مقال في "نيويورك تايمز": ترامب فوق القانون (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          الجنرال محمد إدريس ديبي - رئيس المجلس الانتقالي في تشاد (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 5 - عددالزوار : 2398 )           »          الجيش الأحمر.. قصة منظمة زرعت الرعب في ألمانيا واغتالت شخصيات هامة (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          البنتاغون: إسرائيل ستشارك في تأمين الميناء المؤقت بغزة (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          جرائم الحرب (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          جرائم ضد الإنسانية (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          التطهير العرقي (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          تنظيم الدولة يتبنى هجوم موسكو وسط إدانات دولية ونفي أوكراني بالضلوع فيه (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 2 - عددالزوار : 63 )           »          احتكاك عسكري بين روسيا وأميركا في القطب الشمالي (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          صحيفة روسية: الناتو مستعد للحرب ضد روسيا منذ 10 سنوات (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          ولاية ألاسكا.. تنازلت عنها الإمبراطورية الروسية واشترتها أميركا (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 5 - عددالزوار : 60 )           »          حزب الله يستهدف موقع رادار ومنصتين للقبة الحديدية الإسرائيلية (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          بعد عامين من إنشائه.. ما هو حال قراصنة "جيش أوكرانيا الإلكتروني"؟ (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          أوكرانيا: روسيا تجهّز 100 ألف جندي لهجوم محتمل في الصيف (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          حل "المسألة الشرقية".. دور الكيان الاستيطاني ومصير السيطرة الاستعمارية (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 2 - عددالزوار : 47 )           »         



 
العودة   ..[ البســـالة ].. > جـناح الأمن و الإتــصالات > قســـــم الإســــــتخبارات والأمــــن
التعليمـــات قائمة الأعضاء وسام التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة
 


جواسيس ستالين

قســـــم الإســــــتخبارات والأمــــن


إضافة رد
 
أدوات الموضوع

قديم 18-05-09, 01:31 PM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
المنتصر
مشرف عام

الصورة الرمزية المنتصر

إحصائية العضو





المنتصر غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي جواسيس ستالين



 

جواسيس ستالين

المقدمة

جوزيف ستالين، واحد من الطغاة الأكثر بطشاً العديمي الرحمة في التاريخ الحديث، ولعقود خلت إلى حين وفاته عام 1953، حكم البلد الأكبر في العالم وهو الاتحاد السوفيتي، بقبضة من حديد.

النفوذ المطلق

ركّز نفوذه المطلق على سلك الشرطة السرية، المسماة "إن كاي في دي"، والذي أصبح أكبر مكتب استخبارات في العالم، حيث كان عملاؤه على قدر عال من الاحتراف، ووحشيتهم لا توصف، مهمة "إن كاي في دي" الأولى هي خدمة ستالين وتدمير أعدائه في الداخل والخارج.

وقد تعود قوة هذا السلك إلى المنظمة الشيوعية الدولية، وهي منظمة دولية مقرها موسكو.
عند منتصف الثلاثينيات، جمعت المنظمة الشيوعية الدولية أكثر من ستين حزباً شيوعياً حول العالم، وكان لدى المنظمة دائرة استخباراتها الخاصة، وبدأت التجسس في بلادها إثر أوامر من القياديين الشيوعيين السوفييت.

كان لدى جهاز التجسس السوفيتي في الثلاثينيات والأربعينيات صفة دولية، لذا حاولوا بانتباه شديد أن يروا ما إذا كان باستطاعتهم إحضار بعض الأشخاص للقيام ببعض الأمور، تحت غطاء التعاون مع الحركة الشيوعية العالمية.

كان مندوبون من أقطار العالم كافة يأتون إلى موسكو ليحضروا مؤتمرات المنظمة الشيوعية الدولية، فهنا، كانوا يتلقون أوامر التحرك في المعركة على الهيمنة الكاملة، وقد كان الكثيرون منهم الذين كرسوا أنفسهم بالعصبية للمثل الشيوعية، قد أصبحوا جواسيس سوفيات، بينما أصبح آخرون سفاحين محترفين.
كان أمام الاستخبارات السوفيتية "إن كاي في دي" في منتصف الثلاثينيات، أولويتان: إحداهما يصعب فهمها لدى الغرب، وهي قتل خصوم ستالين، خارج الاتحاد السوفيتي طبعًا، أي قتل تروتسكي وأتباع تروتسكي القياديين بكل بساطة، أما الأولوية الثانية وهي التي يسهل علينا فهمها جميعًا، أي جمع المعلومات
الاستخباراتية حول الغرب.

اعدا ستالين

كان ليون تروتسكي ألد أعداء ستالين، فقد كان يملك كل ما يفتقر إليه ستالين: كان مفكراً رائداً، وزعيماً يتمتع بشخصية لامعة في ثورة أكتوبر الروسية عام 1917، وهو مؤسس الجيش الأحمر، وكان تروتسكي يحظى بأتباع في العالم كله كانوا يسمون أنفسهم "تروتسكيّين"، وقد رأى الكثير من الروس أن تروتسكي سيخلف لينين لرئاسة الإمبراطورية الحمراء الجديدة، لكن كان لدى ستالين خطط أخرى، وعرف كيف يلعب على حبل النفوذ، من خلال المؤامرات والابتزاز والإرهاب، وبعد خمس سنوات من وفاة لينين، كانت قد انتُزعت من تروتسكي مكاتبه السياسية ونُفي ووُصف بالخيانة، فأصبح عدواً للشعب.
لكن ليون تروتسكي لم يستسلم، ومن المكسيك، راح ينظم حملة دولية لمحاربة الستالينية.

الحرب الاهلية فى اسبانيا

عام 1936، اندلعت الحرب الأهلية في إسبانيا، قاد القومي اليميني الجنرال "فرانسيسكو فرانكو" انقلاباً على الحكومة الجمهورية الاشتراكية، فأسرع أدولف هتلر إلى مساعدة الجنرال فرانكو ماداً إياه بالعتاد والأسلحة والمستشارين العسكريين، وشكّل الاشتراكيون تحالفاً يسارياً مع التروتسكيين والشيوعيين، دعم ستالين اليسار وفي نيته تقوية الحركة الشيوعية في أوروبا بالمدفعية الثقيلة والطائرات والمستشاريين العسكريين، كما أرسل عملاء سريين، كخبراء في أمور الحرب والإرهاب.
نجحت "إن كاي في دي" في التسلل إلى الحكومة الجمهورية الاشتراكية، ما سمح لها بإطلاق "حربها السرية"، بوضع اليد بالكامل على الاستخبارات الإسبانية.
كانت "إن كاي في دي" تعمل على مساعدة الحكومة الجمهورية ومقاتلة الجنرال فرانكو، لكن سرعان ما استحوذت هواجس ستالين التقليدية على رغبته في مساعدة اليسار ضد اليمين، فأمر ستالين "إن كاي في دي" بالتحرك حتى يبدو أن خصومه الأولين هم التروتسكيون داخل الحركة الجمهورية لا القوميون.
اندفع متطوعون شيوعيون من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا إلى إسبانيا، وشكلوا مع الاشتراكيين الإسبان كتائب دولية، وبعد تلقي دروس سريعة في شؤون الحرب على أيدي الخبراء العسكريين السوفييت، تم تسليحهم وأصبحوا مستعدين للقتال، غير واعين لخطر عملاء "إن كاي في دي".
آندريه مارتي، الثائر الفرنسي أتى أيضًا إلى إسبانيا، ليمثل المنظمة الشيوعية الدولية ظاهرياً، لكنه كان هو أيضًا من عملاء الاستخبارات السوفيتية المكلّفين بمهمة سرية، وكانت مهمته قتل مؤيدي تروتسكي، فوقّع شخصياً على مذكرات الإعدام لأكثر من 500 عنصر كتائبي اشتُبه بتأييدهم لتروتسكي.
حينذاك، كتب عنه الأديب والصحافي الأميركي آرنست هيمنجواي:
"مارتي مجنون كالبق، فهو يعاني هوس قتل الناس"، كما استغلت "إن كاي في دي" جوازات السفر التي حملها المتطوعون الشيوعيون.
في طريقهم إلى إسبانيا، كان على المتطوعين أن يمروا أولاً عبر مركز استقبال في فرنسا، كان عملاء الاستخبارات السوفيتية يستولون عليه، وكانوا يأخذون الجوازات من كل القادمين الجدد، "لإبقائهم سالمين" على حد تعبيرهم، في الواقع، قاموا بإرسال الجوازات المناسبة إلى موسكو أي إلى مقر الاستخبارات، ومع تغيير الصور تمكن العملاء السوفييت من استخدام هذه الجوازات في مهماتهم السرية في العالم أجمع.
في حين مات الآلاف على أرض المعركة في إسبانيا، نسج ستالين مؤامرة جديدة، حيث كلف سيد الجاسوسية المنخرط في "إن كاي في دي" "ألكسندر أورلوف" إيجاد طريقة لتأمين احتياطي الذهب في إسبانيا وإحضاره إلى موسكو، بدون أن يترك أي إيصالات مكتوبة عن الصفقة، فقام أورلوف بصفته قائد الشيوعيين الإسبان بإقناع الحكومة الجهمورية الإسبانية بإرسال الذهب إلى موسكو من أجل الحفاظ عليه.
تم تحميل سبائك الذهب التي قُدرت قيمتها حينذاك بخمسمائة مليون دولار، على الباخرة السوفييتية وتم إرسالها إلى موسكو.
بعد سنوات، طالبت حكومة فرانكو القادة السوفييت مراراً بإعادة الذهب، وفي كل مرة كان الروس يرفضون، زاعمين أن الحكومة الاشتراكية الإسبانية أنفقت خلال الحرب الأهلية كل الأموال على الأسلحة لاستخدامها في محاربة الجنرال فرانكو.
أما الناس الذين اعتبرهم جوزيف ستالين وقادة الاستخبارات العسكرية أعداء للشعب، فتم قتلهم على يد مجموعات متحركة منتشرة في أوروبا، تحت هويات مزورة، وكانت تبحث عن فرص وتقنيات لقتل الناس.


سويسرا



لوزان، سويسرا، في الرابع من أيلول - سبتمبر 1937، دخل ثلاثة رجال مقهى وطلبوا الإذن بالانضمام إلى رجل كان يجلس وحده إلى إحدى الطاولات، الرجل هو "ايجناتي رايس"، وهو عميل للـ"إن كاي في دي"، قطع صلته بالاستخبارات وأصبح ناقداً صريحاً لستالين، بعد قليل، وقف الرجال الأربعة معاً وغادروا المكان، ثم استقلوا سيارة في الشارع، وفي اليوم التالي، عُثر على جثة ايجناتي رايس هامدة على شارع فرعي خارج مدينة لوزان.

فرار الروس

تسببت الثورة البولشفية بهروب ثلاثة ملايين روسي من البلاد، وكان من بين الهاربين ضباط وجنود تابعون لجيش القيصر الروسي، شكّل هؤلاء معارضة سُميت بالحركة البيضاء، اعتبر البولشفيون الحركة البيضاء خطراً يتهدد نظامهم وخططوا لعدة أعمال إرهابية للنيل من قادتها، فأصبح الجنرال "يافجيني ميلر" واحداً من أهدافهم.

فرنسا

باريس، فرنسا، في الثاني والعشرين من أيلول - سبتمبر 1937، اقترب عميلان للاستخبارات الروسية يرتديان بزات الشرطة الفرنسية من الجنرال يافجيني ميلر في الشارع، دفعاه إلى داخل سيارة وانطلقا به، تم تخدير الجنرال ميلر وإحضاره إلى موسكو في باخرة، وتم تعذيبه ثم إعدامه بدون محاكمة.
القوميون الأوكرانيون، كانوا هم أيضًا على لائحة أعداء ستالين، فهم لم يقبلوا بالنظام السوفييتي في أوكرانيا، وعاش الكولونيل "يافجيني كونوفالتس" في منفاه، في روتردام، في هولندا.
كان كونوفالتس قد حارب في العشرينيات ضد الشيوعيين الروس من أجل استقلال أوكرانيا، وتابع كونوفالتيس المعروف بكراهيته الشديدة للشيوعيين، حربه من هولندا.
فأوكل ستالين مهمة خاصة إلى واحد من أفضل عملائه، "بافيل سودوبلاتوف"، كان على سودوبلاتوف أن ينتحل شخصية ابن أخ صديق لكونوفاليتس كان قد توفي حديثاً.
استمع ستالين إلى تقريري عن كونوفاليتس وقال: "انه يحب
الشوكولاتة، إذن ماذا علينا أن نفعل حينها، حسناً،

الشوكولاتة".

صنع خبراء الاستخبارات السوفيتية علبة خاصة من الشوكولاتة، وفيها قنبلة موقوتة صغيرة الحجم لكن قوية المفعول، معدّة للانفجار بعض دقائق قليلة على تسليمها، كانت المواد المتفجرة مخبأة تحت طبقة من الشوكولاتة الحقيقية.
وصل سودوبلاتوف إلى هولندا على متن سفينة سوفيتية تحمل علبتي شوكولاتة، واحدة غير مؤذية، والأخرى مُلقّمة.
ألقيتُ التحية على كونوفاليتس وأعطيته العلبتين كهدية من أوكرانيا، فقال لي باللغة الاوكرانية: شكراً، ثم وضع العلبتين في جيبيه، تحدثنا قليلاً ثم استأذنتُ وغادرت، كنتُ في محل صغير بالقرب من المكان عندما سمعت دوي الانفجار، لم أعد إلى المكان لتفقده، لم أستطع القيام بأكثر من ذلك.
مزّق الإنفجار الكولونيل كونوفاليتس وحوّله أشلاءً.
في أواخر الثلاثينيات، تابع ستالين حربه الشعواء ضد أعدائه، الحقيقيين والخياليين، في الداخل قام بإطلاق حملة قمع واسعة على شعبه، فلم يوفّر أي شخص يشك فيه، بما فيهم الشرطة السرية، وفي الخارج كان عدوّه الرقم واحد، ليون تروتسكي، ما زال على قيد الحياة.
لم يعد الجنرال هو مركز العالم على الإطلاق، من الغباء الظن أن أوروبا والشرق سوف يحتلان مجدداً هذه المرتبة، وستقوم هذه الأزمات الحالية الرهيبة، على الرغم من آثارها المدمرة على الولايات المتحدة بتغيير العلاقة بين هذه القوى التي تتالت لمصلحة الولايات المتحدة ولمصلحة الدول المستعمرة لا
لمصلحة أوروبا.

مسرح بولشى

موسكو، عام 1937، مسرح بولشوي، نيكولاي إيزهوف، رئيس الاستخبارات السوفييتية، يترأس احتفال الذكرى العشرين لتأسيس الشرطة السرية.
المجد لل"إن كاي في دي"، المجد للرفيق إيزهوف، الذي يعلمنا كيف نعمل على طريقة الرفيق ستالين.
كان "نيكولاي إيزهوف" رجلاً سادياً والجلاد الطوعي لجوزيف ستالين.
في ذلك الوقت، أطلق ستالين الذي أصبح مهووساً أكثر فأكثر، عصراً من حملات القمع والإرهاب غير المسبوقة، عُرفت "بعمليات التطهير الكبيرة"، فتم تقنين القتل الجماعي في الاتحاد السوفيتي، واعتُقل الملايين وأعدموا على أنهم "أعداء الشعب"، كُلّف أفراد شرطة ستالين السرية مسؤولية القيام بعمليات التطهير وخدموا سيدهم بولاء، ولكن لم يكن أي أحد في مأمن, ولا حتى شركاء ستالين الأكثر إخافة، أي العملاء في الاستخبارات السوفييتية.
ما كانت أسباب عمليات التطهير التي قام بها في مكتب الاستخبارات؟ أولاً، لم يكن ستالين يثق بأحدٍ سبق وسافر إلى الخارج، فبرأيه من الممكن أن تتم إعادة تجنيدهم، ثانياً كان كثير من العملاء مقربين من الحركة التروتسكية ومن أفكار أخرى تعارض سياسة ستالين، وهذا أسوأ بكثير من التشكيك بالعميل المزدوج.

الجلاد الوفى

حتى الجلاد الوفي لستالين نيكولاي إيزهوف أعتُقل.
قدم قاتل مباشرة إلى زنزانة إيزهوف ليقتله، لكن ايزهوف، الأستاذ المخضرم في الفنون القتالية، ظل يركض في الزنزانة متفادياً الرصاصات، وكان على المسلّح أن يفرغ مخزون سلاحه قبل أن يصيب إيزهوف فعلاً.
فأصبح رئيس الشرطة السرية الستالينية الجديد "لافرنتي بيريا"، رجل سادي وسفّاح على قدر إيزهوف، وكلّفه ستالين بمهمة كان يفّكر فيها طوال خمسة عشر عاماً، اغتيال ليون تروتسكي.
أصبح تروتسكي في مخيلة ستالين تجسيداً لإبليس، شيطان حقيقي.
ظن تروتسكي أنه بعيد عن متناول ستالين في فيلّته المدججة بالحراس والواقعة قرب العاصمة مكسيكو.
أخذ رئيس ال"إن كاي في دي" لافرنتي بيريا واحداً من أفضل عملائه بافيل سودوبلاتوف، لمقابلة ستالين.
قدمنا إلى مكتب ستالين، وسألني: هل أنت مستعد للقيام بالعملية؟ فأجبته: آسف لأنني لا أستطيع القيام بها شخصياً لأنني لم أزر مكسيكو من قبل ولا أجيد الإسبانية، ولكنني أقترح أن توكل المهمة إلى نائبي، "ناوم ايتينجون" وهو عميل كفوء ولديه خبرة، فقال ستالين: خذ الرجل, خذ أياً تريد وباشر بالإعداد لهذا الأمر".


نجاة تروتسكى



كان ناوم ايتنجون محارباً قديماً في الاستخبارات السوفيتية من الحرب الأهلية الإسبانية، ومجنّدا ماكرًا في وكالته، وكان قد أقنع الرسام المكسيكي الأول "دايفيد سايكيروس"، وهو واحد من مؤسسي الحزب الشيوعي المكسيكي، بالدخول إلى جانبه، ومع الوقت، أعدّ ايتنجون خطتين لقتل تروتسكي.
في ليل الثالث والعشرين من مايو - أيار 1940، اقتحم سياكيروس وعشرون رجلاً مأجوراً مدججين بالسلاح الأوتوماتيكي فيلا تروتسكي، ورشوا غرفة نومه بالرصاص.
تمكن تروتسكي وزوجته من الارتماء تحت السرير، لاحقاً عدّت الشرطة 70 ثقب رصاص في جدار غرفة النوم، ولكن لم تصب أي رصاصة تروتسكي.
كان لدى ناوم ايتنجون شيوعية إسبانية تدعى "كاريداد مركادر"، ومع ابنها "رامون"، قام الثلاثة بإطلاق عملية "المراقبة"، فقام "رامون مركادر"، الذي مثّل أنه من أنصار تروتسكي بالتعرف إلى مساعِدة تروتسكي، وبعد وقت قصير، صار زائراً دائماً لفيلا تروتسكي، ووجهاً مألوفاً لدى حراس الأمن.

مقتل تروتسكى

وفي العشرين من آب- اغسطس 1940، أصبح رامون مركادر مستعداً، قاد سيارته إلى فيلا تروتسكي مع والدته وناوم ايتنجون، وفي المنزل، أدى مركادر دور الخجول، وطلب من تروتسكي أن يريه مقالاً كتبه حول حركة التروتسكية.
أخذه تروتسكي إلى الطابق العلوي، وبدأ يقرأ له المقال، وبينما كان يقرأ هذا المقال، أخرج رامون مركادر من جيبه مخرزاً ورفعه بيديه الاثنتين، وأطلقه نحو مؤخرة رأس تروتسكي، فأطلق تروتسكي صرخة رهيبة.
هرول رجال الأمن لدى تروتسكي إلى المكتبة وأمسكوا برامون مركادر، عندما رأت أمه وناوم ايتنجون سيارات الشرطة تصل إلى الفيلا، انسحبا بسرعة.
نُقل ليون تروتسكي إلى مستشفى قريب، نازع خلال الليل ثم مات في اليوم التالي.
من مبنى شركة تصدير في نيويورك، حبك ناوم ايتنجون خطة اغتيال تروتسكي، كما استخدم عملاء المخابرات السوفييتية هذه الشركة أيضاً، وشركات أخرى مماثلة، كواجهة لمراكز تواصل لهم في الخارج.
ومنذ أوائل الثلاثينيات، عندما بدأوا بناء شبكة التجسس على القارة الأميركية، كان عملاء المخابرات السوفييتية يستريحون في الولايات المتحدة.

الجواسيس الروس وامريكا الشمالية

كان الجواسيس السوفييت يعملون في أميركا الشمالية قبل الحرب العالمية الثانية بوقت بعيد، وكانوا يبحثون عن معلومات تتعلق بالسياسة الخارجية الأميركية، والتطورات الاقتصادية والإمكانيات العسكرية، ولاحقاً، وخلال الحرب، استخدم السوفييت هذه المعرفة لبناء علاقاتهم مع الولايات المتحدة.
رأوا أن وعاء التجنيد الجيد للجواسيس والتجسس في الولايات المتحدة هو الحزب الشيوعي، إن نظرتم إلى الحزب الشيوعي الأميركي في الثلاثينيات والأربعينيات، لم يكن عندهم سبب لعدم الإعجاب بالاتحاد السوفيتي، لقد كان يمثل لهم المستقبل بطريقة أو بأخرى.
كان لدى الاستخبارات السوفيتية شبكة تجسس متطورة على كافة الأصعدة في إدارة الرئيس روزفلت، وخدم الصحافي "ويتاكر تشامبرز" كصلة أساسية بينهم وبين موسكو، وشملت معارفه "ألجير هيس" في وزارة الزراعة، "جاري وايت" في وزارة المالية، وآخرين، وفي الثلاثينيات، كان أكثر من خمسين مسؤولاً يتعاملون مع الاتحاد السوفيتي، وكان بعضهم في مراكز رفيعة المستوى.
إن كنتم تعملون للإدارة الأميركية في ذلك الوقت، وكنتم في الحزب الشيوعي في ذلك الوقت، وقام بتوظيفكم أحد المجندين السوفييت، فالشعار يكون: ساعدونا، وساعدوا العالم أيضًا.
تلقى السوفييت كمية ثمينة من المعلومات الاستخباراتية العلمية، الاقتصادية والعسكرية، لا على مستوى الولايات المتحدة وحسب، بل شملت ألمانيا، بريطانيا، ودولاً أخرى.
تم تمرير المعلومات السرية وشرائط الفيديو المصغرة إلى العملاء السوفييت عبر ساعيين رئيسيين هما ويتاكر تشامبرز و"إليزابيث بنتلي".

الامن الامريكى والبريطانى

كان الأمن الأميركي والبريطاني في منتصف الثلاثينيات ضعيفاً بشكل مضحك لدرجة انه لم يسبق أن كان الحصول على الأسرار البريطانية والأميركية أسهل من ذلك.
لسنوات، جمعت عمليات التجسس السوفييتي المعلومات الاستخباراتية، وفي عام 1939، دفعت سلسلة من الأحداث المفاجئة بكثير من الأميركيين المتعاملين مع الاستخبارات السوفيتية إلى تغيير نظرتهم كلياً إلى الاتحاد السوفيتي.
في الثالث والعشرين من آب - أغسطس، طار وزير الخارجية النازي "فون ريبنتروب" إلى موسكو، كانت رحلته قد أُعدّت بسرعة كبيرة حتى إن الوحدات السوفييتية المضادة للطائرات لم تُبلّغ بذلك، فتم إطلاق بعض الطلقات فعلاً على طائرة ريبنتروب كما لو أنها طائرة عدو.

تقسيم اوروبا

وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، حصل ما لم يكن متوقعاً، وقّعت روسيا ميثاقاً لعدم الاعتداء مع الخصم الماكر، ألمانيا النازية، ثم وقّعا معاهدة صداقة، وكانت المواثيق تتضمن ملاحق سرية عديدة تشمل خططاً لتقاسم أوروبا بين ألمانيا والاتحاد السوفيتي، فقرر الميثاق السوفييتي – النازي تقاسم أوروبا.
وخلال أيام، وفي الأول من أيلول - سبتمبر، اجتاحت ألمانيا بولندا من الغرب، وبعد أسبوعين، انضم ستالين لتقطيع أوصال بولندا من الشرق، فدخل العالم الحرب.
عام 1939، اجتاحت "ويتاكر تشامبرز" أوهام المُثُل الشيوعية، وكان يتفادى العملاء السوفييت منذ حوالي سنة، لكنه بقي صامتاً، حتى الثاني من سبتمبر عام 1939، إذ أغضب الميثاق السوفييتي النازي تشامبرز حتى كشف غير آبه بالعواقب، عن نشاطاته التجسسية لمستشار الرئيس روزفلت "أدولف برل الابن"، أرسل برل على الفور تقريراً طارئاً حول التجسس السوفييتي إلى روزفلت تحت عنوان "عميل تجسس سري"، فتجاهل روزفلت التقرير، وقلل من أهمية إمكانيات الاستخبارات السوفيتية في الولايات المتحدة ورفض التصديق أن السوفييت قد تسللوا بشكل عميق إلى إدارته.
كان توقيع ميثاق عدم الاعتداء ومعاهدة الصداقة مع ألمانيا إحدى أشد اللحظات في تاريخ الاستخبارات السوفييتية، وخلال ساعات، بدا وكأن ألمانيا تحولت من العدو رقم واحد إلى الصديق المقرب والحليف.
أمر ستالين نشاطات الاستخبارات داخل ألمانيا هتلر بـ"قطعها"، وفي مصطلح ستالين، أن يقطع يقصد أن يوقفها بشكل كلي تقريباً.

ثقة ستالين بهتلر

لكن سلوك ستالين خلال الأشهر الأخيرة قبل اجتياح هتلر ظل لغزاً، ويقول بعض المؤرخين إنه وثق بهتلر، أو ظن أن هتلر سوف يتبع الحكمة العسكرية، أي ألا يحارب على جبهتين في الوقت نفسه، وهذا يعني أنه لن يهاجم الاتحاد السوفيتي قبل انتهاء الحرب مع بريطانيا.
ومع انشغال هتلر بحرب ضد بريطانيا، رأى ستالين فرصته.
خلال اجتماع سري مع مساعديه المقربين، أعلن أن الشيوعية تحتاج إلى حرب عالمية لغزو العالم، قال ستالين إن على الاتحاد السوفيتي مساعدة هتلر على القتال ضد بريطانيا وفرنسا، وإجبار الولايات المتحدة على دخول الحرب لإنقاذ بريطانيا.
وفقاً لستالين، سينتظر الاتحاد السوفيتي إلى أن يضعف الرأسماليون بعضهم، ثم يقوم بضربة قاسية من الشرق لتحرير أوروبا، وكان جزء من خطة ستالين يقوم على ضرب ألمانيا الهتلرية عندما يكون جيش هتلر منشغلاً في أوروبا الغربية.
ربما كان أمر ستالين بوقف النشاطات الاستخباراتية في ألمانيا النازية لمجرد مساعدته على الحفاظ على مظهر الصديق، لم يرغب في تحذير هتلر من نواياه.
رفض ستالين أن يراجع خططه حتى بعد تلقيه معلومات خطيرة تقول بأن هتلر يحضّر لاجتياح الاتحاد السوفيتي.
كان هناك عدة مصادر تقوم بتحذيرنا من اجتياح ألماني متوقع، عملياً كنا نتلقى معلومات من كل أنحاء أوروبا وحتى من الولايات المتحدة، لكن المعلومة الرئيسية أتت من "الفرقة الحمراء".

الفرقة الحمرا

كانت "الفرقة الحمراء" أكبر شبكة استخبارات في الحرب، بقيادة "ليوبولد تريبر"، أحد من العملاء المرموقين في الاستخبارات العسكرية السوفييتية، كان لدى الفرقة الحمراء عملاء في كل أنحاء أوروبا، وكانوا يحصلون على معلومات مزعجة فعلاً.
قبيل الحرب، أنشأ ليوبولد تريبر شركة في باريس، وكانت تتعاطى بنجاح الاتجار بمواد البناء، وظلت عاملة حتى بعد أن احتل النازيون باريس، وكانت الشركة واجهة لعمل تريبر الحقيقي، كخبير في التجسس العسكري السوفييتي، بحلول ربيع 1940، كان تريبر مسؤولاً عن سبع شبكات استخباراتية بأكثر من مائتي عميل ناشط متمركزين في فرنسا، هولندا، بلجيكا، وألمانيا.
طوال خريف عام 1940، تفشى الصراع من أجل بريطانيا، ففي المرحلة الأولى من العملية الألمانية "أسد البحر"، والتي أُطلقت على اجتياح بريطانيا المحتمل، أمطرت مدافع سلاح الطيران الألماني بريطانيا بوابل من القذائف، زارعة الرعب في المدن البريطانية، بما في ذلك القصف المستمر المدمر لمدينة لندن، انتظر العالم اجتياح الجزيرة المحاصرة، وكان المظليون الألمان على استعداد للإنزال، عندها أرسل ليوبولد تريبر رسالة مشفرة طارئة إلى موسكو، لقد ألغى هتلر خططه بالاجتياح، وشيء ما كان يحضّر.
بعد ذلك بوقت قصير، تم نقل ثلاث وحدات ألمانية متمركزة على الساحل الأطلسي، إلى المدينة البولندية بوزنان، القريبة من الحدود السوفييتية.

برباروسا

في الثامن عشر من كانون الأول - ديسمبر 1940، وقّع هتلر التوجيه رقم 21، عملية "برباروسا"، وفيه خطته لاجتياح الاتحاد السوفيتي، بعد أقل من أسبوعين، تلقى ستالين معلومات حول برباروسا من عملائه في أوروبا، لاحقاً تم تأكيد المعلومات السرية من قبل جاسوس ستالين الأول في اليابان، "ريتشارد سورجي".
كان سورجي واحداً من الجواسيس الأكثر ذكاءً والأكثر إخافة في الحرب العالمية الثانية، وكانت المعلومات التي أرسلها إلى روسيا لا تقدر بثمن.
وُلد ريتشارد سورجي في روسيا من أب ألماني وأم روسية، ذهب إلى ألمانيا وهو صغير، وخدم في الجيش الألماني في الحرب العالمية الأولى، في العام 1920، يُعجب بالحزب الشيوعي، وراح يبني روسيا الجديدة، العالم الجديد، وبدأ عمله لدى الاستخبارات العسكرية الروسية.
عام 1933، ذهب سورجي إلى ألمانيا في مهمة سرية، وانضم إلى الحزب النازي وبدأ يعمل لدى إحدى الصحف اليومية الألمانية الهامة "فرانكفورتر زايتونج"، وبعد وقت قصير، يُرسل إلى اليابان بصفته مراسل الصحيفة إلى آسيا.
في طوكيو، وبصفته ممثلاً لصحيفة المانية، راح يعلن وجهات نظر ومشاعر مؤيدة للنازية لكن من يلقاه، فتماشى مع اليابانيين الفاشيين، بالنسبة إليهم فهو بطل، فهو ألماني، بل هو النازية مجسدة في آرائه السياسية، لذا، صار كثير من السياسيين اليابانيين وبعض الضباط أيضًا يشاركونه آراءهم، وكان سورجي يرسلها فوراً إلى روسيا.
في طوكيو، أصبح ريتشارد سورجي زائراً دائماً ومرحباً به في السفارة الألمانية، عام 1939، عيّن السفير الألماني في اليابان الجنرال إيجن أوتو، سورجي الملحق الصحفي الرسمي للسفارة، فأصبح الرجلان صديقين مقربين جداً.
إلى ذلك الوقت، أصبح لدى سورجي عملية فاعلة تماماً، حيث ارتقى عملاؤه أعلى درجات النفوذ العسكري والسياسي في اليابان.

التحضيرات اليابانية

على بعد أميال في سايبيريا، كانت إذاعة سوفيتية سرية تتلقى دورياً بثاً يحوي معلومات سرية حول التحضيرات العسكرية في اليابان وألمانيا موقعة من "رامساي"، الاسم المستعار لسورجي.
وقد حوت إحدى برقياته مقتطفات رئيسية من عملية برباروسا السرية جداً، وورد فيها: "لا بد من أن تكون قوات الدفاع المسلحة مستعدة لتدمير روسيا السوفييتية في حملة خاطفة قبل انتهاء الحرب على بريطانيا".
كانت برباروسا خطة نازية سرية جداً، لم يعرف بها سوى ثمانية أشخاص فقط في ألمانيا، بعد أسابيع قليلة، كانت الخطة على طاولة ستالين، لكن ستالين لم يصدق استخباراته، ولم يدرك أن استخباراته كانت على قدر كبير من الذكاء حتى إنها تمكنت من الحصول على هذه المعلومة بهذه السرعة.


العميل الموزدوج



عندما عرف ستالين أن المصدر هو سورجي، كان تعليقه الوحيد: "إنه استفزاز، انه عميل مزدوج"، فتقرر مصير سورجي، دُعي إلى موسكو، لكن ريتشارد سورج لم يطع الأوامر، وقرر ألا يعود.
في هذه الأثناء، كان عملاء ستالين المتمركزون في بلاد أخرى يحذرونه من اجتياح محتمل.
جنيف، سويسرا، أنشأ العالم الهنغاري "شاندور رادو" شركة ناجحة جداً في مجال تصميم الخرائط.
كان صيته ذائعاً حتى إنه تلقى أعمالاً للقيام بخرائط واسعة النطاق لمناطق مختلفة من أوروبا من الجيش الألماني، وكان شاندور رادو أيضًا بدون علمهم، جاسوساً، ورئيس واحدة من أكبر الشبكات الاستخباراتية السوفييتية في سويسرا وألمانيا، وكان يعمل تحت اسم مستعار "دورا".
وقبل أسبوعين من اجتياح هتلر للاتحاد السوفييتي، أرسل رادو رسالة سرية على درجة عالية من الأهمية إلى موسكو.
إلى المدير، كل الوحدات السيّارة الألمانية المتمركزة من قبل على طول الحدود السويسرية تتحول الآن إلى الجنوب الشرقي، في الوقت الحاضر تبقي ألمانيا 150 وحدة على الحدود الشرقية، والتحضيرات أكثر كثافة بكثير مما كانت في نيسان وأيار،
وقبل أيام قليلة من الاجتياح، بعث شادور رادو برسالة أخرى من سويسرا.

سونيا

أورسولا كوكزينسكي، العاملة تحت اسمها المستعار "سونيا"، كانت واحدة من أرفع الجواسيس الإناث العاملين لدى رادو.
في هذه الفترة في سويسرا، قمت بتدريب ثلاثة عاملين في الاتصال اللاسلكي لشاندور رادو، ولا أذكر من منهم، وربما كان زوجي هو الذي بعث إلى موسكو الرسالة من رادو، كانت رسالة مشفّرة ولم يعرف عامل اللاسلكي محتواها، أبلغت الرسالة موسكو أن الحرب ستبدأ في الثاني والعشرين من تموز - يوليو مع إعادة انتشار القوات الألمانية، وجاء الرد عليها: "مصدركم غير موثوق به"، فأصاب رادو اليأس.
رفض ستالين أي معلومات لم تتناسب وخطته معتبراً إياها أما كذبة، أو خطأ أو ربما استفزازًا ، وقرر الرئيس الجديد للاستخبارات السوفييتية "بافيل فيتين" أن يتأكد من دقة التقارير المقلقة، وأرسل عميلة ذات خبرة باسم "زويا ريبكينا" كعاملة استقبال في السفارة الألمانية في موسكو.
أتيتُ إلى السفارة، ودعاني السفير الألماني الكونت "فون شولنبرغ"، كان شولنبرغ يبدو يائساً، فسألته: هل أنت في مزاج سيء أيها الكونت؟ فأجابني: "لا، لست في مزاج سيئ إطلاقًا"، فنظرت إلى الجدران، كانت هناك بقع على ورق الجدران فاتحة اللون من أمكنة نُزعت عنها صور، وعبر باب غير مفتوح بالكامل يصل إلى إحدى الغرف رأيت عدة حقائب موضبة، فسألته مجدداً: هل أنت مسافر أيها الكونت؟
حتى هذا الوقت، كانت السفارات الألمانية من موسكو إلى طوكيو تضج بالنشاط، ومن اليابان، بعث سورجي بتقريره إلى موسكو:

اجتياح الاتحاد السوفيتى

حصل السفير الألماني في طوكيو الجنرال أوتو، على تأكيد من فون ريبنتروب على أن ألمانيا سوف تجتاح في النصف الثاني من تموز- يوليو، ليس هناك أدنى شك في صحة هذه المعلومة،
بعد أيام قليلة، بعث سورجي ببرقية أخرى: الحرب ستبدأ في الثاني والعشرين من تموز عام 1941.
ردّت موسكو: إننا نشك في صحة معلوماتكم.
والآن أصيب سورجي باليأس، لكنه كان أكثر تصميماً، فالملايين في الميزان، فبعث ببرقية أخرى إلى ستالين، وحملت الرسالة الأكثر برودة: أكرر، ستقوم تسع قوات تضم 150 وحدة باجتياح الاتحاد السوفيتي، وتعبر الحدود في 22 تموز.
لكن ستالين أدار الأذن الصماء، والعين العمياء عن كل التقارير التي وُضعت أمامه، وفي الثاني والعشرين من تموز 1941، ضربت القوات الهتلرية ضربتها، كان هجوماً مدمراً، ففي اليوم الأول، دمّر الهجوم الألماني كل الدبابات الروسية، والمدفعية، والطائرات المتمركزة قرب الحدود، فلم تنجح معظم الطائرات السوفييتية بالابتعاد عن المدرجات.
وخلال الأشهر الأربعة التالية، ذبح الألمان كل الجيش الأحمر تقريباً، ثلاثة ملايين ونصف مليون رجل, وأُسر مليون ونصف مليون جندي.
حينها، التفت ستالين إلى سادة التجسس لمساعدته، وكان لديه تساؤل مهم جداً.
عند نهاية شهر أكتوبر- تشرين الأول، كاد جيش هتلر يصل موسكو، فقد كانت دفاعات ستالين قد أضعفها الخوف من ضربة يابانية في سايبيريا، وعلقت وحدات الجيش، الضرورية جداً للدفاع عن موسكو، علقت في الشرق الأقصى لمواجهة هجوم ياباني محتمل.
كان اليابانيون لا يزالون يتأملون في مكان الضربة التالية، السوفييت في سايبيريا، أم البريطانيون والأميركيون في أسيا الجنوبية الشرقية.
كان لدى الجاسوس السوفييتي الأساسي في اليابان ريتشارد سورجي العديد من العملاء والأصدقاء المقربين من الحكومة اليابانية، وظل لأشهر يحاول إقناعهم بأنه من الأفضل لليابانيين الانطلاق لوضع اليد على الموارد الثمينة من القصدير، والمطاط، والنفط في جنوب شرقي آسيا، بدلاً من مواجهة حملة شتائية صعبة في سايبيريا.
مع الوقت، عرف سورجي أن اليابان تخلت عن خططها بالهجوم على الاتحاد السوفيتي، هذه هي الأخبار التي كان ستالين ينتظرها، وبعد أن توقع بشكل صحيح الاجتياح الألماني، أصبح سورجي يحظى باهتمام موسكو.
قبل ذلك بأشهر، كان سورجي قد اشترى مركباً لصيد الأسماك، ومع عامل اللاسلكي، قاما بإنشاء جهاز إرسال لاسلكي وبدآ القيام برحلات دورية في المركب إلى عرض البحر لإرسال الرسائل اللاسلكية.
وفي يوم كان العامل مريضاً، فأخذ سورج المركب لوحده وبعث أخباراً خطيرة.
على الأرجح، أن المعلومة الأهم التي بعثها إلى موسكو هي أنه قادر على أخبار ستالين أن اليابانيين لا يفكرون في اجتياح سايبيريا لدعم الألمان، وبأن ستالين قادر على أخذ كثير من الوحدات التي كانت متمركزة في سايبيريا لمواجهة مع اليابانيين، ولدفعهم إلى جبهته الغربية، في اللحظة الأخيرة، أنقذ موسكو، أنقذ العاصمة الروسية.

هزيمة

في السابع من تشرين الثاني - نوفمبر 1941، وفي الذكرى الرابعة والعشرين للثورة البولشفية، قدمت القوات الروسية الحديثة باستعراض عسكري من سايبيريا عبر موسكو، ومن العرض مباشرة، مشوا إلى الخط الأمامي، على بعد 40 كلم من الساحة الحمراء.
خارج موسكو، كان التقدم الألماني قد توقف، إنها الهزيمة الأولى في الحرب العالمية الثانية.
كما أن انتصار ريتشارد سورجي كان آخر انتصاراته، وبعد ثماني سنوات من العمل متخفياً، كُشف أمره وسُجن على يد الاستخبارات العسكرية اليابانية.
كان سورجي واحداً من قلة من العملاء المخلصين والأقوياء في الاستخبارات السوفييتية، والذين كانت لهم مساهمة جوهرية في جهود الحرب الروسية، في أواخر عام 1942، تمكن السوفييت من وضع واحد من أفضل رجالهم في مركز ألماني هام في عملية عُرفت باسم "الدير".
"ألكسندر دميانوف" كان عميلاً متمرساً في ال"إن كاي في دي"، في شباط - فبراير 1942، اجتاز الخط الأمامي، وأقنع الألمان بأنه وفي لقضيتهم، فأرسله الألمان ليُدرّب في كلية استخباراتهم العسكرية.
وبعد إتمام الفصل، مُنح دميانوف الاسم العملي "ماكس"، وأُرسل إلى موسكو لتنسيق التجسس والجاسوسية النازية.
كان على دميانوف أن يلتقي بإرهابيين يرسلهم الألمان إلى روسيا بمهمات تخريب، ونتيجة نشاطاته، اعتقلت الشرطة السرية بعض الإرهابيين وأعدمتهم، في موسكو وحدها، ساعدت الشرطة السرية في تصفية أكثر من خمسين عميلاً ألمانياً.
وضعت ال"إن كاي في دي" دميانوف في مقر الجنرال "روكوسوفسكي" كضابط اتصالات، وراح دميانوف يزود الألمان بمعلومات خاطئة، كاشفاً عن معلومات روسية حقيقية، وذلك لمنعهم من كشف حقيقته، حتى لو كان ذلك يعني في بعض الأحيان التضحية بدم روسي.
فعلى سبيل المثال، في وائل شهر تشرين الثاني - نوفمبر 1942، بعث ماكس ببرقية إلى سادته الألمان تقول: "سيقوم الجيش الأحمر بضرب شمالي القوقاز، ورزيف، في الخامس عشر من نوفمبر، وكانت هذه المعلومات صحيحة.
على الرغم من أن أفضل جنرال سوفيتي وهو جورجي زوكوف كان المسؤول عن التحضيرات للتقدم، إلا أن الألمان الذين حذرهم دميانوف، تمكنوا من صدّ الهجوم بنجاح.
حتى زوكوف نفسه لم يعرف المؤامرة التي منعته من تحقيق تقدمه في رزيف، وفي الواقع، كان ذلك الهجوم السوفييتي هجوماً مخادعاً أعدّه ستالين ومستشاروه المقربون لإبعاد القوات الألمانية عن ستالينغراد، وهي مركز الإمدادات الحيوية، كان الحصار على ستالينغراد قد استمر ستة أشهر، وكانت المعركة على كل إنش من التراب، على كل منزل، وبعد الهجوم المخادع على رزيف، أطلقت القوات السوفييتية الأساسية هجوماً واسعاً ضد الجيش الألماني.
عانى الألمان هزيمتهم الثانية والمدمرة في الحرب، فأُسر ثلاثمائة ألف جندي، بينما مات عدة آلاف، فوسمت ستالينجراد نهاية الهجوم الهتلري، كما كانت انعطافاً حاسماً للحرب.
كان العميل المزدوج ألكسندر دميانوف الرجل الوحيد الذي مُنح وساماً على العملية نفسها من الجانبين، فقد كرّمه الألمان وأعطوه "الوسام العسكري ذا السيوف"، بينما قلّده الروس "النجمة الحمراء".
كما تمكن عميل روسي آخر هو نيكولاي كوزنيتسوف، من الانخراط بين النازيين في الأراضي المحتلة.
كان نيكولاي كوزنيتسوف رجلاً ذكياً، تصوروا أنه شاب من قرية في سايبيريا تعلم اللغة الألمانية وحده تقريباً، وبالحكم على اللهجة، يمكن للألمان معرفة المنطقة التي يأتي منها الشخص، لكن كوزنيتسوف يتقن سبع أو ثماني لهجات ألمانية.
كان كوزنيتسوف متمركزاً في مجموعة موالية في قرية فينيتسزا الأوكرانية، ومن هنا، كان يقوم بغارات على الأراضي المحتلة على يد الألمان، بصفته ضابطاً ألمانياً يدعى "لول زيبرت"، كانت تلك منطقة محمية جداً، وكان يزورها هتلر نفسه.
ذات يوم، أرسل كوزنيتسوف تقريراً إلى موسكو يذكر فيه أن "أوتو سكورزيني" وهو جاسوس ألماني محترف ومعروف، يدرّب فرقة من الإرهابين في فينيتزا من أجل القيام بمهمة سرية خاصة.
وقد تصادق كوزنيتسوف مع واحد من ضباط سكورزيني.
كان الضابط يعرف فتاة تعمل كعميلة لكوزنيتسوف، وذات يوم، قال الضابط للفتاة إنه سيغادر قريباً ووعدها بأن يحضر لها سجادة إيرانية كهدية، فلم تأخذ الفتاة الخبر على محمل الجد، ولكن كونها عميلة مخلصة، نقلت هذا الحوار إلى كوزنيتسوف الذي أعلم موسكو، وكانت هذه حلقة مفقودة.
نظر ضباط الاستخبارات الروس إلى إيران بحثاً عن أدلة، فخلصوا إلى إن عملية اغتيال ستجري في طهران حيث يُفترض أن يلتقي القادة المتحالفون الثلاثة ستالين، وروزفلت، وتشرتشل، لمناقشة قضية حيوية، وهي فتح الجبهة الأوروبية الثانية.
أرسل السوفييت المزيد من وحدات الجيش، ومجموعة قوية من ال"إن كاي في دي" لمكافحة الإرهاب، لمنع المحاولة.
عندما وصل الرئيس روزفلت إلى طهران، دعاه ستالين للبقاء في المقر السوفييتي كتدبير احترازي أمني، فقبل روزفلت الدعوة.

التصفية

وفي الثاني من ديسمبر - كانون الأول 1943، وفي الساعة السادسة صباحاً، قام فريق ال"إن كاي في دي" بتصفية الفرقة الإرهابية الألمانية في طهران.
من المتوقع أنه لو كان ستالين استمع إلى عملائه، لكان الانتصار الروسي حلّ من قبل، وبخسارة أقل في الأرواح، لكنه لم يعترف قط بأخطاء في قراراته، وفي عام 1944، توجه إلى أعضاء الحزب احتفالاً بالذكرى السابعة والعشرين للثورة البولشفية قائلا:
"يظهر التاريخ أن الأمم العدائية المستعدة للقيام بهجوم، تكون عادة أكثر استعداداً لحرب جديدة من الدول المحبة للسلام، لا شك في أنه في المستقبل، سيتم الإمساك بالدول المحبة للسلام وهي غير مستعدة".
وحتى بعد أن قدم ستالين هذا التفسير، كان يسعى لتصفية الأشخاص القلة الذي عرفوا الثمن الحقيقي الذي كان على البلد أن يدفعه بسبب عدم وثوقه بسلكه الاستخباراتي.
ففرّ ألكسندر أورلوف إلى الولايات المتحدة، خوفاً من عمليات تطهير ستالين، وعاش بقية حياته في خوف من ثأر ال"إن كاي في دي".
أما ليوبولد تريبر، رئيس "الفرقة الحمراء" الذي أعطى المعلومات حول الاجتياح النازي الوشيك، فقد اعتُقل وأودع السجن السوفييتي لعشر سنوات.
شاندور رادو، العالِم الهنغاري، الذي أكد التاريخ المحدد لاجتياح هتلر اعتُقل هو أيضاً، وأمضى ثماني سنوات في السجن.
ريتشارد سورجي، الرجل الذي حذر من الاجتياح الألماني، والذي عملت استخباراته على سحب القوات الروسية من الشرق لإنقاذ موسكو، كان يجب أن يكون بطلاً وطنياً، لكن ستالين رفض عرضاً بمبادلته بعميل ياباني مُحتجَز في موسكو، وفي اليوم نفسه الذي ألقى فيه ستالين خطابه، نفذ اليابانيون الإعدام بحق سورجي.

الخلاصة

وفي السنوات السابقة للحرب العالمية الثانية وخلالها، كانت الاستخبارات السوفيتية على الأرجح هي الأفضل في العالم، فقد كانت قوية، وواسعة الحيلة، وكانت الوطنية هي التي تدفع بعملائها أكثر من الإرهاب الستاليني، وفي إحدى مفارقات التاريخ السوفييتي، تعلّم كثير من العملاء الاستخباراتيين الروس أنهم خدموا طاغية أكثر خطورة عليهم من أي عدو خارجي.

 

 


 

   

رد مع اقتباس

إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الحرب, اسرار

أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:31 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
 

شبكـة الوان الويب لخدمات المـواقع