مسودة قانون لتجنيد الحريديم في الجيش يثير الجدل بإسرائيل (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          الفريق أول ركن شمس الدين الكباشي - عضو مجلس السيادة الانتقالي في السودان (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 1 - عددالزوار : 19 )           »          مقال في "نيويورك تايمز": ترامب فوق القانون (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          الجنرال محمد إدريس ديبي - رئيس المجلس الانتقالي في تشاد (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 5 - عددالزوار : 2415 )           »          الجيش الأحمر.. قصة منظمة زرعت الرعب في ألمانيا واغتالت شخصيات هامة (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          البنتاغون: إسرائيل ستشارك في تأمين الميناء المؤقت بغزة (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          جرائم الحرب (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          جرائم ضد الإنسانية (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          التطهير العرقي (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          تنظيم الدولة يتبنى هجوم موسكو وسط إدانات دولية ونفي أوكراني بالضلوع فيه (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 2 - عددالزوار : 63 )           »          احتكاك عسكري بين روسيا وأميركا في القطب الشمالي (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »          صحيفة روسية: الناتو مستعد للحرب ضد روسيا منذ 10 سنوات (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          ولاية ألاسكا.. تنازلت عنها الإمبراطورية الروسية واشترتها أميركا (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 5 - عددالزوار : 65 )           »          حزب الله يستهدف موقع رادار ومنصتين للقبة الحديدية الإسرائيلية (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          بعد عامين من إنشائه.. ما هو حال قراصنة "جيش أوكرانيا الإلكتروني"؟ (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »         



 
العودة   ..[ البســـالة ].. > جـناح الدراســات والبـحوث والقانون > قســــم البـــــحوث باللغة العربية
التعليمـــات قائمة الأعضاء وسام التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة
 


هل يعود التكالب الاستعماري على إفريقيا من جديد؟

قســــم البـــــحوث باللغة العربية


إضافة رد
 
أدوات الموضوع

قديم 25-09-09, 08:59 PM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
المنتصر
مشرف عام

الصورة الرمزية المنتصر

إحصائية العضو





المنتصر غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي هل يعود التكالب الاستعماري على إفريقيا من جديد؟



 

هل يعود التكالب الاستعماري على إفريقيا من جديد؟



المقدمة.
(إذا كان البريطانيون أساتذتنا بالأمس، فإن الصينيين أخذوا مكانهم اليوم)... بهذه الكلمات الموجزة عبّر تريفور نكوبي، أحد أكبر رجال الأعمال الصينيين في إفريقيا، عن رؤية بلاده للقارة السمراء، حيث إن الهدف بالنسبة لهم هو أن تكون لهم السيطرة الاقتصادية عليها تماما كما كانت الإمبراطورية البريطانية تهيمن عليها إبان الحقبة الاستعمارية، وهي نفس الفكرة المسيطرة على فكر حكام وقادة الصين الذين يرغبون في جعل إفريقيا ككل بمثابة دولة تابعة لبكين satellite' state.ويعود هذا التوجه الصيني لعدة أسباب من أهمها مواجهة مشكلة الزيادة السكانية من ناحية، ومواجهة مشكلة نقص الموارد الطبيعية من ناحية ثانية. هذه الرؤية ترجمتها الحكومة الصينية عمليا خلال الآونة الأخيرة، حيث عملت على تكثيف حجم تبادلها التجاري مع إفريقيا ليرتفع من 11 بليون دولار عام 2000 إلى 73 بليون دولار عام 2007. ومع ارتفاع أسعار المواد الأولية قبل الأزمة المالية العالمية الأخيرة في نوفمبر 2008، أصبحت الصين أكبر مستثمر في إفريقيا وثالث شريك تجاري لها بعد الولايات المتحدة وفرنسا؛ ففي مطلع عام 2008، كانت هناك 800 شركة حكومية صينية تستثمر في القارة، وأنفقت هذه الشركات 6 بليون دولار في 900 مشروع خاصة في قطاع المواد الأولية.

ويبدو هذا التمدد الصيني المتسارع.
في إفريقيا واضحاً لمن يتجول في دول القارة الـ 53 حيث يمكنه مشاهدة العلم الصيني الأحمر في أنحاء كثيرة من القارة، فضلا عن السفارات المنتشرة هنا وهناك (49 دولة)، كما صارت هناك نخبة صينية جديدة موجودة في عدة دول بالقارة تعتز بعاداتها وتقاليدها سواء من حيث المأكل أو الملبس، بل يكاد يكون هناك بعض المدن قاطنوها من الصينيين فحسب، ففي أنجولا على سبيل المثال، والتي تعد أكبر شريك تجاري للصين في القارة، هناك مدينة صينية كبيرة تعرف باسم المدينة الصينية China town، وأمثال هذه المدينة منتشرة في العديد من دول القارة، بل وتكاد تكون بعضها مقصورة على الصينيين حيث وجود بوابات خاصة، فضلا عن تقديم الأطعمة الصينية في المطاعم الموجودة بها، وغير مسموح لغير الصينيين الدخول إليها، كما يلاحظ أن الطرق الإفريقية تعج بالسيارات والحافلات الصينية رخيصة السعر، والتي تنقل المواطنين إلى المتاجر الصينية ذات الأسعار الزهيدة، كما أن خطوط السكك الحديدية التي تم إنشاؤها من قبل حكومة بكين تقطع مسافات كبيرة في مختلف أنحاء القارة، فضلا عن اتصالها بالموانئ على البحار لكي تحمل المواد الأولية إلى بكين، مقابل السلع المحملة من الصين إلى إفريقيا مثل لعب الأطفال.ويطرح هذا التمدد الصيني الكثيف في إفريقيا عدة تساؤلات تحاول هذه الدراسة تناولها، وهي ما أسباب وأهداف الاهتمام الصيني بإفريقيا؟، وما المبادئ الصينية الحاكمة للعلاقة مع إفريقيا؟، وأي إستراتيجيات تتبعها الصين لتحقيق أهدافها بالقارة؟، وما أهم مناطق الانتشار الصيني في إفريقيا؟، وهل الدور الصيني بالقارة مكمل للدول الغربية أم منافس لها؟، ثم ما هي الفرص والتحديات أمام العلاقات الصينية ـ الإفريقية؟.

أسباب الاهتمام الصيني بإفريقيا.
لا يعد الاهتمام الصيني بإفريقيا وليد السنوات الأخيرة، وإنما يرجع لحقبة الخمسينات من القرن الماضي، وتحديدا مع بداية تدشين كتلة عدم الانحياز منذ مؤتمر باندونج عام 1956، والذي شاركت فيه مصر وست دول إفريقية أخرى، وكانت مصر من أوائل الدول التي اعترفت بالصين. وكان الاهتمام الصيني بإفريقيا في ذاك الوقت يرجع لاعتبار أساسي "سياسي" يتعلق بتأمين حصول بكين على تأييد الدول الإفريقية للاعتراف بها في مواجهة حكومة فرموزا "تايوان" واعتبار حكومة الصين الممثل الشرعي الوحيد للشعب.

ومنذ هذا الوقت تبلورت عدة اعتبارات حاكمة للتوجه الصيني صوب إفريقيا بعضها اقتصادي، والآخر سياسي، فضلا عن الاعتبارات السكانية والثقافية.

بالنسبة للاعتبارات السياسية، يلاحظ أن هناك اعتبارين أساسيين في هذا الشأن، الأول: سحب مزيد من التأييد الإفريقي لتايوان، واعتبار مبدأ الصين الواحدة هو الأساس الحاكم في هذا الشأن، بل هو معيار التعامل مع أو ضد الدول الإفريقية. ولقد ظهر هذا الاهتمام بوضوح منذ ستينات القرن الماضي بعدما أظهر تصويت الدول الإفريقية داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1963 عن تأييد 17 دولة لتايوان مقابل 14 دولة للصين. لكن تعدلت هذه النسبة بعد ذلك كثيرا، ففي عام 1971 حصلت بكين على تأييد 26 دولة إفريقية بشأن أحقيتها في المقعد الدائم بمجلس الأمن. وفي عام 1975 اعترفت 37 دولة إفريقية بها مقابل 8 فقط لتايوان.

ومنذ التسعينات رفعت الصين مبدأ (الصين الواحدة) في التعامل مع الدول الإفريقية، وعملت على استخدام ورقة المساعدات الاقتصادية في هذا الشأن، ونجحت في سحب اعتراف ست دول بتايوان هي: إفريقيا الوسطى، وغينيا بيساو، والنيجر، وليسوتو، وجنوب إفريقيا، ثم ليبيريا في عام 2003 وذلك قبل نشر قوات الجيش الصيني للمساعدة في تنفيذ مشاريع المياه في البلاد ، والآن تراجع عدد الدول الإفريقية التي تعترف بتايوان إلى أربع دول فقط هي: بوركينا فاسو، وساوتومي وبرنسيب، وجامبيا، وسوازيلاند.

أما الاعتبار الثاني، فهو رغبة الصين في الحصول على الدعم الإفريقي في المحافل الدولية كالأمم المتحدة وغيرها لاسيما فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان في الصين الذي يعد أحد القضايا الشائكة في العلاقات الصينية الأمريكية، خاصة داخل لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، كما أنها ترغب في وجود حشد إفريقي يكون بمثابة دعم دبلوماسي كبير لها في أية مواجهة محتملة لها مع الدول الكبرى سواء داخل الأمم المتحدة أو مجلس الأمن.

وفيما يخص الاعتبارات الاقتصادية، فهي عديدة ويتمثل أبرزها فيما يلي:ـ

1ـ الرغبة الصينية في الحصول على البترول والموارد الطبيعية الأخرى من إفريقيا خاصة الخشب والأقطان التي تستخدم في صناعة المنسوجات، لاسيما وأن الثورة الصناعية الكبيرة التي شهدتها الصين جعلتها -رغم إنتاجها للبترول -دولة مستوردة له منذ عام 1993، وبحلول عام 2004 أصبحت الصين ثاني أكبر مستهلك للبترول بعد الولايات المتحدة، ويتوقع أن يزداد هذا الاستهلاك سنويا بمقدار 10%. ومعنى هذا أن بكين إذا كانت تستورد ثلث احتياجاتها من البترول والغاز الآن، فإن هذه النسبة ستصل إلى 60% بحلول عام 2010. ونظراً لأن البترول الآسيوي لا يفي باحتياجاتها، كما أن بترول الشرق الأوسط تستحوذ عليه الولايات المتحدة والدول الأوربية؛ فإن الصين تبحث عن مصادر أخرى، ووجدت ضالتها المنشودة في البترول الإفريقي، فهي تحصل الآن على25% من احتياجاتها النفطية من القارة ، وهناك سبع دول إفريقية تمد بكين بهذه النسبة، وهي الجزائر، والسودان، وتشاد، والجابون، وغينيا الاستوائية، وأنجولا، ونيجيريا ، كما أنها تستورد 70% من احتياجاتها الخشبية من الغابات الإفريقية، فضلا عن استيرادها كميات كبيرة من الحديد والبلوتينيوم من زيمبابوي وجنوب إفريقيا.

2ـ كبر حجم السوق الإفريقية لتسويق المنتجات الصينية، إذ يبلغ حجم هذه السوق 900 مليون نسمة، ومن ثم صارت الصين الشريك التجاري الثالث لإفريقيا بعد الولايات المتحدة وفرنسا بالرغم من أن حجم التجارة الصينية مع إفريقيا لا يزال محدودا، إذ لا يشكل سوى 1% من إجمالي حجم التجارة الخارجية للصين.

لكن هذا التبادل يشهد تحسنا من عام لآخر، فوفقا لبيانات وزارة التجارة الصينية، ارتفع حجم التجارة من 40 مليار دولار في عام 2005 إلى 106.8 مليار دولار في عام 2008 ، بزيادة بلغت أكثر من 250% ، في حين كان المعدل مليار دولار فقط في عام 1999. وبعبارة أخرى، فقد زاد حكم التبادل التجاري الصيني مع إفريقيا بأكثر من 50 ضعفا خلال تسع سنوات فقط ( 1999-2008).

أما بالنسبة للاعتبارات السكانية، فهي ترتبط بالزيادة الكبيرة في حجم السكان في الصين، حيث ارتفع عدد سكانها من 500 مليون نسمة إلى 1.3 مليار نسمة خلال خمسين عاما فقط، ومن ثم كانت هناك حاجة لبحث توطين هؤلاء في أماكن متفرقة من العالم، ومن بينها إفريقيا التي اعتبرها العديد من القادة الصينيين دولة تابعة لبكين من خلال فكرة توطين الصينيين في هذه القارة، خاصة وأن هذه الفكرة قديمة، ومفادها توطين هؤلاء الصينيين في القارة وتزاوجهم من الأفارقة بحيث يكون هناك نسل صيني يحل محل الجنس الزنجي الإفريقي Negro race الرديء من وجهة نظرهم. ولذا تم وضع هدف إستراتيجي من قبل المسئولين في بكين مفاده الاحتياج لتوطين 300 مليون صيني في إفريقيا لحل مشكلة السكان والتلوث لاسيما وأن عدد المستوطنين الصينيين في القارة لا يتعدى الآن 750 ألف شخص.

ومن ناحية رابعة، تعد الاعتبارات الثقافية عاملا مهما، فثمة رغبة صينية في نشر الثقافة الكونفوشيوسية في العديد من الدول الإفريقية خاصة الدول الحبيسة مثل رواندا وبوروندي.

ويلاحظ أن بعض هذه الاعتبارات السابقة قد تكون أكثر أهمية في بعض الأحيان من بعضها الآخر مثل الاعتبارات السياسية في بداية العلاقة، ثم صارت الغلبة للاعتبارات الاقتصادية، مع عدم تجاهل الاعتبارات السكانية والثقافية.

مبادئ ومحددات العلاقة الصينية مع إفريقيا.

عملت الصين على الاستفادة من التجربة المريرة التي مرت بها الدول الإفريقية مع الدول الاستعمارية والدول الكبرى مثل الولايات المتحدة، سواء أكان هذا قبل الاستقلال أو بعده، ومن ثم صاغت مجموعة من المبادئ المحددة لعلاقاتها مع إفريقيا، والتي قد تجعلها أكثر قبولا ليس لدى النخب الإفريقية فحسب، وإنما لدى الشعوب الإفريقية أيضا.

ومن أهم هذه المبادئ والمحددات ما يلي:ـ

1ـ التأكيد على أن الصين تمثل نمطا مختلفا ومستقلا عن القوى الكبرى الأخرى في المحيط الدولي خاصة بالنظر لكونها دولة نامية تتفهم احتياجات إفريقيا التنموية، فضلا عن كونها مؤهلة للدفاع عن مصالح القارة في المحافل الدولية.

2ـ التركيز على التعاون والاستثمار الاقتصادي مع الدول الإفريقية التي لا تحظى بقبول الغرب مثل السودان وزيمبابوي وأنجولا.

3ـ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الإفريقية حتى وإن كانت هذه الدول تنتهك حقوق الإنسان؛ فالمبدأ الصيني في هذا الشأن هو ما عبّر عنه نائب وزير الخارجية الصيني، زو وينونج، الذي أشار إلى أن "التعامل مع إفريقيا يتعلق بالجوانب العملية وليس حقوق الإنسان؛ فالتجارة تجارة، ولن تتدخل بكين في الشئون الداخلية حيث نحاول الفصل بين التجارة والسياسة".

4ـ التأكيد على أن العلاقات مع إفريقيا تستهدف تحقيق الربح والمنفعة المتبادلة للجانبين.

5ـ التأييد المتبادل والتنسيق داخل المنظمات متعددة الأطراف بما فيها الأمم المتحدة لتأييد المطالب العادلة للطرف الآخر.

6ـ تنوع العلاقات في كافة المجالات وعدم اقتصارها على الجانب الاقتصادي أو التجاري فحسب.

7ـ التأكيد على مبدأ الصين الواحدة.

ومن هنا يلاحظ أن الصين تحرص على عدم وجود شروط سياسية لعلاقاتها مع إفريقيا خاصة في مجال تقديم القروض والمنح، فضلا عن كونها ترفض الأسلوب الغربي القائم على الإفادة دون الاستفادة،علاوة على مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية الذي كان أحد المشاكل الرئيسية في العلاقات الإفريقية الدولية حيث كانت الدول الإفريقية تتهم الدول الكبرى بالتدخل دون وجه حق في شئونها الداخلية. وربما هذا نوع من الذكاء الصيني الذي جعلها تفوز بعقود استثمارية في الدول التي لا تحظى بقبول دولي مثل السودان وأنجولا التي تعد أكبر شريك تجاري للصين في إفريقيا.

إستراتيجية الصين لتحقيق أهدافها بإفريقيا.

لكي تعمل الصين على تحقيق أهدافها السابقة خاصة السياسية والاقتصادية في إفريقيا، عملت من خلال إستراتيجية شاملة تتضمن مجموعة من الآليات اللازمة لتحقيق هذه الأهداف، مع مراعاتها للمبادئ التي دشنتها كمحددات هامة في علاقاتها مع الدول الإفريقية.

بالنسبة للاعتبارات السياسية، عملت الصين على جذب مزيد من التأييد لها بخصوص نزع الاعتراف بتايوان عبر عدة وسائل أبرزها ورقة المساعدات الاقتصادية، واستخدمت في ذلك مبدأ العصا والجزرة، مستغلةً تردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية لهذه الدول. ففي ليبيريا، والتي شهدت حربا ضروسا منذ أوائل التسعينات بعد مقتل الرئيس صمويل دو، عملت بكين على استغلال هذا الوضع المأسوي في البلاد، وقامت بالضغط على الرئيس الليبيري حينذاك، تشارلز تايلور، لسحب الاعتراف بتايوان في عام 2003 وذلك قبل نشر قوات الجيش الصيني للمساعدة في تنفيذ مشاريع المياه في البلاد.

وحدث نفس الأمر مع تشاد، حيث قامت بكين في بداية الأمر بمساندة المتمردين التشاديين ضد نظام إدريس ديبى، بعدما أعلنت تشاد عن إقامة علاقات دبلوماسية مع تايوان واعترافها بحق الأخيرة في الاستقلال عن الصين، وهو ما دفع بكين إلى تقديم الأسلحة لمتمردي تشاد، مستخدمةً ورقة الحضور الاقتصادي القوي للشركات الصينية في إقليم دارفور المجاور. ولما حدث خلاف بين النظام في تشاد وصندوق النقد الدولي بسبب المساعدات المشروطة وما ترتب عليه من طرد شركتي شيفرون وبتروناس الماليزيتين المنفذتين لمشروعين بتروليين ممولان من صندوق النقد، كانت الشركات الصينية هي البديل لتمويل هذا المشروع بدون شروط اقتصادية، لكن بشرط سياسي واحد هو قطع نظام ديبي لعلاقته الدبلوماسية مع تايوان، وبالفعل أثمرت هذه الجهود عن زيادة الدول الإفريقية المؤيدة لها من 14 دولة عام 1963 إلى 49 دولة الآن.

وفي مسألة حشد التأييد الإفريقي للصين في المحافل الدولية في مواجهة الدول الكبرى في مجال حقوق الإنسان، نجحت بكين في تأييد هذه الدول لإجهاض عدة محاولات لإدانة الصين داخل لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة. وقد اعتمدت في هذا الشأن على مجموعة من الآليات لعل أبرزها الأداة الدبلوماسية المتمثلة في زيادة زيارات كبار المسئولين الصينيين لإفريقيا، والعكس صحيح أيضا.

ويكفي للتدليل على ذلك الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الصيني هوجينتاو خلال الفترة من 12-17 فبراير 2009 لأربع دول إفريقية هي مالي والسنغال (غرب إفريقيا)، وتنزانيا (شرق)، وموريشيوس (جنوب)، والتي تعد الجولة الإفريقية الثانية له منذ القمة الصينية-الإفريقية عام 2006، حيث كانت الجولة الأولى لثماني دول قد تمت في عام 2007. ويلاحظ أن الدول التي قام هوجينتاو بزيارتها في جولته الأخيرة ليست غنية بموارد الطاقة أو الموارد الطبيعية الأخرى؛ مما جعل الإدارة الصينية تبرر ذلك بأنها تكشف عن الأبعاد المختلفة للعلاقة مع القارة، وأنها ليست قاصرة فقط على العلاقات الاقتصادية.

وفي المقابل، تستقبل بكين القادة الأفارقة أفضل استقبال خاصة هؤلاء المغضوب عليهم من الغرب؛ ففي حين تنظر بكين إلى أمثال رئيس زيمبابوي موجابي وغيره على أنه ضيف كبير، فإن الولايات المتحدة وبريطانيا تنظران إليه نظرة استعلائية على اعتبار أنه شخصية لا وزن لها.

وفي موازاة هذا الدعم الإفريقي، فإن المدخل السياسي الثاني لبكين يتمثل في دعم القضايا الإفريقية في المحافل الدولية في مواجهة الدول الكبرى خاصة بالنسبة لبعض الأنظمة التي يتم وصفها بالمارقة مثل السودان وزيمبابوي. وفقد هددت الصين باستخدام حق الفيتو ضد التحركات البريطانية والأمريكية بشأن فرض عقوبات دولية على نظام موجابي في يوليو 2005، لا سيما وأنه كان يزور الصين في حينها طالباً المزيد من المساعدات لمواجهة الأوضاع الاقتصادية السيئة في البلاد.

وتعتبر ورقة المساعدات الاقتصادية لهذه النظام هي المدخل الثالث في هذا الشأن، بغض النظر عن الأوضاع الداخلية فيها خاصة في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان؛ ففي عام 2007 قدمت بكين مساعدة تقدر بنحو 200 مليون دولار لموجابي ساعدته على جذب ولاء المؤسسة العسكرية له، وهو ما دفعه إلى القول: "اليوم تحولنا إلى الشرق-في إشارة لبكين- حيث تشرق الشمس، وأعطينا ظهورنا للغرب حيث تغرب الشمس -في إشارة إلى بريطانيا- التي انسحبت من بلاده قبل 30 عاما". كما قامت الصين بإلغاء 168 دينا مستحق السداد عن 33 دولة إفريقية في نهاية عام 2005. ولعل هذا سبب تأييد الدول الإفريقية لها سياسياً من ناحية، وتفضيل التعامل معها دون الدول الغربية والولايات المتحدة من ناحية ثانية.

أما عن تحقيق أهداف الصين الاقتصادية المعتمدة، فقد عمدت بكين إلى استخدام مجموعة من الآليات أبرزها ما يلي:ـ

1- توطيد العلاقات مع كل من النظم الحاكمة بغض النظر عن موقفها من الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكذلك الشعوب الإفريقية في آن واحد، وهي بهذا تتباين عن الولايات المتحدة التي تهتم بالأساس بتقديم المعونة للنظم الديمقراطية فحسب، بل إن بكين تلعب على ورقة الخلافات الإفريقية مع الغرب من أجل الفوز بمزيد من الصفقات التجارية خاصة في مجال النفط والموارد الطبيعية. والأمثلة على ذلك عديدة؛ فمع انسحاب الشركات الأمريكية من السودان بسبب العقوبات الأمريكية على نظام الإنقاذ الإسلامي عام 1997، استغلت الصين هذا الفراغ، وقامت بالدخول بقوة إلى السوق السوداني الذي يمدها الآن بـ 7% من احتياجاتها النفطية. وتم ذلك عبر مجموعة من الآليات منها: تحسين البنية التحتية السودانية وإنشاء خط أنابيب بترول في البلاد عام 1999 بتكلفة قدرت بـ 3 مليار دولار، وكانت النتيجة امتلاك شركة البترول الصينية الوطنية (تابعة للحكومة) 40% من أسهم شركة النيل الكبرى السودانية التي تسيطر على حقول البلاد النفطية. ومقابل شراء الصين نصف النفط السوداني، قامت ببيع السلاح للخرطوم بسبب الحظر الدولي المفروض عليها، وزودت بكين الحكومة السودانية بالعربات المدرعة والطائرات وملايين الرصاصات والقنابل اليدوية. وقد بلغ حجم هذه المبيعات مليار دولار، كما قامت الشركات الصينية بمساعدة نظيرتها السودانية في بناء ثلاثة مصانع للأسلحة بالقرب من الخرطوم.

وفي أنجولا، التي تعد أكبر شريك للصين، استغلت بكين رفض صندوق النقد الدولي تقديم قرض لحكومة لواندا بسبب اتهامها بالفساد؛ فقامت بكين في عام 2004 بتقديم هذا قرض مقداره بليوني دولار مقابل الحصول على 10 آلاف برميل بترول يومياً. ووفقا للاتفاقية الموقعة بين البلدين، فإن القرض سيتم استخدامه في أعمال البنية التحتية، و70% من قيمته سيذهب للشركات الصينية العاملة في هذا المجال مقابل 30% للشركات الوطنية.

وفي نيجيريا، التي تعد أحد أكبر منتجي البترول في القارة، قامت شركة بترول الصين بتوقيع اتفاق بقيمة 800 مليون دولار مع شركة البترول النيجيرية الوطنية مقابل الحصول على 300 ألف برميل يومياً لمدة عام. وفي عام 2006، وعندما فشلت شركة الصين الوطنية للتنقيب عن البترول في المناطق البرية في الحصول على حصة شركة أمريكية، قامت بشراء حصة مقدارها 45% من شركة نيجيريا للاستثمارات البترولية البرية بمقدار 2.7 مليار دولار، كما وعدت بزيادة الاستثمارات الإضافية بمقدار 2.25 بليون دولار.

وبالنسبة للجابون، فإن تراجع صناعة النفط في البلاد قوبل باستثمارات ضخمة من قبل شركة البتروكيماويات الصينية التي تخطط لاستثمارات ضخمة برية وبحرية في البلاد.

2 ـ تنويع المشاريع الاقتصادية في كافة المجالات وعدم اقتصارها على النفط فقط، وخاصة تلك المجالات التي تعني المواطن الإفريقي بشكل مباشر مثل البنية التحتية، طرق وكباري وأنابيب مياه وجسور ومصانع، في حين أن الولايات المتحدة على سبيل المثال تحصر اهتمامها في المجال النفطي. ولذا فإن هناك بعض المحللين الذين يطالبون واشنطن بضرورة الاهتمام بمجال الزراعة جنبا إلى جنب مع المجال النفطي، لأن هذا المجال سيكون أكثر فائدة للأفارقة، فضلا عن الاستثمار طويل الأجل في مجال البنية التحتية.

3 ـ الجودة العالية والتكلفة الأقل بالنسبة للمشروعات التي تنفذها الشركات الصينية وخاصة الشركات العاملة في مجال البنية التحتية في إفريقيا حيث تقوم بتنفيذ المشروعات المنوطة بها بجودة عالية وبتكلفة تقل كثيرا عن مثيلتها الأوروبية، وهذا أمر يحظى بتأييد وترحيب القادة الأفارقة. وقد عبر عن ذلك على سبيل المثال الرئيس السنغالي عبد الله واد خلال زيارة رئيس الصين لبلاده في فبراير 2009، حيث قال واد: "سأقول للرئيس الصيني إن جودة أعمال البناء التي تقوم بها الشركات الصينية ممتازة، وإنني راض تماما عن أدائها"، وذلك خلال تفقده لمشروعات التحديث والبناء التي تقوم بها مجموعة خنان الصينية للتعاون الدولي المحدودة في مدينة توبا، الواقعة على بعد حوالي 200 كم شرق العاصمة داكار. ويشمل المشروع، الذي من المتوقع أن يستغرق خمسة أعوام وتبلغ تكلفته 200 مليون دولار أمريكي، إعادة بناء الطرق وإمدادات المياه ونظم الصرف الصحي، بالإضافة إلى أعمال التشجير في الحضر.

4 ـ تقديم تسهيلات تجارية للدول الإفريقية في عملية التبادل التجاري، خاصة فيما يتعلق بصادرات هذه الدول إلى بكين، حيث رفعت عدد السلع المعفاة من الجمارك خلال الفترة من 2006-2009 من 190 سلعة إلى 440 سلعة دون شروط، في حين أن الولايات المتحدة تضع شروطا للتبادل التجاري مع إفريقيا غالبا ما ترتبط بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وكذلك بعض الشروط الاقتصادية الأخرى مثل تنفيذ تعليمات صندوق النقد الدولي والقيام بعملية الخصخصة الاقتصادية.

ويكفي في هذا الصدد الإشارة إلى القانون الأمريكي الذي أصدرته إدارة كلينتون عام 2000، وعرف باسم (قانون النمو والفرص)، والذي يستهدف تخفيض الحواجز الجمركية أمام السلع المصدرة من البلدان الإفريقية إلى الأسواق الأمريكية بحلول عام 2015 شريطة أن يكون ذلك مرتبطا بإحراز تقدم نحو اقتصاد السوق وتعزيز سيادة القانون وتخفيض الحواجز أمام الاستثمارات الأمريكية وتحسين شروط حقوق الإنسان وغيرها.

5 ـ الاهتمام بالمشروعات ذات التأثير المباشر في الشعوب الإفريقية بحيث لا يكون التواصل على مستوى القيادات السياسية فحسب، وحتى لا ينظر إلى الصين أو الشركات الصينية في هذه الدول على أنها شركات استعمارية، ولذا لا غرابة في أن تقوم الصين ببناء بعض المستشفيات وتقديم الأمصال لبعض الأوبئة المنتشرة في القارة مثل الملاريا، وإرسال الأطباء الأكفاء إلى هذه الدول، وبناء بعض ملاعب كرة القدم بالمجان.

6 ـ إنشاء المنتدى الصيني ـ الإفريقي في عام 2000، والذي يعد منبراً للساسة ورجال الأعمال من الجانبين لبحث العديد من القضايا السياسية والاقتصادية محل الاهتمام المشترك، وتعقد اجتماعات المنتدى على المستوى الوزاري كل عامين، وعلى مستوى القمة كل ثلاث سنوات بالتناوب بين الصين وإحدى الدول الإفريقية. وقد استضافت بكين الاجتماع الأول عام 2000 والثالث عام 2006، في حين استضافت إثيوبيا الاجتماع الثاني، ويتوقع أن تستضيف مصر الاجتماع الرابع في نوفمبر 2009.

 

 


 

المنتصر

يقول احد القادة القدماء وهويخاطب جنوده . ( اذا لم تكونوا مستعدين للقتال من أجل ما تروه عزيزاً عليكم , فسوف يأخذه أحد ما عاجلا أو اَجلا , واذا كنتم تفضلوا السلام على الحرية فسوف تخسرونهما معاً , واذا كنتم تفضلوا الراحة والرخاء والسلام على العدل والحرية فسوف تخسروهما جميعا ) .

   

رد مع اقتباس

قديم 25-09-09, 09:01 PM

  رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
المنتصر
مشرف عام

الصورة الرمزية المنتصر

إحصائية العضو





المنتصر غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

الصين في إفريقيا






الصين وإفريقيا.. فرص وتحديات.
تناول الجزء الأول من هذه الدراسة أسباب وأهداف الاهتمام الصيني بإفريقيا، والمبادئ الصينية الحاكمة للعلاقة مع إفريقيا، والإستراتيجيات التي تتبعها بكين لتحقيق أهدافها السياسة والاقتصادية بالقارة السمراء، والتي جعلت الصين في فترة وجيزة تقفز إلى المركز الثالث في التبادل التجاري مع إفريقيا.
ويتعرض هذا الجزء لكل من مناطق الانتشار الصيني في القارة، ومقارنة الدور الصيني بالقارة مع أدوار دول أخرى خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وأخيرا الفرص والتحديات أمام العلاقات الصينية ـ الإفريقية.

مناطق الانتشار الصيني في إفريقيا.

تمكنت الصين من التمدد والتواجد في مربع هام ممتد في القارة الإفريقية؛ فهي تحكم سيطرتها الآن على منطقة مربعة واسعة تمتد من نيجيريا شمالا، إلى غينيا الاستوائية والجابون وأنجولا غربا ثم السودان وتشاد شرقا، فزامبيا ثم زيمبابوي وموزمبيق جنوبا؛ وهو ما دفع القيادة الرسمية في الصين إلى التخطيط لكي تكون بكين أقوى قوة في هذه المنطقة لمدة طويلة.


ويلاحظ أن هذه المنطقة المربعة تضم الدول الغنية بالموارد الطبيعية من ناحية (نيجيريا، غينيا، وأنجولا، والسودان، وزيمبابوي)، كما تضم الدول الغنية بالموارد الطبيعية الأخرى التي تحتاج إليها الصين مثل البلوتونيوم (جنوب إفريقيا)، علاوة على أنها تضم بعض الدول التي تعاني من اضطهاد غربي أمريكي مثل زيمبابوي والسودان.

ولذلك فلا غرابة في أن نجد الدول التي تقع في نطاق هذا المربع تحتل الصدارة الأولى في حجم التبادل التجاري مع بكين، حيث تأتي أنجولا في المرتبة الأولى كأكبر شريك تجاري بمقدار 1.334.682 مليار دولار، تليها جنوب إفريقيا 863.664 مليون دولار، فالسودان 438.542 مليون دولار، فنيجيريا 316 مليون دولار.

حجم الصادرات والواردات الصينية مع بعض الدول الإفريقية يناير- أكتوبر 2008

انجولا
116.816 مليون
130.3%
1.217.866

مليار
137.8%
1.334.682 مليار
137.1%

جنوب أفريقيا
407.185
26%
456.479
50%
863.664 مليون
38%

السودان
95.901مليون
40%
342.642مليون
101.4%


438.542مليون
84%

نيجيريا
279.978مليون
77.6%
36.067 مليون
49%
316 مليون
73.8%

ويلاحظ من بيانات الجدول زيادة حجم التبادل التجاري بصفة عامة بين الجانبين خلال الفترة الأخيرة (137% في حالة أنجولا)، كما أن الميزان التجاري يميل بصفة عامة لصالح الدول الإفريقية، باستثناء نيجيريا، وهو ما يرجع إلى زيادة تصدير هذه الدول للمواد الأولية.

وإذا انتقلنا من هذا الجانب التجاري الضيق إلى نطاق أشمل على نطاق القارة ككل، يمكن القول إن هناك انتشارا صينيا كبيرا خلال الآونة الأخيرة بسبب الإستراتيجية السابق الإشارة إليها، وهذا الانتشار يمكن تلمسه من خلال مجموعة من المؤشرات التي صرح بها وزير التجارة الصينى، تشن ده مينج، خلال مقابلة مع وكالة أنباء شينخوا الصينية يوم 19 يناير2009، حيث أشار إلى أن بلاده قامت خلال السنوات الثلاث الماضية بالآتي:ـ

1ـ التوقيع على اتفاقات مساعدات ثنائية مع 48 دولة إفريقية واتفاقات قروض بشروط ميسرة مع 22 دولة إفريقية، مع زيادة قيمة هذه المساعدات بنسبة 200 % مقارنة بعام 2006.

2ـ قيام الحكومة الصينية بإلغاء 168 دينا استحقت الدفع من جانب 33 دولة إفريقية بحلول نهاية عام 2005.

3ـ التوقيع على اتفاقيات تجارية مع 41 بلدا إفريقيا، واتفاقيات ثنائية لدفع وحماية الاستثمار مع 29 بلدا، واتفاقيات لتجنب الازدواج الضريبي والوقاية من التهرب الضريبي مع 9 بلدان، بينما يتم الترتيب لتوقيع اتفاقات مماثلة مع دول أخرى، الأمر الذي سيهيئ بيئة سياسية وقانونية أفضل للتعاون الاقتصادي والتجاري بين الجانبين.

ويشير هذا الحجم من اتفاقات التعاون إلى أن التغلغل الصيني كبير في إفريقيا إذا ما قورن بالدول الأخرى سواء الأوربية أو الأمريكية أو حتى الآسيوية.

منافسو الصين في إفريقيا.

إن هذا التغلغل الصيني يطرح تساؤلا عن موقع الصين من الدول الأخرى المنافسة، وهل هناك تنافس يصل إلى حد التعارض خاصة مع الولايات المتحدة، ولأي الفريقين يميل الأفارقة، ثم ماذا عن الدول الأخرى الآسيوية خاصة اليابان والهند.

وقد لخص أحد الدبلوماسيين المخضرمين إجابة الأسئلة السابقة، بقوله: "إن الصين أسهل في التعامل وعقد الصفقات مع الأفارقة مقارنة بالغرب لأنها لا تهتم بملف حقوق الإنسان، تماما مثلما هو الحال في الصين ذاتها؛ فكل الذي يهم الصينيون هو المال". هذه الكلمات تشير بوضوح إلى تباين في إستراتيجية كل من الصين والولايات المتحدة بشأن التعامل مع الأفارقة، والتي تجعل المستقبل للصين بالرغم من أن واشنطن وفرنسا الآن في مقدمة الصدارة بشأن التبادل التجاري مع إفريقيا.

ويمكن إيجاز أهم نقاط التباين بين الدولتين فيما يلي:ـ

1 ـ أدى التركيز الأمريكي على ملف الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو الملف الذي يتعامل معه الغرب وفق معايير مزدوجة، إلى استفادة الصين من ذلك جيدا، وهي التي لا يحظى لديها هذا الملف بأولوية، ولهذا وطدت بكين علاقتها مع دول إفريقية على خلفية التوتر العلاقات الإفريقية الغربية، كما حدث مع أنجولا والسودان وزيمبابوي.

2 ـ تضع أمريكا مشروطيات سياسية واقتصادية بشأن فتح الأسواق أمام المنتجات الإفريقية في أمريكا مثل (قانون التجارة والنمو)، في حين لا تضع بكين هذه الشروط المعقدة.

3 ـ يتسم التعامل الأمريكي والأوروبي مع الأفارقة عموما بالتعالي، في حين تقدم بكين نفسها للأفارقة على أنها دولة جنوبية نامية؛ مما يجعلها خيارا مفضلا لديهم.

4 ـ تركز أمريكا على المشروعات النفطية، في حين تركز الصين على ذلك وعلى مشروعات البنية التحتية والخدماتية.

وربما لهذه الأسباب باتت بكين تشكل تحدياً كبيراً للولايات المتحدة ليس في إفريقيا فحسب، وإنما في أمريكا اللاتينية أيضا، خاصة فيما يتعلق بعلاقاتها الوطيدة مع الأنظمة المارقة من وجهة النظر الأمريكية لاسيما فيما يتعلق بمواجهة الإرهاب. ولقد أكد على هذا الأمر مرشح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة جون ماكين في مقال له نشر بدورية فورين أفيرز-نوفمبر/ديسمبر 2007، حيث وصف زيادة النفوذ الصيني بأنه سيشكل التحدي الرئيسي للرئيس الأمريكي الجديد، كما حذر من تزايد العلاقات الصينية الدبلوماسية مع كل من السودان وزيمبابوي، وهو نفس ما أشار إليه نائب وزير الدفاع للشئون السياسية في حينها إيريك إيدلمان، حين أشار في كلمته أمام لجنة الشئون الخارجية بالكونجرس بأن الاهتمام والتأثير الصيني المتزايد بإفريقيا وأمريكا اللاتينية سيؤثر على المصالح الأمريكية المستقبلية بهما.

ويعني ما سبق أن الصين تشكل تهديدا للولايات المتحدة في المجال السياسي، وإلى حد ما في المجال الاقتصادي، وإن كان الأمر لم يصل بعد إلى درجة الصدام نظراً لكبر مساحة القارة من ناحية، فضلا عن حجم العلاقات التجارية الوطيدة بينهما من ناحية ثانية، إلا أن ذلك لم يمنع بعض الباحثين من تقديم بعض النصائح هي أشبه بملامح إستراتيجية أمريكية جديدة في إفريقيا لمواجهة النفوذ الصيني، تركز على عدد من النقاط أبرزها ما يلي:ـ

1 ـ تطوير إستراتيجية موضوعية لإفريقيا قائمة على مراجعة تحديات كل دولة، وكذلك الموارد الأمريكية المتاحة لمواجهة القوى غير الشرعية.

2 ـ زيادة الدور الدبلوماسي الأمريكي في إفريقيا خاصة فيما يتعلق بالدبلوماسية الشعبية عن طريق تقديم المساعدات أيضا للمؤسسات الشعبية، لأن هذا من شأنه إزالة الانطباع السائد سابقا بأن الولايات المتحدة لا تبد سوى اهتمام قليل بالقارة.

3 ـ زيادة الروابط الاقتصادية مع الدول الإفريقية عن طريق توقيع اتفاقيات دائمة بشأن التجارة الحرة للسلع والخدمات، والتأكيد على حقوق الملكية، واعتبار كل من هذه الاتفاقيات والإصلاح الاقتصادي، وليس تقديم المساعدات، هما الأساس لتحسن الأوضاع الاقتصادية في القارة.

4 ـ الضغط على الدول الإفريقية لفتح قطاعاتها النفطية والغاز للاستثمارات الأجنبية، وخاصة الأمريكية، لا سيما في ظل توقع زيادة الاستهلاك الأمريكي من النفط الإفريقي من 15% إلى 25% خلال العقد القادم.

5 ـ زيادة المساعدات الأمنية للدول الإفريقية خاصة في مجال التدريب، وذلك في إطار البرنامج الدولي للتعليم والتدريب العسكري the International Military Education and Training program (IMET)

6 ـ التركيز على الاستثمار في مجال البنية التحتية والاستفادة من التجربة الصينية في هذا الشأن، حيث إن الاستثمارات الصينية تتركز في مجالات البنية التحتية، في حين تركز الولايات المتحدة على مجالي التعليم والصحة، ومن ثم سيكون مفيدا توجيه استثمارات أمريكية في المجال الزراعي الذي قد يزيد شعبية أمريكا لدى الأفارقة، فضلا عن استثمارات طويلة الأجل في مجال البنية التحتية.

7 ـ أهمية فتح الأسواق الأمريكية للمنتجات الزراعية الإفريقية على اعتبار أن هذه جزئية هامة لجذب المزيد من التأييد الأمريكي.

أما بالنسبة للدول الأسيوية وخاصة الهند واليابان، فهما يشكلان تحديا ومزاحمة للصين في إفريقيا، خاصة وأنهما تدخلان لإفريقيا من نفس المدخل الصيني، أي "التركيز على الجوانب الاقتصادية والمنافع المتبادلة، وعدم التدخل في الشئون الداخلية لهذه الدول".

وفي هذا الإطار تبرز المنافسة الشرسة بين الصين واليابان على وجه خاص، وذلك بعد أن رفضت الصين حصول اليابان على مقعد دائم في مجلس الأمن، وفي المقابل عملت طوكيو على زيادة المساعدات المقدمة للدول الإفريقية سواء من خلال مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى، أو من خلال منتدى "مؤتمر طوكيو الدولي لتنمية إفريقيا "تيكاد"Tokyo International Conference on African Development (TICAD) الخاص بالتعاون الياباني الأفريقي.

يذكر أن اليابان كانت سباقة في التعامل مع إفريقيا من خلال فكرة المنتديات، وقامت في عام 1993 بإنشاء هذا المنتدى، والذي كان يستهدف بالأساس تقديم المساعدة المالية والتقنية. ويعقد المؤتمر كل خمس سنوات كان آخرها في اليابان في يوليو 2008، وتستهدف اليابان من ذلك زيادة الصداقة مع إفريقيا من ناحية وزيادة عدد الشركاء على مستوى العالم من ناحية ثانية. ويتم هذا عن طريق المساعدات التنموية والتقنية، لكن وفق مبدأ عام هو قيام اليابان بتنفيذ هذه المشروعات التنموية وعدم إعطاء هذه الأموال للحكومات خشية تعرضها للسلب والنهب، على عكس ما تفعله الصين. كما عملت اليابان مؤخرا على أن يكون لها دور في عمليات حفظ السلام على مستوى القارة، وذلك من خلال تقديم المساعدة لمراكز التدريب على عمليات حفظ السلام المنتشرة في القارة.

أما الهند فقد دخلت حلبة المنافسة أيضا خلال الفترة الأخيرة حيث استضافت في إبريل 2008 أول قمة هندية ـ إفريقية على غرار ما تقوم به الصين واليابان، كما أنها تقدم نفسها بذات الصورة التي تقدم بها الصين نفسها لإفريقيا، وإن ظل فارق الإمكانيات يميل كثيرا لصالح بكين.

التحديات الأساسية التي تواجه الدور الصيني.

تبدو الصين دولة جذابة بالنسبة للكثير من الأفارقة، وقد خلق واقع الانتشار الصيني في القارة مجموعة من الفرص التي تساعد الصين على زيادة تعاونها مع القارة الإفريقية، وساعد على ذلك عدم وجود شروط سياسية والتأييد الإفريقي للصين في المحافل الدولية، علاوة على ملائمة المنتجات الصينية ذات الجودة العالية والسعر المناسب للمواطن الإفريقي، ومنها منتجات كان يتعذر الحصول عليها من الدول الأوروبية.

ومع ذلك ثمة تحديات عديدة تواجه تنامي الدور الصيني في إفريقيا، ومن أبرزها:

1 ـ الأزمة المالية العالمية وإمكانية تأثيرها على حجم المساعدات الصينية المقدمة لإفريقيا، وإن كان الرئيس الصيني حرص خلال زيارته الأخيرة للقارة على التأكيد على أن الأزمة لن تؤثر على حجم المساعدات.

2 ـ الآثار السلبية التي يتركها هذا الغزو التجاري الصيني على بعض المنتجات الإفريقية مثل المنسوجات. فعلى سبيل المثال ازدادت صادرات المنسوجات الصينية لجنوب إفريقيا من 40% إلى 80% في عام 2004، الأمر الذي أدى إلى تدهور قطاع النسيج في جنوب إفريقيا أمام المنتجات الصينية، ما نتج عنه تسريح ما يقرب من 75 ألف عامل.

3 ـ أن الدعم الصيني مرهون بعلاقة الصين مع الدول الأخرى خاصة الدول الكبرى، فالصين لن تضحي بسهولة بهذه العلاقة، وإنما تعمل على إحداث نوع من التوازن بين علاقاتها بالدول الأفريقية من ناحية، وبين هذه الدول الكبرى من ناحية ثانية. وأبرز مثال على ذلك امتناع الصين عن التصويت ضد قرار مجلس الأمن رقم 1593، الصادر في 31 مارس 2005، بشأن تحويل ملف دارفور للمحكمة الجنائية الدولية استنادا للفصل السابع من الميثاق. وساهم هذا القرار في إحداث الأزمة الراهنة بين السودان والمجتمع الدولي، خاصة بعد صدور قرار اعتقال البشير (مارس 2009)، بالرغم من أنه كان من الممكن أن تستخدم الصين حق الفيتو.

4 ـ المنافسة من قبل الدول الكبرى مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، وكذلك بعض القوى الآسيوية الهامة مثل اليابان، والهند، وماليزيا، وإيران وغيرها، خاصة وأن هذه الدول تدخل لإفريقيا من نفس المدخل.

5 ـ توظيف الصين، ولو بدرجة أقل، للعلاقات الاقتصادية مع إفريقيا لتحقيق أهداف سياسية، كما حدث في الفترة من الخمسينات وحتى السبعينات، وذلك إما للحصول على الاعتراف بها كممثل للشعب الصيني بدلا من حكومة فرموزا في الجمعية العامة ومجلس الأمن، أو لتحقيق أهداف سياسية في بعض الحالات الأخرى (حالة تشاد). هذا الابتزاز الصيني المحدود قد لا يحظى بقبول بعض النظم الأفريقية التي قد تبحث في هذه الحالة عن بديل ثالث للدول الكبرى والصين.

6 ـ عدم وجود خطوط اتصال مباشرة سواء جوية أو بحرية بين الصين وبعض الدول الإفريقية.

وأخيرا يمكن القول إن سياسة الصين في إفريقيا تتسم بثلاث خصائص رئيسية؛ الأولى: أنها تسير وفق إستراتيجية مدروسة بدقة، تسعى لتحقيق الأهداف الصينية خلال ثلاث سنوات (تنتهي هذا العام 2009)، وهو ما أكد عليه الرئيس الصيني خلال زيارته الأخيرة لإفريقيا. ولا شك أن هذا سيضفي المزيد من المصداقية على السعي الصيني ويدفع الأفارقة للهرولة. وربما يظهر هذا الأمر بوضوح خلال الدورة الرابعة للمنتدى التي ستستضيفها القاهرة في نوفمبر القادم.

أما الخاصية الثانية: فهي حرص الصين على الجمع بين القول والعمل، أو بمعنى آخر تفادي الوعود البراقة التي تقدمها الدول الغربية لهذه الدول منذ حصولها على الاستقلال أوائل الستينات. لذل فهي حريصة على تنفيذ إستراتيجية الشراكة مع إفريقيا بكل جد واجتهاد بالرغم من عدم وجود ضغوط عليها. وتدرك بكين أن هذا الالتزام هو الذي سيوفر لها كل ما تحتاجه من إفريقيا، سواء من النفط أو غيره من الموارد، بأفضل شروط في ظل المنافسة الشرسة السابق الإشارة إليها.

وتتمثل الخاصية الثالثة: في أن السياسة الصينية لا تقتصر فقط على الأبعاد الاقتصادية أو السياسية، بل يتعداها ليشمل أبعادا أخرى، وتصب في هذا الاتجاه زيارة الرئيس الصيني الأخيرة لأربع دول ليست قوية اقتصادية، بل ربما تكون هذه الزيارة متعمدة للتأكيد على الأبعاد الأخرى للعلاقة مع دول القارة الإفريقية بخلاف الأبعاد السياسية، وإن كانت زيارة السنغال تحديدا لها مغزى خاص بسبب رئاسة السنغال لمنظمة المؤتمر الإسلامي من ناحية، ولكون السنغال حتى وقت قريب من ضمن الدول الإفريقية التي كانت تعترف بتايوان.

الخلاصة.
إذن أن الصين تعد بديلا مقبولا للأفارقة مقارنة بالدول الاستعمارية الكبرى، ومن المتوقع أن تنمو العلاقات بين البلدين نتيجة لتراجع العلاقات بين إفريقيا وهذه الدول الكبرى من ناحية، وسعي الأفارقة لتفعيل مبادرة الشراكة من أجل التنمية (نيباد)، التي تستهدف البحث عن قوى بديلة للقوى الاستعمارية السابقة من ناحية ثانية، والبحث عن موارد لتمويل المشروعات الإفريقية وكذلك الأسواق اللازمة لتصريف هذه المنتجات من ناحية ثالثة (14). ومع ذلك يبدو أن العقبة الرئيسية أمام الصين ستتمثل في الدول الآسيوية الصاعدة بسرعة كبيرة والراغبة في التغلغل داخل أفريقيا، والتي من أبرزها الهند. ويمكن أن يكون هذا التنافس في صالح الأفارقة اللهم إلا إذا حدث اتفاق بين هذه الدول وبعضها البعض على استغلال القارة.

وفي ظل هذا التنافس المحموم على إفريقيا يتساءل الكثيرون، ونحن منهم، أين الدول العربية؟ ولماذا عجلة الساعة متوقفة عند عام 1977، وهو العام الذي شهد أول وآخر قمة عربية إفريقية.. أليس بإمكان العرب أن يكونوا بديلا مفضلا للأفارقة مقارنة بالبديل الأوروبي أو حتى الآسيوي الأصفر؟!

 

 


المنتصر

يقول احد القادة القدماء وهويخاطب جنوده . ( اذا لم تكونوا مستعدين للقتال من أجل ما تروه عزيزاً عليكم , فسوف يأخذه أحد ما عاجلا أو اَجلا , واذا كنتم تفضلوا السلام على الحرية فسوف تخسرونهما معاً , واذا كنتم تفضلوا الراحة والرخاء والسلام على العدل والحرية فسوف تخسروهما جميعا ) .

   

رد مع اقتباس

إضافة رد

أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:40 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
 

شبكـة الوان الويب لخدمات المـواقع