عرض مشاركة واحدة

قديم 17-04-09, 07:22 PM

  رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
العميد الطيار
•¦ جندي ¦•

إحصائية العضو





العميد الطيار غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

حسابات إيرانية وتغير المواقف:


راهنت إيران كثيرًا على تصويت روسيا والصين ضد أي عقوبات تسعى الولايات المتحدة لحصد موافقة أعضاء مجلس الأمن الدولي عليها، واستند هذا الرهان إلى أن روسيا والصين من أهم الشركاء التجاريين لإيران، إلاّ أن حساباتها كانت خاطئة وكأنها لم تستفد شيئًا من الدرس العراقي قبل الغزو، فموقف الدولتين روسيا والصين المتعاطف مع سياسة طهران النووية ومن قبلها المتعاطف مع (صدام حسين) قبل الغزو لا ينبع من اعتبارات أخلاقية، أو موضوعية، قدر انطلاقه من اعتبارات مصلحية وحسابات استراتيجية واقتصادية، وهو الأمر الذي يفسّر التحوّل الذي طرأ على موقف موسكو والصين مؤخرًا تجاه طهران. فحسابات ومصالح روسيا التي تجعلها حريصة على استمرار التعاون مع إيران لم تعد كافية لتستمر موسكو في الدفاع عنها، والتصدي للولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وبخاصة بعد أن التزمت واشنطن الصمت تجاه جرائم روسيا في الشيشان، وسماحها لبعض شركات النفط الروسية بالعودة إلى العراق، كما أن روسيا تشعر بخيبة أمل تجاه رفض إيران اقتراحها بأن يتم تخصيب اليورانيوم بالمشاركة بينهما فوق الأراضي الروسية، والذي كان من الممكن أن يؤدي تنفيذه إلى طمأنة المجتمع الدولي بشأن نوايا إيران السلمية.
وهذا الرفض حرم روسيا من الحصول على موقف قوي تجاه الغرب من خلال كونها ستصبح المتحكم في المشروع النووي الإيراني، كما أن للصين حساباتها الاستراتيجية أيضًا، وهو ما اتضح جليًا عندما أصدرمجلس الأمن قرارًا بفرض عقوبات على كوريا الشمالية، حيث اكتفت فقط بالامتناع عن التصويت، رغم أن العلاقات الاقتصادية والتاريخية بين (بكين وبيونج يانج) أقوى مما هي عليه مع إيران عشرات المرات، ويرجع ذلك إلى أن هناك ورقة تستغلها واشنطن جيدًا ضد الصين، هي ورقة (تايوان)، ولذلك تتراجع الصين في أغلب الأحيان أمام ضغوط واشنطن حتى تظل مسألة استقلال (تايوان) عن بكين تحت السطح، هذا بالإضافة إلى أن بكين سعت بقوة مؤخرًا لاستئناف المحادثات السداسية الخاصة بأزمة الملف النووي الكوري الشمالي بوصفها المتضررة الأولى من فرض عقوبات عليها، نظرًا لأنها الممول الأساسي والمصدر الرئيس للمساعدات الغذائية والنفطية لكوريا الشمالية؛ وبالفعل وافقت واشنطن على تقديم تنازلات لاستئناف تلك المباحثات مقابل موافقة الصين على فرض عقوبات على إيران(22). وكان التحول في مواقف الدولتين قد ظهر مبكرًا بانضمام الصين إلى روسيا بالموافقة على فرض عقوبات ضد طهران، حيث أعلن وزير الخارجية الروسية في 6-9-2006م أن روسيا تفكر في دعم فرض عقوبات اقتصادية ودولية على إيران، بسبب رفضها وقف أنشطتها النووية المثيرة للجدل، وذلك استنادًا إلى موقف بلاده بعدم انتشار أسلحة الدمار الشامل، أو التكنولوجيا المرتبطة بذلك، ومن جانبه دعا الوزير الصيني (فين جيابو) إيران إلى التعاون مع الهيئات الدولية المتخصصة بالطاقة النووية، وطالب الإيرانيين بتفهم قلق المجتمع الدولي إزاء ملفها النووي، مشيرًا إلى أنه لا يستبعد مبدئيًا موافقة الصين على فرض عقوبات ضد إيران(23).
وعلى الرغم من هذا التحول الذي آل إليه كل من الموقفين الروسي والصيني، فمن الصعب تصور أن إيران قد فوجئت بصدور القرار الدولي (1737)، بفرض عقوبات عليها، فمنذ أغسطس 2006م وإيران تتوقع صدور مثل هذا القرار مع انتهاء المدة التي وافقت عليها مجموعة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا، (مجموعة 5 + 1)، فقد انقضت المهلة الزمنية من دون استجابة إيران لوقف تخصيب اليورانيوم مقابل حزمة الحوافز الاقتصادية والتقنية الأمنية في 31 أغسطس 2006م، ولكن ربما تكون المفاجأة في أمرين : الأول : هو الإجماع الدولي على فرض العقوبات، والأمر الآخر: توقيت إصدار القرار، حيث تزامن مع تطور مهم وخطير كان يمكن أن يؤدي إلى تريث الأمريكيين إلى حد ما في الدفع بهذا القرار، فقد تم قبل صدور القرار بعدة أيام الإفصاح مرتين عن امتلاك إسرائيل أسلحة نووية، الأولى على لسان وزير الدفاع الأمريكي الجديد، والأخرى على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي، وهو أمر له أكثر من مغزى، فقد تكون الولايات المتحدة قد رتبت مع إسرائيل خطة فرض إسرائيل كقوة نووية بحكم الواقع من خلال صفقة تقضي بضم كل من الهند، وباكستان، وإسرائيل إلى النادي النووي، ومن ثم إهدار كل الجهود العربية والإيرانية والدولية الرامية إلى جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية، وربما يكون المغزى من إصدار القرار في هذا التوقيت هو ضغط إسرائيل على الدول الكبرى في مجلس الأمن لإصداره لحرمان إيران من امتلاك القدرة على إنتاجه أسلحة نووية، وإلاّ فإنها أي إسرائيل سوف تتولى القيام بهذه المهمة بمعرفتها(24).


القرار على الصعيد العملي والرد الإيراني


يرى جانب من المحللين أن القرار لن يغير شيئًا على الصعيد الدولي، رغم أن له بعض الآثار في المناخ النفسي والسياق القانوني للجهود النووية الإيرانية، فالقرار أفضل من لا شيء، إذ هو يعني الكثير في ذاته، لكنه يمكن أن يكون تمهيدًا لخطوات لاحقة، خصوصًا وأنه رفع مستوى البرنامج الإيراني إلى مستوى الأزمة الدولية، بمعنى أنه أحاط البرنامج بمناخ نفسي يبعده عن كونه مشروعًا مدنيًا تقوم به دولة ما. ومما يعزز من هذا الأثر النفسي، صدوره استنادًا إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، مما يعني تحويل النص إلى قانون ملزم دوليًا، أما الجانب المتعلق بالعقوبات فلقد جاء ضعيفًا في محتواه، إذ إن هناك خطرًا على تصدير المواد الثنائية الاستخدام، إلاّ أن القرار ترك لكل دولة حق الحكم بنفسها على المواد التي ستصدر إلى إيران، وتقوم بإخطار مجلس الأمن بالمواد ذات الاستخدام المزدوج التي تصدرها بالفعل من دون الالتزام بقائمة محددة لهذه المواد، أو استشارة هيئة تتبع الأمم المتحدة قبل التصدير. أما استهداف الأشخاص ال (12)، والمؤسسات ال (10) فإن المستهدف هو مفاعل (آراك) للماء الثقيل، ومعمل التخصيب في (ناتانز)، وعدد من الأماكن التي وزعت بها أجهزة الطرد المركزي، فالحظر يشمل ثلاثة مواقع محددة، ويشمل: المواد ذات الصلة بالتخصيب، وإعادة التشغيل، والاستخدام أو الأنشطة ذات الصلة بالماء الثقيل، وقد استثنى النص بصورة مباشرة أنشطة وتجهيزات الماء الخفيف، أو استخدام اليورانيوم المنخفض التخصيب في دورات وقود مجهزة بالفعل، أي مستوردة بأكملها، وهو ما يخص مفاعل (بوشهر) الذي يبنيه الروس، فهذا النص أدرج بناء على إصرارهم، كما أن الممنوعات الواردة في الشق الأول من المواد المحظور تصديرها وردت جميعًا في نصوص أخرى، مثل : اتفاقيات حظر الانتشار، وفي لائحة مجموعة التجهيزات النووية، بل في اتفاقية حظر الانتشار ذاتها، لذلك فإن القرار لم يضف شيئًا لم يكن موجودًا أصلاً في القانون الدولي، ومن ثم فهو قرار اعتمد على ما يمكن التوصّل إليه في ظل معارضة روسيا والصين، وليس على ما يمكن أن يؤثر(25).
ورغم أن العقوبات جاءت جزئية ومخففة، نتيجة إصرار روسيا على ألاّ تطال إجراءات مهمة أخرى مثل منع سفر المسؤولين الإيرانيين العاملين في مجال البرامج النووية، أو فرض حظر على صادرات النفط الإيراني، ومفاعل (بوشهر)، إضافة إلى أن النص القوي داخل المجلس ترك الباب مواربًا ولم يقطع الطريق تمامًا أمام الجهود المبذولة لتسوية هذه الأزمة دبلوماسيًا، إلاّ أن رد الفعل الإيراني اتسم بالتشدد، حيث رفضت إيران القرار واعتبرته "غير شرعي وخارج سلطة مجلس الأمن"(26)، فيما دعا الرئيس الإيراني دول الغرب إلى التعايش مع إيران كدولة نووية(27)، كما أعلنت إيران عن بدء تشغيل ثلاثة آلاف جهاز طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم(28)، والإسراع بعملية التخصيب، وصوّت مجلس الشعب الإيراني على قرار يلزم الحكومة بإعادة النظر في تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية(29)، وفي الوقت الذي أكّدت فيه الخارجية الإيرانية على لسان متحدثها أن الوكالة لا ينبغي أن تنتظر من إيران الإبقاء على مستوى التعاون نفسه معها بعد فرض العقوبات عليها(30). وهكذا، أعلنت إيران رفضها لوقف أنشطة التخصيب، لكنها لم تطرد المفتشين الدوليين، ولم تنسحب من اتفاقية حظر الانتشار النووي، ولم توقف تصدير النفط، فقد رأت أن القرار لا يعني الكثير في حد ذاته.
ومع ذلك، فمن الطبيعي أن تعمل القيادة الإيرانية على استحداث أساليب دبلوماسية جديدة لمواجهة المرحلة القادمة، بحيث لا يصدر قرار يوسّع نطا ق العقوبات، فربما تكون الولايات المتحدة وروسيا قد اتفقتا على استبعاد جهات وهيئات عسكرية إيرانية في هذه المرحلة، وتركها للقرار التالي، وهذا التوجه الإيراني هو ما يمكن استنتاجه من تصريحات المسؤولين الإيرانيين، فقد أكّد رئيس البرلمان الإيراني على أن أي تحرك متسرع في الرد

على القرار لن يكون في صالح إيران، كما شدّد نائب وزير الخارجية الإيراني بأن بلاده لا تنوي الانسحاب من معاهدة منع الانتشار النووي(31)، كما أنه لا يمكن لإيران استخدام ورقة النفط، نظرًا لما يمكن أن يسفر عنه استخدام هذه الورقة من احتمالات سلبية على الاقتصاد الإيراني من ناحية، وعلى حجم التأييد الذي تحظى به لدى دول العالم النامي التي سوف تتأثر بزيادة أسعار النفط حال حظر تصديره من ناحية أخرى.

 

 


   

رد مع اقتباس