مسودة قانون لتجنيد الحريديم في الجيش يثير الجدل بإسرائيل (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          الفريق أول ركن شمس الدين الكباشي - عضو مجلس السيادة الانتقالي في السودان (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 1 - عددالزوار : 19 )           »          مقال في "نيويورك تايمز": ترامب فوق القانون (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          الجنرال محمد إدريس ديبي - رئيس المجلس الانتقالي في تشاد (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 5 - عددالزوار : 2412 )           »          الجيش الأحمر.. قصة منظمة زرعت الرعب في ألمانيا واغتالت شخصيات هامة (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          البنتاغون: إسرائيل ستشارك في تأمين الميناء المؤقت بغزة (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          جرائم الحرب (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          جرائم ضد الإنسانية (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          التطهير العرقي (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          تنظيم الدولة يتبنى هجوم موسكو وسط إدانات دولية ونفي أوكراني بالضلوع فيه (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 2 - عددالزوار : 63 )           »          احتكاك عسكري بين روسيا وأميركا في القطب الشمالي (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »          صحيفة روسية: الناتو مستعد للحرب ضد روسيا منذ 10 سنوات (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          ولاية ألاسكا.. تنازلت عنها الإمبراطورية الروسية واشترتها أميركا (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 5 - عددالزوار : 63 )           »          حزب الله يستهدف موقع رادار ومنصتين للقبة الحديدية الإسرائيلية (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          بعد عامين من إنشائه.. ما هو حال قراصنة "جيش أوكرانيا الإلكتروني"؟ (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »         



 
العودة   ..[ البســـالة ].. > جـناح التــاريخ العسكــري و القيادة > قســـــم التــاريخ العـســــكــري
التعليمـــات قائمة الأعضاء وسام التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة
 


حروب البحار

قســـــم التــاريخ العـســــكــري


إضافة رد
 
أدوات الموضوع

قديم 18-05-09, 11:51 AM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
المنتصر
مشرف عام

الصورة الرمزية المنتصر

إحصائية العضو





المنتصر غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي حروب البحار



 

حروب البحارهى الحقيقة
العسكرية السائدة



لم تترك حروب البحار آثارًا على المحيطات ولا معالم تذكارية ولا دمار معابد، لكن السيطرة على البحر كانت هي الحقيقة العسكرية السائدة طيلة السنوات الأربعمائة الماضية.
أوضح سبب ذلك السير "والتر رابي" زمن الملكة "إليزابيث الأولى"، بقوله: "إن من يهيمن على البحر يهيمن على التجارة.. ومن يهيمن على تجارة العالم.. يهيمن على ثروات العالم، وبالتالي على العالم نفسه".
قصة القوة؛ هي قصة السفن والرجال الذين سيروها، ومن صنعوها على الشاطئ؛ مستلهمين رؤية جمعت بين الإمكانات العسكرية والاقتصادية للبحر.
وهي كذلك قصة جزيرة صغيرة على الطرف الشمالي لأوربا؛ حيث كان الذين يتحدثون الإنجليزية قبل أربعة قرون أقل من ثلاثة ملايين نسمة، وجاء انتشار لغتهم ونفوذهم السياسي والاقتصادي فيما بعد ثمرة علاقتهم الفريدة والتاريخية مع البحر.
إذا تحدث أحد عن ظهور الغرب في ظرف تاريخي معين منذ نحو عام 1500 حتى اليوم، وحكى تلك القصة دون أن يضع البحر والهيمنة على البحر في صلب حديثه؛ كان تاريخه مشوهًا.

القومية الانجليزية

نشأت القومية الإنجليزية من البحر. كان "الإنجليز" و"السكسون" قد أبحروا من "ألمانيا"، و"الدنمركيون" من بحر الشمال، و"النورمانديون" أحفاد "الفايكنج" من "فرنسا" عبر القنال، وكما قال الشاعر الإنجليزي "تينيسون" عن الإنجليز: "نحن ساكسون، ونورمانديون، وفايكنج".
الميزة المهمة لقوة البحر هي الحركة، وظلت كذلك حتى ظهور العالم الحديث بسككه الحديدية والطرق البرية السريعة، كانت أسهل طريقة للنقل هي الطرق فوق الماء، لذا إذا كانت لديك القدرة للتحرك بسرعة في البحر، وفي قوارب صغيرة كـ"الفايكنج" والتحرك في الأنهار؛ فقد ضمنت عنصر المفاجأة.
لا يذكر التاريخ "الفايكنج" كغزاة معتدين، ولكن كمغيرين، وكأول شعب بث الرعب في قارة بكاملها باستخدامه القوة البحرية. المصادفة أنهم صنعوا أحد أروع المراكب الهجومية، كانت سفنهم الطويلة والتي تصل إلى ما بين خمسين ومائة قدم، تُسيِّر من محاربين بارعين في التجديف، يجلسون متقاربين ويصل عددهم أحيانًا إلى المائة.
كانت السفن المصنوعة من ألواح خشبية متداخلة تتحمل المياه الهائجة لشمال الأطلسي، كما سمح لها شكلها المسطح قليلاً باختراق الأنهار؛ للإغارة والنهب داخل البلاد إلى أبعد حد يحملهم إليه الماء.
كان "الفايكينج" بوصفهم "اسكندينافيين" و"نورمانديين" يستقرون في "اسكتلندا"، و"انجلترا"، و"أيرلندا"، وشمال "فرنسا"، و"أيسلندا"، و"جرينلند"، ولفترة في "أمريكا الشمالية"، كانوا يهاجمون "القسطنطينية"، ويُغيرون في عمق "روسيا" وصولاً إلى "موسكو" و"كييف"؛ حيث أصبحوا يسمون بـ"الروس".
وعلى الرغم من فاعلية سفن "الفايكنج" الطويلة في إبراز القوة على الشواطئ الأجنبية إلا أنها كانت غير صالحة للتجارة؛ لأنها كانت تفتقر للاتساع وحماية الحمولة.. نجاح هذه السفن كان خلال فترة انتقالية، واستُبدلت في القرن الرابع عشر بسفينة "الكوج" الأكثر فائدة.

الكوج

كانت سفينة بحر الشمال الضخمة المسماة "الكوج" غير أنيقة، وكان مداها غير بعيد، كانت تُستخدم لنقل القوارب والبضائع من الخشب، والسمك، والحبوب.. بعد ذلك أُدخلت عليها أنواع جديدة من الأشرعة أُخذت عن هياكل أشرعة من البحر المتوسط، ولم يكن من البراعة إدخال تحسينات على صلابة السفن ووضع مدافع عليها وإعطاؤها مدى ملاحيًا أكثر مرونة، لم يكن يوجد بعد "ليوناردو دافينشي"؛ ليجمع بين ذلك ببراعة، لكن الأمر تطور بمرور الزمن.
احتفظت "الكوج" من السفينة الطويلة بألواحها الخشبية القوية المتداخلة، لكنها أصبحت مثبتة بمسامير مع إطار من الخشب الصلب الثقيل، أضيفت إليها عارضة رئيسية، واتصلت بالعارضة سلسة من الدعامات من البلوط.. كانت لها دفة، ومؤخرة مسطحة، وشراع أكبر، والأكثر أهمية المساحة الواسعة، ومخبأ للحمولة والبحار.
مع مضي الزمن تم الاستغناء عن تداخل الألواح غير الضرورية؛ نظرًا لقوة الإطار، واستخدمت ألواح خشبية ناعمة من بلدان البحر المتوسط؛ فأصبحت المقاومة أقل، وسمحت تلك التغييرات بحركة ملاحة متقدمة وفاعلة.
أصبحت "الكوج الكرافيل" المركب الشراعي الكبير والسفينة التي جاءت بعصر الاستكشاف ومنها؛ سفينة "نينا" التي عاد بها "كولومبوس" من "أمريكا"، و"ماثيو" التي أعادت "كابوت" من "النيو فاوند لاند"، لكن الذي ضاع من عهد "الفايكنج" هو القدرة على التغلغل في الأنهار والرسو على أي ساحل، لقد كانت "الكوج" و"الكرافيل" بحاجة لموارد.

البرتغال

الواضح أن التطور التكنولوجي جاء عبر مئات من أنواع السفن والمدافع المتلاحقة، لكننا في "البرتغال" نجد في النصف الثاني من القرن الخامس عشر "هنري" الملاح الذي جمع الموارد ومنحها تشجيعا للمستكشفين على أعالي البحار، وبعث بهم الواحد بعد الآخر وأطلق الرحالة للاستكشاف عبر عقود عديدة؛ لذلك لم يكن من المصادفة أن يكون أول أوربي يقتحم المحيط الهندي مرورًا برأس الرجاء الصالح هو "فاسكو دي جاما"، وذلك عندما كانوا في مهمة تدعمها دولة "البرتغال" لأسباب تجارية.
ولإثراء المعرفة لابد من التزاوج بين الدوافع والتكنولوجيا، وأن تدعم الدولة القومية ذلك وتنظمه، وهذا ما نجده في "البرتغال" في عهد "هنري" الملاح، لقد كان واحدًا من أوائل الأمثلة عن دولة قومية جديدة في غرب أوربا ذات حكم أعالي "الهند".


مطامع هنرى



لا نزال نرى مبادرات ومطامح "هنري" آخر هو "هنري الثامن" ملك إنجلترا، لكنها مغطاة بالكيمياء.. كان ذلك جانبًا من "ماري روز" مفخرة أسطول "هنري" التي انتُشلت من وحول ميناء "بورتسموث"؛ حيث أمضت القرون الأربعة الأخيرة.
عندما قرر "هنري الثامن" أن "إنجلترا" لابد لها من أسطول، لم يكن الهدف الانضمام إلى "إسبانيا" و"البرتغال" في استكشاف العالم أو التجارة، ولكن لأنه أراد الهيمنة على "القنال الإنجليزي" أو ما كان يسمى حينها بالبحار الضيقة.
كان لـ"هنري" مشكلات مع القارة الأوربية؛ نتيجة انفصاله عن الكنيسة، وكان الخندق المائي الذي يحمي "بريطانيا" هو "القنال الإنجليزي"، كانت الفائدة التي يجنيها "هنري" عندما يحل الأديرة هي المقدار الضخمة من العملة، وكانت تلك الأموال تسمح لملك إنجليزي لأول مرة ببناء أسطول يتجول في البحر مدة كافية من الزمن.
ولإبراز نواياه الجادة.. بنى "هنري" سفينة "روز" في مطلع القرن السادس عشر كانت أول سفينة حربية انجليزية حقيقية، كانت سلاحًا بحد ذاتها، كانت سفينة "كيريك" ضخمة وتحولت عن "الكرافيل"؛ لتلائم ظاهرة الحرب في البحر، كانت تحمل عدة مدافع لمهاجمة السفن المعادية والاستيلاء عليها، ولصد الهجمات؛ بُنيت أبراج على كلا طرفي السفينة توفر للمدافعين عنها ما يشبه أرضًا مرتفعة.
متحدث:
تم بناء "ماري روز" بين عامي 1510و 1512 وأبلت بلاء حسنًا في الحروب الفرنسية الأربعة. كانت سفينة حربية ناجحة تمامًا والحقيقة أن تسليح "ماري روز" ممتع؛ لأنه يجمع بين التكنولوجيا القديمة من مدافع الحديد المصنع، وتحتوي بشكل أساسي على ماسورة المدفع، وتثبيت الخلفية مع تجويف به فتحة في مؤخرته سدادة، ثم الفوهة البرونزية وهي من تكنولوجيا كان على "هنري الثامن" استيرادها من القارة، لأننا في انجلترا كنا نفتقر لتلك التكنولوجيا؛ ولذلك جلب أفضل صُنَّاع المدافع من "أوربا"، وهيأ لهم العمل في "لندن"، وعلموا صُنَّاع المدافع "الإنجليز" تكنولوجيا صناعة المدافع البرونزية، وأصبح المدفع الذي يعبأ من الفوهة يعمل في الأسطول.
جاء مسحوق "البارود" من الشرق في القرن الرابع عشر، وسرعان ما بدأ يستخدم كسلاح حربي، من المهم التمييز بين الأساطيل الحقيقية كما استقر عليه حالها في نهاية القرن السابع عشر، والأساطيل التي وجدت قبل القرن السادس عشر. كانت الأساطيل حتى منتصف القرن السابع عشر تتألف من سفن تجارية وبعض سفن الحرب الملكية التي بُنيت للحرب، لكنها كانت تستخدم وقت السلم لأغراض تجارية، وإذا كانت السفينة ضخمة وتحمل مدفعًا فهي تستخدم كسفينة تجارية أو حربية، المحافظة على سفينة حربية يُكلف أموالاً ولا يكون المشروع مربحًا؛ لأن عليك أن تدفع المال للناس، وللمدافع، وثمن الطعام، والبارود؛ لذا فإنها عملية مكلفة، وبينما تشترى هذه السفن من التجار فإن الذين كانوا يستخدمونها يخسرون، ويمكن أن تكون في تلك التجارة مخاطرة.

مصير "ماري روز" يوضح مدى الخطورة.

أطلقت السفينة على الأقل ثلاثة مدافع من جهة اليمين، وكانت تدور لكي تصبح مدافع اليسار مستعدة للإطلاق، لكن مدافعها الجديدة على اليسار مالت كثيرًا نحو الماء؛ وغرقت على جانبها الأيمن، وخسرت معظم بحارتها.
هذه المعارك القديمة بين الفرنسيين والانجليز كالتي غرقت فيها "ماري روز" كانت معارك سياسية وعسكرية استعراضية، كانت معركة السيطرة على البحر في ذلك الوقت تدور في مكان آخر بين "البرتغال" و"إسبانيا".. عام 1494 قسم البابا "ألكسندر الرابع" محيطات العالم بينهما.

الاسبان والبرتغاليين

ربما كان قرار البابا بتقسيم العالم بين "الأسبان" و"البرتغاليين" محاولة؛ لحل الخلاف على مجالات النفوذ. كانت القوتان البحريتان المهمتان في نهاية القرن الخامس عشر هما "إسبانيا" و"البرتغال"، فالبرتغاليون تمكنوا من إيجاد طريقهم إلى "الهند"، ووصلوا إلى "إندونيسيا" كما وصلوا إلى "الصين"، أما "الأسبان" الذين رأوا أن تلك المنطقة وقعت تحت نفوذ "البرتغال"، فقد قرروا التوجه غربًا ووصلوا صدفة إلى "أمريكا الشمالية"، وعندما أصبح "فيليب" ملكًا للبرتغال، وانضمت "البرتغال" إلى "إسبانيا"؛ أصبح "فيليب الإسباني" يملك الجميع.
كان "الأسبان" يستغلون ثروات العالم الجديد ويرسلونها إلى وطنهم "إسبانيا"، ولكن لم يكن يوجد قانون للبحار يحمي تلك السفن من الوقوع في الأسر؛ وحيث لا يوجد قانون كان يصعب إثبات الجميع. أصبحت القرصنة أمرًا شائعًا، وغالبًا ما تُجيزها أعلى السلطات.

القرصنة

إن القرصنة مهنة تتم في غياب قانون البحر.. الناس يدركون القانون على اليابسة، فإذا ارتكبت جريمة داخل مملكة "فرنسا"؛ كان هناك نظام للإنصاف، ولكن لم يكن يوجد قانون لاستعادة الخسائر في البحر، وأصبحت العادة أن تأخذ رسالة من الملك تخولك طلب تعويضك من رعايا الدولة التي جاء منها الذين ارتكبوا الجريمة الأصلية، وإذا نظمت هذا الأمر بشكل جيد؛ فإنك تنال التعويضات كافة، لذا يمكن أن تكون قرصانًا لزمن طويل؛ لأنك في كل مرة تركب فيها البحر في حملة قرصنة.. عليك أن تحصل على سفينة، وأن تدفع المال، وأن تشتري "البارود"، وكذلك تحتاج إلى مدافع؛ لتستولي على ما تسترد به التكاليف. إنها طريقة لشن حرب على العدو، وإذا كنت تفتقر إلى أسطول كبير، فإن أحد الأمور التي يمكنك أن تفعلها هي ببساطة؛ أن تخول رعاياك شن حرب على تجارة عدوك، ويصبح ذلك نوعًا من الحرب للتسلية وللربح.
كانت القرصنة وسيلة لتحويل غضب "البروتستانت" حتى لا يتجه للداخل في حربًا أهلية مثلما كان يحدث في "فرنسا"، كان ذلك شيئًا أفادت منه الملكة بشكل جيد، فقد كانت تستطيع دائمًا أن تنكر بأن للحكومة الإنجليزية يدًا في أي شيء يفعله "فرانسيس دريك"؛ وبذلك كانت القرصنة حربًا سهلة ومربحة، وتمكنك من تجنب المسؤولية السياسية، والأكثر من ذلك أن أولئك القراصنة وسفنهم يمكن تجنيدهم وقت الحرب ضمن ما يسمى بالأسطول الملكي؛ وبذلك يمكن زيادته بنسبة مائة، أو مائة وخمسين، أو مائتين بالمائة.
كانت الأموال التي يعود "دريك" تكفي بما يُمكِّن الملكة أن تستخدم بعضها؛ لدفع الديون الوطنية، وكان الباقي من المال هو الأصل والأساس لما أصبح يسمى الإمبراطورية..

"الإمبراطورية الإنجليزية".

لم تكن أحقاد "فيليب" ملك "إسبانيا" على "انجلترا" كبيرة؛ لأن قراصنة "إليزابيث" ينهبون قوافل السفن ويغيرون على موانئه البحرية، ولكنه كان يعتبر "الأرمادا" حربًا صليبية تستهدف استعادة العقيدة الكاثوليكية لإنجلترا، كانت حربًا ستعاقب "إليزابيث" أخته بالمصاهرة التي عقدت حلفًا مع "البروتستانت الهولنديين" الذين كانوا في حالة ثورة على حكم "فيليب".
بدأ التحالف بين "الهولنديين" و"الإنجليز" أولاً في العشرين من أغسطس عام 1585 بمعاهدة؛ ونصت هذه المعاهدة: على أن تقوم "إليزابيث الأولى" ملكة "بريطانيا" بمساعدة الثورة "الهولندية" على "الأسبان" بأربعة آلاف جندي، وأربعمائة حصان، وستمائة ألف فلور سنويًا، ويحظى الإنجليز مقابل ذلك بالسيطرة على مدينتي "لاشين" و"بريل" جنوب "روتردام"، وعلى قلعة "ريماجانس" كحصون داخل المقاطعات المتحدة.
كان تجميع "الأرمادا" تحديًا غير مسبوق، وتضمنت "الأرمادا" سفنا من سبعة أنواع متميزة ومتخصصة، كان من ضمن مدافعها مائتان وثلاث وأربعون من أكبر مدافع السفن بالإضافة إلى ثلاثين ألف رجل كان ثلثاهم من الجنود. وصل الإعداد سنة كاملة، وكان "الإنجليز" يعرفون كافة تفاصيلها وبذلوا جهدهم لمواجهتها. ففي عمل جرئ أبحر "دريك" داخل ميناء "كاديز" وأحرق أربعًا وعشرين من سفن "فيليب".
أغار "دريك" على "كاديز" عام 1587، أبحر داخل ميناء الأسطول الإسباني، وبقي حوالي يومين يدمر الموقع، وهزم الذين أرسلهم "الأسبان" ضده، وأخيرًا بعدما بدا أن الإنجليز أشبعوا رغباتهم، وأساءوا للسكان، وحرقوا سفنًا، وأسروا سفنًا أخرى؛ أقلعوا بهدوء، وكل ما استطاع "الأسبان" فعله؛ هو الجلوس على الشاطئ، والتلويح بقبضة اليد في حالة إحباط وفي حالة غضب على "الإنجليز".
رغم حجم "الأرمادا" الهائل وهو مائة وسبع وثلاثون سفينة، فكر "الأسبان" في استخدامها لإنزال جيش في انجلترا، لا لخوض معركة. كانت خطة "فيليب" أن يبحر الأسطول شمالاً عبر القنال إلى الساحل "الهولندي"؛ حيث يمكن للسفن تحميل معظم الجيش الذي سيغزو "إنجلترا". قاد القوات "دوكو بارما".
أخذت السفن "الإسبانية" تشكيل معركة للمرور على طول الساحل "الإنجليزي"، كانت تبحر بسرعة ميلين في الساعة تقريبًا، قد ظهر التشكيل بأنه سيقوم بإنزال الجيش على الأرض.. شُكل جناحان من ثمان وعشرين سفينة "جالون" كل واحد يحمي بقية "الأرمادا". كانت السفن "الإنجليزية" الأربع والستون أقل من نصف السفن "الإسبانية"، وانقسمت إلى قسمين يقود أحدهما "هاورد" الأدميرال الأعلى، ويقود الآخر "دريك".
أخذ "الإنجليز" موقعهم على جناحي "الأرمادا"، كانت لديهم سفنًا أسرع وهاجموا كلا الجناحين من الخلف، مقتربين من "الأسبان"، مطلقين النيران من المدافع على جوانب السفن أثناء مرورها، كانت المناورة ممكنة؛ لأن "الإنجليز" قد عدلوا شكل سفن "الكريك"، حيث استبدلوا أعلى مقدم السفينة بأسفله؛ ليتمكن من إطلاق النار إلى الأمام.
كانت مدافع السفن بدائية، لكن خبرة "الإنجليز" في القرصنة أعطتهم ميزة، فقد استطاعوا إطلاق المدفع مرة أو مرتين في الساعة، بينما "الأسبان" أطلقوه مرة أو مرتين في اليوم.

الخبرة

أظهرت الخبرة في الآثار مفعولها فقد بنا "الأسبان" هذه السفن بهذه المدافع الضخمة بدون فائدة، فعندما تنظر إلى محتوى سفن "الأرمادا" الإسبانية وتقارنها بمحتوى سفن "الإنجليز" تجد الفارق؛ فقد وضع "الإنجليز" على سفنهم أعدادًا من طلقات المدافع أكبر بكثير مما وضعه "الأسبان"، ولم تكن قذائف المدفعية دائمًا تناسب فوهة المدفع، الأشكال التي كانت عام 1588 لم تعد كذلك هذه الأيام.
لكن إطلاق النيران من بعيد بتكنولوجيا خطة الملكة "إليزابيث" لم يحدث ضررًا كبيرًا في اليوم الأول، لحقت أضرار خطيرة بسفينتين "إسبانيتين" فقط، إحداهما اصطدمت مع سفينة "إسبانية" أخرى، وظلت "الأرمادا" في وضع جيد خلال الأيام الستة من الإبحار في القنال. كانت لدى "الأسبان" خبرة في الإبحار في قافلة، وكان "الإنجليز" يعرفون خطورة محاربتهم عن قرب؛ ولذلك ظلوا بعيدين عنهم.
كان اللورد "هاورد" يتعرض للنقد في "انجلترا" مما اعتُبر خطأ بأنه تكتيكات جُبن، لكن السير "والتر رالي" دافع عنه بلغة بليغة.
كان لدى "الأسبان" جيش على متن السفن، وكانت لديهم سفن أكثر مما عنده، وأكثر ارتفاعًا وحمولة، ولو أنه اشتبك مع تلك السفن الهائلة والقوية؛ لكان قد عرض مملكة "انجلترا" لخطر جسيم.
كان دوق مدينة "سادونيا" قد عُين قائدا لـ"لأرمادا" رغم احتجاجه، وقد خَلَفَ أدميرالاً أكثر خبرة وهو "ماركيز دي سانت كروز" الذي مات أثناء التحضيرات الطويلة.
تجنب العدو بإصرار الاقتراب من مرمى سفني رغم أنني بذلت جهدي لحمله على ذلك، أعطيته فرصًا عديدة لإغرائه ومسارعة البدء بالقتال، لكن دون جدوى؛ لأن سفنه خفيفة وسفني ثقيلة جدًا.
ورغم تعرض "الأرمادا" للقصف المتواصل تقريبًا من جانب "الإنجليز" وصلت مقابل "كالي" في وضع جيد، ووقفت سفنها جاهزة لاستقبال جيش الغزو الذي تجمع على البر بقيادة دوق "بارما"، ولكن لم يكن ممكنًا نقل الجيش إلى السفن المنتظرة له؛ لأن أسطولاً "هولنديًا" كان يُعرف بـ"متسول البحر" -بسفنه من قوارب الصيد المسطحة- سد الطريق.
كان الجيش "الإسباني" في "فلاندرز" بـ"هولندا" هو الجيش المفترض أن يقوم بالغزو، ولم توجد في القرن الثالث عشر طريقة جيدة بحق لتنسيق ذلك، لم يستطع دوق "بارما" الخروج من مصب النهر وكسر الحصار، ولأن المياه ضحلة هناك؛ كان الأسطول الذي أرسله "فيليب" في مياه عميقة ولم يكن بوسعه رفع الحصار، وإخراج دوق "بارما".
بينما كانت "الأرمادا" منتظرة مكشوفة في مياه المد مقابل" كالي"، هاجمها "الإنجليز" بثماني سفن مدفعية بهدف تشتيت الأسطول.

نهاية الاسطول الاسبانى

تشتت الأسطول الإسباني كله بالتأكيد، ووقعت عدة حوادث في نفس الوقت. قطع الرجال حبال مراسيهم، وهامت السفن على وجهها، أو اصطدم بعضها ببعض.. في رأيي وبغض النظر عن جميع الإهانات الأخرى التي لحقت بالسفن التي سقطت، والعواصف التي طاردتها، فقد حسم الموقف هجوم سفن النيران في الثامن من أغسطس.
عادت "الأرمادا" تجميع سفنها في بحر الشمال ومعها دوق مدينة "سادونيا" -القائد عظيم الخبرة-، الذي اتخذ قرارًا مصيريًا، فقد قرر تجنب التوجه جنوبًا في ريح معاكسة، وأمام هجوم جديد من الأسطول "الإنجليزي" في القنال، أمر الأسطول بمواصلة الإبحار شمالاً عبر قمة "اسكتلندا"، وأسفل الساحل الغربي لـ"أيرلندا".
ما سرني شيء كما سرني رؤية أسطول العدو، وهو يواجه ريحًا جنوبية أثناء سيره شمالاً.
انتهى خطر "الأرمادا" بشكل حاسم.. فقدت "بريطانيا" سفينة واحدة وفقدت أقل من مائة رجل، غرقت خمس وعشرون سفينة "إسبانية" إثر عاصفة هوجاء، وغرقت سفن أخرى في عرض البحر، أو تحطمت على سواحل "اسكتلندا" و"أيرلندا"، أما "الأسبان" الذين نجوا من الغرق ووصلوا إلى الشاطئ، فقد قتلوا على أيدي السكان المحليين. وصل أقل من نصف سفن "الإسبانية" إلى أرض الوطن، لكن أكبر لطمة كانت موجهة إلى مكانة "إسبانيا".
كانت تلك ضربة معنوية شديدة، لكنها لم تكن على درجة من الخطورة، لتمنع "فيليب" من المحاولة مرة أخرى، لأننا في الغالب ننسى محاولتين أخريين لـ"لأرمادا" لغزو "انجلترا" في الثمانينيات والتسعينيات من القرن السادس عشر، وقد استطاع إصلاح الأمور ثانية، لكن الضربة المعنوية نشرت في أوربا شعورًا بأن تلك الحروب كانت صراعا دينيًا ومذهبيًا، لقد شاع ذلك من جبل "طارق" إلى "استاتين" في "البلطيق"، وذلك خلال زمن قصير، وهذا ما عزز قضية "البروتستانت" في "هولندا" وفي "فرنسا" بشكل خاص.
كان الضرر حقيقيًّا؛ حيث لم يعد البحر ملكا لـ"لأسبان" كما قرر البابا. أصبح واضحًا أنه منطقة مشاع، تستطيع فيها جميع القوى التنافس على السيادة. أصبح البحر منطقة ستمنح ميزة عسكرية وتجارية حاسمة؛ لمن يستطيع السيطرة عليه.
كان الضعف الواضح في قوة "إسبانيا" البحرية، وفي انحسار "إسبانيا" كقوة عظمى في نهاية القرن السادس عشر، كانا يشكلان مدخلاً لتلك القوى الشمالية الطموحة للنزول إلى البحر، وتفكيك الإمبراطورية "الإسبانية" و"البرتغالية".
كان عصر الاستكشاف على وشك إفساح الطريق للاستعمار، وفي تلك الفرصة الجديدة رأى إنجليزي حلمًا، ففي عام 1609 وصف "سايمون بيرتش" "أمريكا" كنوع من صندوق الثلج الذي يحفظ كنوزًا على المسيحيين المطالبة بها. أرض بكر يستولي عليها ظلمًا الوحوش و"الهنود"، إن ثروات تلك البلدان المتوحشة كانت جذابة للمسيحيين.

تنامى القوة

قوة "انجلترا" المتنامية في البحر اعتمدت على الأعداد الكبيرة للسفن التجارية التي بنيت للمتاجرة بين المستعمرات، لكن "انجلترا" كناقلة للتجارة كان لها منافس قريب منها.. "هولندا"، والتي كانت حليفتها السابقة. أصبحت "أنتويرب" وليس "لندن" ميناء نهاية الخط إلى أوربا، وأصبح الأسطول التجاري "الهولندي" ناقل تجارة لها.
يقدر أن نحو نصف تجارة العالم كانت تمر عبر ذلك الميناء الوحيد في "هولندا"؛ لذلك سيطر "الهولنديون" على تجارة "الهند"، واقتحموا النظام البرتغالي القديم في الشرق الأقصى، وجنوا قدرًا هائلا من الثروة. بدءوا يستولون على التجارة "الإسبانية" في جزر "الهند الغربية" و"البرازيل"، ودخلوا في التجارة على طول الساحل الإفريقي، وكان الإنجليز في تلك المرحلة مازالوا صيادي سمك في بحر الشمال، ويعملون في تجارة الصوف المحلية، وكانوا يعبرون القنال "الإنجليزي" ويرون الثروة الهائلة في "هولندا"، وقرروا أخذ جزء منها، وأصبحت الحروب أخيرًا هي للسيطرة على تلك التجارة.
سرعان ما عدل "الهولنديون" سفينة "الجاليون" الإنجليزية السريعة، عام 1628 بنوا سفينة "باتيليا" لتكون السفينة الشراعية الضخمة للتجارة مع "الهند"، كان طولها 45 مترًا وكانت وكانت واحدة من أكبر سفن زمانها، أصبحت سفينة حربية، كانت الحاجة تدعو إليها؛ لحماية حمولاتها القيمة من القراصنة.
عندما كانت "بريطانيا" تقوم بأولى خطواتها نحو الاستعمار في العالم الجديد، شرع "الهولنديون" في منافستها، وأقاموا مستعمرة "أمستردام الجديدة" الاستراتيجية على جزيرة "مانهاتن" على نهر "هادسون" بوابة القارة الجديدة.


الجانب السلبى



كان الجانب السلبي للهولنديين أن طريق العودة الوحيد إلى الوطن لابد أن يمر من القنال. كان يمكن السير شمالاً، لكن ذلك خطر. وكان على "الهولنديين" أن يقاتلوا، وكذلك "الإنجليز"، وهكذا كانت الحرب "الأنجلو هولندية" في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن السابع عشر بالغة القسوة.. لم توجد خطة فالإنجليز كانوا يجلسون كسدادة الزجاجة يغلقونها، وكان على "الهولنديين" إبقاؤها مفتوحة.
كانت حروبًا تجارية صِرفة، وحسب ما قال المؤرخ الإنجليزي "كولين ويلسين": الربح والقوة متحدان. ومن الواضح جدًا أن "الإنجليز" يدركون هذا الأمر، وكان هناك قادة بحرية إنجليز يقولون: أتعرفون ما نريده؟ نريد تحطيم قوة الهولنديين؛ لكي نستولي على تجارتهم، ولندمر احتكارهم للتجارة!!.
أثمرت المنافسة المتنامية بين الحليفتين القديمتين "هولندا" و"إنجلترا" سباق التسلح بالسفن الحربية، واختار "تشارلز الأول" ملك "انجلترا" الهيبة والفاعلية. ينظر المؤرخون اليوم إلى سيد البحار لا على أنه نوع من سفينة نموذجية، وإنما كسفينة حرب مهيبة من القرن السابع عشر.. سفينة كان يمكن لملك حينها أن يعرضها أمام رؤساء الدول كانت مكلفة، كان الرقم يصل إلى نحو أربعة وسبعين ألف جنيه استرليني، وهو ما يعادل اليوم تكاليف ثلاث حاملات طائرات "أمريكية" تسير بالطاقة النووية.

الملك تشارلز

لمواجهة التكاليف الهائلة استحدث الملك "تشارلز" ضريبة بناء السفن، التي تجمع من المدن الداخلية، ومن الموانئ.. الاحتجاج العنيف على ما يسمى بنقود السفينة أظهر أهمية وجود أسطول عند "الإنجليز"، وسبب كذلك حربًا أهلية.
المفارقة هي أن "تشارلز" تشاجر مع البرلمان حول مسألة من يمكن أخذ الضريبة منه ولأي غرض، وربح البرلمان الحرب الأهلية وفقد "تشارلز" رأسه، وكمعظم السياسيين البارعين وسَّع البرلمان ضريبة الأسطول لتمتد إلى المقاطعات الداخلية، وبنوا أسطولاً ضخمًا لم يكن "تشارلز" يقدر على تدبير تكاليفه؛ والسبب أنهم نهبوا كنوز الأسرة المالكة، وبذلك كان يمكن بناء أسطول كبير آخر.
أسطول البرلمان الجديد والحاكم الجديد اللورد "أوليفر كورمويل" حامي "بريطانيا"، كانا يتشاطران الاعتقاد بالاحتراف، وهو ما احتقره ضباط الأسطول الأرستقراطيون الذين هربوا أو قتلوا أثناء ثورة "البيورتن"، وحقق "كرومويل" هذا الإصلاح بتعيين جنرالات في قيادة الأسطول.
الذي حدث في الحرب البرية منتصف القرن السابع عشر أن أصبحت في صفوف مستقيمة وليس كالأسلوب القديم من مجموعات كتائب كثيفة العدد، وليس كالأسلوب الإسباني القديم بوجود كتيبة مربعة كبيرة، والتحول إلى تشكيلات بخطوط مستقيمة تحقق الهدف على أساس قوة النيران، وحدث تطور متزامن في البحر، بحيث تبدأ السفن بتشكيل صف؛ لتحقيق أهدافها باستخدام قوة النيران.
تعتبر الحروب "الأنجلو هولندية" مهمة في تاريخ تطور تنظيم الأساطيل؛ بسبب تطور كل من "الهولنديين" من جهة، ثم "الإنجليز" تحت حكم "كرومويل"، ومن بعده تحت حكم "تشارلز الثاني" بوجود "صامويل بيبس" الإداري الرائع من جهة أخرى، وقد استحدث "الإنجليز" ما استحدثه "الهولنديون" وهو مجلس دائم لإمارة البحرية، ونظام تحكم، ومجموعة من القواعد منها؛ قواعد انضباط، وقواعد للاشتباك في البحر.
شاهد "فرنسي" معركة استمرت أربعين يومًا بين "الإنجليز" و"الهولنديين"، وأعجب بنظام وانضباط السفن "الإنجليزية".

التنظيم


لا شيء يماثل التنظيم "الإنجليزي" في البحر، فلم يحدث مطلقًا أن انتظم صف بتلك الاستقامة التي شكلتها سفنهم. إنهم يحاربون كصف من الخيالة.
في العام 1680 أصبح الأسطول محترفًا ويخضع للنظام وقواعد الحرب، وتدفع له رواتب ونفقات بموجب ضرائب فرضها البرلمان، وأصبحت توجد قوة بحرية عنيفة، وربما لم يكن مدهشًا أنه عندما جلس مؤرخ القوة البحرية الأمريكي "ألفريد ماهان" ليكتب بحثه حصره بين عامي 1660 و 1783 للميلاد، لكن لماذا اختار عام 1660؟ مرد ذلك إلى الحروب "الأنجلو هولندية"، ولأنها بداية القيادة البحرية المنظمة.
نقل كاتب يوميات "صامويل بيبس" الذي كان كاتب مجلس البحرية عن قبطان إنجليزي قوله: "تجارة العالم صغيرة جدًا لنا ولهم، ولابد لطرف أن يسقط"، وأضاف يقول: "الكل يستعجل الحرب مع "الهولنديين".. إن استعداداتنا ضخمة، وغضبنا عليهم كذلك، إضافة إلى أننا نخشاهم بقدر ما نكرههم".
هناك فترة قصيرة في مطلع الخمسينات من القرن السابع عشر كان "الإنجليز" و"الهولنديين" فيها يتحدثون عن إقامة اتحاد، وعندما فشلوا.. قال "الإنجليز": "إذا لم تنضموا لبلدنا سنحاربكم، وسنأخذ بعضًا من تجارتكم أيضًا".

المصالح التجارية

المصالح التجارية التنافسية بين "الإنجليز" و"الهولنديين" ومنها تجارة الرقيق جعلت الحرب بين الجانبين شبه حتمية، عام 1651 أجاز البرلمان قانون الملاحة الذي منع التجارة من وإلى "بريطانيا" ومستعمراتها على سفن بحرية وحصرها بسفن "إنجليزية"، واعتبر "الهولنديون" ذلك عملاً استفزازيًا. الحروب "الأنجلو هولندية" مذهلة؛ لأنها ربما كانت حربًا تجارية أكثر من أي حرب أخرى في تاريخ القوة البحرية.
كانت أول حرب "أنجلو هولندية" عامي 1652 و 1654 واضحة تمامًا حسب ما أعتقد، كان للإنجليز تفوق مذهل، كانت السفن الإنجليزية أضخم وأكبر وأثقل كثيرًا وذات مدافع أكبر، ولم توجد مقارنة بين "البريطانيين" و"الهولنديين". الحقيقة المجردة هي أن "الهولنديين" أحرزوا بعض الانتصارات، وكان ذلك إنجازًا من جانبهم كما أرى.

السلام الهش

عندما انهار السلام الهش، واندلعت حرب أصحاب المتاجر الفانية بعد خمسة عشر عامًا من الأولى، أصبح "الفرنسيون" حلفاء لـ"لهولنديين"، كان لدى "الهولنديين" بعض الوقت ليتعافوا من الضربات التي تلقوها خلال الحرب الأولى، فبنوا سفنًا أكبر تحمل أربعة وثمانين أو اثنين وثمانين مدفعًا.
نتج عن تكتيكات الأدميرال الهولندي "تورويتر" الرائعة تدمير عشرين سفينة "إنجليزية"، ونتيجة لهذا النجاح تم منحه وسامًا "فرنسيًا" رفيعًا، لم تقتصر جرأة الأدميرالات "الهولنديين" على أعالي البحار، بل هاجموا سفن الأسطول "الإنجليزي" في مراسيها في غارة جريئة على قاعدتها في نهر "ميدوي".
تعتبر غارة "الهولنديين" على "ميدوي" تفسيرًا رائعًا لكافة أنماط المشكلات المعاصرة للقوى البحرية، كان يوجد نوع من الحرب تجري بين الملك "تشارلز الثاني" والبرلمان، لم تصل مخصصات الأسطول الكافية، وكانوا في حالة حرب مع "الهولنديين" وغير قادرين على إخراج الأسطول من "ميدوي"؛ لأنهم لم يتلقوا المخصصات اللازمة.
كانت الغارة الجريئة أسوأ هزيمة لحقت بالبحرية الانجليزية حدثت في وقت جزر ورياح؛ حيث لا يمكن لأفضل مرشد سفن أن يتولى الأمر.
لم تكن توجد حاجة في "أمريكا الشمالية" لاستراتيجية الكر والفر، عندما استولى "الإنجليز" على "أمستردام الجديدة" قرروا الاحتفاظ بها وغيروا اسمها إلى "نيويورك"، وبضربة واحدة سيطروا على الساحل الشرقي لـ"أمريكا" بكامله من "نوفا سكوشيا" إلى "فرجينيا".
كانت نقطة ضعف "الهولنديين" هي الجغرافيا؛ فهم بخلاف أهل الجزيرة البريطانية كانت لهم حدود في أوربا معرضة للخطر، وجيران عدوانيون.
يعتبر عام 1672 في التاريخ "الهولندي" سنة كارثة، كان "الروس" يقفون على الحدود وكذلك "الفرنسيون"، وكان "الإنجليز" يحاربون السفن "الهولندية" في البحر، وحاولت تلك الجمهورية الصغيرة -بسكانها المليون أو ربما المليون ونصف المليون- إبقاء رأسها فوق الماء.

لويس الرابع

خوف "الهولنديين" من "لويس الرابع عشر" ومن "فرنسا"، وخوف "البريطانيين" من قيام ملكهم الجديد "جيمس" بإعادة المذهب "الكاثوليكي"؛ دفعا البرلمان "الإنجليزي" أن يعرض على الأمير الهولندي "وليم" وزوجته الإنجليزية "ماري" العرش البريطاني، وذلك ليتم الجمع بين القوتين البحريتين الرئيسيتين في العالم. وصل "وليم" ومعه عشرون ألف جندي.
من أخطر الأعمال التي تولتها البحرية الملكية عدم إيقاف الأسطول "الهولندي"، كان بإمكانها القيام بذلك، ولو حدث لكان ذلك خيانة كبرى للملك الذي سميت باسمه البحرية الملكية، لأن "جيمس" نال الغنيمة، ونُصب "وليم" على العرش، وظلت البحرية الملكية راسية في الميناء، ودعم ذلك من قوة البرلمان البريطاني الذي يشكل الطبقة الثرية وطبقة التجار، وبذلك فإن البحرية الملكية كانت تخص البرلمان في وقت وصلت فيه أوج عظمتها، إنها ليست أسطول الملك أبدًا، بل تخص الطبقة الثرية البريطانية.
عندما تستولي على التجارة وتحتكر تلك التجارة؛ فإنك تحصل على المال الكافي، أي الموارد التي تنفق منها على البحرية، وبذلك إذا استطعت إدارة الأمر كما فعل "الإنجليز" في ست من حالات حروب التحالف الكبرى السبعة في أواخر القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر- إذا أعددت الأمور جيدًا؛ فإنك الرابح الفائز، وهناك ملاحظة مهمة حول الحروب "الأنجلو هولندية" وهي أن "الهولنديين" كانوا عدوًا شرسًا في مرات عديدة، وكان بعض المعارك "الأنجلو هولندية" من بين أشد المعارك دموية في تاريخ الأساطيل.
عند النظر إلى البحرية "البريطانية" نجد أنه بعد الثورة، وبعد ذهاب "وليم الثالث" لإنجلترا، واستمتاعه بوقته هناك بوصفه ملك "انجلترا" وملك "هولندا"، نجد أنه أصر على أن البحرية البريطانية يجب أن تطور نفسها بحزم شديد، بينما لا يجب أن تفعل ذلك البحرية الهولندية، كانت تلك سياسة واضحة.
حافظ "الهولنديون" على الوصول بتجارتهم إلى محيطات العالم تحت حماية الأسطول "البريطاني"، أما بالنسبة لـ"لإنجليز" فكانت بداية إمبراطورية تدين بوجودها للقوة البحرية.
تعتبر "انجلترا" الدولة الوحيدة التي كانت تنفق المال على صيانة وتعزيز أسطول على نطاق واسع في نهاية القرن السابع عشر، بعد انهيار الأسطول "الفرنسي" في نهاية ذلك القرن، وكان ما يزال يوجد أسطول "هولندي" هام، وأسطول "فرنسي" هام، وكانت التجارة طيلة القرن الثامن عشر تواصل السفر على مضض من "الإنجليز".
التحدي القادم لـ"بريطانيا" كان سيأتي من "فرنسا".. وقع القتال في "أمريكا الشمالية" و"الهند" بعيدًا عما اعتبره الأوربيون مركز القوة، وأبعد عن شعوب إفريقيا والشرق التي كانت قد بدأت لتوها تحس بالقوى.. والشعوب التي ستعمل على تغيير عالمها إلى الأبد.

 

 


 

   

رد مع اقتباس

إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
البحار, حروب

أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:33 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
 

شبكـة الوان الويب لخدمات المـواقع