عرض مشاركة واحدة

قديم 20-08-10, 12:41 PM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي الحروب الأهلية المعاصرة وخصائصها



 

الحروب الأهلية المعاصرة وخصائصها
بسام العسلي
قد يكون أول نموذج للحرب عرفه عالم (القبيلة المسلحة) هو نموذج (الحرب الأهلية)، وعندما تطوّر المجتمع الإنساني من النظام الرعوي إلى النظام الزراعي، بدأ عصر حروب المدن والدول، أو حروب الجيوش، ولكن هذا التطوّر لم يتمكن من إلغاء النموذج القديم من الحروب الأهلية. وقد عرفت الأزمنة المعاصرة نماذج كثيرة من الحروب الأهلية في كل قارات العالم، وأكّدت هذه النماذج احتفاظ الحروب الأهلية المعاصرة بكل خصائص ومكونات الحروب الأهلية القديمة، وبقي الوطن العربي هو الوطن الأول للحروب بكل أنواعها ونماذجها: النظامية وغير النظامية، التقليدية والثورية، وغريب ما في الأمر أن (فن الحرب المعاصر) قد نجح في وضع تصنيف مميز لأنواع الحرب ومتطلباتها ومواصفاتها وضروراتها، وعلى الرغم من ذلك، فهناك جدل عقيم في التعامل مع المبادئ الثابتة للحروب، وأصبح لزاماً بالتالي التعرُّض لبعض نماذج الحروب الأهلية المعاصرة والتي ستبقى محتفظة بقيمتها الكبرى في مجال التعامل مع قضية (الحرب والسلام).


1 الحرب الأهلية الأمريكية

تشكَّلت الولايات المتحدة الأمريكية بعد انتصار الشعب الأمريكي في حرب الاستقلال (1775 1781م)، واقترنت ولادة الدولة الأمريكية بتفجّر (الثورة الصناعية) التي ضربت بقوة جبّارة المجتمعات الزراعية، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية أول بلد تعرَّض لهذه الضربة؛ إذ كان الشمال الأمريكي أكثر استعداداً للتكيّف مع ظروف ومستجدات الحياة الصناعية، فيما كان الجنوب الأمريكي زراعياً، ويحتاج لليد العاملة التي يتم الحصول عليها بما عُرف آنذاك ب: (تجارة العبيد، أو الأقنان) ممن كان يتم اختطافهم واقتلاعهم بوحشية من أوطانهم ونقلهم إلى العالم الجديد؛ ولهذا فقد تم إلغاء الرق في الولايات الشمالية فيما بين عام 1777 والعام 1804م، وكان الدستور الأمريكي الذي تم وضعه في العام 1787م، فيما أصرَّت الولايات الجنوبية على التمسك بنظام الرق.

ويظهر أن العالم الصناعي (أوروبا وأمريكا) الذي كان يمارس تجارة العبيد قد استيقظ فجأة على وحشية هذه التجارة التي لم يعد يحتاجها بعد اعتماده على المحرّك البخاري (الحصان البخاري الذي كان يتم حسابه بأنه يعادل قوة خمسة عشر رجلاً قوياً). فبدأ في محاربة وتحريم تجارة الرق، ومن ذلك على سبيل المثال عقد معاهدة أمريكية بريطانية عام 1814م عُرفت باتفاقية (غنت) نصَّت على أن تبذل كل من الدولتين ما تستطيعان من جهود لوضع حدٍ لتجارة الرقيق، واتفقتا فيما بينهما بموجب اتفاقية (اسبورن) في العام 1842م على تعزيز هذه التدابير بإبقاء أساطيلهما الصغيرة على الساحل الغربي لأفريقيا. إذن، فقد كانت الجبهة الأمريكية الداخلية منقسمة على نفسها تجاه قضية (الرق) بين الشمال الصناعي والجنوب الزراعي، وكان هذا الانقسام هو التربة التي نبتت فيهالحرب الأهلية الأمريكية 1861 1865م.

يبدو أن فترة زمنية طويلة امتدت لعدة سنوات سبقت انفجار الحرب، وكانت الدعاية للحرب والإعداد لها قد استبعتد كل مواقف الاعتدال وكل مشاعر التعايش السلمي، وأيقظت لدى كل الأطراف روح التعصّب القبلي بصورتها البدائية الشاملة، وهذا ما أكّده المؤرخ (ستيفنسون) في كتابه: (لنكولن) بقوله: "لقد تكوّنت حالة فكرية جديدة في كل البلاد، وكانت مزيجاً من كل العناصر التي تبعث مشاعر العنف والتي تطلعتها الحرب بصورة حتمية، فكانت بعثاً وإحياءً للتعطش الدموي البدائي الذي يكمن في كل أمة مسالمة مثل الوحش النائم"، وهذا ما أشار إليه المؤرخ الغربي ( فاتيل) بقوله: "إنك إذا أفسحت المجال لاتهامات مستمرة ومتطرفة بين طرفين في نزاع ما، فإن السلاح لن يعود لغمده إلاّ إذا دمر أحدهما".

كان هذا هو الوضع الأمريكي يوم تم انتخاب (ابراهام لنكولن 1809 1865م)، رئيساً للولايات المتحدة يوم 6 تشرين الثاني-نوفمبر 1860م، وكان ذلك إيذاناً باندلاع الحرب؛ إذ كان من المعروف أن (لنكولن) من أنصار إلغاء الرق، وعبَّر عن ذلك أثناء حملته الانتخابية بقوله: "كل عائلة تنقسم على نفسها، تؤدي بنفسها إلى الزوال، وإنني أعتقد أن الحكومة الحالية لا تستطيع أن تتحمل استمرار دعم نصف أعضائها لبقاء الرق، ودعم النصف الآخر للحرية، وإنني لا أتوقع حمل الاتحاد، ولا أرغب بانهيار هذا المنزل العائلي، ولكنني آمل أن ينتهي هذا الانقسام، وأن تتفق العائلة الواحدة كلها على الحل الأول أو الحل الآخر".

وأخذت مسيرة الأحداث بالتسارع؛ ففي اليوم الأول من شباط فبراير 1861م كانت ولايات (كارولينا الجنوبية) و (جورجيا) و (ألباما) و (المسيسبي) و (فلوريدا) و (لويزيانا) و (تكساس) قد أعلنت انفصالها عن الشمال (الاتحاديين)، واستدعت كلتاهما قوات الميليشيا لخدمة العلم، واحتلت حصون (الاتحاد الفيدرالي)، ومخازن أسلحته الواقعة في ولايات الجنوب، وأقيمت حكومة مؤقتة حملت اسم (ولايات التحالف الكونفيدرالي الأمريكي) برئاسة (جيفرسون ديفيس) 1808 1889م في مدينة (مونتجومري) الواقعة في ولاية (الباما)، وفي يوم 12 نيسان -أبريل 1861م، قام الجنوبيون في (شارلستون) بقصف حصون (سومتر)، وأعلن هدير مدافعهم أن الجدل الذي استمر بين جيل كامل ستحسمه الحرب، والتي لن تكون حرباً بين حزبين سياسيين متعارضين، بل ستحسمه حرب حياة أو موت بين مجتمعين يدافع كل منهما عن حضارة مختلفة، إنها بإيجاز (تمرّد رعاة الأرض ضد الآلات وضد عصر البخار).

عندما بدأت الحرب، كانت ولايات الجنوب (الانفصالية) تتفوّق من حيث اتساع مساحات الأراضي الزراعية (البكر)، وكان عدد السكان يتراوح بين خمسة إلى ستة ملايين من البيض، وثلاثة ملايين ونصف من العبيد الأرقاء، أي أن مجموع عدد السكان كان يعادل أقل من نصف عدد سكان الشمال الاتحادي، ونتيجة لطبيعة الأقاليم الجغرافية في الجنوب، وصعوبة التحرُّك على الطرق، لم يكن باستطاعة قادة الجنوب التفكير بغزو ولايات الشمال، فكانت استراتيجية الجنوبيين دفاعية هدفها إرغام الشماليين على استبعاد الأعمال الهجومية، واستنزاف قدرات قوات الشمال الاتحادية، ومقابل ذلك، وضع الاتحاديون استراتيجيتهم على أساس غزو الجنوب على مراحل، والقضاء على مقاومات الجنوب بصورة منهجية، والقضاء على موارد الجنوب، وكان القائد العام للاتحاديين (وينفيلد سكوت) 1786 1866م يدرك جيداً أهمية الخنق العسكري والاقتصادي للجنوب، فعمل على فرض حصار شديد على كل موانئ الجنوب، والعمل على تشكيل جيشين في وقت واحد يتحرّك الأول إلى (المسيسبي) لاقتطاع الجزء الغربي من الاتحاد الكونفدرالي عن جزئه الشرقي، فيما يتحرّك الجيش الثاني إلى (ريتشموند) لتثبيت الجزء الأكبر من قوات الجنوب في (فرجينيا).

كان جيش الولايات المتحدة الأمريكية في بداية الحرب يضم حوالي (17) ألف ضابط وجندي، وعندما بدأت الأعمال القتالية بين الاتحاديين الشماليين، والانفصاليين الجنوبيين، وتم استبدال نظام (جيش المتطوعين العاملين) بجيش التجنيد الإجباري، أصبح الجيش الاتحادي يضم حوالي (290) ألف مقاتل، غير أن جيش الشمال كان يفتقر للقادة، فتم استدعاء الجنرالات المتقاعدين (مارك كليلان)، والجنرال (ايلسيس س. غرانت) 1822 1885م، والجنرال (ويليام شيرمان) 1820 1891، أما قائد جيش الجنوب فكان الجنرال (روبرت لي) 1807 1870م، وقد عمل هؤلاء القادة وهم الأكثر شهرة في المجموعة التي قادت قوات حرب الانفصال أو حرب تحرير العبيد على تنفيذ أعمال قتالية محدودة طوال أشهر سنة 1862م، ووقعت فيها خسائر كبيرة في الأرواح من كلا الجانبين، واستخلص قادة الحرب من هذه التجارب حقيقتين لهما علاقة وثيقة بتطوير التسلح: أولاهما: عقم الهجمات الجبهية وفشلها في بلوغ أهدافها، وثانيتهما: ضرورة حفر خنادق الميدان للوقاية من الرصاص والنيران، وهكذا أصبح (الرفش) السلاح المكمّل للبندقية.

تم تجهيز الجيوش المتحاربة بأحدث الأسلحة آنذاك فتم في العام 1861م استبدال البندقية الحجرية التي كانت تُرمي حتى مئة متر على الأكثر بالبندقية المحلزنة (مينييه) والتي تُرمي حتى (500) متر، ودخل (المدفع المحلزن) الخدمة، واستخدمت في الحرب الخنادق والمحطومات وشبكات الأسلاك الشائكة، كما استخدمت مدافع الهاون المطوق بالأسلاك المعدنية والقنابل اليدوية والمجنحة والصواريخ، وآلاف المصائد والأفخاخ متعددة الأشكال والأنواع، كما استخدمت رشاشات (ديغاو غاتلينغ) وبندقية التكرار التي تلقم من المغلاق، وتطورت وسائل الاتصال باستخدام (برق الميدان)، والإشارات الضوئية والإشارات بالأعلام (سيمافور)، واستخدم المتحاربون القطارات المدرعة والمناطيد، وقاذفات اللهب، كما وضع الاتحاديون ولأول مرة الفرقاطات المدرعة والغواصات بصورتها البدائية.

وبإيجاز شديد كانت حرباً لتجربة كل إنجازات (الثورة الصناعية) في مجال العمل العسكري، وكذلك كانت حرباً أطلقت العنان لكل عوامل التطور المادي للثورة الصناعية التي مارست دورها في إعادة الحرب إلى طبيعتها البدائية، وكان الجنرال (غرانت) أول قائد اتحادي تحرّك بجيشه نحو الجنوب في 30 كانون الثاني-يناير 1863م، وفي 4 تموز-يوليو استسلمت له قلعة (فيكسبورغ)، وكان ذلك بداية الانتصارات الحاسمة على الجنوبيين، والتي جاء بعدها انتصار (الجنرال شيرمان) باستيلائه على الباب الجنوبي لدولة الانفصال في (أطلنطا) في الأول من أيلول-سبتمبر 1864م، وكان (شيرمان) هو المحرِّض الأول للعودة بالحرب إلى طبيعتها الوحشية البربرية، وكتب بذلك إلى رئيس هيئة الأركان العامة في واشنطن (الجنرال هالليك)، جاء فيها: "كنت مصمماً على ألاّ أترك خلفي أي أثر للأعداء، فتم إجلاء كل السكان، وإذا ما زمجر السكان واحتجوا ضد بربريتي وشراستي فسأرد عليهم بأن الحرب هي الحرب، فإذا كانوا يريدون السلم، فعليهم أن يوقفوا هم وعائلاتهم الحرب، لقد كنت أعرف بالطبع أن مثل هذا التدبير سينفذ بعنف، وأنا واثق كل الثقة بأنه كان إجراءً صحيحاً، وأن الزمن كفيل بتبرئته والحكم عليه". وصدرت عن (شيرمان) بعد ذلك تصريحات متماثلة ومتشابهة، منها قوله: "وإلى أن نستطيع إعادة إسكان (جورجيا) بسكان آخرين، فإنه لا فائدة من احتلالها، ذلك لأن التدمير التام للطرق والمنازل والسكان سيقضي على كل مواردها العسكرية، وأصبح بإمكاني التقدم تاركاً جورجيا وهي تعوي وتصرخ ... إنني لو اضطررت للهجوم، فإنني أشعر بأن من حقي اللجوء إلى أقصى التدابير، وسأحاول جهدي عدم كبح جماح جيشي، إننا لا نحارب جيوشاً معادية فحسب، بل إننا نحارب أيضاً شعباً معادياً، وعلينا أن نجعل الشيوخ والشبان، والأغنياء والفقراء يشعرون بقبضة الحرب الحديدية. والحقيقة أن كل الجيش يغلي برغبة لا تخمد جذوتها للانتقام؛ من (كارولينا الجنوبية)، وإن فرائصي ترتعد من مصيرها المرتقب". وغريب ما في الأمر أن (شيرمان) كان يؤمن: بأن جيشه هو "أداة للعدالة الإلهية".

وبمثل هذه الحالة النفسية المميزة للحروب الأهلية انتصر جيش الشمال الاتحادي على جيش الجنوب الانفصالي، وكان الثمن فادحاً جداً، ووصلت الحرب نهايتها يوم 9 نيسان-أبريل 1865م. وبعد خمسة أيام تعرَّض الرئيس الأمريكي (ابراهام لنكولن) للاغتيال، وتبع ذلك قيام جهاز الأمن الأمريكي (الشرطة) بحملة إرهاب ضد المتهمين، وكان على سكان الجنوب جميعاً مواجهة الاتهام بارتكاب هذه الجريمة، غير أن إعادة توحيد الولايات المتحدة الأمريكية أطلقت كل قدرات الشعب الأمريكي لبناء المستقبل المشترك، وبعد جيلين فقط من انتهاء الحرب، أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية أكبر دولة صناعية ورأسمالية في العالم.

 

 


 

الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس