نافذتها وضغطت على ازرار رقم الدخول فانفتحت البوابة الحديدية السوداء ودخلنا الى المكان المخصص لوقوف السيارات داخل المقر الرئيس للقيادة الوسطى. كنت قد زرت مقر القيادة الوسطى في تامبا عدة مرات خلال فترة الثلاث سنوات التي قضيتها في مقر قيادة الجيش الاميركي، إلا ان صباح ذلك اليوم كان مختلفا، اذ طلب مني توني زيني الجلوس لمناقشة مستقبل القيادة. فخلال اقل من شهر من ذلك اليوم ستعقد جلسة مجلس النواب المخصصة لتأكيد تسلمي مسؤولية قيادة المنطقة الوسطى من زيني. يبدو المبنى من الخارج مثل أي بناية حديثة اخرى، إلا ان رجلي الشرطة العسكرية المسؤولين عن نقطة التفتيش، واللذين كانا يرتديان زيا مموها ويحمل كل منهما مسدسا عيار 9 مليمتر، لم يكونا بالطبع مدنيين. تبادلنا التحايا العسكرية وكانت لهجتهما ودية، لكنهما تفحصا بطاقتي العسكرية جيدا قبل ان يدون احدهما اسمي في سجل الزوار ، مع أنهما تعرفا علي تماما. هذا المبنى يضم بعضا من اكثر المعلومات الاستخبارية وتكنولوجيا الاتصالات حساسية في العالم. رافقني شاب من مساعدي توني زيني الى الطابق الثاني. أدركت مع مروري بأعضاء من مختلف اسلحة الجيش الاميركي وأنا في طريقي الى مكتب زيني بالفعل حجم المسؤولية التي انا مقبل عليها. فلأول مرة سأكون على رأس قيادة موحدة. وكما هو الحال مع القيادات العسكرية الاقليمية الاخرى، انشئت القيادة الوسطى بموجب قانون إعادة تنظيم وزارة الدفاع لعام 1986 . هذه القيادات ليست لديها قوات دائمة، لكنها تعتمد على الجيش وسلاح الجو والبحرية ومشاة البحرية وقيادة القوات الخاصة في تنفيذ مهماتها.
تفحصت لوحة تذكارية خشبية منصوبة في الممر منذ زيارتي السابقة، و تظهر عليها المنطقة الجغرافية التي تقع ضمن مسؤوليات هذه القيادة الوسطى، وهي منطقة ذات اهمية استراتيجية حيوية وغير مستقرة ايضا. فالقيادة الوسطى مسؤولة عن المحافظة على استقرار هذه المنطقة التي تشمل 25 دولة وتمتد من كينيا والقرن الافريقي الى الشمال عبر صحاري السودان ومصر والاردن عبر البحر الاحمر والخليج العربي لتضم العراق وايران وافغانستان وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق حتى الحدود الصينية، وتحتل باكستان اقصى الطرف الأيمن لهذه المنطقة. يقدر تعداد سكان هذه المنطقة بـ 500 مليون نسمة وتسكنها 18 مجموعة عرقية وعدد لا يحصى من القبائل. ويتبع السكان فيها كل الديانات العظيمة في العالم ، ويتحدثون سبع لغات اساسية ومئات اللهجات. ثلثا سكان هذه المنطقة من الشباب الذين تقل أعمارهم عن 25 عاما ويعانون من البطالة والتذمر. وينظر خبراء الديموغرافيا الى هذا الوضع من زاوية النمو السكاني، إلا ان خبراء التخطيط العسكري والدبلوماسيين يعتبرون هذا الوضع مشكلة باعتبار ان هذا الشباب المتذمر ازاء الاوضاع ، يشمل في واقع الامر ملايين من الذين يحتمل ان يجري تجنيدهم كإرهابيين. اقتصاد دول هذه المنطقة يتسم بالتنوع والتباين والتغير. فقبائل الرحل الاريترية في القرن الافريقي ليست بعيدة عن امارات الخليج الغنية بالنفط. وفي منطقة آسيا الوسطى اصطدمت بقايا بريسترويكا الجمهوريات السوفياتية السابقة مع رأسمالية القرن الواحد والعشرين. تشتمل المنطقة التي تقع ضمن مسؤوليات القيادة الوسطى على اراض ومناطق تاريخية ومفترقات طرق تربط اوروبا وآسيا وافريقيا، فضلا عن 65 بالمائة من احتياطي النفط العالمي. عندما وصلت كان توني يتحدث في الهاتف مع الوزير كوهين. انتظرت خارج المكتب الذي يطلق عليه الطاقم اسم «غرفة غنائم الحرب». هذه الغرفة مؤثثة بسجاد آسيوي وبها طاولة عربية من العاج والنحاس وصناديق ذات واجهة زجاجية لمختلف انواع الاسلحة. غالبية المسدسات والبنادق الهجومية والاسلحة الرشاشة عبارة ان غنائم من ساحة المعركة، الكثير منها من «عملية عاصفة الصحراء»، إلا ان جزءا منها جاء الى توني كهدايا ، اما من قادة اجانب ، او ممن سبقوه في العمل في هذه القيادة. بعد ان انتهى من مكالمته الهاتفية حياني توني بحرارة وعلى وجهه ابتسامة عريضة. أشار في مكتبه الواسع الى خارطة للمنطقة التي تمتد عبرها مسؤولية القيادة الوسطى وقال لي معلقا: «هذه منطقتك الجديدة يا تومي ، انها منطقة خطرة».
القيت نظرة شاملة على الخارطة وتأملت خلال حديث توني في التاريخ الذي تضمه حدود هذه المنطقة. حرب ظلت تهدد استقرار السودان ومنطقة القرن الافريقي على مدى عقود. وفي ازقة مقديشو تعرض الجيش الاميركي عام 1993 لواحدة من أسوأ هزائمه، اذ ان ما حدث كان كارثة دموية جعلت ادارة كلينتون خائفة من الالتزام بتقديم أي قوات برية اميركية للمساعدة في دول المنطقة، كما تركت انطباعا بأننا نمور من ورق. وبالرغم من ان ليبيا واسرائيل جزء من منطقة «اهتمامنا» وليس منطقة «مسؤوليتنا»، فإنه لا يمكن بالطبع تجاهلهما. ليبيا دولة غنية بالنفط منبوذة يسيطر عليها معمر القذافي المتقلب. قال لي توني : «تومي، ستواجه الكثير من المصاعب في هذه المهمة ويتعين عليك القيام بالكثير من اللقاءات مع المسؤولين. غير ان الأمر يستحق مواجهة المصاعب عندما يكون بوسعك أن تلتقط سماعة الهاتف في تامبا وتتحدث مباشرة مع رئيس وزراء أو ولي عهد بالاسم الأول».
وتلك طريقة زيني في توصيل آرائه ، وهو الذي وصفته الصحفية دانا بريست ذات مرة واعتبرته «قائدا رومانيا عصريا، سليل رجل الدولة المحارب الذي حكم المناطق البعيدة التابعة للامبراطورية العثمانية». وبالفعل كان ذلك هو الرجل الذي شاهدته في ذلك اليوم في مكتبه. رجل دولة كان يعرف ويفهم زعماء هذه المنطقة وكان متلهفا لمشاركة الآخرين آراءه بشأنهم. من جانبي كنت قد التقيت ببعضهم ، ومنهم الرئيس المصري حسني مبارك وملك الأردن عبد الله. ولكن لم تكن لدي معرفة مباشرة بالزعامات في آسيا الوسطى. ولهذا كنت أصغي بانتباه لما يقرب من ساعة، بينما كان توني يصف النخبة السياسية والعسكرية بجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق اليتيمة. وبطريقته المباشرة والصريحة طرح رأيه بالتهديدات والتحديات التي سنواجهها في السنوات المقبلة. وواصل ليقول لي : ان المنطقة لن تصبح مستقرة ما لم تتحقق تسوية سلمية عادلة ودائمة بين اسرائيل والفلسطينيين.
وفكرت ان تبعات ذلك الحدث ليست جيدة ما لم تتخذ الولايات المتحدة موقفا جديا في إطار الوساطة لتحقيق الاتفاقية.
ووجه توني انتباهه الى العراق. وناقشنا مذبحة صدام بحق ما يقرب من 300 ألف من الشيعة وحالة منطقة حظر الطيران وكذلك نجاح النظام في تهريب النفط. وكان رأي توني ان سياسة الاحتواء التي نتبعها تفعل فعلها. واتفقت على اننا «نحتوي» ما يحدث داخل العراق في إطار حدوده. والمشكلة كانت بالنسبة لي هي اننا لم نكن نعرف بما فيه الكفاية الأوضاع هناك.
فبعد أن أرغم مفتشو الأمم المتحدة على مغادرة البلد عام 1998 أعلنوا ان صدام ربما كان قد انتج وأخفى آلاف الليترات من الأنثراكس والبوتيولينوم بكميات أكثر مما يكفي لقتل كل البشر على الأرض.
* الأمير عبد الله قال لي: يمكن أن يكون لأميركا العديد من الأصدقاء ولكن إسرائيل تقسمنا وإذا لم يتحقق السلام فالإرهاب سينتشر
* قلت: يشرفني لقاؤك يا صاحب السمو.
كانت مصافحة ولي العهد الامير عبد الله لي قوية، وعيناه مشرقتان. قال: كيف حالك، جنرال؟ وكيف حال الرئيس؟
الامير عبد الله سياسي متمرس، يوازن بحذر بين موقعه القيادي في أكبر المواقع الاسلامية قداسة، وفي بلد يملك اضخم احتياطات النفط في العالم، فالعالم الصناعي يحتاج للنفط السعودي.
وعلى العكس من دول الخليج، التي تعتمد صداقتها مع الولايات المتحدة على احترام متبادل، فإن علاقة السعودية مع الولايات المتحدة معقدة ولا تخلو من توتر.
وبعد تبادل التحيات الرسمية، كشف ولي العهد عن وجهة نظره بخصوص إحكام اسرائيل لسيطرتها على القدس، وهو الامر الذي يعتبره تهديدا للمسجد الاقصى، وهو ثالث الاماكن المقدسة.
واضاف الأمير قائلا: ان الانباء التي تشير الى ان اميركا ربما تفتح، اخيرا، سفارتها في القدس، مزعجة. وهو يعني الاعتراف الرسمي بالاحتلال الاسرائيلي الكامل للمدينة المقدسة.
من جانبي سبق أن تم اطلاعي على هذا الموضوع، ولكني كنت جديدا على المجال الدبلوماسي، ولم اكن معتادا على الحديث بطريقة منمقة.
قلت: سيدي ان موقف الولايات المتحدة هو دعم السلام بين اسرائيل والفلسطينيين والرئيس يعمل بلا كلل على استئناف المفاوضات.
قال الأمير عبد الله: يمكن ان يكون لاميركا العديد من الاصدقاء في العالم الاسلامي، ولكن اسرائيل تقسمنا. واذا لم يتحقق السلام فإن الارهاب سينتشر حول العالم.
قلت: يا صاحب السمو، الارهاب ينتشر مثل السرطان. يمكن ان نعمل جميعا من أجل وقفه، اميركا والسعودية. ومد يده للأمام بما يعني القبول، ثم ابتسم قائلا: نطلب من الله الحكمة والسداد. وانا متأكد اننا سنعمل معا لوقف انتشار الارهاب.
قلت: اعلن التزامي بأن اصبح صديقك وشريكك. وانتهكت قواعد البروتوكول ومددت يدي للمصافحة.
* .. ومعنى العمل في منطقة .. اليقين الوحيد فيها هو اللا يقين
* حدقت في الخارطة، موجها سؤالي لزيني : ماذا بشأن أفغانستان ؟
قال لي زيني : «دولة تعاني من الإخفاق، فقد أعادت طالبان عقارب الساعة الى العصور المظلمة. أفغانستان هي ملاذ القاعدة. وقد دمرنا بعض معسكرات التدريب عام 1998، ولكن المجندين الارهابيين من جميع انحاء العالم الاسلامي يواصلون التوجه الى هناك».
قلت : «ما هو الشيء الآخر الذي يمكن أن أشعر بالقلق بشأنه ؟» قال : «أتمنى لو انني استطيع ان اخبرك» أجاب توني باسطا يديه ومضيفا: «ستجد ان صورتنا الاستخباراتية عن المنطقة محزنة الى حد ما. وهذا هو سبب آخر لأهمية المشاركة. فنحن بحاجة الى أصدقاء هناك يمكنهم أن يعطونا الصورة الحقيقية. فأنا أود أن اعرف الكثير حول ما يجري في العراق وحول أسامة بن لادن والقاعدة. ولكن الحقيقة هي انني لا أعرف». وهز رأسه قائلا : «تومي لا تندهش اذا ما لم تكن القيادة الوسطى التي تقودها هي القيادة نفسها التي توليت انا قيادتها. فاليقين الوحيد في هذه المنطقة هو اللايقين».
لذلك ، وبينما كنت متجها الى مهبط الطائرات للحاق بطائرتي متجها الى أتلانتا كانت كلمات توني ترن في أذني: اليقين الوحيد في هذه المنطقة هو اللايقين.
وفي احدى الأمسيات وبينما كنت جالسا وراء منضدتي أفكر وأنظم الملفات وأتفحص أوراقا قديمة، وجدت بالصدفة قصيدة كتبتها عندما كنت ضابطا شابا طموحا عام 1971:
* امنحوني فرصة واحدة للتأثير في مجرى التاريخ..
والبصيرة لتوقع تلك الفرصة..
والقناعة في التخطيط لها..
والثبات لتنفيذها..
والمرونة لتغييرها عندما لا تنفذ..
والولاء للنفس من أجل الاعتراف بالهزيمة..
والتواضع الذي يدين للنصر..
والتماسك من أجل المواصلة ..
وابتسمت وأنا أقرأ الكلمات التي كتبتها قبل ما يزيد على ثلاثين عاما، وتذكرت القول المأثور «كن محترسا في ما تتمنى». فالزمن سيكشف عن ذلك.
ومباشرة بعد تغيير القيادة في يوليو التقيت بقادة القيادة الوسطى: الجنرال بي تي ميكولاشيك، الذي جاء بعدي في القيادة الوسطى للجيش الاميركي، ونائب الأدميرال ويلي مور قائد البحرية، وقائد القوة الجوية الجنرال تشوك والد، والجنرال فرانك ليبوتي من فيلق البحرية الاميركي، وقائد البحرية في القيادة الوسطى، وقائد العمليات الخاصة العميد في البحرية بيرت كالاند. وكانوا قادة مقتدرين ممن خدمت معهم لسنوات. وبينما كنا نظراء فقد اصبحت الآن رئيسهم «الشيخ». ولكنهم ظلوا اصدقاء. وقد عملنا في ذلك اليوم في اجندة طويلة تضمنت الارهاب، ونشر اسلحة الدمار الشامل، ومناطق حظر الطيران في العراق، والحظر الملاحي، والتفاصيل الشائكة لترتيبات الاتفاق مع معظم الدول في المنطقة المعينة.
وفي وقت مبكر من يوم العاشر من يوليو اجتمعت مع مدير العمليات المشتركة جنرال سلاح الجو ساندي ساندستروم ومدير الاستخبارات المشتركة الجنرال كيث الكساندر لمناقشة خيارات الرد على الاستفزازات العراقية. فلو ان العراقيين، في ذلك الوقت، أطلقوا النار على طائرة تابعة لقوات التحالف ، فالرد سيكون مهاجمة أنظمة الدفاع المشاركة في إطلاق النيران، أي المدافع أو قواعد إطلاق الصواريخ أو أجهزة الإرسال او الرادارات.
وأبلغت ساندي وكيث قائلا انه «يبدو لي اننا سنحقق مزيدا من القوة والنفوذ اذا ما كان رد فعلنا على نحو غير مماثل». وبكلمات أخرى بدلا من مهاجمة مدفع او قاعدة لإطلاق الصواريخ قد يكون من مصلحتنا أن ندمر بنية القيادة والسيطرة في ذلك القطاع.
قلت : «ذلك قد يجعل العراقيين يفكرون مرتين قبل إطلاق النيران على طيارينا الشباب».
ومنذئذ كانت القيادة الوسطى تضغط على بيروقراطية واشنطن من أجل رد فعل أكثر حركة (وهو تعبيرنا العسكري عن استخدام النيران المهلكة)، وأكثر مفاجأة وأكثر بعدا عن التماثل على الانتهاكات العراقية في مناطق حظر الطيران.
ودعم بيل كوهين وهيو شيلتون هذه الطريقة الجديدة ، فبدأ طيارونا تقليص قدرات العراق الدفاعية. ولكننا كنا نعرف أننا لن نزيل التهديد لطيارينا الى أن ندمر مواقع القيادة والسيطرة ومواقع الرادار التي تنتشر في بغداد ومحيطها. وقد فعل توني زيني ذلك في عملية «ثعلب الصحراء» عام 1998، ولكن تلك الدفاعات أعيد بناؤها مباشرة تقريبا. وكلما فكرت بالموضوع كثيرا اقتنعت بأننا بحاجة الى سياسة جديدة بشأن العراق.
كنت أعرف انه أيا كان الفائز في انتخابات نوفمبر المقبل فانه ستكون هناك زعامة جديدة في البيت الأبيض في يناير المقبل. ولهذا طلبت ابتداء من السابع عشر من يوليو من العاملين معي اعداد خيارات سياسية بشأن العراق، يمكن ان نقدمها الى الادارة الجديدة بعد الانتخابات مباشرة.
وأشرت الى انه «يبدو لي ان لدينا ثلاثة اتجاهات عمل محتملة». الأول يتمثل في الحفاظ على الوضع الراهن عبر الاستمرار في مراقبتنا مناطق حظر الطيران، ومنعنا عمليات تهريب النفط عبر البحر مما يشكل انتهاكا لقرارات الأمم المتحدة. وقلت «ذلك هو احتواؤكم الأساسي».
أما الخيار الآخر فيمكن أن يكون التصعيد الدولي باستخدام ردود قوية ومفاجئة على الاستفزازات العراقية في مناطق حظر الطيران أو في البحر. وبالطبع يوجد بديل ثالث: وهو ببساطة التراجع، وترك الموقف في العراق يتطور.
وقلت لفريقي: «لا نعرف أي اتجاه يمكن لإدارة جديدة ان تقودنا إليه. ولكن الآن هو الوقت المناسب لإعداد البدائل».
وبعد 4 ايام التقيت مع الكولونيل غاري هاريل بالجيش، الذي كلفته العمل مديرا للشؤون الأمنية المشتركة في القيادة الوسطى بعد التوصية عليه من قبل صديقي ، منذ فترة طويلة ، الجنرال بيت شوماخر، الذي كان قائدا انذاك لقيادة العمليات الخاصة. وكان غاري على قائمة الترقية لرتبة بريجادير جنرال ، ولديه سنوات من الخبرة في وحدات المهام الخاصة التابعة لقيادة العمليات الخاصة. ومنذ منتصف التسعينات، عندما بدأت التهديدات الارهابية ضد الولايات المتحدة في المنطقة تتزايد، تولى المنصب ضابط شرطة عسكرية. ولكني كنت اريد ضابط عمليات خاصة في هذا المنصب، شخصا يفكر كجندي يطلق النار ويمكنه أن يفحص نقاط الضعف في تسهيلاتنا من وجهة نظر الرجل الذي ينظر من الخارج الى الداخل.
وقد اثبت ذلك انه قرار صائب. وفهم غاري الارهاب خلال عمله في كقائد للوحدات الأمنية المتحركة في مقديشيو بالصومال، في عام 1993 خلال المعارك الوحشية التي اشتهرت وظهرت في كتاب وفيلم باسم «سقوط البلاك هون». وقد طور إجراءات حماية لقيادات وقوات القيادة الوسطى، وهو الامر الذي سيؤدي في السنوات الثلاث القادمة، الى انقاذ حياة مئات الاميركيين.
وفي كل يوم تقريبا كنت اتحدث مع قيادات مدنية وعسكرية اجنبية في المنطقة، وكنت استوعب قلقهم وأتعلم الطريقة التي يفكرون بها.
وبحلول يوليو 2000 كانت حدود الافق قد اختفت. ففي قمرة الاستخبارات في هذه الطائرة المخصصة لي يمكنني دراسة صور الاقمار الصناعية لأي مكان تقريبا في البر والبحر في العالم. والتحدث الى من شئت في كل العالم، وهو ما لا يمكن للقائد الروماني سكورس الذي عبر الشرق الاوسط في القرن الاول قبل ميلاد المسيح تخيله. ومثل سكوروس، كان علي ممارسة العديد من الشؤون الدبلوماسية المتعلقة بأمور الدولة. فلجأت للقراءة خلال الليل وخلال جولات تدريبية في ألمانيا، وفي خيام في الصحراء السعودية، وفي سلسلة من غرف الفنادق، فقرأت الكثير حول الحرب والسلام، والحكم المتراكمة على ألسنة تزو وكلاوسفيتس وبرتراند راسل وغاندي.
والأمر الذي بدأ يتضح تدريجيا في ذهني هو ان الحرب تشمل سلسلة من التفاعلات بين الامم والأحزاب والقبائل. وعبر هذه السلسلة، ادركت وجود خمس حالات من التفاعل.
ففي أحد طرفي هذا المنظور يوجد (النزاع ) كحالة أولى حيث تتقاتل القوات المسلحة لدولتين او اكثر كناتج لأزمة، وهي حالة من التوتر الغاضب بين خصمين ، يعقبها (التعايش) كحالة ثانية، في مقابل (تغلب دول معادية او قبائل على عداواتهم لكي يعيشوا جنبا الى جنب) كحالة ثالثة. و(العمل المشترك) كحالة رابعة ، وهو محاولة تعمل من خلالها الاطراف نحو مصلحة مشتركة. واخيرا، (التعاون) وهو اكثر العلاقات ايجابية ، فالحدود المفتوحة مشاريع حكومية وتجارية مشتركة تحفل بتناسق وتقدم. أعرف أني ولدت في عام 1945، بالقرب من نهاية اعظم النزاعات في التاريخ. وخلال حياتي، فإن معظم المشاركين في الحرب العالمية الثانية، انتقلوا من طرف الى آخر من النزاع الى التعاون. وفي كل نقطة من المنطقة التي كنا نشاهدها من الطائرة فوق البحر المتوسط كانت الدول تواجه نزاعات او ازمات ، او في افضل الأحوال التعايش. وكانت مسؤولياتي هي مساعدة تلك الدول على الانتقال من طرفي المنظور: من الأزمة الى التعايش. ولم اكن اعرف احتمالات نجاحي. ولكني كنت مصمما على المحاولة.

 

 


   

رد مع اقتباس

قديم 28-03-09, 03:05 PM

  رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

جندي أميـركي 6 ـ فرانكس : المشكلة كانت القبول الباكستاني بطالبان وقبول مشرف ضمنيا بملاذ آمن من أفغانستان لـ«القاعدة»
قلت لتينيت : أود أن أجد سبيلا عمليا لمشرف لكي يمارس تأثيره على طالبان باتجاه الضغط على بن لادن * كان بن لادن في السابق يستخدم هاتفا عبر الأقمار الصناعية لكل شيء من تحديد مواقع قواته إلى الحديث مع والدته في السعودية
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
في صباح الثلاثاء أواخر سبتمبر (ايلول) 2000 جمعت كبار مديري القياد الوسطى في مكتبي بتامبا لمراجعة موقف القيادة العملياتي تجاه القاعدة.
وكان مساعدي جنرال المارينز مايكل ديلونغ يجلس على كرسي مريح الى يميني، بينما يجلس جنرال الجيش كيث ألكساندر وجنرال سلاح الجو ساندي سانستروم على السرير الجلدي. واتخذ اخصائيون عديدون من مؤسسة المعلومات الاستخباراتية الحساسة مواقع لهم في كراسي. وكانت مجموعة من الأباريق والأكواب على منضدة الشاي.
سألت كيث ألكساندر : هل لدينا أية معلومات بشرية قيمة من أفغانستان ؟
أجاب: سيدي اتمنى لو انني استطعت ابلاغك بذلك. ولكن الحقيقة هي انه ليست لدينا مثل هذه المعلومات. وقد حصلنا على تقارير دورية من السكان المحليين ممن يعملون احيانا مع الوكالة، ولكن ما من شيء يرتبط بمعلومات حديثة.
الى ذلك كانت مجموعة عمليات ساندي ساندستروم قد حددت سلسلة من خيارات اهداف القاعدة اعتمادا على التصوير والمعلومات الالكترونية. وكان هذا يرتبط بمعسكرات تدريب معروفة أو محتملة، وما نسميه من ناحية متفائلة تسهيلات «الضيافة»، أي بعض البيوت والمكاتب التي كانت الأوساط الاستخباراتية تعتقد أن أسامة ومساعديه يقومون بعملهم فيها بين حين وآخر. ولم تعد ملاحقة القاعدة عبر التنصت على الاتصالات مهمة سهلة. ففي السابق كان أسامة بن لادن يستخدم هاتفا عبر الأقمار الصناعية لكل شيء من تحديد مواقع قواته الى الحديث مع والدته في السعودية. ولكن أسامة تخلى عن الممارسة بعد أن كشفت تسريبات الصحافة عن ان ضربات أغسطس(آب) من عام 1998 الجوية بصواريخ توماهوك، بعد تفجيرات السفارتين في شرق أفريقيا، قد استهدفت آخر موقع معروف لهاتفه. وتستخدم القاعدة في الوقت الحالي مجموعة من الهواتف السوفييتية المدنية التي تعمل على الموجات القصيرة المدى، وطائفة من هواتف موتورولا اللاسلكية، والرسائل الألكترونية التي ترسل من مقاهي الانترنت في دول العالم الثالث، اضافة الى وسائل الملاحظات القديمة.
واذا ما اخذنا بالحسبان نوعية معلوماتنا الاستخباراتية، فانني لم اكن مقتنعا بأن بوسعنا ان نقضي على القاعدة في أفغانستان باستخدام صواريخ كروز والضربات الجوية فقط. ولكنني وجهت العاملين في مجموعة عمليات ساندي الى العمل على نحو وثيق مع نائب الأدميرال ويلي مور، قائد بحريتنا لتحسين أوقات استجابة «قاذفات توماهوك» للحالات الضرورية.
واذا ما كان لنا ان نشن هجوما فعالا ضد القاعدة فقد كنت أعرف ان ذلك سيتطلب عمليات برية. وكان سيتعين علينا ان ندخل ونحصل على المعلومات ونتصرف في ضوء ذلك.
ولكن أية غارة من جانب القوات الهجومية الاستراتيجية كان ينبغي ان تكون قوية بما فيه الكفاية لالحاق الهزيمة بحلقة القوات الأمنية ذات القدرات والتسليح الثقيل المحيطة بأسامة بن لادن ومساعديه. وتتطلب مثل هذه العملية وحدات مهمات خاصة، أي تحليق طائرات على مناطق أكثر من دولة، والقيام باجراءات التنظيم والاعداد، ومعلومات دقيقة كافية تبلغنا عن الموقع الذي نستهدفه في ضرباتنا. والأكثر اهمية ان مثل هذه العملية تتطلب قرارات سياسية خطيرة. وكنت اعتقد ان بوسعنا ان نعالج موضوع الاستعداد وتحليق الطائرات، ولكن المصادقة الوطنية على شن عملية هجومية استراتيجية ذات مخاطر في أفغانستان، في ظل غياب معلومات دقيقة، لم يكن محتملا في عصر ما بعد مقديشو. وبالرغم من هذه العقبات، كنا نحل المشكلة. اعلم ان باكستان، ولاسيما هيئة الاستخبارات المشتركة، تحتفظ بعلاقات جيدة مع طالبان. وكانت خطوتي التالية هي زيارة اسلام اباد ولقاء الرئيس الباكستاني برويز مشرف. وكانت قواته المسلحة في حاجة لمساعدة، وكنا في حاجة لمساعدة منه ايضا. ربما يمكن التوصل لاتفاق.
ابلغت هيئة الاركان اننا في حاجة لاقامة علاقات اكثر قوة مع مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الخارجية. ومهما كانت مشاكلهم، فإن هذه الوكالات لديها شخصيات جيدة، ذات فهم واضح للمنطقة، ونحن نحتاج للاستفادة من كل ما هو موجود في الترسانة الاميركية. وقلت لهم عقب انتهاء الاجتماع : «لا اعرف ما رأيكم ايها الرجال، ولكني في حاجة الى كل المساعدة التي يمكنني الحصول عليها». ان الافتقار الى معلومات استخبارية جديدة ومفيدة بخصوص القاعدة يمتد فيما وراء معلوماتنا المحدودة عن مخابئهم في افغانستان. كنا نعلم ان القاعدة تشكل خلايا، ليس فقط عبر العالم الاسلامي، ولكن في اوروبا ايضا، بل وفي اميركا الشمالية. وتشييد مثل هذا النوع من البنية الاساسية السرية يكلف اموالا. وتوجد تشريعات في الولايات المتحدة وفي الدول الحليفة في اوروبا لتجميد ودائع الارهابيين المعروفين، ووقف تدفق عمليات التحويل المصرفية بين المنظمات المعروفة بعلاقاتها بالارهاب. غير انه في اطار عدم قدرة المؤسسات المالية العالمية على وقف تدفق اموال تجارة المخدرات، لم اكن متفائلا. كان علينا ممارسة الضغط اكثر على الدول التي تسمح لملايين الدولارات في اطار التبرعات الخيرية للانتقال بسهولة الى حسابات القاعدة. ولكن هذه الدول لم تشعر حتى الان بنفس الالحاح الذي كنا نشعر به في الولايات المتحدة.
أضفت قضية التمويل الإرهابي إلى قائمة القضايا التي سأناقشها أثناء جلسات الشاي القصيرة في مواقع المسؤولية، وهي قائمة صارت طويلة وأنا أجهز لرحلتي إلى المنطقة في 12 أكتوبر(تشرين الأول) 2000 . وثمة حركة شعبية كبيرة سميت الانتفاضة الثانية، كانت تتفجر في كل أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة. وكانت قوات الدفاع الإسرائيلية تقاتل الفلسطينيين المسلحين ببنادق الكلاشنيكوف في شوارع الأراضي المحتلة، كما كان المواطنون الإسرائيليون يقتلون بفعل الهجمات الانتحارية.
يوم الأربعاء 11 أكتوبر، وهو اليوم السابق لسفري إلى المنطقة، تحدثت إلى جورج تينيت، مدير وكالة الاستخبارات المركزية على جهاز «STU-iii» وهو جهاز مشفر، ومباشر بين نقطتين، وهو الذي استخدمه في اتصالاتي بواشنطن. ونسبة لأن محطة توقفي الأولى في هذه الجولة ستكون باكستان، فقد كنت أريد أن أناقش معه الوسيلة الملائمة للتخاطب مع الرئيس مشرف.
قلت لتينيت:« جورج، من الناحية العملية، ستحاول باكستان إيجاد صيغة ما للتعايش مع طالبان، ما لم نقدم بديلا أفضل. ويقف مشرف هنا بين شقي الرحى: الهند من جانب وتعديل بريسلر من الجانب الآخر».
وكان الكونغرس قد أجاز عام 1985 تعديلا لقانون العون الخارجي، قدمه السناتور لاري بريسلر، يحظر العون المالي والعسكري على باكستان، إذا لم يقدم الرئيس الأميركي تقريرا سنويا يؤكد فيه أن باكستان لا تمتلك أسلحة نووية ولا تعمل على إنتاجها. وقد صار ذلك التعديل غير ذي موضوع في مايو «أيار» عام 1989 عندما اعلنت باكستان أنها أجرت خمس تفجيرات نووية، كنوع من الردع للهند والتي تملك مستودعا نوويا أكبر منها.
وقلت لجورج: «الرئيس مشرف رجل عسكري. كما أن أغلب الشخصيات الهامة في حكومته من العسكريين كذلك. وعليك أن تنظر على عالمهم من المنظور العسكري».
قال : أنا أصغي يا توم.
قلت : «أفغانستان توفر للباكستانيين ما نسميه (العمق الاستراتيجي). وذلك فضاء معركة للمناورة ولدعم القوات الباكستانية المقاتلة في عشية حرب أخرى مع الهند».
قال جورج : «هذا ما أبلغني به العاملون معي».
وكانت المشكلة مع القبول الباكستاني بطالبان، بالطبع هي أن حكومة مشرف كانت أيضا تقبل، ضمنيا، الملاذ الآمن الذي توفره أفغانستان للقاعدة.
قلت : «جورج، أود أن أجد سبيلا عمليا لمشرف لكي يمارس تأثيره على طالبان باتجاه الضغط على بن لادن».
قال : «نحن نعمل بجهد من أجل ذلك يا توم».
قلت : «اذا كنتم موافقين فسأنسق مع رئيس محطتكم في اسلام آباد».
قال : «أوافق على ذلك. سنقوم بذلك معا».
وفي اطار الرهان المحفز في اسلام آباد، اعتزمت الاشارة الى أن الولايات المتحدة قد تساعد باكستان على تحديث قواتها التقليدية وبالتالي تقليص اعتمادها على الأسلحة النووية.
وبما أنني ذهبت الى فراشي متأخرا تلك الليلة، فقد ملأت بطاقتي اليومية بالتحديات والفرص في انتظار للصباح التالي ومن قبل ان أخلد الى النوم. وفي مجال التحديات، وفي صيغة خواطر لاحقة تقريبا، كتبت: «تذكر اجراءات حماية القوات».
* نقرأ لوحة رقم السيارة من الفضاء ولكننا لا نعرف شيئا مفيدا عن الأشخاص الموجودين داخلها
* قال مستشاري الخاص توم ايكرت، في معرض حديث عن المعلومات المتصلة بالقاعدة ، وهو ضابط كبير في وكالة المخابرات المركزية ، وصلتي المباشرة بمدير الوكالة جورج تينيت،: «معظم مصادر الوكالة في أفغانستان هم مع تحالف الشمال»، وتوجه الى خارطة لتوضيح الوضع وقال: «هنا المنطقة القريبة من الحدود مع أوزبكستان وطاجيكستان. القاعدة عموما موجودة في الجنوب وطالبان في منطقة البشتون المحيطة بقندهار وجلال آباد».
وأكمل كيث الكساندر بالقول: «كما تعرف سيدي فان تحالف الشمال هو زواج اضطراري اكثر منه تحالفا. انهم، في الواقع، جماعة من المليشيات من قبائل البانجشيرية والطاجيكية والأوزبكية ممن جمعهم الجنرال احمد شاه مسعود معا عبر شخصيته الجذابة».
واهتزت الرؤوس في اشارة للاتفاق مع مثل هذا التقييم.
واضاف توم ايكرت قائلا: «لدى وكالة المخابرات المركزية أشخاص بين ذلك التحالف عبر توفير بعض الأموال والمواد. ومقابل ذلك يقوم التحالف بمقاتلة طالبان. ولكن كيث على حق. المشكلة هي ان نفوذنا في الشمال. ونحن أقل تأثيرا بكثير على البشتون في الجنوب. ان الكثير من قادتهم في باكستان ، وليست هناك مقاومة متماسكة في جنوب أفغانستان. ونحن نعاني بسبب مصادر المعلومات البشرية».
أجبت «فهمت ذلك».
كانت المعلومات الاستخباراتية البشرية مشكلة منذ عمليات تطهير ما بعد حرب فيتنام في مؤسساتنا الاستخباراتية. ففي أواخر السبعينات كانت وكالة المخابرات المركزية ووكالة الأمن القومي تركزان على المعلومات «التكنيكية» عن طريق التصوير من الطائرات والأقمار الصناعية، وعلى عمليات اعتراض سبل الاتصالات الإلكترونية. فقد كان بوسعنا أن نقر لوحة رقم السيارة من الفضاء ولكن لا نعرف شيئا مفيدا عن الأشخاص الموجودين داخل السيارة. وكان بوسعنا التنصت على محادثة عبر هاتف محمول في طهران ولكن لا فكرة لدينا عمن كان يتكلم.
ومنذ أن كنت مرشحا لمعهد الضباط في فورت ستيل أدركت أهمية الاستهداف الدقيق. وشأن جميع القيادات القتالية فان القيادة الوسطى لديها خطط طوارئ. فالضربات الجوية التي استخدمت صواريخ توماهوك والطائرات القاذفة ضد أهداف القاعدة في أفغانستان كانت من بين خططنا. وكانت مشكلتنا هي الوصول الى الأهداف في الوقت الدقيق المحدد.
* هيو حذرني من كلارك قائلا: مصاب بتضخم الذات وبقاؤه في محاربة الإرهاب لفترة طويلة جعله يعتقد بأن مكافحته ملكية شخصية له
* كان اتصالي برئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال هيو شيلتون لطيفا ومفيدا. فقد عرفت هيو منذ أيام عملي في رئاسة الجيش الأميركي عندما كان هو قائدا لشعبة العمليات الخاصة. وقد عمل هيو، الطويل القامة، والمخشوشن نوعا ما، مرتين في فيتنام كواحد من أصحاب القبعات الخضراء، وكقائد فصيلة من المظليين، وذلك قبل صعوده المستمر في السلم القيادي. وكثيرا ما فسر البعض نغمة هيو الهادئة وطريقته الجنوبية في التصرف باعتبارها دليلا على افتقاره إلى الذكاء. وهذا خطأ كبير. فقد كان هيو يستوعب الشؤون العسكرية والسياسية بنفس الدرجة التي تتوفر للخاصة من أهل واشنطن، سواء كانوا مدنيين أو عسكريين.
وعندما ذكرت له أن إدارة مكتبي نظمت مقابلة هاتفية مع رتشارد كلارك بعد ظهيرة ذلك اليوم، قطب هيو حاجبيه. وقال لي:
تومي، الوزير كوهين يفضل أن ينسق القادة العسكريون مقابلاتهم مع المسؤولين المدنيين من خلال مكتبه، وهذا يصح وينطبق بصورة خاصة مع ديك كلارك.
وقد استمعت إلى نصيحته، لأن واشنطن كانت تمثل أرضا جديدا وخاصة على مستوى القيادات. وأضاف هيو قائلا: مكث كلارك في موقع محاربة الإرهاب لفترة طويلة جدا، جعلته يعتقد أن مكافحة الإرهاب ملكية شخصية بالنسبة إليه، وأنه يعرف عن الموضوع أكثر مما يعرفه أي مسؤول حكومي آخر. ولكنه يحب الكلام، ويذكر لك أسماء لا حصر لها ، وله فكرة مضخمة جدا عن نفسه. ولكنه وفي كثير من الأوجه ليس عمليا. حاول أن تكون حذرا جدا عندما تتعامل معه.
شكرت هيو على هذه النصيحة.
وكان سكرتير فرانك قد قال للمسؤولين في مكتبي إنه سيقابلني بمكتبه بالبيت الأبيض. ولكن سائق البنتاغون أخذني إلى بناية المكتب التنفيذي، وهو مبنى مستقل متصل بالجناح الغربي. ونهض فرانك لمصافحتي.
قال: جنرال فرانكس، مرحبا بك.
والتفت فأدخل في الدرج ملفا مكتوبا عليه «سري للغاية». وقلت لنفسي إن الرجل له حاسة أمنية متيقظة. وهي صفة إيجابية في رجل يضطلع بمكافحة الإرهاب. كان كلارك يتحدث بسرعة وبتركيز شديد، وكأن لديه معلومات خاصة وحاسمة عن مهمتي. وعندما كنت أنظر إلى شعره الأبيض وعينيه النافذتين ومظهره الجاد، تذكرت أحد الممثلين وهو يؤدي دور مسؤول حكومي كبير يحاول حل أزمة كبيرة.
كان موضوع النقاش القاعدة وطالبان. وبدأ كلارك باستعراض المعلومات الاستخبارية المتاحة، ومع أن تلك المعلومات وصلت مؤخرا إلا أنها ربما لا تكون دقيقة. وقد وصف لي النجاح الذي حققته هجمة صواريخ توماهوك في أفغانستان، ولكنه لم يكن لديه ما يقوله عن الهجوم على مصنع للدواء في السودان. وقلت لنفسي : هذه مسألة مثيرة للانتباه. فقد تداولت الأخبار أن المعلومات التي بنيت عليها ضربة ذلك المصنع في السودان استندت الى معلومات خاطئة، وان المصنع لم تكن لديه أية صلة بالأسلحة الكيماوية. وتساءلت عما إذا كان كلارك يعتقد كذلك بأن تلك الضربة حققت قدرا من النجاح.
ثم دار النقاش بعد ذلك عن الإمارات العربية المتحدة، وهي أحدى الدول الثلاث التي تبادلت العلاقات الدبلوماسية مع طالبان وقدمت لها بعض العون المالي. «الدولتان الأخريان كانتا باكستان والمملكة العربية السعودية». وقد حدثني كلارك عن علاقاته الحميمة مع الأسرة المالكة في ابوظبي، وأكد لي وجود علاقة مباشرة بين أبو ظبي وطالبان، وقال لي إن تلك العلاقة كانت مفيدة جدا بالنسبة إليه في بحث قضية بن لادن.
استمعت إليه من دون تعليق. ثم سألته عن المعلومات الاستخبارية عن القاعدة. قلت: ديك، من أجل أن تتمكن القيادة الوسطى من رسم خطط عملية للحرب، فإننا نحتاج إلى معلومات استخبارية قابلة للاستخدام. فصواريخ توماهوك قادرة على ضرب المواقع التي تحدد لها بصورة مسبقة. ولكن التقرير الذي يقول إن أسامة بن لادن ربما يكون قد قضى ليلته في ذلك الكهف، لا تمثل أهدافا محتملة. وربما تساعدنا مثل هذا التقارير على الوصول إلى نمط محدد لتحركاته، ولكننا نحتاج إلى معلومات دقيقة ومحددة زمانا ومكانا حتى نستطيع استهدافه.
ابتسم كلارك ابتسامة العارفين وقال إنه يملك « تقنيات» يمكن أن تساعد في حل هذه المشكلة. واستنتجت مباشرة أنه يقصد طائرة الاستطلاع «بريديتور»، والتي تستطيع أن تحلق لساعات فوق أرض العدو وترسل صورا شديدة الوضوح ليلا ونهارا. وكانت «سي آي إيه» تحاول تسليح بريديتور بصواريخ هيلفاير، وقلت لنفسي إن هذا سيكون سلاحا خطيرا جدا. ولكني تذكرت في نفس الوقت الحكمة العسكرية التي تقول : «من الخطير عدم التمييز بين الرغبة والقدرة».
وتساءلت عما إذا كان ديك كلارك قد سمع بهذه الحكمة.
كنت حريصا على تدمير القاعدة. ولكن زيارتي لكلارك لم تقدمني خطوة واحدة تجاه هذا الهدف. وقد غادرت مكتبه وأنا أتمنى أن يكون حديثي عن الحلول العملية للمشاكل الحقيقية قد دفعه إلى التركيز على أهداف محددة يمكن ضربها. ولكني أحسست أن ديك ممتاز في تحديد المشكلة ولكن ليس في إيجاد الحلول العملية لها.

 

 


   

رد مع اقتباس

قديم 28-03-09, 03:06 PM

  رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

جندي أميركي 7 ـ عدن.. وتفجير المدمرة كول.. والبحث عن كبش فداء
علاقاتنا مع الحكومة الفرنسية لم تكن دائما ودية ولكن للعسكريين الفرنسيين مواقف قوية وإيجابية خصوصا في الأحداث الطارئة
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
رن جرس الهاتف حوالي الساعة الخامسة و14 دقيقة صباحا. قلت لنفسي فورا ان الاخبار السارة لا تأتي قبل الساعة السادسة.
كان على خط الهاتف نائب الادميرال ويلي مور الذي ابلغني بأن قائد البحرية نقل في اتصال له من العاصمة البحرينية المنامة انباء غير سارة. فقد وقع انفجار على متن المدمرة «يو اس اس كول» في مرفأ عدن باليمن. سألت ويلي مور عن طبيعة الوضع.
وجاء رده: الاتصال بالسفينة سيئ، لكننا علمنا بأن هناك خسائر في الارواح. تحرك فريق طوارئ من الخليج باتجاه المدمرة، كما توجهت الى الموقع اطقم طبية من البحرين واوروبا. حدوث انفجار على متن مدمرة لا بد ان يكون قد اوقع ضحايا، لذا فإن الاستجابة السريعة والوقت عاملان حاسمان في مثل هذه الحالات. ابلغني ويلي مور ايضا بأن هناك قوات عسكرية لدول حليفة ابدت استعدادها للمساعدة، فتوجهت صوب منطقة الانفجار قوات بحرية فرنسية من جيبوتي، ومن المحتمل ان تكون قد وصلت مسبقا الى هناك، طبقا لحديث ويلي. ومعروف ان لفرنسا قوات بحرية وبرية قوية ونشطة، وقوة جوية ايضا في هذه المستعمرة السابقة القريبة من باب المندب. وعلى الرغم من ان علاقاتنا مع الحكومة الفرنسية لم تكن دائما ودية، فللعسكريين الفرنسيين مواقف قوية وايجابية خصوصا في مثل هذه الاحداث الطارئة. سالت ويلي مور ما اذا كانت لديه أية فكرة عن اسباب وقوع الانفجار. أجابني بأن الوقت لا يزال مبكرا لمعرفة السبب، لكنه اشار الى ان ثمة شكوكا في حدوث عمل ارهابي. شكرت ويلي في نهاية المكالمة وطلبت منه ان يطلعني على التطورات وأكدت له بأنني سأبلغ واشنطن بالأمر. وصلت الى مكتبي مع شروق الشمس، وكان رايفل دي لونغ قد وصل مسبقا ولديه بعض الرسائل حول انفجار المدمرة «يو اس اس كول». طلبت من رايفل ان يدعو اعضاء فريق الازمات والطوارئ لاجتماع فابلغني انه فعل ذلك مسبقا. ما أود قوله هنا هو ان رايفل دي لونغ صاحب اداء متميز كنائب قائد، فهو صاحب مهارات قيادية وعسكرية بارزة، وواحد من اميز المديرين الذين التقيتهم خلال عملي في السلك العسكري. وقد تطورت مقدراته ومهاراته، شأنه شأن الكثيرين في جيلنا، في وحل فيتنام، ولذا فأنا اثق في تقييمه وتقديراته واثمن استشارته. أعد رايفل تقريرا حول اليمن البلد المثير للاهتمام فعلا، وقد ظهر اليمن كبلد موحد على مدى حوالي عشر سنوات فقط، وخرج من واحدة من ابشع النزاعات خلال فترة الحرب الباردة. وخاض اليمن الشمالي، عقب حصوله على الاستقلال من بريطانيا حربا اهلية في مواجهة اليمن الجنوبي العلماني اليساري. وفيما ساعدت مصر، تحت قيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، اليمن الجنوبي، زودت الدول العربية المحافظة شمال اليمن بالاسلحة والمتطوعين فيما اتسم ذلك الصراع خلال فترة منتصف الستينات بارتكاب مذابح واستخدام اسلحة كيماوية، وفي عام 1990 ظهرت جمهورية موحدة في الظاهر عاصمتها صنعاء في الشمال القبلي. ورغم ان الصراع في اليمن لم ينته تماما، فإن ثمة مؤشرات تبعث على الامل، اذ بدأ اليمنيون في السنوات السابقة في تخصيص المزيد من المساعدات الدولية لتطوير عدن مجددا كميناء تجاري، وبدأت الولايات المتحدة إعادة تزويد سفنها بالوقود في مرسى عدن. واشار التقرير العسكري الى انه كان من المقرر تزويد «يو اس اس كول» بالوقود في مرسى عدن صباح يوم 12 اكتوبر (تشرين الأول) عام 2000. لم تكن تلك زيارة رسمية للميناء على النحو الذي تتبع فيه الاجراءات العسكرية الرسمية بين الجانبين، وإنما كان مقررا فقط زيادة كمية وقود «يو اس اس كول» قبل مواصلة رحلتها صوب الخليج العربي. توالى وصول بعض المعلومات صباح ذلك اليوم. تحدثت الى هيو شيلتون لإبلاغه بأن فريق طوارئ تابع لقوات مشاة البحرية، فضلا عن طائرة من طراز «سي 130» تابعة للسلاح الطبي، بالإضافة الى فرق طبية فرنسية، بدأت جميعها الوصول الى عدن، كما ابلغت شيلتون ايضا بأننا لم نعرف بعد سبب الانفجار. تناولت خلال حديثي مع هيو مسألة ما اذا كانت هناك مخاطر في عدن ساعة وصول المدمرة «يو اس اس كول»، وتوصلنا الى انه لم يكن هناك ما يشير الى وجود خطر متزايد. ويعتمد تقييم الوضع من ناحية المخاطر المحتملة على تصنيفه الى درجات تبدأ من «ألفا» ـ وهي درجة تشير الى عدم وجود مخاطر ارهابية، انتهاء بـ«دلتا» ـ وهي الدرجة التي تشير الى احتمال وقوع هجوم ارهابي وشيك، علماً بأن عدم وجود مخاطر ارهابية محتملة هو الوضع السائد في غالبية الموانئ التي تقع داخل نطاق منطقة مسؤولياتنا. وبالتالي فلم يكن هناك سبب يدعو قائد المدمرة «يو اس اس كول» للشك في احتمال وقوع هجوم عندما اتجهت المدمرة الى موقع التزود بالوقود. وبرغم عدم صدور تأكيد رسمي حتى نهاية صباح ذلك اليوم بأن الهجوم الذي استهدف المدمرة نفذه ارهابيون، فإن الانباء التي ظهرت في وسائل الإعلام اشارت الى ان الانفجار كان عملا ارهابيا. وابلغت شيلتون والجنرال ديك مايرز من خلال سلسلة من المكالمات الهاتفية السريعة، بأن ويلي مور قال انه لا يستبعد احتمال وقوع هجوم ارهابي.
رد الجنرال هيو من جانبه قائلا ان وسائل الإعلام الاميركية تريد معرفة المزيد من المعلومات حول الحادثة. القيت نظرة سريعة على قناة «سي ان ان» التي كانت تقوم بتغطية متواصلة، وتبث مشاهد لهجمات ارهابية سابقة، بما في ذلك تفجير سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا. قلت لمايك ديلونغ انه منذ التطور الذي حدث في مجال شبكات الاخبار التلفزيونية التي تعتمد على الكيبل والاقمار الصناعية، بات التنافس حاميا وسريعا في مجال التغطية المعتمدة على «السبق الصحافي»، وان أي حدث غير عادي، يحتوي على مشاهد مثيرة للانتباه، يصبح بالتالي نبأ رئيسيا ويفرض نفسه كواقع في التصورات العامة لدى الجمهور بصرف النظر عن عناصر الدقة فيه. وبما إن القادة العسكريين قد لا يحبذون مثل هذا الاتجاه، لكننا، وفي نهاية الأمر لا بد ان نتعايش معه.
تحدثت خلال منتصف نهار نفس اليوم مع الادميرال فيرن كلارك، رئيس العمليات البحرية في البنتاغون، الذي كان يستعد في ذلك الوقت لعقد مؤتمر صحافي. قلت: لا يجب ان نصف اكثر مما نعرف، يا فيرن. فلنتجنب التكهنات ونقدم فقط الحقائق التي نتأكد منها.
قال: توم. انت لا تفهم واشنطن. لقد شاهدت التقارير. وسائل الاعلام ستلتهمنا احياء اذا لم نقدم لهم أي شيء.
قلت: الموقف لا يزال غير واضح يا فيرن. اوصى بالالتزام بالحقائق. تذكر المثل القديم: التقارير الاولى للكشافة خطأ دائما.
في غضون ذلك كان البريجادير جنرال غاري هاريل، مدير الأمن، يجري تقييما لنقاط الضعف في التسهيلات وكان موجودا بالمملكة العربية السعودية. ولكني احتجت اليه في اليمن، فابلغته بأن يذهب الى هناك. وقلت له: اريد اجراءات أمن مشددة حول تلك السفينة. تعامل مع الموقف مثل موقع جريمة لان هذا بالضبط ما حدث.
وكانت وزارة الخارجية من جهتها تستعد لارسال فريق دعم طوارئ خارجي يمكن له ان يضم محققين من مكتب التحقيقات الفيدرالي. قلت لهاريل: «اعمل مع فريق دعم الطوارئ. كن منتبها الى كل ما يجري حولك، الامور ستسوء قبل ان تتحسن».
وانتهيت من المحادثة مع هاريل في الوقت الذي وصلت فيه اول تقارير الخسائر. تأكد موت 5 بحارة، وهناك عدد مفقود. وقد نقل الفرنسيون معظم المصابين بإصابات خطيرة الى جيبوتي، وانقذوا حياتهم عن طريق تدخل سريع وماهر. ونحن ندين لهم بذلك. منذ تلك النقطة يوجد نوعان من المعلومات: واحدة سلسلة من المؤتمرات الصحافية ذات الحساسية السياسية، والاخرى تحقيقات محترفة وعرض الحقائق كما تظهر.
وقلت له «هيو. اوصى ان تقترح على وزير الدفاع ضرورة اجراء تحقيق خارجي شامل، شيء مشابه لتحقيق (واين داونينغ) لانفجارات ابراج الخبر في السعودية. علينا تجنب أي تصور بالمدارة او التغطية».
وقبل التوجه الى المطار، طلبت من الطاقم تجميع كل البيانات حول الحادث من القيادة السياسية، بما في ذلك السناتور جون وارنر رئيس لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ. لقد ذهبت الى الكونغرس ثلاث مرات للادلاء بشهادتي حول امور روتينية متعلقة بالميزانية وامور عملاتية، وانتابني الشك في ان الكونغرس سيعقد جلسات استماع حول الحادث. وطلبت من رايفل ديلونغ إعداد بحث واضح يشتمل على معلومات ذات حقائق حول الطريقة التي استخدمناها لاختيار عدن كميناء لاعادة التمويل، والنقاط المحددة حول الاسباب التي دفعت كول لأن تتوقف هناك.
وأيضا كنت على علم بأنه عندما تبدأ وسائل الاعلام في ملاحقة الموضوع، فستتكالب علينا الجماعات السياسية. ولسوء الحظ، فإن العثور على كبش فداء في اعقاب المآسي هو جزء من الشخصية القومية. ولذا فقد كان من الضروري ان نقدم الحقيقة غير المنمقة بطريقة واضحة ومختصرة، وأن نقدم وصفا دقيقا للتهديدات الارهابية في عدن في وقت الهجوم، والاسباب العملاتية للتوقف لاعادة التموين بالوقود، وكل ذلك من خلال مختصر يستمر لمدة عشرين ثانية.
* العمانيون حزنوا وقلقوا من أن يؤدي الهجوم على المدمرة كول الى التقليل من عزمنا وتعهداتنا بالمنطقة
* صعدت الى الطائرة الرمادية القديمة متوجها الى مسقط. وفي الطريق اطلعت على ملف الخلفيات وتقارير الموقف التي اعدها طاقم الرحلة، ومن بينها تقارير من ولي مور بقطاع البحرية في القيادة الوسطى ومن غاري هارل الذي وصل لتوه الى عدن، ومن ديلونغ في تامبا، ومن هيو شيلتون في البنتاغون.
واطفأت الاضواء فوق مقعدي وحاولت النوم قبل الهبوط في عمان، ولكني لم استطع، فهذا الهجوم على المدمرة كول يحمل بصمات القاعدة التي كانت هادئة لعدة شهور، ومن الواضح ان تلك العملية قد تم تنفيذها بعد الكثير من التخطيط.
قضيت ثلاثة أيام على الأرض في سلطنة عمان، كنت خلالها على اتصال برايفل ديلونغ وويلي مور وهيو شيلتون وغاري هاريل الذي كان يقدم لي آخر المعلومات من عدن، فيما كانت الحكومة اليمنية تعلن محاولة الشروع في تحقيقها الخاص، ولكنها كانت عاجزة ثقافيا عن أن تساير سرعة مطالب المحققين المدنيين والعسكريين الأميركيين. من جهة أخرى عبر العمانيون لي عن حزنهم لخسارتنا، ولكنهم اظهروا دلائل على القلق من أن هذا الهجوم الارهابي الأخير قد يقلل من عزمنا وتعهداتنا في المنطقة، فأكدت لوزير دفاعهم ان أميركا ظلت وستظل عازمة على أن تكون قوة ايجابية في المنطقة، وان موقفنا لن يهتز، وقد حملت الرسالة ذاتها الى السلطان قابوس بن سعيد. والسلطان قابوس رجل مثقف، تراه بلحية يغمرها الشيب، وعمامة من الحرير الأصفر برتقالي اللون، ورداء من الصوف دقيق النسيج. كانت تعازيه صادقة، وقال بلغة انجليزية واضحة: «أيها الجنرال خسارة بلدكم كبيرة والعالم العربي يشعر بالحزن، فكيف نستطيع مساعدتكم؟». قلت: «صداقتكم مساعدة عظيمة يا صاحب الجلالة».
قال: «ذلك ما ستجدونه دائما جنرال فرانكس». سرحت في عينيه السوداوين الذكيتين فلم يكن هناك رياء أو أجندة سرية. فالسلطان قابوس سيكون صديقا وسيكون حليفا موثوقا به خلال الأوقات الشاقة المقبلة.
* الرئيس علي صالح سلمني شريطي فيديو وملفا لعدد من المشتبهين وقال إن التصريحات والاتهامات المربكة بالصحافة الأميركية تسبب لليمن المشاكل، فقلت له: ولكن صحافتنا تسبب لنا المشاكل أيضا
* كنت أقف وسط الحر الشديد على ظهر المدمرة كول، وأحدق نحو الأسفل بالفتحة الموجودة في جانب من السفينة. وقد اوضح الكابتن كيرك ليبولد طبيعة الأضرار التي لحقت بها، والأجنحة التي مات فيها الملاحون، والوضع الحالي للجرحى. وكان الطاقم قد عمل في هذه الحرارة العالية لمدة 72 ساعة من أجل ابقاء السفينة طافية. كانوا جميعا مرهقين، وما يزال كثير منهم يعانون من الصدمة. بدا الميناء رائعا ومتألقا وكانت نسمات الريح الرطبة تحرك العلم الأميركي الكبير الذي يحلق على الجسر في مقابل بقايا الحطام والأجزاء المحترقة ومستودع النفط. وبينما كنت أسير في السفينة لم يكن لدي الكثير الذي أقوله أو أفعله لتخفيف الآلام التي رأيتها على وجوه أفراد الطاقم. عدت بأفكاري الى أيامي في فيتنام واغرورقت عيناي بدموع هي مزيج من الاحترام والاعجاب والأسف، في مقابل نكهة متجددة للغضب الذي كنت قد شعرت به منذ زمن بعيد.
وفي تلك الظهيرة جلست في القصر الجنوبي للرئيس اليمني علي عبد الله صالح. فيما كانت السفيرة الأميركية بربارا بودين قد اقترحت علي أن أبقى هادئا واستمع الى ما يمكن أن يقوله صالح. وكان ذاك هو تقديمي لصالح، ولذا قررت أن ابدأ وفقا لما اقترحته السفيرة. ورأيت أنه إذا ما كان صادقا فانني ومن جانبي سأكون متعاونا.
عندما بدأ الرئيس صالح الكلام رأيت انه كان مهتما بالوضع الذي كان يعيشه أفراد طاقم كول، وما إذا كانوا لا يزالون باقين على ظهر السفينة في مثل تلك الظروف التي لا يمكن إلا أن تكون بائسة وسيئة. كنت أعرف أن هذا الاهتمام براحة الضيوف لم يكن اهتماما شكليا بالغربيين، بل هو عميق الجذور في الثقافة العربية. فأكدت للرئيس أن الطاقم يتلقى رعاية جيدة وان الكابتن يقوم بمهمته على النحو المطلوب، وكنا فخورين به وبضباطه وأفراد طاقمه.
واضفت قائلا: «سيادة الرئيس، طلب مني الوزير كوهين ان أشكرك على كل ما فعلته من أجلنا، انها بداية جيدة».
فبدا الرئيس مسترخيا، وقال: «كنا على الدوام نتمتع بعلاقات جيدة مع بلدكم، مع شوارزكوف ومع زيني، واني لأشعر بالأسف لأن الصداقة بيني وبينك بدأت في ظل هذه الظروف».
وبدا أن صالح يطرح المسألة بصيغة سؤال بدلا من تصريح، ولهذا بذلت جهدا لطمأنته قائلا: «سيدي ان صداقة أميركا مع اليمن راسخة ولن تهتز بسهولة، وسنعمل معا، ويجب أن نتبادل المعلومات. لقد بدأ رجالنا بداية جيدة في التحقيق بشأن هذه المأساة، ولكنها ليست سوى بداية. وان علاقتنا ستنمو لأنها في مصلحة بلدينا».
ووجه الرئيس صالح كلاما موجزا لمسؤولين كانوا يجلسون الى جانبه عند المنضدة الكبيرة المحلاة بالفضة والنحاس، ثم قال: «هناك الكثير من التصريحات والاتهامات المربكة في صحافتكم، انها تسبب لنا المشاكل، اننا نبذل كل ما في وسعنا من أجل المساعدة».
قلت وأنا أنظر اليه: «صحافتنا تسبب لنا المشاكل أيضا يا سيدي».
ووعد بمساعدة التحقيق مشيرا الى انه شكل لجنة خاصة. وكنت أعرف ان اليمنيين سيعرفون الحقيقة، وتعين علينا التوثق من أنهم يشاركوننا في هذه المعرفة.
قلت: «سيادة الرئيس انه لمن المهم جدا أن توفر لجنتكم كل الدلائل التي تحصل عليها لتحقيقنا».
وقف الرئيس صالح وسلمني شريطي فيديو وملفا بلاستيكيا به بطاقات هوية لعدد من العناصر العربية المشتبهة. وقال: «هذه الشرائط من كاميراتنا بالميناء، وربما تكون مفيدة لكم، أما البطاقات الشخصية فهي تخص أفرادا تأكد اشتراكهم في هذه الهجمات البشعة».
أخذت البينات والأدلة وكتبت عليها التواريخ لأغراض التوثيق لأن مكتب التحقيقات الفيدرالي يحرص تماما على معرفة من تحصل على المعلومات وفي أي وقت. وحاول الرئيس علي عبد الله صالح جهده لكسب ثقتي وأعتقد أنه قد بدأ بداية طيبة.

 

 


   

رد مع اقتباس

قديم 28-03-09, 03:07 PM

  رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

جندي أميركي 8 ـ فرانكس: يوم 7 سبتمبر سألتني شابة برتبة عريف: ما الذي يبقيك ساهرا في الليل؟ فأجبتها: هجوم إرهابي على المركز التجاري الدولي في نيويورك
رتبنا لقاء مع مدير مخابرات باكستان يوم 10 سبتمبر لتقييم إمكانية أن يقوم بمساعدتنا في الوصول إلى بن لادن والقاعدة فوقعت الأحداث بعد يوم واحد
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
كنت أظن أن سياستنا تجاه القاعدة ستتغير قريبا. إذ لم يكن هناك أي تحول درامي في الإشارات الإلكترونية التي كنت أحصل عليها. لكنني شعرت بوجود قدر من مشاعر الإحباط في البنتاغون والأوساط الاستخبارية مع الإزعاجات الطفيفة والعمليات الانتقامية القصيرة التي قمنا بها في الماضي. ستتجه الإدارة الجديدة صوب المعالجة الحازمة التي كنت متأكدا منها. سيتطلب الأمر وقتا للانتهاء من وضع خطوط السياسة الجديدة والمبادرات الدبلوماسية والقوة العسكرية لكنها قادمة لا محال من ذلك.
في أبريل زارني اريك أنتيلا في ماكديل وهو متقاعد قديم من القوة البرية، وقد بدا لي كبيرا في السن ومتعبا ولعله كان مريضا. قضينا ساعتين ندخن ونضحك على كرسيين مريحين في المكتب حيث تكلمنا عن تلك الأيام والليالي التي قضيناها معا في فيتنام وحول ما تعلمناه من ذلك.
قال أنتيلا: «أنا محظوظ يا توم. كان لدي جنود شبان شجعان راغبين في أن تتم قيادتهم وهذا أقصى ما يمكن أن يتمناه ضابط مسؤول».
فكرت آنذاك كم كان ذلك صحيحا. قلت: «كنا محظوظين لوجودك معنا سيدي». وعند مغادرته أخذت هذا الجندي الرائع عبر «غرفة الغنائم». كان مولعا بالأسلحة وحريصا على التحدث مع كل عسكري يمر به.
قال لي: «أنا فخور جدا بكل جنرال. أنت كنت أفضل ليفتنانت كنت أعرفه. أنت كنت تهتم بالوحدات وأنا أذكر ذلك دائما».
نظرت إلى الأرض مع دموع تجمعت في عيني.
قلت له: «كولونيل أنت كنت تهتم بكل ليفتنانت ولهذا السبب أنا موجود هنا اليوم».
ابتسم اريك أنتيلا وهو يسير خارجا. ولم أره مرة أخرى إذ أنه مات بعد أشهر قليلة، لكن ذكراه مع ما تبقى من ولاء مساعديه له ستظل قائمة معي خلال أكثر الفترات صعوبة في حياتي.
خلال ربيع 2001 وحتى الدخول في الصيف ظلت حماية وحداتنا المنتشرة من هجمات الإرهابيين هي الهم الأساسي. قضيت أياما كثيرة وعطل نهاية الأسبوع مع قادة القوات الجوية والبرية والبحرية حيث بقينا نعمل من أجل التوثق من عدم تكرار مهاجمة أبراج الخبر ومهاجمة السفينة الحربية كول.
وعند حلول الصيف كان الأفراد العاملون في الاستخبارات يشتغلون مع «سي آي إيه» ووكالة الاستخبارات العسكرية لجمع وتحليل مؤشرات متواصلة عن نشاط يخطط له الإرهابيون في الشرق الأوسط، لكنها مؤشرات غير محددة. ومصادر هذه المعلومات كانت مزيجا من استخبارات بشرية وتقنية. أمرت قادة هذه القوات أن يقللوا من عمليات ظهور جنودهم. وفي العديد من المناسبات قمت برفع مستوى استعدادنا الوقائي عن طريق طرح تهديدات زائفة. ونتيجة لذلك لم يكن هناك أي تهديد مشخص. كان هناك شيء ما يختمر، لكن أفضل العقول في سي آي إيه ومجلس الأمن القومي لم تستطع أن تحدد طبيعة وشكل التهديدات بأي درجة من الدقة. ولم تستطع الإجابة على سؤال أين سنرى فعلا إرهابيا ومتى؟
ومع قراءتي للتهديدات المتزايدة من احتمال وقوع هجمات محتملة على المرافق الغربية في المنطقة، بدأت تتشكل لدي قناعة بأن القاعدة ستستخدم سيارات وشاحنات وزوارق للقيام بعمليات انتحارية. وماذا بالنسبة للطائرات المشحونة بالمتفجرات؟ أنا بعثت ملاحظة أولا لسفيرنا في الرياض ثم لسفرائنا في الشرق الأوسط طالبا منهم أن ينقلوا مخاوفي للمسؤولين في البلدان المضيفة. وقلت «يجب أن نعمل كي نحقق تنسيقا بين جهود البلدان التي تستضيفنا لمواجهة هذا النوع من التهديد».
في أول أسبوع من سبتمبر عملت مع جورج تينيت ومع مساعدة وزيرة الخارجية كريستيانا روكا لترتيب لقاء مع الجنرال محمود أحمد مدير الاستخبارات الباكستاني خلال رحلة مقرر أن يقوم بها إلى واشنطن. كنت تواقا للنظر بعمق إلى العلاقات التي تجمع باكستان بطالبان، ولتقييم إمكانية أن تقوم باكستان بمساعدتنا في الوصول إلى أسامة بن لادن والقاعدة عن طريق زيادة التعاون بين وكالاتنا. وتقرر أن يكون اللقاء به يوم 10 سبتمبر 2001 .
تحدثت يوم 7 سبتمبر إلى كوادر في وكالة الاستخبارات سنتكوم في قاعدة ماكديل حول الأدوار والمسؤوليات التي أتنبأ بها في ميدان القيادة بالنسبة لهم.
وفي نهاية العرض طرحت شابة برتبة عريف سؤالا وقالت :«جنرال ما الذي يبقيك ساهرا في الليل»؟
إنه سؤال عويص.
بعد وقت قصير أجبت: «هجوم إرهابي على المركز التجاري الدولي في نيويورك، هذا ما يبقيني أرقا طيلة الليل».
استمع الحاضرون في القاعة بتوتر. ثم أضفت «إذا كان الإرهابيون سيوجهون ضربة كبيرة ضد أميركا فأنا أخاف من شبح وقوع عملية عسكرية داخل حدودنا لأول مرة منذ 1860».
وتحدثت عن آفاق إعادة الإعمار بعد الحرب الأهلية والتي نجم عنها قانون «بوس كوميتاتوس» والذي وفقه منعت القوات العسكرية من العمل في أجهزة الشرطة داخل الولايات المتحدة. هل هذا التقنين ستتم المحافظة عليه في حالة وقوع هجوم إرهابي كبير؟
«لذلك فإن الشيء الوحيد الذي يجعلني أرقا طيلة الليل أيها العريف هو احتمال استخدام قواتنا المسلحة ضد مواطنينا الأميركيين. نحن نقوم بعملنا بشكل جيد لكننا تدربنا كي نقاتل أعداء أجانب ونحن لسنا ضباط شرطة أو رؤساء شرطة أو أف بي آي. وإذا تطلب منا أن نقوم بذلك أثناء أزمة طوارئ كبيرة مثل الهجوم على المركز التجاري الدولي فإن التأثير على أميركا يمكن أن يكون مدمرا. فالقانون العرفي لا يتوافق مع مجتمع حر ومنفتح».
* الكونغرس حاول أن ينتزع منا اعترافا بأن زيارة المدمرة كول لعدن كانت جزءا من سياسة خاطئة للتعامل مع اليمن
* عندما بدأ اعضاء مجلس الشيوخ في طرح أسئلتهم وضح أن لكل منهم تفسيره الخاص للأحداث. ووجه إلينا قائد الأقلية الديمقراطية داخل اللجنة، السناتور الواسع النفوذ كارل ليفين أسئلة صعبة أراد منها أن ينتزع منا اعترافا بأن زيارة كول لميناء عدن كانت جزءا من سياسة خاطئة للتعامل مع اليمن. وبنى حججه على أن الميناء معروف بانه خلية من خلايا الإرهاب. ولكننا من جانبنا تمسكنا بالحقائق، فيما حفل النقاش بطرح وجهات النظر أكثر من تركيزه على الأسئلة. وكان السناتور ليفين مصرا على أن أعترف أن نظامنا لتحديد المخاطر به ثغرات. ولكني شرحت عملية اتخاذ القرار. وأضفت أنه وفي خلال السنوات العشر الماضية رست السفن التابعة للقيادة الوسطى 186 مرة في ثمانية موانئ في كل أنحاء المنطقة، وكلها فعلت ذلك بناء على نفس تعليمات السلامة. ولم تكن هناك أية معلومات بأن درجة الخطر صارت أعلى في ذلك اليوم، أي يوم 12 أكتوبر (تشرين الأول) في ميناء عدن، يوم الهجوم على المدمرة كول.
الى ذلك كتب الصحافي بيل غيرتس في «واشنطن بوست» يقول: إن تقريرا إستخباريا سريا، أوضح أن وكالة الأمن القومي قد أصدرت تحذيرا في نفس اليوم الذي رست فيه السفينة بميناء عدن بأن الإرهابيين كانوا يرتبون لشن هجوم في المنطقة. فلماذا رست كول في ذلك اليوم بالذات للتزود بالوقود؟
وجاء في تقرير غيرتس أن طاقم المدمرة كول لم يتسلم الإنذار إلا بعد تعرضها للهجوم. وأوحى التقرير بأن السلطات العسكرية احتفظت بهذه المعلومات، وأنها هي المسؤولة بالتالي عن موت البحارة على متن كول. وكان العنوان الجانبي للمقال: «الخطأ يكمن في بطء تبليغ المعلومات». وقد تساءل السناتور جيف سيشنز، عما إذا كنا نحن «الذين نحتل مواقع المسؤولية نعرف الإجابة على مثل هذه الأسئلة. وقد شعرنا بالإحراج من جراء هذه المعلومات». وعندما شرحت الحقيقة، وهي أن تحذير وكالة الأمن القومي لم تكن له علاقة بالقيادة الوسطى، كان إهتمام اللجنة بالحقائق أقل من اهتمامها بمشاهدة مظاهر الغضب التي أبداها بعض الأعضاء في الصور التلفزيونية التي كانت تعرض عليهم.
* مشرف قال لي: ليس أمامنا من خيار سوى العمل مع طالبان ونحن نبغض نزعتهم المتطرفة ولكنهم جلبوا الاستقرار إلى أفغانستان
* في التاسع من يناير 2001 وفي الأيام الأخيرة من عهد ادارة كلينتون اتصل بي ديك كلارك من مجلس الأمن القومي لمناقشة ملاحقة الحكومة لأسامة بن لادن والقاعدة. وقد تحدث لبرهة دون أن يقدم اية خيارات معقولة. وكان جورج تينيت قد ابلغني للتو بمعلومات حول نشاطات الوكالة في افغانستان وآسيا الوسطى، ولكني اصغيت الى كلارك بصبر لأنه قال ان الادارة المقبلة ستبقيه في موقعه بمجلس الأمن القومي في مجال مكافحة الارهاب.
وتحدثنا عبر الهاتف الآمن وكانت هناك معلومات حساسة في ما يتعلق ببرنامج عملية البريديتور. وقال ان العملية تسير قدما وقد تحصد النتائج قريبا. كما قال ان اداء مصادر المعلومات البشرية يتحسن ولكنه لا يتميز بالسعة والاتقان.
قلت : «هذا شيء عظيم. نحن مستعدون لتنسيق الأهداف».
ولم أتلق أبدا أية توصية عملياتية أو صفحة معلومات تتعلق بالعمل من ريتشارد كلارك.
كانت المكاتب العامة في راولبندي هادئة ومظللة. وهي قلعة للحكم البريطاني مشيدة من الأحجار القديمة. واستقبلني الرئيس برويز مشرف في مكتبه يوم 19 يناير 2001، وكان يرتدي زيا عسكريا.
وكان ذلك اللقاء بين جنديين، وكان مشرف يتسم بمشاعر طبيعية تجاه المصطلحات العسكرية. واعلن انه سيقدم لي معلومات موجزة حول «الوضع الشامل» ثم ينتقل في المناقشة الى التفاصيل. كنت أصغي كما لو انني استمع الى جنرال معتاد على تلخيص المعلومات المعقدة، وذلك ما كان عليه مشرف بالطبع قبل ان يقود انقلابا عسكريا ضد حكومة باكستان المدنية الفاسدة عام 1999. وبعد قيادة وحدات في المعارك خلال حربين مع الهند كان مشرف يمارس التدريس في معاهد باكستان العسكرية العليا. وكان أخصائيا استراتيجيا وتحول لقاؤنا الى محاضرة واسعة النطاق حول بلده وموقفه العسكري.
وأكد ان باكستان تقف بقوة الى جانب تحقيق السلام في المنطقة، وتعارض الارهاب والتطرف بأي شكل كان بما في ذلك التعصب الديني «الهندوسي والاسلامي».
وقال مشيرا الى نمو ترسانة باكستان النووية: لم نتجه أبدا الى البدء بسباق تسلح. فأسلحتنا موجهة للحفاظ على السلام واحترام كرامتنا. انها أسلحة رادعة وليست لتوجيه الضربة الأولى".
وكما لو أنه كان يتابع أفكاري أضاف: ان السبب الوحيد الذي جعل باكستان تستثمر الأموال والطاقات الكثيرة في تطوير الصواريخ البالستية هو أن سلاحهم الجوي قد أصيب بأضرار بسبب حصار السلاح الذي فرضته أميركا.
أومأت برأسي مشيرا الى فهمي لذلك.
ثم ركز بعد ذلك على افغانستان، وقال: «ليس امامنا خيار سوى العمل مع طالبان. أستطيع ان أؤكد لك اننا نبغض نزعتهم المتطرفة، ولكنهم جلبوا الاستقرار الى أفغانستان وأنهوا اراقة الدماء بعد مغادرة السوفيات. يجب ان نتمتع بالاستقرار على الأقل في حدود واحدة».
كانت هناك خارطة جميلة كبيرة لشبه القارة معلقة على الجدار. وبينما كان يتحدث كنت أدرس الطوبوغرافيا. الجنود يفضلون الدفاع من الأراضي المرتفعة، ولكن الكثير من اراضي باكستان تقع في سهول وادي اندوس. وعشية غزو هندي يمكن أن يتخذ الجيش الباكستاني مواقع لحماية اسلام آباد. ومن المؤكد انهم سيحتاجون الى اتصالات مع أفغانستان. وهذا هو «العمق الاستراتيجي» الذي كنا أنا وجورج تينيت قد ناقشناه.
قلت: «أفهم موقفكم ووضعكم».
قال: «انت تعرف ايها الجنرال ان طالبان معزولة. لدينا بعض النفوذ معهم ولكننا لا نسيطر عليهم. سأبذل ما في وسعي للمساعدة ولكننا بحاجة الى مساعدة من المجتمع الدولي».
والمساعدة التي كان يفكر بها بالطبع هي المساعدة الاقتصادية والعسكرية الأميركية. ولم أكن هناك لتقديم امتيازات. ولكني يمكن أن أنقل هذه الرسالة الى واشنطن.
وقال طارحا قضيته مباشرة: ان باكستان يمكن أن تساعد في مشكلة أسامة بن لادن والقاعدة. واذا ما استطعنا زيادة نفوذنا مع طالبان فانه من المحتمل ان يوافقوا على طرده الى دولة محايدة لينفى فيها او لمحاكمته هناك.
قلت: «أنا هنا لأستمع ايها الجنرال مشرف».
وواصل مشرف حديثه ولكن المعلومات الحاسمة قد جرى تبادلها. فاذا ما ساعدناه في تلبية حاجات باكستان، فانه سيساعدنا في قضية بن لادن والقاعدة.
وبينما كنا نتحدث لفت انتباهي انه من المناسب اننا نرتدي بدلاتنا العسكرية. فلسنوات كان المسؤولون والمبعوثون الدبلوماسيون الأميركيون يرتدون البدلات المدنية الرسمية ويتحدثون، بلغة متعالية، مع السياسيين العسكريين مثل برويز مشرف حول حقوق الانسان والحكومات الدستورية. ومن الطبيعي انني اؤمن بهذه القضايا بالمستوى ذاته من القناعة، ولكن في هذه المرحلة من التاريخ كنا بحاجة الى تحديد الأولويات. ان ايقاف القاعدة من اهم هذه الأولويات وكان مشرف مستعدا لتقديم المساعدة.
وقادني الرئيس نحو سيارة السفارة، ووقفنا في ظل شجرة الايكاليبتوس.
وقال مشرف: «يجب ان تأتي مرة ثانية لكي نلعب الغولف». قلت: «سيكون من دواعي سروري».

 

 


   

رد مع اقتباس

قديم 28-03-09, 03:10 PM

  رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

جندي أميركي (9) ـ رامسفيلد: العرب تقدموا بوعود مبهمة للمساعدة ولم يفعلوا شيئا
فرانكس: كان ردي أن النزاع الفلسطيني الإسرائيلي يلقي بآثاره على المنطقة وإلى أن نحله فالعرب لن يساعدونا في حل مشكلة صدام حسين
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
* الجنرال: اعتبرت الجلبي شخصا ساذجا بعد قوله إنه يستطيع بسهولة تجميع العراق حوله
* خصصت بعد ذلك عشر دقائق لقضية التصعيد من جانب العراق ازاء دورياتنا فوق مناطق الحظر الجوي شمال وجنوب العراق، وابلغت رامسفيلد بأننا ربما نكون في حاجة الى تغيير منهجنا في هذا الجانب، سواء كان ذلك في عدد دوريات المراقبة نفسها، او المسارات الجوية التي تتبعها هذه الدوريات، وذلك بهدف تقليل المخاطر على طيارينا. صمت رامسفيلد لحظة ثم حدق مباشرة في وجهي بنظرته المميزة الخالية من أية عواطف وقال: «يبدو اننا فقط نحدث ثقوبا في السماء سيادة الجنرال. نريد اهدافا ملموسة ومحددة، فالسياسة الحالية غير محددة. اريد ان اقترح اهدافا ومناهج عمل تؤدي الى نتائج ملموسة. سياسة الاحتواء لم تنجح في تغيير سلوك هذا النظام. صدام حسين لا يزال يوجه نيرانه الى طيارينا. أمامكم الكثير من العمل ايها الجنرال».

ابتسم رامسفيلد، وكنت اريد ان ارد عليه لكنه واصل حديثه قائلا: «العقوبات التي فرضت على العراق تواجه الفشل. العرب تقدموا بوعود مبهمة للمساعدة لكنهم لم يفعلوا شيئا. تحالف حرب الخليج اقتصر علينا والبريطانيين، وهذا لا يمكن ان يستمر الى الأبد».
تحدث رامسفيلد بانفتاح وكنت انا كذلك. قلت لرامسفيلد ان النزاع الفلسطيني الاسرائيلي يلقي بآثاره على كل شيء في المنطقة وان الانتفاضة في كل وسائل الإعلام في كل مكان يوميا. قلت له ايضا انه الى حين توصلنا الى حل لهذه القضية فإن العرب لن يساعدونا في حل مشكلة صدام حسين. تواصل النقاش بيننا لمدة ساعتين وكان منفتحا وتطرق الى قضايا لم تكن متوقعة.
* خلال تخطيطنا لـ1003 في ناقشنا المرحلة الرابعة التي سميناها «اليوم اللاحق»، ذهب تقديرنا الى أن من الممكن صياغة العراق على أساس نموذج ألمانيا واليابان ما بعد الحرب العالمية الثانية. فقد أخذنا بعين الاعتبار كل الإيجابيات والسلبيات التي طرحها الضباط الكبار من القوات البرية والجوية والبحرية، ومن القادة العسكريين البريطانيين الذين عملوا مع شيوخ العشائر العراقية في السابق. ودرسنا مدى إمكانية تنصيب حكومة في العراق مع دعم دولي يجعلها شبيهة بحكومة حميد كرزاي في أفغانستان.
مع الاعتبار للهدف الأساسي في سياستنا للمساعدة على إنشاء حكومة ممثلة للشعب في العراق، فسيكون من الضروري إنشاء إدارة مدنية في شتى أنحاء العراق، وفي أقرب وقت ممكن. كانت الأسئلة: كم هو طول الوقت الذي يستلزم وجود حكم عسكري في العراق؟ وبأي سرعة سيتمكن العراقيون من إدارة أنفسهم بأنفسهم؟ وأي شكل ستتخذه «سلطة التحالف»؟ هذه كانت أسئلة صعبة، فيما لم تكن هناك أي وصفة جاهزة لتقديم إجابات عنها.
فمن جانب، كانت هناك قوات التحالف، وقانون الأحكام العرفية، والتي قد تكون ضرورية في التطبيق لعدة سنوات من أجل الحفاظ على الأمن. ومن جانب آخر قد يتمكن العراقيون من إدارة بلدهم مباشرة، إذ أنهم قد يرحبون بالتحرير، وينظمون أنفسهم بسرعة لإدارة العراق بدون مساعدة من قوات التحالف.
تطلبت دراسة هذه المسائل ساعات وأياما من المناقشات بين مخططي القيادة الوسطى والمسؤولين في واشنطن. وإذا كان ممكنا تنصيب رئيس يتمتع بإجماع مثل حميد كرزاي في أفغانستان فإنه سيكون ممكنا تعيين حكومة لأمد قصير. وسيتم تمثيل أحزاب الأكثرية والأقلية فيها، ويصبح العراق نموذجا للعالمين العربي والمسلم. لكن كان سؤالنا أين يمكننا أن نجد شخصا عليه اجماع؟
والى ذلك اعتبر كثيرون في واشنطن أن احمد الجلبي اختيار محتمل. وكان الجلبي قد اشتهر، في غضون الفترة التي اقر فيها الكونغرس، ووقع الرئيس بيل كلينتون على قانون تحرير العراق في 1998. وكانت تلك التشريعات قد أعلنت ان «سياسة الولايات المتحدة هي السعي للقضاء على نظام صدام حسين في العراق واستبداله بحكومة ديمقراطية». ووجه القانون الجديد الرئيس الى اختيار واحدة او اكثر منظمات المعارضة العراقية للحصول على مساعدات. وقد قاد المؤتمر الوطني العراقي الذي يرأسه الجلبي، ويضم بصفة اساسية عناصر منفية معادية لصدام، مثل هذه المجموعة. غير انه كانت هناك مجموعات من المعادين له، سواء في وزارة الخارجية او في وكالة الاستخبارات الاميركية. وقد اشاروا الى تعاملاته المالية المثيرة للجدل حول عدد من السنوات في الشرق الاوسط، وشكوا في انه يحتفظ باتصالات وثيقة داخل العراق كما ادعى، ولا سيما لأنه لم يعش في البلاد لأكثر من 30 سنة. وقد عانى الجلبي مثلما عانت العديد من القيادات المنفية المهاجرة، من الروس البيض في العشرينات في باريس، الى الديغوليين في بريطانيا، خلال الحرب العالمية الثانية. فمهما كانت درجة الإخلاص لتحرير الوطن، فهو يقف دائما بعيدا عما يتطلبه تحقيق ذلك. لقد التقيت الجلبي مرة واحدة، وفي الوقت الذي تأثرت بإخلاصه، فقد شعرت بالإحباط من نظرته الواضحة لأهميته الشخصية، ورأيه المعلن من انه يمكنه بسهولة تجميع العراق حوله. ربما كان رجلا جيدا، ولكني اعرف معرفة جيدة الصعاب التي واجهها العراق بحيث اعتبره شخصا ساذجا. كما ان العديد من القادة في المنطقة كانوا ضد الجلبي، باعتباره شخصية بعيدة عن الواقع العراقي، لن يمكنه توحيد الاجنحة العراقية والدينية. وفي واشنطن تم تحديد خطوط المعركة. ومع عدم وجود كرازي عراقي، فقد استمر الجدل بين وزارتي الخارجية والدفاع. وفي الوقت ذاته، اقتربت اميركا كثيرا من الحرب، ويجب تحديد القيادة العراقية الجديدة بسرعة، حتى في الوقت الذي يجري فيه تحرير العراق، وربما يظهر جنرال عراقي، او شخصية من الصفوة المتعلمة.ومع ذلك، ومهما تم التقليل من شأن هذه القضية، فإن السلطة المؤقتة مطلوبة.

 

 


   

رد مع اقتباس

قديم 28-03-09, 03:11 PM

  رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

جندي أميركي (10) ـ قصة الجهد الاستراتيجي المستمر لتضليل نظام صدام.. وحكاية العميل المزدوج «كذبة أبريل»
الكولونيل العراقي دفع عدة آلاف من الدولارات لقاء كل وثيقة من الوثائق التي زوده بها عميلنا «كذبة ابريل» * اقتصر العلم بتفاصيل خطة الخدعة نسبة لطبيعتها المعقدة والحساسة على بضعة اشخاص فقط داخل الحكومة الاميركية
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
توصلنا اخيرا الى اسم للعملية التي اطلق عليها رسميا «عملية حرية العراق». كان القرار قرار الرئيس ووجد من جانبي قبولا. هدف هذه الحملة لم يكن الغزو او النفط وإنما الحرية لـ26 مليون عراقي وحرية للعالم من خطر وقوع اسلحة الدمار الشامل في ايدي ارهابيين. وصل عدد افراد الائتلاف الذي جرى تكوينه لكسب هذه الحرب الى 290000 من الجنود وأفراد القوات الجوية والبحرية وحرس السواحل والقوات الخاصة من الولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا وأوروبا. وقد اشتملت هذه القوات على نساء ورجال من 23 دولة، فيما وفر حلفاؤنا في منطقة الخليج العربي قواعد الانطلاق من قواعد جوية وموانئ وأمن بحري، وحماية لخطوط الإمداد والتموين الخلفية الطويلة. ومع سير الاستعدادات بصورة عامة نحو الاستقرار، انضم عدة آلاف من أفراد القوات الخاصة، الذين شارك معظمهم في العمليات القتالية في افغانستان، الى قوات خاصة بريطانية واسترالية في قواعد بالمنطقة استعدادا لشن هجوم على غرب العراق. ويمكن القول ان «حرية العراق» تعتبر اكبر عملية حشد ونشر للقوات الخاصة في التاريخ. المهمة الاولى التي كان من المقرر ان تبدأ بعد اقل من اربع ساعات، كانت مخصصة لتدمير نقاط مراقبة العدو على طول حدود العراق الغربية. كان على القوات الخاصة ان تحدد عن طريق استخدام اشعة الليزر مواقع الأبنية الحجرية الضخمة وأبراج الصلب الصغيرة. تقرر استخدام طائرات «AH-6 Little Birds» و«MH-60» لاختراق الدفاعات، بالإضافة الى قاذفات قنابل وصواريخ «هيل فاير» وقنابل من زنة 500 رطل لتدمير مواقع المراقبة. وذهب تقديرنا الى أن هذه الضربات ستلعب دورا حاسما في الايام المقبلة، اذ من المفترض ان تصيب العدو بالعمى. فبتدمير امكانيات المراقبة العراقية، سيتمكن المئات من أفراد القوات الخاصة من دخول العراق ليلا عبر الحدود الغربية عن طريق المروحيات والمركبات العسكرية، بغرض السيطرة على مواقع محتملة لإطلاق الصواريخ، خصوصا صواريخ «سكود المعروفة»، فضلا عن السيطرة على سلسلة من مهابط الطائرات في الصحراء الغربية بالعراق. كنت اريد ان تطلق اول رصاصات في هذه الحرب في غرب العراق. ورغم ان الاستخبارات العراقية متوسطة الكفاءة على افضل تقدير، فإن بغداد ستعلم خلال بضع ساعات فقط ان قواتنا بدأت فعلا في اجتياز حدودها مع الاردن. ابلغت غاري هاريل وديل ديلي خلال آخر اجتماع لنا قبل بضعة ايام انني اريد ان يكون هناك تأثير واضح. وقلت لهما بنيتي في الاستيلاء أولا على تسعة ابراج مواجهة للاردن، ثم ندمر بعد ذلك 24 برج مراقبة عراقيا على الحدود السعودية الغربية بعد عدة ساعات. لم يكن نشاط القوات الخاصة في الغرب بداية فقط للمرحلة الاولى الحركية لـ«عملية حرية العراق» وإنما كانت جزءا من خطة معقدة لخداع العدو. فقد كان هناك جهد استراتيجي مستمر على مدى شهور لتضليل نظام صدام حسين، ونسبة للطبيعة المعقدة والحساسة للخدعة فقد اقتصر العلم بتفاصيلها على بضعة اشخاص فقط داخل الحكومة الاميركية. العنصر المهم في كل هذه العملية كان شخصا اطلقنا عليه «كذبة ابريل»، وهو ضابط عسكري اميركي تلقى اتصالا من ضابط بإدارة المخابرات الخارجية العراقية كان يعمل دبلوماسيا بغرض التمويه. تمكن الضابط العراقي، والذي كنا نشير اليه باسم «الكولونيل»، من تجنيد «كذبة ابريل» كعميل مزدوج، واتصل الضابط دون علم المخابرات في قيادته خلال ساعات فقط من الخطوة العراقية الاولية. قابلني مدير الاستخبارات جيف كيمونز بعد يومين، وقال لي خلال اللقاء انه بوسعنا التأثير على السلوك العراقي، وأضاف قائلا إنهم لا يعرفون حتى تلك اللحظة المدى الذي يمكن ان يصل اليه ضابط الاستخبارات العراقي، لكنه اشار الى اننا سنبقي على «كذبة ابريل» للعمل معه لنرى ما يمكن ان يحدث بعد ذلك. قلت لجيف اننا ربما نحقق نتائج كبيرة من خلال هذه الخطوة، وطلبت منه ان يكونوا على اتصال مستمر مع الذين يتعاملون مع «كذبة ابريل» وإبلاغي بالتطورات. بدأ «كذبة ابريل» بعد وقت قصير في عقد سلسلة من اللقاءات السرية مع «الكولونيل»، وزوده بنسخ من خرائط قديمة وملاحق من الخطة 1003، وكانت كل الوثائق تحمل عبارة «سري للغاية». دفع «الكولونيل» عدة آلاف من الدولارات لقاء كل وثيقة من الوثائق التي زوده بها «كذبة ابريل»، وعند نهاية كل لقاء سري كان يقول لـ«الكولونيل» ان بوسعه تزويده بالمزيد من الوثائق الحساسة الخاصة بخطة القيادة الوسطى للحرب. على مدى عدة اسابيع خلال عامي 2002 ومطلع عام 2003 تمكن «كذبة ابريل» من بيع معلومات عملياتية مفصلة لـ«الكولونيل» تبدو كلها صحيحة وحقيقية، إلا ان معظمها جرى إعداده بواسطة خلية داخل القيادة الوسطى مسؤولة عن خداع وتضليل النظام العراقي. كانت القصة التي سوقناها للجانب العراقي كالآتي: «يعتزم التحالف حشد جزء فقط من قواته الارضية في الكويت، فيما يجهز لهجوم جوي رئيسي على شمال العراق من اعلى تكريت الى حقول النفط حول مدينة كركوك، مع مشاركة قوات هجومية محمولة على المروحيات في تعزيز قوات المظلات. وبمجرد تأمين عدة مهابط ستنقل طائرات سي-17 دبابات ومركبات برادلي المدرعة للانضمام الى هذه القوات. وستعزز هذه القوة المسلحة الصغيرة، في وقت لاحق، قوات تابعة للفرقة الرابعة مشاة، وهي قوات ستسمح لها الحكومة التركية بالمرور عبر تركيا للاتجاه جنوبا صوب بغداد».
الغرض من عمل «كذبة ابريل» هو ايجاد شكوك لدى القيادة العراقية فيما يتعلق بمكان وزمان وحجم قوات التحالف التي ستشن الهجوم. والى ذلك، واذا نجحت خطة الخدعة والتضليل، فإن صدام حسين سيبقي على جزء كبير من 13 فرقة عسكرية شمال بغداد للدفاع عن الفرقة الرابعة المدرعة الى ان يفوت الأوان لاستخدامها لصد الهجوم الرئيسي للتحالف انطلاقا من الكويت. وصلت علاقة «كذبة ابريل» مع «الكولونيل» الى ذروتها لدى تزويده بمعلومات مفصلة حول منطقة إنزال الفرقة 82 المحمولة جوا بالقرب من تكريت وكركوك قبل اقل من اسبوعين على بداية «عملية حرية العراق». لم اعرف حتى 19 مارس ما اذا كانت الخدعة حققت نجاحا، لكنني كنت على إطلاع كامل على نتائج عمليات استطلاعنا. فعلى الرغم من الحشد الكبير للقوات في الكويت، فإن قوات الحرس الجمهوري وقوات تابعة لفرق الجيش النظامي لم تجر تحركا كبيرا من مواقعها في الشمال، اذ كانت فيما يبدو في انتظار هجوم لن يحدث اصلا.
* للتاريخ: أردت الحفاظ على قوات العراق المهزومة في وحدات متماسكة بقيادة ضباطهم ودفع مرتباتهم
* كانت وجهت نظري بسيطة وملخصها في الآتي: في الوقت الذي ننفذ فيه في القيادة الوسطى خطة الحرب، يجب أن تركز واشنطن على القضايا السياسية. وكانت هناك العديد من القضايا التي تستوجب التركيز عليها، والى ذلك ظللت قلقا بخصوص ما يلي:
الآلية العملية لبرنامج الحوافز للمعلومات حول أسلحة الدمار الشامل وقيادات النظام المختفية.
خطة عملية وسياسية بخصوص دفع أموال للوحدات العسكرية العراقية، بحيث يمكنها التعاون الفوري، وأن تعمل مع التحالف في عمليات إعادة البناء. [كنت أريد الحفاظ على قوات العدو المهزومة في وحدات متماسكة، بقيادة ضباطهم، وتدفع مرتباتهم على شكل مساعدات إنسانية من الطعام والنقد.
الانتهاء من إعداد «القائمة السوداء» من أفراد مجرمي الحرب المشتبه فيهم وتحديد وضعهم القانوني.
والى ذلك كانت تلك النقاط وفق تقديري من بين المهام الاستراتيجية التي يجب على واشنطن مواجهتها.
وكان قلقي ينبع، في جزء منه، من تاريخ أميركا الأخير مع الحرب. فخلال حرب فيتنام كان وزير الدفاع روبرت ماكنامارا ورجاله يختارون الأهداف لقصفها ويقرون مناورات الكتائب. لن يحدث ذلك في العراق. أعرف أن الرئيس ودون رامسفيلد سيؤيداني، ولذا شعرت بالحرية بتمرير تلك الرسالة إلى الهيئة البيروقراطية التي تتبعهما بمجمل عبارة مفادها: اهتموا باليوم التالي لانتهاء الحرب وسأهتم بالحرب ذاتها.
لقد انعم الله علي بأفضل قيادات وأفضل طاقم مقاتل يمكن لأي جنرال بأربعة نجوم (اعلى رتبة في القوات المسلحة الاميركية) أن يحصل عليه .وكنت على ثقة ان الحملة التي ستبدأ قريبا ستؤدي الى هزيمة العدو بسرعة تاريخية. لقد كانت واشنطن في حاجة الى الاستعداد للاحتلال وإعادة البناء ، لان العمليات القتالية ربما تنتهي بأسرع مما يتوقع أي شخص. وقد اشرت انا ورامسفيلد في اجتماعات لمجلس الأمن القومي الى امكانية «النجاح المأسوي».
* قصة قطع الطريق على تدمير العراق لحقول النفط
* ألقيت وغرينش نظرة على آخر توقيت للهجوم كما ارسله جين رينوار عبر رسالة فاكس مشفرة. وقد ظهر فيه أعلى الصفحة خط موضح عليه الايام الاربعة الاولى للعملية: يوم الإنزال واليوم الاول واليوم الثاني واليوم الثالث، اذ يبدأ كل يوم منتصف الليل بتوقيت العراق، فيما تبدأ العمليات القتالية الساعة التاسعة ليل 19 مارس 2003 . اطلعت بعناية على هذه النسخة الاخيرة لأنها تشكل تغييرا عن الجدول الزمني الاولي الذي ارسلته مطلع ذلك الاسبوع الى دونالد رامسفيلد. اهداف يوم 19 مارس لا تزال تتضمن تدمير مراكز وابراج المراقبة في غرب العراق وإدخال القوات الخاصة، فيما تبدأ في اليوم التالي، وهو يوم 20 مارس، عمليات الاستطلاع الجوي للطرق وحقول الالغام والاستطلاع الارضي لخطوط الهجوم باتجاه جنوب العراق في الساعة الثامنة من مساء نفس اليوم. وبعد ساعتين ستستولي قوات خاصة، تضم فرق كوماندوز بولندية، على حقول الغاز البحرية والنفط والمحطة الرئيسية لتحميل ناقلات النفط بالفاو على الحدود العراقية الايرانية في رأس الخليج العربي. كل هذه العمليات لم يطرأ عليها تغيير. إلا ان الهجوم الارضي الرئيسي لقوات التحالف تقرر ان يبدأ الساعة السادسة صباح يوم الجمعة 21 مارس. وبدلا عن عبور الحدود عبر بعض النقاط مع طلوع الفجر على ان تتبع ذلك عمليات مناورة، تقرر ان تنفذ الهجوم وحدات من الجيش ومشاة البحرية وقوات الاستطلاع الارضي الليلة السابقة. اجريت تعديلا على التوقيت بسبب معلومات استخبارية تلقيتها قبل حوالي 12 ساعة، وكان من الصعب تجاهلها. فعندما كنت استعد لترك المقر الرئيسي للقيادة صباح ذلك اليوم في طريقي الى السعودية للقاء باز موسلي، دخل جيف كيمونز غرفة متابعة العمليات ومعه عدد من محلليه. ابلغني جيف بأن لديه معلومات مهمة. فقد ظللنا نراقب حقول النفط في جنوب العراق على مدى اسابيع لرصد أي محاولة من جانب النظام العراقي لتدمير مجمع حقول الرميلة. اطلعني جيف على صورة التقطت بواسطة الاقمار الصناعية للاستطلاع تظهر ان النيران قد اضرمت في ست آبار للنفط. وقال جيف ان علو النيران المشتعلة وصل الى 300 قدم، لكنه اكد انهم لم يتلقوا تأكيدا بعد على حدوث مشكلة واسعة. ابلغني جيف ايضا بأنهم تلقوا تقارير من زعماء شيعة محليين بأن عربات سكك حديدية محملة بالمتفجرات في طريقها الى الرميلة. يصل عدد الآبار المستخدمة في الانتاج في حقل الرميلة 454 في ذلك الامتداد الصحراوي بالاضافة الى 609 آبار احتياطية. ويمثل هذا الحقل مستقبل الشعب العراقي، ذلك ان تدميره سيعرقل بالتأكيد عملية خروج البلاد من آثار عقود من انتهاكات النظام البعثي الدكتاتوري. لم انس مطلقا النظر المأساوي لآبار النفط الكويتية وهي تحترق عام 1991 إثر إضرام النار فيها بواسطة القوات العراقية المتراجعة بعد إخراجها من الكويت. وكانت المعلومات الاستخباراتية قد اشارت الى ان العراقيين لن يلجأوا الى عمليات تخريب «كبيرة» إلا عندما يتأكدون من ان الحرب قد بدأت. اما الاشارة المؤكدة التي يتوقعها العراقيون، فهي بداية حملة جوية على نمط عملية «عاصفة الصحراء» عام 1991، وهي الحملة التي كانت وسائل الإعلام قد قالت انها «ستسبق بالتأكيد أي حملة ارضية».
قلت: «جيف اذا كان ذلك اسوأ السيناريوهات. وقاموا بتوصيل الحقول لنسفها فما هو الوقت الذي نحتاجه لإنقاذ الآبار؟».
قال: «ربما 48 ساعة، ايها الجنرال. هذه منطقة كبيرة للغاية، ولكن اذا كان العراقيون جادين، فيمكنهم إلحاق الكثير من الأضرار اذا ما بدأوا».
في اليوم الثاني كان تأمين حقل الرميلة الهدف الاول للجنرال جيم كونواي، فتساءلت: هل يمكن لقوات المارينز تنفيذ المهمة في وقت مبكر؟ وكان انقاذ نفط العراق، والبنية الاساسية للمياه التي تدعم قطاع الزراعة في البلاد، وشل البعثيين المتشددين، هي اهداف اساسية للحملة. واتصلت بجيف عبر خط هاتف المؤتمرات الفوري، ومع محلليه، وديف ماكيرنان. وكنت ادعو منذ شهور للمرونة. والآن سنعرف ما اذا كانت تلك الدعوة قد حققت نتيجة.
قلت «ديفيد، اعلم انك شاهدت لقطات الاستطلاع لحقل الرميلة. افضل التكهنات هي ان الوقت يضيق. هل من الممكن وصول قوات المارينز التابعة لجيم كونواي قبل يوم من موعدها؟».
قال: «سندرس الامر سيدي. واذا كان من الممكن تطبيقه، فستنفذه قوات المارينز». كان ماكيرنان ضابط مدرعات مخضرم. فخلال عملية عاصفة الصحراء كان برتبة ليفتنانت كولونيل، ويشغل منصب قائد تكتيكي للفيلق السابع، الذي نسق عمليات 6 فرق اميركية وبريطانية. وكان رجلا ذكيا لا يمل ولا يخاف، وصديقا، والضابط المثالي لقيادة القوات البرية للتحالف.
قلت له: «شكرا لانك كنت كما اتوقع».
وتبادر الى ذهني ان ذلك سيكون يوما صعبا وانا في طريقي الى طائرة من طراز سبار 6، متجها الى السعودية للتفاوض مع الجنرال باز موسلي قبل عقد مؤتمر اتصال بالفيديو مع الرئيس في ساعة متأخرة من بعد ظهر ذلك اليوم.
قلت لباز عندما استقبلني عندما باب الطائرة: «هذه البقعة الصلعاء على قمة رأسك اكبر مما كانت عليه عندما شاهدتك في الاسبوع الماضي». فابتسم موسلي ودرسنا جدول العمليات لقيادة القوات المشتركة للعمليات الجوية، التي تضم ثلاثة اجنحة استطلاعية تابعة للقوات الجوية وخمسة اجنحة تابعة للبحرية على حاملات طائرات في الخليج والبحر المتوسط. كان من المقرر ان تبدأ عمليات اليوم الاول التابعة في الساعة التاسعة مساء 21 مارس. وكما توقعت، كان هناك الكثير من العوامل المتداخلة في العمليات الجوية للحملة، مثل اسكات دفاعات العدو، وتخصيص طائرات لعمليات البحث والإنقاذ، وحاملات لإعادة التزود بالوقود لتغيير موعد الانطلاق في ذلك الوقت.
وعندما ابلغته انني طلبت من ديف ماكيرنان دراسة امكانية انتقال قوات المارينز الى حقول النفط في موعد مبكر، فكر بار للحظة وقال: «يا ريس، يمكننا الاسراع بتوقيتنا اذا ما رغبنا في ذلك. سيكون مأزقا ولكن سنتمكن من ذلك. واذا طلبت رأيي كعسكري، اعتقد اننا يجب الالتزام بالتوقيت المتفق عليه بالنسبة للعمليات الجوية الرئيسية.
وهو الامر الذي سيمكننا من تقديم دعم قوي لقوات ديفيد وبصورة اكثر مما كانوا يحلمون به عندما يشنون الهجوم، ولكن في مقابل تأخير الاهداف الجوية الاستراتيجية الى بداية العمليات».
ونظرت الى باز. وفكرت، وقلت إن هذا افضل رجل قوات جوية على قيد الحياة. وهو صديقي. أثق به ثقة عمياء. واذا قال اننا يمكننا تنفيذ ذلك قبل اليوم الاول المحدد ونحقق اهدافنا، فسننفذ ذلك.
قلت: «باز، سنحاول تنفيذ العمليات البرية مبكرا».
قال: «يمكننا المساعدة على تحقيق ذلك».
وبذلك تقرر أن تبدأ العمليات الجوية كما كان مرتبا لها في الساعة التاسعة من مساء 21 مارس. واذا كان في إمكان ديف ماكيرنان وجيم كونواي تنفيذ ذلك، فإن القوات البرية ستسبق الخطة وتصل الى حقول الرميلة في الوقت المناسب لإنقاذها. وقد اكمل ذلك قرارات كنا نتوقعها منذ ايام ستنطلق القوات البرية قبل 24 ساعة من انطلاق العمليات الجوية.
وخلال شهور التخطيط كانت الفترة المخصصة للعمليات الجوية للإعداد للهجوم البري تنخفض بصورة مطردة. فقبل شهرين، كان الوقت المخصص 16 طلعة من القصف الجوي ليلا ونهارا «لاعداد فضاء المعركة» قبل عبور قوات مدرعة للحدود، غير اننا رأينا لاحقا أن تكون دباباتنا من طراز ابرامز والمصفحات من طراز برادلي في عمق العراق عندما ينفذ رجال باز موسلي ضربة قاضية الى النظام في بغداد ليلة الجمعة 21 مارس.

 

 


   

رد مع اقتباس

قديم 28-03-09, 03:25 PM

  رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

جندي أميركي (11) ـ القصة الكاملة لمحاولة اغتيال صدام وابنيه في مزارع الدورة
معلومات الاجتماع جاءتنا من عميلين محل ثقة يعملان بشبكة جديدة أقامتها الاستخبارات الأميركية داخل بغداد * قلت لمن معي : أعرف بوش جيدا ولن يصدر قرارا بإطلاق رصاصة واحدة قبل انقضاء المهلة التي حددها لمغادرة صدام العراق
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
سلمني جيف كيمونز وجين رينوار مساء يوم الثلاثاء ونحن جالسون حول نفس الطاولة تقريرا وصورا رقمية التقطت من أعلى. ابلغني كيمونز ورينوار بأن ثمة معلومات استخبارتية مثيرة للاهتمام من داخل بغداد، فقد اكدا ان «مصادر لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية قالت انها ربما تتمكن من رصد اجتماع لصدام حسين مع نجليه خلال يوم غد أو بعده». سألت كيمونز ورينوار عن مدى مصداقية ما قيل ، فوصفا المصادر التي نقلت عنها هذه المعلومة بأنها موثوقة، ولكن موقع الاجتماع لم يعرف حتى تلك اللحظة، حسبما أفاد كيمونز ورينوار. جاءت هذه المعلومات من عميلين محل ثقة يعملان في شبكة جديدة اقامتها وكالة الاستخبارات المركزية داخل العاصمة العراقية. الى ذلك قلت إننا، واذا ما استطعنا تحديد موقع الاجتماع المذكور ، سنتمكن بالتأكيد من تعقب هذه «الأهداف المهمة» ، ومن الممكن ان تصبح هذه الخطوة بمثابة ضربة تقطع رأس النظام العراقي، ذلك ان مقتل صدام حسين ونجليه سيصيب النظام العراقي بالشلل. فنجلا صدام حسين بمثابة الوريثين الشرعيين، كما انهما كانا يشغلان مواقع عسكرية مؤثرة. فقصي صدام حسين، الابن الاصغر لصدام، كان قائدا للحرس الجمهوري الخاص وجهاز الأمن الخاص وتشكيلات الحرس الجمهوري المقاتلة. اما الإبن الاكبر، عدي، فكان مهابا وطاغية بطريقته الخاصة وقائدا لقوات فدائيي صدام، وهي قوات غير نظامية يصل عدد أفرادها الى حوالي 40000. معلومة وكالة الاستخبارات المركزية كانت مهمة ، لكننا لم نكن لنستطيع فعل شيء بدون تحديد الموقع الذي كان مقررا ان يجري فيه ذلك الاجتماع. إلا ان رينوار ابلغني بأن مصادر الـ«سي آي إي» تعمل الآن على معرفة الموقع الذي سيجري داخله الاجتماع. وكانت اقوى الاحتمالات تشير الى ان الاجتماع سيجري داخل مجمع يقع جنوب بغداد يسمى «مزارع الدورة» وهي تابعة لزوجة صدام، ساجدة. اطلعت على صور الأقمار الصناعية التي التقطت للمجمع المذكور، وهو عبارة عن فيلا فخمة تضم جراجات ، مع وجود عدة أبنية عادية محيطة بالمجمع. اوضحت لهم ان المشكلة تكمن في ان المهلة التي اعطيت لصدام حسين ونجليه لمغادرة العراق ستنتهي الساعة الرابعة من صباح يوم بعد غد، كما اوضحت ايضا ان الرئيس بوش أمهل صدام 48 ساعة لمغادرة العراق ، وأكدت انني اعرف بوش جيدا ، إنه لن يصدر قرارا بإطلاق رصاصة واحدة قبل انقضاء المهلة التي حددها لمغادرة صدام حسين ونجليه العراق. اصدرت التعليمات بوضع صواريخ توماهوك في منصات الإطلاق ، ورصد الهدف المذكور وأهداف اخرى، كما لفت انتباه زملائي ايضا الى عدم توقع صدور أي تعليمات بالضرب إلا بانقضاء الفترة المحددة للمهلة، ولكني كتبت في جزء مخصص للتعليق على الفرص التي يمكن تحقيقها من الهجوم عبارة: «قطع رأس النظام». حدث ذلك في مساء الثلاثاء. وحتى ليل الاربعاء، يوم الإنزال، كانت المعلومات الاستخباراتية حول مزارع الدورة لا تزال غير محددة على نحو يمكننا من اتخاذ خطوة، لذا عدت الى متابعة العمليات الخاصة المستمرة. ايقظني صوت الزر الاحمر مثل الرصاصة ، وكان على الخط الآخر ديك ماير الذي سألني قائلا: «توم... انا في البيت الابيض مع الرئيس والوزير رامسفيلد وجورج تينيت. هل انت على علم بظهور هدف مزارع الدورة ؟» كنت في ذلك الوقت منهكا لكنني مستيقظ تماما. اردف ماير قائلا: «بدأنا العمل في هذا الشأن ليل امس... هل بوسعكم توجيه ضربة لهذا الهدف الليلة؟ ابلغت ديك مايرز بأن صواريخ توماهوك جاهزة، كما ابلغته بأنني سأتحدث مع جين رينوار وتيم كيتينغ قائد القطع البحرية، حول علمية الإطلاق وتوقيت الطيران ، مؤكدا انني لا ارى مشكلة في ذلك، وسألته عن مدى الثقة في المعلومات الاستخبارية الخاصة باجتماع مزرعة الدورة. جاءت إجابة ديك مايرز بأن جورج تينيت يعتقد ان مصادر المعلومة جيدة. انتهت المكالمة ووعدت ديك مايرز بأنني سأتصل به بأسرع ما يمكن. استكمل كل من جين رينوار وتيم كيتينغ وجيف كيمونز عملية التسليح خلال اقل من ساعة، اذ اشرفوا على إعداد مجموعة من 24 صاروخ توماهوك موجهة الى مجمع مزارع الدورة و16 مركزا قياديا تابعا للنظام العراقي داخل بغداد. تتمثل اهمية هذه الاهداف التقليدية في جانبين، فمن ناحية نعتزم توجيه ضربة الى هذه الاهداف في اليوم الاول، كما ان نشر الضربات في مواقع اخرى في تلك الليلة ربما يوفر غطاء للعملاء الذين ابلغونا بمعلومة مزارع الدورة. عقب إطلاعي على الأهداف اتصل ديك مايرز مرة اخرى من البيت الابيض. قال ديك انهم تلقوا معلومات جديدة حول مزارع الدورة من احد المصادر تفيد بأن الموقع يحتوي على تحصينات عسكرية ومخبأ منيع ومحصن، وأضاف قائلا ان صواريخ توماهوك ربما لن تؤدي المهمة المطلوبة . وسأل عن مدى إمكانية اتخاذ ترتيبات اخرى لتنفيذ الضربة على النحو المطلوب. قلت لديك مايرز ان لا مجال لذلك، فكلانا يدرك جيدا ان مقاتلات ستيلث القاذفة للقنابل هي وحدها القادرة على ضرب اهداف مثل هذه قريبة من بغداد ، قبل تدمير الدفاعات الجوية للمدينة. فطائرات ستيلث «اف ـ 117» لا تظهر على شاشات الرادار كما لا تظهر أمام المراقبين الارضيين عندما تكون محلقة على ارتفاع شاهق. طبقا لحالة الطقس كان متوقعا ان تشرق الشمس في بغداد في تمام السادسة وتسع دقائق صباحا بتوقيت العراق، إلا ان اول ضوء بعد الفجر من المتوقع ان يظهر قبل ذلك بحوالي نصف الساعة، اذ يعني ذلك اننا اذا استخدمنا طائرات «اف ـ 117» فيجب ان تكون بعيدة عن مدى الصواريخ العراقية في وقت اقصاه الساعة الخامسة والنصف صباحا على الاقل. وقلت لديك «سأدرس الموقف مع باز» غير ان موسلي رد بطريقة متوقعة منه :«ندرس الموضوع».
وفي وسط كل ذلك اتصل بي باز مرة اخرى، ايها الجنرال «هذا هو ما حصلنا عليه. لدينا طائرات «اف ـ 117» من طراز نايتهوك وقنابل . والقنابل زنة 200 رطل المعروفة باسم مدمرة المخابئ. والطيارون في قاعدة العديد. والآن كل ما علي ان افعله هو تجميعهم معا، والتخطيط لمهمة، وطيرانهم الى بغداد قبل طلوع الشمس».
وقلت له مبتسما «تمام يا باز»، كانت افكاري متسارعة، كما كانت عليه تقريبا في 11 سبتمبر وأنا اقف على سطح فندق كايدون. وقلت «ما هي احتمالات نجاح العملية بعملية من طائرة واحدة ؟». ولم يتردد باز: «طائرة واحدة تعطينا نصف احتمال للنجاح».
ومرة اخرى فكرت قبل الحديث. انا في العادة شخصية متفائلة، ولكن يوجد اليوم احتمال للفشل. سألت :«ما هو المطلوب لتحقيق نجاح بنسبة مائة في المائة ؟ ـ طائرتان إذن ؟» قال :«جنرال نسبة النجاح ترتفع مائة في المائة».
قلت :«طائرتان ـ نفذ الامر باز».
قال :«طائرتان من طراز نايتهوكس في طريقهما، يارئيس».
وعرض جين التعقيد الثاني. «ان قصف مقر القيادة ربما سيؤدي الى ردود فعل قوية، حتى لو قتلنا الأوغاد». قلت :«جيف لقد ابلغت مدير الاستخبارات في هيئة الاركان المشتركة، دعونا نحسن الاهداف الاضافية التي سيستخدم فيها توماهوك. وإذا ما قصفنا مزارع الدورة، سنريد ايضا إلحاق أضرار كبيرة بقوات الأمن والاستخبارات».
كنت على الهاتف المباشر للبيت الابيض عندما دخل غرينتش وقال:« سيدي، رئيس الاركان يحاول الاتصال بك من البيت الابيض.».. ودار الحوار :
انا هنا يا ديك. نحاول صنع سلطة دواجن من روث الدجاج».
«لا تغضب منا توم».
«انا لا اغضب منك يا ديك. انت أخي».
كنت اتحدث مباشرة مع قائد سلاح الجو التابع لك. حاولت الاتصال بك اولا، ولكني كنت مشغولا على الهاتف ولدينا وقت عصيب هنا..
«لا مشكلة ديك»، لقد حقق فاكسي الى وولفويتس ما كنت اريده ، مطاردة العاملين في الجناح الشرقي وداخل مكتب وزير الدفاع بعيدا عن قدمي. غير ان ديك مايرز لم يكن بالشخصية المتطفلة. كان سندي في المبنى. «كيف يتصرف باز».
«هو يحاول انجاح المهمة توم. تبدو الأمور جيدة حتى الآن».
«نعم. طائرتان من طراز «اف ـ 117» وسنضيف عدة اهداف اخرى الى قائمة توماهوك ايضا».
«توم. ولكني احتاج الى توقيت دقيق. نريد قصف هذه الاهداف ، غير ان الرئيس لا يريد فقد طيارين على لا شيء».
«ديك، ضرب الاهداف لا يجب ان يتعدى الساعة الخامسة والنصف صباحا، على ألا يتأخر انطلاق الطائرات من العديد عن الساعة الثالثة والنصف. الرحلة تستغرق ساعتين مع إعادة تزويد بالوقود في الجو. احتاج الى قرار الرئيس بحلول الساعة الثالثة والربع، بحيث يمكن ان تدير الطائرات محركاتها وتتحرك على مدرج الهبوط والإقلاع». ونظرت الى الساعة على الحائط :02:27. «لدينا اقل من ساعة لمعرفة ما اذا كنا سننطلق ام لا، ديك».
«افهم ذلك. سأعود إليك».
وقد فهم ديك مايرز بالطبع. فقد قام بعشرات من الطلعات الجوية على فيتنام الشمالية وهو طيار شاب. وهو يعرف وقائع الحرب. وكنت سعيدا انه موجود في المكتب البيضاوي مع الرئيس ووزير الدفاع.
وقدم باز تقريرا في الساعة 02:59. «طائرتان مسلحتان بالاسلحة المختارة. تم إبلاغ الطيارين وهما يجلسان في الطائرة. لا احد سعيد بالتوقيت، ولكن تعرف ان طياري الستيلث على استعداد للطيران لأبواب جهنم لضرب هدف جيد».
وقاومت إغراء معرفة اسمي الطيارين. فحتى مع إمكانية النجاح بنسبة مائة في المائة، فإن الطائرتين معرضتان لخطر اكتشافهما خلال العودة بعد طلوع الشمس. هناك امكانية لعدم عودة واحد من هؤلاء الشباب.
وأصبح الوقت في الساعة الرقمية 03:12. وتنفست الصعداء ونظرت الى جين. «الوقت يتأخر».
كنت اتخيل الوضع في المكتب البيضاوي: الرئيس محاط بمستشاريه، يدرسون النقاط الايجابية والسلبية. لقد قاد جورج بوش مقاتلات. ويفهم ميكانيكية التخطيط للمهام وتنفيذها. وهو يفهم كيف يُتخذ القرار.
ودق الهاتف المباشر للبيت الابيض. كان ديك مايرز. «المهمة قائمة، رجاء التنفيذ».
وقلت لباز موسلي «حصلت على القرار. نفذ المهمة يا باز. حظا سعيدا للجميع».
وانطلقت الطائرتان في الساعة 03:38 .
والآن يمكننا تنسيق ترتيب اطلاق صواريخ توما هوك. ومر الوقت في غرفة الحرب. ان واحدة من جوانب مهام الطائرات ستيلث هي ان الطائرة لا تبث معلومات الملاحقة للفرقة الزرقاء. ان الوضع الوحيد للمهمة الذي نتلقاه بخصوص رحلة الطائرة هو اكتمال عملية إعادة التمويل في الجو.
* كيف ابتلع صدام الطعم .. وكيف جاءت فكرة إمهاله 48 ساعة ؟
* وصول هذه القوات المقاتلة سيرفع حجم القوة الموجودة هناك الى 15000 جندي وضابط. إلا انني والرئيس ودونالد رامسفيلد تناقشنا حول وظيفة لا تقل اهمية للفرقة الرابعة مشاة، وهي عملها كحجر اساس في خطة خداع العدو. ففي الوقت الذي كانت فيه الفرقة متمركزة في البحر المتوسط لشغل ورصد قوات العدو في الشمال، كنا نسرب معلومات الى النظام العراقي، على سبيل التمويه، عبر قنوات سرية، مفادها ان لدينا ترتيبات سرية مع الاتراك، الذين من المحتمل ان يفتحوا موانئهم في آخر لحظة لقواتنا، فيما اشارت عمليات الاستطلاع والمراقبة الى ان 13 فرقة عسكرية عراقية لا تزال متمركزة شمال العاصمة بغداد، مما يشير الى احتمال ان يكون صدام قد ابتلع الطُعم. اوضحت بعد ذلك المراحل الزمنية للعمليات القتالية، وظهرت على صور التقطتها الاقمار الصناعية قوات تابعة للجيش العراقي في المنطقة الواقعة بين حدود الكويت ومدن الجنوب العراقي، حيث تعتمد دفاعات صدام حسين على قوات الحرس الجمهوري. وكان تمركز قوات العدو في ذات المواقع التي توقعها مخططو الاستخبارات. ويمكن القول حتى هذه المرحلة ان خطتنا لخدعة العدو، واذا ما نجحت، فسنكون على استعداد لبدء عمليات شبه متزامنة بواسطة القوات الجوية والبرية والقوات الخاصة اعتمادا على تعليمات الرئيس بوش. قلت للرئيس بوش انني في حاجة الى إخطار قبل 48 ساعة لتنفيذ هذه العملية، اذ ان هذه الفترة الزمنية كافية لنقل القوات الخاصة الى غرب العراق، لتعطيل منصات إطلاق صواريخ «سكود» العراقية. ناقش كل من الرئيس ورامسفيلد وتشيني وباول إعطاء صدام مهلة اخرى نهائية، فاما ان يترك العراق طوعا مع نجليه قصي وعدي، واما ان تدخل قوات التحالف وتزيحهم من السلطة. اكد الرئيس من جانبه على مقترح الإخطار قبل 48 ساعة.
كنت جالسا في مكتبي بمقر القيادة في قاعدة السيلية، اشاهد الرئيس جورج بوش وهو يخاطب الشعب الاميركي والعالم. كان ذلك يوم الثلاثاء 18 مارس (آذار) 2003 فجرا في قطر، يوم الاثنين ليلا في الولايات المتحدة طبقا لفارق الوقت، فتناول الرئيس بوش في حديثه سجل النظام العراقي في العدوان على الآخرين، ثم اعلن عن المهلة التي ناقشناها قبل اسبوعين في البيت الابيض.
* قلتها صريحة لوولفويتز: اجعلوا واشنطن تركز على السياسة والاستراتيجية واتركوني وحدي أدير الحرب
* كنت أعلم أن «استراتيجيي المقاعد» ومن أطلق عليهم العاملون «جنرالات التلفزيون» وهم مجموعات من الضابط المتقاعدين الذين يعملون مع شبكات اللتفزيون، سيحاولون إيجاد الكثير من الأخطاء في قراري. ولكني كنت اعلم أيضا انه القرار الصحيح. لقد كشف التنصت على الاتصالات أن العراقيين لن يدمروا حقول النفط في وقت مبكر عما هو ضروري، لأنهم يكسبون 50 مليون دولار يوميا من تلك الحقول عبر برنامج النفط مقابل الغذاء. ولكني كنت متأكدا أيضا أن صدام سيصدر أوامره بتخريبها عندما تتوضح العمليات الجوية ضد أهداف النظام أن الحرب قد بدأت.
ولذا كان من الضروري السيطرة على تلك الحقول إذا أمكن ذلك. ولكن إنقاذ حقول الرميلة سيكون واحد من المميزات لتنفيذ الهجوم البري قبل الهجوم الجوي. فالعمل بهذه الطريقة لن يتوقعها العراقيون على الإطلاق، يمكننا تحقيق مفاجأة، بالرغم من حقيقة أننا جمعنا 290 ألف عسكري من القوات الجوية والبحرية والبرية في المنطقة.
وعندما أبلغت رامسفيلد باننا نفكر في تغير بداية العمليات البرية، قبل التحدي على الفور. وقال: «أنت القائد توم. عليك اتخاذ القرار».
كنت اعلم أن الوزير يثق بي. ولكني اتخذت بعض الإجراءات الأخرى لتهدئة البنتاغون. ففي يوم 17 مارس، قبل يومين من بدأ العمليات، بعثت «بخطاب نوايا» عن طريق الفاكس الى نائب رامسفيلد بول وولفويتز. وبالرغم من أنني أعددت الرسالة بطريقة مهذبة، فإن محتوياتها كانت واضحة ومباشرة ومفادها: اجعلوا واشنطن تركز على السياسة والاستراتيجية. اتركوني وحدي ادير الحرب.
وفي نهاية مذكرتي، ذكرت وولفويتز بالنطاق الأخلاقي الذي سأعمل من خلاله في الأيام المقبلة: «أحمل علما أميركيا وإنجيلا في جيبي، وأضع رباط الزواج في يدي اليسرى. أفهم المهمة والمحتوي الاستراتيجي الذي ستنفذ من خلاله. ولن أحيد عن طريقي إلا إذا تلقيت تعليمات بذلك».
لقد تعرضت عملية الحرية الدائمة في أفغانستان إلى انتقادات من قبل قادة الأسلحة وهيئة الأركان المشتركة، وأنا لا انوي تكرار مثل هذا الانقسام في العراق. كان بول وولفويتز صديقا، وأعلم انه سيبلغ الجميع أن تومي فرانكس ليس علي استعداد لمعاملته وكأنه كلب أليف من فصيلة شيهوهوا، وهو يحاول تنظيم ما أصبح أكثر العمليات المشتركة للأسلحة تعقيدا واندماجا في التاريخ. وقد لفتت مذكرتي الى وولفويتز الأنظار في البنتاغون. قلت في المذكرة:«ان وجود قادة الأسلحة في مؤتمر الاتصالات عبر الفيديو مع الوزير لا يساعدني. ليست لديهم خبرة كافية في العمليات المشتركة لكي يعملوا بطريقة نافعة». وإمعانا في الإيضاح قلت في رسالتي تلك :«أنا أفهم قدرات القوات. وسأستخدمها بأفضل طريقة». ثم ضمنتها تحذيرا بخصوص تسريب الخطة للإعلام وقلت: «إن تسريب معلومات سرية وآراء الخبراء لدفعي للقيام بالمزيد، أو بطريقة أسرع أو أفضل لن تؤثر علي».

 

 


   

رد مع اقتباس

قديم 28-03-09, 03:27 PM

  رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

جندي أميـركي (12) ـ فرانكس : إنها واشنطن.. تحقق معك إذا رافقت زوجتك.. وتريدك أن تحارب لها طالبان..!
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
في يوم الاثنين 3 فبراير (شباط) 2003، تلقيت تقرير المفتش العام لوزارة الدفاع، والذي طال انتظاري له منذ اكتوبر (تشرين الأول) 2002. وكان التقرير نتيجة لشكوى قدمها ضدي ضابط ساخط في قيادتي في اكتوبر 2002.
وتتركز اتهاماته حول زوجتي كاثي. وبصفة خاصة، اشتكى الضابط من انني سمحت لمرؤوسي خلال وقت العمل الرسمي بتقديم خدمات شخصية لها، وانني انتهكت اللوائح العسكرية بالسماح لكاثي بالسفر في طائرات حكومية، والاكثر خطورة من ذلك انني انتهكت اجراءات أمن وزارة الدفاع بمنحها تفويض بالاطلاع على معلومات سرية. وبرغم اعتباري للاتهامات بأنها سخيفة، الا انني لاحظت ايضا احتمالاتها الخطرة في ضوء المضايقة التي ستحدثها على القيادة في وقت نشاط ملح في افغانستان والخليج العربي. اتصلت فور ظهور تلك الاتهامات برامسفيلد، وقلت: «سيادة الوزير، لا اعتقد بوجود اي شيء في ذلك، ولكني اعتقد بضرورة التحقيق في كل اتهام بطريقة شاملة. واذا ارتكبت أي اخطاء، سأتحمل مسؤوليتها، ومن المهم ان يكون التحقيق مفتوحا وشاملا». قال رامسفيلد: «اجعل المفتش العام بتولي الأمر ولكني لا اريد ان تنشغل بهذا الموضوع». رددت عليه:«فليحدث ما يحدث. لدي عمل مهم».
كان ذلك في شهر اكتوبر، ومنذ ذلك الوقت بدأت العجلة البيروقراطية في التحرك ببطء. كنت اعلم من خبراتي كضابط شاب برتبة ميجور ان التحقيق في تصرفات جنرال يتم بطريقة اسرع. ولكني لم تكن لدي أية سيطرة على العملية.
وكان التقرير، عندما ظهر في غاية الشمولية، ولم يجد المفتش العام أي دليل على الاتهامات المتعلقة بأن طاقم مكتبي قدموا خدمات خاصة الى كاثي، وفيما يتعلق بمصاحبتها لي في رحلات الى منطقة مسؤوليتي لم يجد التقرير اية اخطاء.
أما اخطر الاتهامات فتقول بأني سمحت لها بالاطلاع على وثائق في غاية السرية في الطائرة. وهو أمر غير حقيقي، ولكني لم اتمكن من اثبات انني لم اناقش مثل هذه الوثائق مع طاقمي خلال وجودها في قاعة المؤتمرات في الطائرة. وعندما اثيرت تلك القضية عام 2002 كانت كاثي قد وقعت «اتفاقية بخصوص الكشف المتعمد» التي تمنعها من الكشف عن أية معلومات يمكن ان تكون قد سمعتها. ويضاف الى ذلك انها حصلت على تصريح أمني منذ اكثر من عامين، وقد ارضاني ذلك، كما ارضي دونالد رامسفيلد.
وفي اول رحلة لي الى واشنطن بعد تقرير المفتش العام، ناقشت الموضوع ثانية مع الوزير، فقال لي:«كلما زادت قوتك وسلطتك، يجب عليك ان تكون اكثر حذرا، وتذكر أن الادراك يدخل في الحساب». قلت:«تمام سيدي» ووصلت اداء عملي.
* الجنرال : السحب حجبت طائرتي قصف صدام وإبنيه من أجهزة الرقابة العراقية ولكنها حجبت في نفس الوقت مكان الاجتماع
* في الساعة الخامسة و41 صباحا، كنت أتنقل بين الفضائيات. وكان أحد المراسلين، وفي نفس وقت الحدث، يتحدث من على شرفة فندق فلسطين ببغداد، عن «انفجارات عنيفة» جنوب المدينة وفي ضواحيها الغربية. وكما هو متوقع أطلقت الدفاعات الجوية العراقية صواريخها المضادة للطائرات وأجهزة ملاحقتها. كان الصباح قد طلع في العراق، ولكنا لم نسمع شيئا من طياري طائرات ستيلث.
عندما وصل تقرير العمليات، عكس بعض الدراما التي ميزت الهجوم. فقد اقتربت طائرتا «اف 117»، «رام 1» و«رام 2»، من مزارع الدورة من جانبين، في مسار حلزوني نازل، إحداهما من الشرق والثانية من الغرب. وكانت الشمس فوق الأفق تقريبا. وقد حجبتهما السحب من أجهزة الرقابة الأرضية، ولكنها حجبت في نفس الوقت الهدف المقصود. وفي اللحظة الأخيرة وجد الطيارون فجوة في السحب المتراكمة وبقيت أمامهم ست ثوان لتحديد الهدف وإلقاء قنابلهم. ولكن نقاط التصويب كانت قريبة جدا والأسلحة التي تقودها أجهزة تصويب دقيقة جدا كانت تستخدم لأول مرة في معركة حقيقية. وكانت من الدقة بحيث أن القنابل كادت تتصادم قبل انفجارها.
القنابل كانت مصممة بحيث تنفذ عميقا إلى الأرض قبل انفجارها، وتدمر البناء الفخم، على ضفاف نهر دجلة، الذي كان يعتقد أن صدام ونجليه يوجدان داخله في تلك الفترة.
وبعد أن شاهد الطيارون قنابلهم وهي تنفجر، صعدوا إلى السحب مرة أخرى، وهم يشاهدون صواريخ توماهوك وهي تصيب نفس الأهداف. وعادت الطائرتان سالمتين إلى قاعدة العديد، في وضح النهار.
قال لي جيف كيمونز على الهاتف وأنا أخرج من الحمام:
«نحن نعد تقرير الخسائر وتقارير الوكالات يا جنرال».
وعلى الرغم من كل تقدمنا في التكنولوجيا فان تقييم الأضرار في المعارك ما يزال مشكلة راهنة. وبسبب افتقارنا الى تقارير شهود عيان من مواقع الأهداف، تعين علينا الاعتماد على التصوير. فاذا ما قامت طائرة استطلاع بتحديد موقع مجموعة من ست دبابات عراقية، نصف مخفية بسعف النخيل، على سبيل المثال، فانها يمكن ان تحدد الهدف لضربة جوية. وبعد أن يزول الدخان فان طائرة الاستطلاع أو التصوير بواسطة الأقمار الصناعية قد يكشف ان اثنتين أو ثلاثا من الدبابات قد دمرت فعلا. وقد تعكس عملية التنصت على الاتصالات انه ليس هناك اتصال لاسلكي من أي من الدبابات. وبدون وجود حركة من أولئك الذين لم يتضح أنهم ضربوا، سيكون من السهل التوصل الى ان جميع الدبابات الست غير فعالة. ولكن كيف يمكننا التعرف على ذلك على وجه الدقة ؟ وهي يتعين على المستهدفين أن يشطبوا على كل مجموعات المدرعات العراقية من قوائمهم، أو أن يعود الطيارون الى توجيه الضربات الى تلك التي لم نستوثق من مصيرها؟
وكنت أعرف ان مثل هذه المشاكل يمكن أن تؤرقنا في الأيام والليالي المقبلة.
ومن خلال طائرات الاستطلاع لم نتعرف على الكثير عن مزارع الدورة. فصدام اما أن يكون حيا او ميتا، جريحا أو سليما. ويمكن أن نكتشف ذلك في نهاية المطاف، وفي غضون ذلك سيكون هناك الكثير من الأهداف «الناشئة» التي يتعين ضربها. ففي ميدان المعركة، فالتقارير الاستخباراتية حول مثل هذه الأهداف تكون دقيقة في بعض الأحيان، وغير دقيقة في احيان أخرى. ولكننا لا نريد أن نفقد فرصة قطع رأس النظام وإنهاء الحرب مبكرا.
وفكرت قائلا لنفسي: لا تقلق على أمور لا تستطيع التحكم بها. فقد حل صباح يوم الخميس 20 مارس وتعين علينا خوض الحرب.
أعاقت ضربة مزارع الدورة هذا النموذج بحلول الساعة السابعة وعشرين دقيقة من يوم الخميس، العشرين من مارس، وهو اليوم الأول من عملية حرية العراق. والى ذلك بدأت يومي بقراءة برقيات ورسائل من مكتب وزير الدفاع وديك مايرز وسفارات في المنطقة، وعودة ديلونغ الى القيادة الوسطى ومعه قادة الأسلحة. وتطلب مني الأمر ساعة للإطلاع على هذه المجموعة من الرسائل والبرقيات.
وفي الساعة الثامنة أنهيت الأوراق التي جلبها العاملون معي الى مكتبي، وهو ملجأ، بدون نوافذ شأن البقية، أعد بقابلية آمنة على رؤية مؤتمر الاتصالات عبر الفيديو، وعبر أربع شاشات على الجدار. وكانت لدي منضدة في نهاية طاولة اجتماعات على شكل حرف تي، وخمسة مقاعد على كل جانب منها. وجلس جون أبي زيد عند النهاية البعيدة في مواجهتي. وكان رئيس أركاننا الجنرال ستيف ويتكومب يجلس الى يساره وجلس المديرون على جانبي الطاولة.
وبعد عرض سريع لعمليات التحالف البرية والجوية والبحرية من جين رينوار تحولت الى جيف كيمونز سائلا «ما الذي يمكن أن يبلغنا به مدير هيئة الأركان المشتركة ؟».
فقال: «هنا ما حصلنا عليه حتى الآن حول ضربة قيادة النظام. فالتقارير تأتي بشكل دفعات شحيحة. وتظهر خلاصة وصور طائرات الاستطلاع مباني مدمرة واضرارا وعربات محترقة من النوع الذي يستخدمه حراس صدام حسين ونجليه». وأضاف جيف: «وهناك تقارير وكلاء تشير الى أن صدام سحب من الركام بعد أن أصيب بجروح بليغة وربما لا يزال حيا. وكان وجهه مغطى بقناع أوكسجين، وهناك نقالة مصابين تنقل سيارة اسعاف».
قلت: «دعونا لا نقضم هذا المر حتى الموت، لقد انتهت تلك الضربة، وسنكتشف ما حدث في نهاية المطاف. انتم تعرفون مشاعري تجاه التقارير الأولية التي تأتينا من اجهزة الاستطلاع».
وقال جون أبي زيد: «انها دائما على خطأ». وكانوا قد سمعوا رأيي هذا في السابق.
ومن الطبيعي ان صدام ونجليه، كما علمنا لاحقا، نجوا من ضربة مزارع الدورة. ولكن ذلك كان يستحق الجهد الذي قمنا به. فلن يكون بوسعهم الاحساس بالأمان مرة أخرى بين مستشاريهم الأقرب. فمن خانهم فأفشى سر وجودهم في ذلك الموقع ؟ فاما أن يكون هناك جواسيس مقربون منهم، أو أن نظام استطلاع التحالف كان متطورا بما فيه الكفاية لملاحقة تحركاتهم. وتتوالى هذه الشاكلة من الأسئلة: هل استطعنا استهدافهم عبر هواتفهم الجوالة؟ هل كانت أقمارنا الصناعية تتابع عرباتهم من الفضاء ؟ والمسألة الجوهرية اننا دفعناهم الى التخمين.
ان الطيارين الشجعان لطائرات ستيلث، مع أجهزة بوز موسلي لتحديد الأهداف، والتي نفذت الضربة وفقا لمعلومات استخباراتية، في الوقت المحدد، إنما أظهروا لصدام وعدي وقصي، انه ليس هناك مكان آمن يختفون فيه. وبمعنى آخر: اذا كنت تقود سيارة أو تتحدث بالهاتف أو تبعث رسالة الكترونية أو تدون ملاحظة ، أو تقوم بأي عمل كان، فان التحالف يراقبك.

* أيا كان الجدل .. هذا هو رامسفيلد بعيوني كجنرال محترف .. فبعض وزراء الدفاع كانوا يرون انفسهم أعلى منا ولكنه لم يكن يشعر بأنه في مدار خاص
* جرى بيني ودونالد رامسفيلد في 7 مارس (آذار) 2001 اول لقاء مطول لي معه داخل قاعة الاجتماعات بمكتبه. نجح رامسفيلد في الجلوس لعدة ساعات، رغم انه مشى بهدوء بضع مرات الى المكان المخصص للمشروبات لإعادة ملء كوبه بالقهوة الخالية من الكافايين. شارك في الجلسة كل من بول ولفويتز، نائب رامسفيلد، والمساعد الخاص له، ستيف كامبون.
ابلغت رامسفيلد بأنني سأتوجه غدا مجددا لمقابلة لجنة الخدمات العسكرية التابعة لمجلس النواب، وقلت له ان تلك كانت هي جلسة السماع الثامنة أمام اللجنة خلال فترة عملي التي لم تتعد ثمانية أشهر حتى الآن.
بدا شيء من الانزعاج على رامسفيلد ، فالتفت الى كامبون وطلب منه ان يحتفظ بسجل لجلسات السماع التي يشارك فيها كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين بوزارة الدفاع، ثم التفت الي مرة اخرى وسألني عن رحلتي الاخيرة الى المنطقة. قابلت خلال عملي العسكري عددا من كبار المسؤولين المدنيين بوزارة الدفاع. كثير من هؤلاء حاولوا التفوق على العسكريين في استخدام الاختصارات، إلا ان رامسفيلد كان شخصا مختلفا. اعتقد انني سمعته مرتين فقط وهو يستعمل الاختصار الخاص بمنطقة المسؤوليات، أي «AOR»، لكنه كان اكثر ارتياحا عند استخدام اللغة واللهجة المدنية بصورة عامة. لا يعني ذلك بالطبع انه لم يكن مركزا على مسؤولياته العسكرية، بل على العكس تماما، فهو ينظر الى دوره كمساند ومتحد في نفس الوقت للقوات المسلحة. كما يمكن القول انه وخلافا للكثيرين من الذين شغلوا وزارة الدفاع في السابق، فهو يريد استخدام افكاره الخاصة لإحداث تغيير. في هذا الوقت المبكر من شغله لهذا الموقع بدأ رامسفيلد مسبقا في مناقشة كيفية أحداث التحول والتغيير اللازمين داخل الجيش الاميركي، وعلى نحو يلبي متطلبات القرن الواحد والعشرين.
قلت لنفسي ان هذا الشخص (رامسفيلد) يريد تغيير الاشياء. كنت متأكدا من ان الايام المقبلة ستشهد بداية لعدد من الدراسات التي ستجعل قادة الاسلحة يشعرون بالرهبة، مثل كيفية تقسيم الموارد وكيفية تعزيز وتحديث افرعهم، فضلا عن العديد من التغييرات الاخرى. بعض وزراء الدفاع كانوا يرون انفسهم اعلى من كبار الجنرالات من مرتبة الاربعة نجوم. إلا ان رامسفيلد لم يكن يشعر بنفسه أعلى منا مرتبة او كأنه في مدار خصص له وحده. الجنرالات والادميرالات يتعلمون كيفية التفكير افقيا ورأسيا، فيما يعمل عقل رامسفيلد بطريقة تخالف النمط التقليدي. والى ذلك كنت قد سمعت شخصيا تذمرا ينم عن عدم الرضا وسط بضعة زملاء يتهمون رامسفيلد بأنه شخص غريب الأطوار عندما يتعلق الحديث بخصائص وتفاصيل الدفاع الوطني. ربما يكون الامر كذلك، إلا ان لقاءاتي المبكرة معه اقنعتني بأنه سيكون مفيدا للجيش الاميركي. فالشعبية وحب الآخرين ليسا اكثر اهمية من الاحترام. اطلعت رامسفيلد، ردا على سؤال منه، على ما جرى في اجتماعاتي الاخيرة في كل من البحرين وقطر ودولة الامارات العربية المتحدة. سألني رامسفيلد عن ردود الفعل التي واجهتها في هذه الدول ازاء هجمات الولايات المتحدة الاخيرة على عدة اهداف داخل العراق. تضمنت هذه الهجمات ردا على هجمات عراقية بصواريخ «اس أي ـ 2» على طائراتنا. شرحت لرامسفيلد بعناية واهتمام اجراءات الرد (متفاديا استخدام أي اسماء مختصرة)، وابلغته بأن موقف الدول العربية الحليفة لنا يتسم بالتوازن ازاء النتائج، وان هناك تقديرا بصورة عامة لحقيقة اننا سنستعمل القوة عندما نرى ذلك ضروريا. حاولت وانا في طريقي الى غرفتي في الفندق بالقرب من البنتاغون الإطلاع على ما دونته من ملاحظات. كان الاجتماع مرهقا لكنه كان مفيدا. يمكن ان افهم لماذا لا يحب بعض الجنرالات دونالد رامسفيلد ولا يثقون فيه. فليس هناك من يريد ان يدخل الى مكتبه وهو يحمل العديد من الرسوم التوضيحية الانيقة التي يجري اعدادها، ذلك ان رامسفيلد من المحتمل ان يغير اتجاه سير المناقشات او الشرح بعد الرسم التوضيحي الاول.
كان وزير الدفاع قد وجهني للتفكير في المستقبل، لكنني كنت أقوم بمسؤولياتي اليومية والأسبوعية والشهرية من خلال إدارة قيادة فعالة وكبيرة. أنا أسافر لأداء مهامي في إدارة القيادة الوسطى. وأنا أرتب خياراتنا في مناطق الحظر الجوي في العراق. وأنا أقضي ساعات مع مدير العمليات الجديد الميجور جنرال جو جين رونارت، والمدير الجديد للاستخبارات البريغادير جنرال جيف كيمونز، وذلك لتحديد جملة أهداف على مواقع مشتبه فيها وتخص مرافق القاعدة وطالبان في أفغانستان.
* رسالتنا لصدام كانت: هذه معركة وليست طعنة إبرة .. ولذلك تخيرنا مع بوش كل كلمة قبل أن يخاطب العالم
* لم يكن لدي أي وقت حتى لفرقعة مفاصلي، فسرعان ما وجدت رامسفيلد على الخط. كان الرئيس قد قرر عقد مؤتمر صحافي بمجرد انتهاء عملية ضرب مزرعة الدورة. وقال رامسفيلد:
«ضع جهاز كتابة الخطب على أذنيك يا توم، فنحن في حاجة لمساهمتك. ما هو رأيك؟».
وقلت: «سيدي الوزير، بغداد مليئة بالصحافيين الأجانب. ستكون هناك قنابل وضربات صواريخ توماهوك التي ستقع بالقرب من النهر، وضربات صواريخ أخرى داخل المدينة نفسها. إننا في انتظار واحدة من لحظات سي ان ان الحقيقية».
قال رامسفيلد وهو في حالة استغراق في التفكير ليختار كلماته بدقة:
«أنت إذن تفضل أن يلقي الرئيس خطابا. وتقول إن خطابا رئاسيا لن يعرقل عملياتك؟».
قلت: العراقيون لا يحتاجون إلى «سي ان ان» لتخبرهم أن الهجمات الحرارية قد بدأت. وأضفت لرامسفيلد: «سيدي أنني أوصي بأن يلقي الرئيس كلمته». وأبدى رامسفيلد استحسانه لموقفي وقال: «حسنا يا توم .. ضع الجهاز على رأسك».
تفحصنا العبارات التي سيلقيها الرئيس، وقال رامسفيلد وهو يؤكد كلماته: «نحن لا نريد أن نعرقل سلامتك العملياتية بأي طريقة من الطرق».
وبينما كنت أستمع للكلمات التي ستلقى في خطاب الرئيس، كنت أوازن بين أمن القوات واثر كلمات الرئيس على المستوى العالمي. فلم نكن نريد أن يتحدث الرئيس بوش بطريقة تبدو حسنة بالنسبة لأميركا وحلفائها، ولكنها تعرقل بصورة غير مقصودة خططنا المستقبلية. صدر صوت عن جهاز الفاكس، وخرجت منه المسودة شبه النهائية للكلمات التي اخترناها كي توجه الى الشعب الاميركي وجاء فيها: «سيداتي سادتي... في هذه الساعة، دخلت القوات الاميركية وقوات الحلفاء المراحل المبكرة من العمليات العسكرية لنزع سلاح العراق، ولتحرير الشعب العراقي والدفاع عن العالم من الخطر العظيم».
ويبدو أن المطلع كان موفقا. وخاصة الإشارة الى المراحل المبكرة والتي كانت ذات أهمية كبيرة. وقلت لرامسفيلد: «نحن لا نريد أن يظن العدو أن هذه طعنة إبرة جديدة من هجمات صواريخ توماهوك التي حالفها الحظ. ولكننا لا نريد العراقيين كذلك أن يستعدوا لبداية الهجوم الشامل منذ هذه اللحظة».
وجاء في خطاب الرئيس بعد عدة اسطر: «إن هذه هي المراحل المبكرة لحملة واسعة ومنسقة».
قلت لرامسفيلد: «هذا جيد سيادة الوزير. فهو يوحي بأن الحملة الجوية ستكون طويلة. ولكن العدو تنتظره مفاجأة كبيرة». وتابعت قراءة النص حتى نهايته، فبدا متماسكا. وقلت لرامسفيلد: «إنني اوافق تماما يا سيدي».

 

 


   

رد مع اقتباس

قديم 28-03-09, 03:29 PM

  رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

جنـدي أميـركي (الاخيرة) ـ تلقيت أول محادثتين بعد الهجوم على البرجين من ملك الأردن وولي عهد البحرين
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
.... ومع وصولنا للمجال الجوي الاسباني، كان البنتاغون قد سمح للطائرة سبار 06 بالطيران حتى تامبا. وعدت للعمل بانتظام من مكتبي داخل الطائرة، فيما تناقشت مع طاقمي في الطائرة، ومع كبار القادة في القيادة المركزية حول احتمالات الحرب. كانت المحادثات الهاتفية تقاطع المناقشات. اولها كانت من صاحب الجلالة الملك عبد الله عاهل الاردن، وهو حليف قوي وصديق شخصي. وقال :«يمكنك الاعتماد على وقوف الاردن الى جانب اميركا».
قلت له: «هذا يعني الكثير الان يا سيدي». وتلقيت مكالمة اخرى من الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة ولي عهد البحرين وقائد قواتها. قال: «البحرين معكم». من الواضح ان الجهود الاخيرة قد اثمرت، فدول الخليج تلك ستقف الى جوار اميركا في الفترة القادمة. وكنت ما ازال اعتمد على القهوة والادرينالين، ولكني كنت اعلم اننا في حاجة الى فترة من النوم. ودخلت كاثي القمرة وانا اجلس متمددا في مقعدي، ومعها دايت كوكاكولا. وعندما كانت هناك تحدثت مع إحدى ضباط الصف في مجال الاتصالات حديثا عابرا. قالت لها ان السماء ملك لنا، ولكن موجات الراديو لاذت فجأة بالصمت. لا توجد حركة جوية فوق الاطلنطي. وفجأة اصابت أحداث الـ16 ساعة الماضية كاثي بصدمة قوية، فحولت ذلك التعليق البسيط من ضابطة الصف الى صورة قاتمة لعالم جديد ستختفي منه التجارة السلمية، فبدا لي أن كاثي شعرت هي الاخرى بمنعطف تاريخي. هبطنا في ماكديل بعد الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم الاربعاء 12 سبتمبر. لم أنم اكثر من 4 ساعات في الثلاثين ساعة الماضية، ومع ذلك فامامي العديد من الايام والليالي الطويلة.
وتحدثت وانا اغادر الطائرة مع جيف هاينز وقلت :«رجاء تأكد من اعداد سرير لي في مكتبي. سأقيم في مقر القيادة لفترة». وراقبتني كاثي وانا اتحدث. لقد دام زواجنا حوالي 33 سنة وشهد حربين، وهذه هي ثالث حرب نواجهها معا. وهي تعلم عاداتي وطرقي في العمل بطريقة جيدة، فلم تشتكي ابدا. نظرت الى لوحة على يمين منضدتي حيث توجد خارطة تاكتيكية لأفغانستان فيما كانت خارطة العراق، حيث القيادة الوسطى تشتبك مع دفاعات صدام حسين الجوية في منطقة حظر الطيران، تشغل لوحة آخرى على يسار المنضدة. قلت لنفسي مرة ثانية: لم أنم اكثر من 4 ساعات في الثلاثين ساعة الماضية، ومع ذلك فامامي العديد من الايام والليالي الطويلة.
* فرانكس : توصلت غداة 11 سبتمبر إلى ضرورة إحاطة صناع القرار بعلم الحرب وفنها ومن ثم الحديث عن تدمير «القاعدة» والإطاحة بسلطة طالبان
* فكرت وانا جالس على المقعد البلاستيكي فوق السطح على تلك الكلمة التي القيتها على طاقم الاستخبارات في القيادة المركزية يوم الجمعة السابق. كانت اميركا في صدمة عميقة، اجتاحهم غضب عميق من صور طائرات تصطدم بمبان وانهيار البرجين. هل يمكن اقناع مواطنينا بالتخلى عن حريتهم الشخصية، التي ناضلوا من اجلها، للحصول على مزيد من الامن، في عالم أصبح، ومن الواضح، انه يفتقر للامن. وداهمتني فكرة، وأنا أهم بالوقوف، رأيت اليوم لأميركا مثل بيرل هاربور. كان العالم على شاكلة ما من قبل، ولن يعود اليها مرة اخرى. قلت لنفسي : نقف الآن على منعرج تاريخي.
صبيحة اليوم التالي، تلقى طاقم الطائرة تصريحا من المراقبة الجوية اليونانية بالانطلاق من كريت والتوجه غربا. لم تكن لدينا تصريحات بدخول المجال الجوي الاميركي، ولكني كنت على ثقة اننا سنحصل عليه.
وبعد 90 دقيقة، ونحن نعبر غرب البحر الابيض المتوسط، تحدثت عن طريق هاتف مؤمن مع هيو شيتلون.
قال : تومي، الجميع في واشنطن ابتداء من الرئيس يميلون لذلك».
وسألت :«هل نفكر في عملية جادة ضد القاعدة وافغانستان؟» قال :«تأكد من ذلك، توم».
أخذت رشفة من قهوتي الساخنة، ثم التقطت الهاتف ذا الزر الأحمر الموجود خلف منضدتي. ونظرت اليه ورأيت أنه وبصيغته الشديدة السرية وقابليته المبرمجة على الاتصال العالي المستوى، سيكون رابطا هاما مع وزارة الدفاع والبيت الأبيض في الأسابيع المقبلة.
وضغطت على زر واحد في الهاتف، فأجابني هيو شيلتون مباشرة.
قال : «الرئيس عازم على القيام بعمل. ويريد الوزير رامسفيلد الخيارات العسكرية بشأن أفغانستان» قلت : «متى يريدها ؟» قال : «في البيت الأبيض يتحركون بسرعة كبيرة. كيف يمكنك بأسرع ما يمكن أن تقدم طائفة من الأفكار العملياتية ؟» طائفة كاملة. لا مزيد من الأعمال الانتقامية الرمزية. لا مزيد من صواريخ توماهوك على الخيام الفارغة. ولا مزيد من الملاحظات الطفيفة المزعجة. توقفت قبل الاجابة. فكل القيادات القتالية الموحدة كانت مدعوة لاعداد خطط معقدة لمواجهة طائفة واسعة من الطوارئ. فالقيادة الأميركية في المحيط الهادي ،على سبيل المثال، كان لديها العديد من الخطط العملياتية المفصلة على الرف، للرد على عدوان من كوريا الشمالية. وكانت العشرات من الخطط المماثلة موجودة في القيادة الجنوبية والقيادة الأوروبية.
أما في القيادة الوسطى، فقد كانت لدينا أكثر من عشر خطط طوارئ تفصيلية. تحدد خططا دقيقة لحالات الرهائن، واجلاء السفارات، وفتح مضيق هرمز، والتدخل اذا ما تجاوز العراقيون «خطوطا حمراء» معينة. كان لدينا هدف «القاعدة» وطالبان في أفغانستان، وخطط لضرب تلك الأهداف بصواريخ توماهوك وطائرات قاذفة.
ولكن القيادة الوسطى لم تكن قد أعدت خطة للعمليات البرية في أفغانستان. كما أنه لم تكن هناك ترتيبات دبلوماسية بخصوص القواعد ونقاط الانطلاق والطيران والتواصل مع جيران أفغانستان. ولم تكن هناك في واشنطن، وببساطة، رغبة في مواجهة مباشرة وجها لوجه في ذلك البلد القصي البدائي المحاط بأراض من كل جانب، ويبعد على مسافة نصف الطريق حول العالم. لم تكن هناك رغبة في ذلك منذ عام 1993 على الأقل.
ومن نبرة كلام هيو شيلتون كان واضحا ان ذلك الواقع على وشك التغيير. فالجيش الأميركي سيتوجه الى حرب في بلد كان الاتحاد السوفييتي، قبل ما يقرب من عشرين عاما، قد استخدم فيه 620 ألفا من أفراد قواته على مدى 11 عاما فقتل ما يزيد على 15 ألف جندي وجرح 55 الفا آخرين. وكنت أعرف أن دونالد رامسفيلد يريد نمطا من العمليات مختلفا الى حد بعيد. وفي الأشهر الثمانية الماضية كنت قد تعرفت على الكثير من نمط تفكير رامسفيلد. وربما لم يكن سوى وزير حرب جيد. وكان هناك الكثير من المشاكل المرتبطة بشن حرب في أفغانستان الجبلية القصية المعزولة، بحيث ان أي خطة فاعلة ينبغي ان تتجاوز التفكير التقليدي. ولم يكن لرامسفيلد الكثير من الوقت تجاه ما كان يراه حلولا قديمة لتحديات جديدة. كان يحب الأفكار الذكية المفاجئة. وكان يستجيب بشكل جيد للمفاهيم المبتكرة. وكنت أعمل لسنوات عدة في مجال ابتكار واعداد المرونة التكتيكية. والآن حل الوقت المناسب لرؤية ما اذا كانت تلك الجهود يمكن أن تثمر، في مقابل أن الرئيس سيكون عازما على القيام بعمل. وكانت أميركا قد اتخذت نصف الاجراءات. كنا في حالة حرب. قلت : «هيو، ستكون لدينا خيارات في الأفكار بحلول يوم غد. لن تتلقى مني خطة خفيفة تشتمل على عمليات الطائرات والصواريخ ..وإنما خطة بآمال لنتائج جيدة».
قال : «مفهوم وموافق على ذلك يا تومي».
واصلت قائلا : «سيتطلب الأمر مني اسبوعا الى عشرة أيام من أجل اعداد نظرة عمل كاملة. وفي غضون ذلك يتعين علينا أن نهيء السفن والطائرات والقوات لاعداد الظروف الملائمة. أولا: تدمير «القاعدة» في أفغانستان. ثانيا: ازالة نظام طالبان. ويجب ان تكون هاتان المهمتان هما المهمتان الأساسيتان».
أجاب هيو : «موافق. وعامل الوقت حاسم».
كان كلانا يفكر في التحذيرات الاستخباراتية من هجمات ارهابية جديدة محتملة. وفكرنا للحظة في توجيه ضربة قبل ان نتلقى ضربة ثانية. كان الوقت حاسما حقا. وضعت الهاتف الأحمر في مكانه وفكرت للحظة بالنمط الجديد من التهديد الذي تواجهه أميركا. النمط الجديد من الحرب التي كنا على وشك شنها. لقد تحدث القادة والباحثون على الدوام عن فن شن الحرب. غير ان أي حرب تشتمل على مواجهة حقائق أساسية صلدة معينة، وهذا هو علم الحرب. تحقيق أفضل فهم ممكن لنقاط قوة العدو، وقدراته ونواياه، وإعطاء اهتمام كاف بالميدان الذي تجري فيه المعركة. وتقييم متطلبات النقل ودعم القوات باعداد كافية. ومع مثل هذه الحالة الأفغانية، وموقعها في منتصف الطريق حول العالم، اختيار المزيج السليم من الوحدات لانجاز المهمة، وهذا هو منظور التخطيط العسكري الذي يعرف بـ«ارتباط القوات»، والذي يستلزم المقارنة بين أسلحة وقدرات الصديق والعدو. وكل هذه العناصر عرضة للصياغة النموذجية وللقرارات الصارمة عند التحليل التجريبي.
والى ذلك يتعين توضيح كل هذا «العلم» لدونالد رامسفيلد وفريق الأمن القومي وأخيرا لجورج دبليو بوش. ومن ثم سنناقش «فن» الحرب، أي قيمة سرعة المناورة، وكتلة القوة، واقتصاد الجهد، والمجازفة والتوقيت وانجاز الأهداف... واستراتيجية الخروج. ويمكن للخطة التي أقدمها ان تشتمل على الفن والعلم. ولن نكرر أخطاء السوفييت. سندمر «القاعدة» في أفغانستان. وسنطيح بسلطة طالبان. وكل ذلك وعنصر الوقت حاسم، أي كما كان يقول والدي : «كثير من العمل ينظر القيام به... وقليل من الوقت للقيام به في ذات الوقت».

* الجنرال: تقبلت الحقيقة بعد الضربة بأن هذا الإرهابي قد نفذ أنجح عملية ضد بلدي
* واغلقت قبضتي، ولكن عادات الجندي المقاتل عاودتني مرة اخرى، فسادني شعور بالغضب، ولكني كنت هادئا. والان فقط فهمت سبب اغتيال مسعود. فقد عرف بن لادن أن اميركا ستنتقم في افغانستان بعد هجومه عليها، ولذا اتخذ تصرفات وقائية لشل التحالف الشمالي باغتيال مسعود الشخصية المؤثرة.
وتقبلت الحقيقة الجديدة: هذا الارهابي الذي قتل مئات من الدبلوماسيين الاميركيين والعسكريين والمدنيين الاجانب الابرياء، نفذ انجح عملية ضد بلدي، هنا على الاراضي الاميركية. وظهرت صورة غير متوقعة في مخيلتي: بن لادن ليس بالشخص الجبان. هو عدو لدود وقائد شجاع لقوة قادرة ومكرسة.
ودق جرس الهاتف في مقر القيادة المركزية في تامبا، وكان المتحدث رايفل ديلونغ. قال يمكننا الحديث عبر هذا الخط غير المؤمن، في الوقت الذي يعد فيه خبراء الاتصالات خطا هاتفيا مشفرا، يمكن من إصدار اوامر threat con delt لجميع القوات المنتشرة، ولكن فقط عندما نتوقع هجوما او بعد وقوع هجوم.
.......
........
واستمرت التغطية التلفزيونية بلا توقف. وانهار جزء من سقف البنتاغون. وبعدها بدقائق ظهرت مشاهد تلفزيونية غير واضحة لدخان يتصاعد من منطقة زراعية جنوب غرب بيتسبرغ، حيث سقطت طائرة رابعة مخطوفة، وتلك كانت الرحلة رقم 93 التابعة ليونايتد ايرلاينز وتسببت في مقتل كل من عليها.
ولم اتمكن من العمل عبر هذا الهاتف. كنت في حاجة لوصلة مؤمنة عن طريق الاقمار الصناعية للصوت والمعلومات، فيما ذكر خبراء الاتصالات ان الامر سيستغرق ساعة لمد كوابل الياف بصرية من سطح الفندق، حيث وضعوا هوائي للاقمار الصناعية، عبر المبنى من الخارج الى غرفة الاتصالات.
وقلت: «بن لادن .. أيها الملعون..سأعمل من فوق السطح» جلست على مقعد من البلاستيك على سطح فندق كايدون، اتحدث عبر وصلة مشفرة عن طريق الاقمار الصناعية، مع افراد القيادة المركزية في فلوريدا. ووجهت تعليمات الى جين رينوار لتحديد اهداف في افغانستان. لقد عانينا، بسبب نقص المعلومات الاستخبارية -،في تحديد معسكرات التدريب التابعة للقاعدة، ومجمعات الدعم. وحددنا مجموعات اهداف لمنشئات طالبان الاساسية، ومواقع الدفاعات الجوية، وشبكات رادار الانذار المبكر. لقد حان الوقت لتطبيق تلك الجهود.
بعدها وجهت تعليمات الى افراد الطاقم للتنسيق مع نائب الادميرال ويلي موور لضمان الغاء سفننا في المنطقة كل زيارات الموانئ، وان تعود فورا الى البحر. فصورة المدمرة كول التي تتصاعد منها اعمدة الدخان لا تزال تطاردني.
ومع انخفاض درجة الحرارة بحلول بعد الظهر، انجزت المهام الفورية من القائمة واحدة بعد الاخرى. وخلال عملي بجوار هوائي الاقمار الصناعية، كان فان موني ومساعدي ليفتنانت كولونيل بقوات مشاة الاسطول، يجلسان بالقرب مني لادارة الهواتف، يتلقون المكالمات وينقلون المعلومات والاوامر ، فهدأ الجميع بعد الصدمة الاولى للمشاهد التلفزيونية، فعادت اليهم حرفيتهم. امليت تعليمات فورية لكل مندوب عسكري كبير في المنطقة بتأكيد تلقي الاوامر بالانتقال الى مرحلة threat con delta ، فربما لا تزال القاعدة تخطط لضرب مزيد من الاهداف الاميركية، ولاسيما ضد وحدات اميركية منعزلة، ولم اكن اريد من يفاجئ قادتنا في حالة عدم تلقيهم اوامر البنتاغون.
ومع حلول الفجر، سمعت صوتا غريبا، اقرب لصوت اليكتروني. ولكنه كان نعيق بوم اثينا مع شروق الشمس. ذلك الطائر الصغير، ذو العيون الضخمة، الذي ظهر لاول مرة على العملات الاغريقية قبل 2500 عام.
قلت لنائبي رايفل: أنوي العودة الى تامبا في اسرع وقت ممكن.
قال: «المجال الجوي الاميركي مغلق».
واكد طاقم الطائرة ذلك. فكرت في الاستمرار في الرحلة للقاء الرئيس مشرف في باكستان. لأنه واذا ما كان هناك وقت لممارسة الضغوط فقد حان مثل ذلك الوقت الان. لقد تحدث مشرف عن المساعدات الدولية في التعامل مع طالبان عندما التقينا في شهر يناير. من المؤكد وجود الكثير من المساعدات الاميركية اذا ما انضم للمعركة. ومع وجود ذلك الركن الذي يخصه من العالم في وسط العمليات العسكرية الاميركية، عليه ان يعلن الجانب الذي يقف معه في اسرع وقت. ولكني اردت ايضا العودة الى تامبا. ولذا ابلغت رايفل بإبلاغ هيو شيلتون انني سأنتظر 6 ساعات قبل تحديد المكان الذي سأتوجه اليه.
وعقب ذلك عقدت اتصالا جماعيا مع رايفل وجين رينوارت وقلت لهما : «هذا ما لدي القاعدة واسامة بن لادن ، فهم فقط الذين لديهم القدرة لشن عملية بهذا الحجم. جين، اريد منك ومن جيف كيمونز التركيز على تحسين الاهداف في افغانستان». وفكرت للحظة «ما هي آخر تقديرات الضحايا؟» رد رايفل ديلونغ وهو يكتم مشاعره: «تتحدث وسائل الاعلام عن ما يتراوح بين 6 و10 الاف قتيل في نيويورك وحدها. الا انهم يخفضون التقديرات، ولكنها ستكون سيئة».
واضاف: «عدة مئات مفقودون في البنتاغون. حوالي 80 تأكد موتهم حتى الان».
قلت : «فلنحدد الاهداف اعتمادا على خمسة افتراضات. الأول أن الهجوم على اميركا تم عن طريق «القاعدة» التي تعمل من افغانستان. الثاني أن الذين خططوا وامروا بهذه الضربة يقيمون في افغانستان. الثالث أن قرارا قوميا بتوجيه ضربة سيصدر. الرابع أن السبب لتصرفنا لا يمكن الخلاف عليه من الناحية القانونية. والخامس أننا سنتلقى موافقة وتعاونا من كل القادة الاقليميين لضرب افغانستان.
قال جين: «تمام سيدي».
قلت: «فلنتوجه للعمل».
واحضر لي فان موني تقرير الوضع السري لصواريخ توماهوك الذي طلبته من قبل. سيصبح لدينا 80 صاروخا جاهزا للاستخدام في بحر العرب خلال 24 ساعة، وحوالي 200 في خلال 48 ساعة. وخلال اطلاعي علي التقرير، كانت غواصات هجومية من طراز لوس إنجليس، ومدمرات من طراز بورك في طريقها الى مضيق هرمز بسرعة كبيرة.
كان الظلام قد حل الان. وتوقف النسيم تماما. وكان نعيق البوم يتردد. وظللت اعمل في النقاط الاخيرة في قائمة العمل الفورية.
وقد ساعدتني هذه الخطوات العملية في الحفاظ على تسلسل افكاري. غير ان الامر لم يكن سهلا. كان ذهني يتقلب بسرعة كبيرة. ما هي قوة قوتنا في المنطقة؟ ومدى استعدادها؟ كم عدد مجموعات عمل يمكن للقاعدة وضعها في الميدان؟ هل بذلت ما يكفي لحماية قواتنا؟ هل قتل أي من اصدقائي في البنتاغون؟
وتوالى التفكير مثلما توالى نعيق بوم أثينا.
* قلت فور ضرب الطائرة للبرج الثاني: أسامة بن لادن أيها الملعون! وقلت مع تلقي نبأ اغتيال أحمد شاه مسعود: تلك صفات عمليات «القاعدة»
* خليج سودا، كريت 11 سبتمبر 2001 : وقفت على تقرير استخباري مزعج، حمل: اغتيل الجنرال احمد شاه مسعود، قائد التحالف الشمالي الافغاني المعادي لطالبان، بعد اصابته اصابة مميتة في مقره، بالقرب من الحدود مع اوزبكستان، عندما فجر عربيان ادعيا انهما صحافيان قنبلة مخبأة في جهاز تصوير الفيديو. وتحمل هذه العملية صفات عمليات القاعدة. من جانبي لم أندهش. فأسامة بن لادن وزعيم طالبان الملا عمر سيحققان الكثير عن طريق اضعاف التحالف الشمالي. تمنيت لو وصلتني اخبار حادث الاغتيال هذا وأنا في واشنطن قبل لقائي قبل أيام مع الجنرال محمد احمد من ادارة الاستخبارات العامة الباكستانية، حيث دارت مناقشات «صريحة ومفتوحة» كما يقول الدبلوماسيون. وبتعبير آخر كان لقاء مهذبا ولكنه صريح ومباشر. فباكستان كانت في حاجة الى قطع غيار للمقاتلات القاذفة من طراز اف 16 اميركية الصنع، وطائرات النقل من طراز سي 130، وطائرات الاستطلاع البحرية من طراز بي 3، فيما كنا نحن في حاجة الى معلومات استخبارية مؤكدة حول القاعدة واسامة بن لادن. معلومات يمكننا استخدامها لتحديد الاهداف. الى ذلك كنت قد أبلغت الجنرال محمود ان التعاون هو طريق مزدوج، وفهم الرسالة وتعهد بإطلاع الرئيس مشرف على فحوى الاجتماع، وكان إبلاغي له بعد موافقة الوزير رامسفيلد، وتشجيع مدير وكالة الاستخبارات المركزية جورج تينت.
والان وبعدما هبطت في كريت، افرغت وزوجتي كاثي الحقائب الخاصة بالاقامة لمدة ليلة في جناحنا في فندق كايدون، المطل على الميناء الفينيقي الذي يرجع للعصور الوسطي، ثم توجهنا الى السوق عبر الشارع لشراء احتياجاتنا. ايقظني طرق على باب غرفة الفندق. نهضت ونظرت الى ساعتي، الساعة الرابعة بعد الظهر، هناك شيء غير سليم، فقد كان من المفروض الاستيقاظ في الساعة الخامسة.
«جنرال فرانكس»، كان الصوت لفان موني فتحت الباب.
قال ووجهه شاحب: «سيدي. من الافضل تشغيل تلفزيون غرفتك. فقد اصطدمت طائرة لتوها بواحد من ابراج مركز التجارة العالمي في نيويورك».
ارتديت ملابسي في الوقت الذي عثرت فيه كاثي على «الريموت كونترول» وفتحت الجهاز. قلت: «اسامة بن لادن». انا ذاهب الى قاعة الاتصالات..
توجد بمركز الاتصالات في البهو عدة خطوط هواتف مدنية وجهاز تلفزيون كبير يبث قناة سي ان ان انترناشونال. وكانت الغرفة مزدحمة بأفراد طاقمي. وشاهدنا في صمت والمحطة تعيد بث اشرطة ناطحة السحاب المحترقة. وكان التعليق، كما هو في مثل هذه الظروف، فوضويا، بل ومتناقضا في بعض الاحيان، وكان من الصعب تحديد الصور الحية من تلك المسجلة. وفجأة ظهرت على الشاشة طائرة اخري ترتطم بالبرج الجنوبي.
وخلال مشاهدتي لالسنة اللهب والدخان الأسود، ظهرت لوحة في اسفل الشاشة تقرأ «اميركا تتعرض لهجوم». وقتها، وعلى التو قلت: أسامة بن لادن، أيها الملعون!

 

 


   

رد مع اقتباس

إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أميـركي, جندي

أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:31 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
 

شبكـة الوان الويب لخدمات المـواقع