عرض مشاركة واحدة

قديم 19-03-09, 11:33 AM

  رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

رحبت الطبقات العاملة في إسبانيا بقيام الجمهورية الثانية عام 1931 بعد أن أُرغم الملك "الفونسو" على ترك العرش والذهاب إلى المنفى . وبعد مرور خمس سنوات لم يكن هناك سوى التذمر والشكوى والمتظاهرين الذين يلوحون بالمنجل والمطرقة لأنهم يريدون . عالمًا أفضل من خلال ثورة اشتراكية، وهم يمثلون إسبانيا أخرى ومذهبًا آخر، والاضطرابات مستمرة في الأرياف. وعمال "الميونا" الفلاحون الذين لا أرض لهم يعيشون حياة الكفاف لدى الطبقة العليا والبرجوازية .

إندلعت الثورة في "أستورياس" في تشرين الأول عام 1934 وأعلن عمال المناجم قيام جمهورية اشتراكية. وأرسلت مدريد جيشا ، وتم إعتقال قادة الثورة ، وإشتد القمع . وأصبحت الفجوة بين الطبقات العاملة والجمهورية كبيرة جدا . إن العنف والخوف من تلك الاحداث جعلا المحامي الشاب "خوزيه أنطونيو بريموديرفيرو" يدعو للمطالبة بالعودة الى الملكية . وكان حزب "الكتائب" الإسباني يستلهم أفكاره من الفاشية الإيطالية، التي تقوم على تمجيد القوة والمناداة بالحكم الديكتاتوري لإسبانيا، ومعاداة الاشتراكية والليبرالية . ألأمر الذي كان يلهب مشاعر الشبان، والذين يفضلون العودة إلى الملكية على الحكم الاشتراكي، وبذلك فقد الإسبانيون فرصتهم الأخيرة لتفادي الصدام . كتلتان تواجهتا في انتخابات السادس عشر من شباط عام 1936؛ الجبهة الوطنية اليمينية والجبهة الشعبية ، وجاءت النتائج مفاجئة؛ فالجبهة الشعبية فازت بأغلبية البرلمان الإسباني، أما اليمين المتطرف والثوريون ففضلوا النزول إلى الشارع على لعبة الديمقراطية البرلمانية .

وقام "مانويل أزانا" بتشكيل الحكومة ، وأدركت الكنيسة الإسبانية بأنها لا تستطيع توقع شيء من حكومة "أزانا" الجديدة . فخلال الأربعين سنة الأخيرة كان أدنى قدر من العنف العمالي يثير فزع الكنيسة ، وكانت الكنيسة الإسبانية تشعر بأنها أرفع من أن تستطيع مماشاة الموجودين في السلطة ، وهي حاضرة دائمًا في تعليم أبناء البرجوازيين. وحامية حمى ما يريد الفقراء تدميرَه بالرغم من فوز الجبهة الشعبية، لكن الأحزاب البرجوازية هي التي كانت تحكم وازدادت الإضرابات بعد الانتخابات مباشرة ، وأصبح العنف حدثًا يوميًا. كل مظاهرة تقود إلى أخرى، والمواجهات تزداد وتتصاعد، ويتصدى الفوضويون أو الثوريون الشباب لاستفزازات الكتائبيين أو الملكيين، وتقع العشرات من أعمال العنف السياسي .

في الثاني عشر من تموز اُغتيل الملازم أول "خوزيه دي كاستيلو"، وكان في اليوم السابق قد سحَق مظاهرة للملكيين . كما أعتقل في مساء نفس اليوم "كالفو سيتيلو" النجم الصاعد لدى المعارضة ثم قتلته الشرطة، وإعتبر الجنرالات تلك الجريمة دليلا على إن إسبانيا تسير نحو الدمار . في الثامن عشر من تموز خرج الجيش من ثُكْنَاتِهِ وإنضم إليه الكتائبيون والحرس المدني والكارلستيون . وكان المحرك الرئيسي للعملية الجنرال "مولا" الذي قاد الثورة في الشمال ، وقادها في الجنوب "كويبو ديليانو"، وإعتمد نجاح العملية على أصغر جنرال في الجيش الإسباني "فرانسيسكو فرانكو" الذي كان في المنفى بالمغرب المحتل من قبل إسبانيا . إن التمرد ضد الجمهورية الثانية دفع أنصارها إلى التجمهر في الشوارع والمطالبة بالسلاح ، وترددت الجمهورية ثم رضخت لمطالبهم . وحين ذاك ادركت إسبانيا انها لابد ان تسوي حساباتها بالسلاح . بعد إلحاق الهزيمة بالمتمردين في مدريد وبرشلونة ، قام الشعب بتنظيم الميليشيات . كان لكل حزب ميليشيا خاصة به ، لا أحد يدافع عن الجمهورية، بل إنها ثورة ضد الفاشية . ودعى دوروتي" الفوضوي الأسطوري إلى ثورة "بروليتارية" مسلحة، وقال: لسنا خائفين من الدمار، فهناك عالم جديد ينتظرنا . وقام بتجنيد مثيري الفتن لبناء عالمه الجديد . وبحلول نهاية تموز كانت مدريد وثلثا إسبانيا مواليةً للجمهورية، وأدرك الوطنيون أنهم سيضيعون بدون "فرانكو" وبدون المجندين المغاربة.وأرسلت ألمانيا وإيطاليا أولى الطائرات، ثم إجتازت قوات "فرانكو" والجنود النظاميون المغاربة مضيق جبل طارق إلى إسبانيا. وتمكن الجيش الإسباني بقيادة كويبو ديليانو" من الاستيلاء على إشبيلية والمنطقة الجنوبية من إسبانيا . في التاسع من آب دخل "فرانكو" إشبيلية فإستقبل كمنقذ ، ووقفت الكنيسة الإسبانية إلى جانبه وتقدما جنبًا إلى جنب ، وقوبلا بالتصفيق على حد سواء ، وإعتبرت الكنيسة مؤامرة قادة الجيش ضد الجمهورية عملاً مشروعًا بعد ذلك استبدل علم الجمهورية بعلم إسبانيا القديم ذي اللونين الأحمر والذهبي .

وافق كويبو ديليانو وفرانكو على العلم قائلين: لقد أرادوا أن يسرقوه منا. هذه هي حقًا حرب كنسية جديدة ضد اليسار الإسباني تتم بمباركة من الكنيسة . وقد وقعت أولى المعارك في "سيراس" إلى الشمال من مدريد، ولن يستطيع الحماس الجمهوري أن يتغلب دائمًا على الفوضى التي تسود صفوف الميليشيات ، حيث أن هنالك خلاف بين الضباط والمفوضين السياسيين، وغالبًا ما يصوت رجال الميليشيات لتقرير ما إذا كان عليهم أن يطيعوا أوامر الضباط، أم لا . والوطنيون بقيادة "فرانكو" كانوا يقتربون من مدريد . أتسم القتال بالوحشية منذ البداية. وتقدم الجيش الإفريقي بسرعة في الجنوب ، وسقطت "باداخوس" على الحدود مع البرتغال في الخامس عشر من آب . وتم ذبح جميع المتعاطفين مع الجبهة الخارجية .

في أواخر آب بدأ الوطنيون هجومًا في الشمال بالقرب من "آرون"، وتحت أشعة الشمس الملهبة حارب الجانبان بقوة ، بعد ذلك تقهقر الجمهوريون واستسلموا . وإستولى فرانكو على "أرون"، و تم قطع "أستورياس" وبلاد "الباسك" عن فرنسا صديقة الجمهورية الإسبانية، ووقع أوائل الأسرى بيد قوات فرانكو، وعاد الناجون من الجمهوريين إلى برشلونة لمواصلة القتال بعد مرور شهرين على بدء التمرد كانت النتائج غير مشجعة بالنسبة للجمهورية ، فالجيشان في الشمال وفي الجنوب يلتقيان ، وأصبحت مدريد مهددة أكثر وأكثر ، وكانت نتيجة الحرب تعتمد على مصير مدريد ، وسقطت المدينة تلو الأخرى بيد قوات "فرانكو" ، وإزدادت رقعة الأراضي التي يسيطر عليها الوطنيون . كان فرانكو متفائل. ويتوقع أن يدخل العاصمة في يوم "كولومبوس" في الثاني عشر من تشرين الثاني .


الجمهورية كان لديها مقاتلين متحمسين ، ولكنهم قلما يشتركون في الأهداف وتمكن "لارجو كاباريلو".. الذي أصبح رئيسًا للوزراء في الرابع من أيلول عام 1936 من تشكيل حكومة إئتلافية . في تلك الاثناء كان جيش "فرانكو" على بعد مائة وخمسين كيلو مترًا فقط من مدريد . ظلت قلعة "الكازار" الشهيرة في "طليطلة" تلوح فوق نهر "تاجو"، وتقع "طليطلة" على الطريق إلى مدريد . وكان الكولونيل "موسكاردو" من أنصار فرانكو قد لجأ اليها منذ بداية العصيان المسلح ، ومعه ألفا جندي وستمائة من النساء والأطفال ، ولمدة شهرين ظل يهزأ بالجمهورية ويرفض الاستسلام، ويصد جميع الهجمات . كانت صلة القلعة الوحيدة بالعالم الخارجي هي الهاتف. كان الجنرال الجمهوري يقول له : لا ترغمني على محو القلعة من الوجود ، ويرد "موسكاردو": لا ترغمني على إلحاق العار بنفسي ، ويتابع الجمهوري : سأدعك تتكلم مع ابنك . لقد اعتقلناه . ويقول الشاب ذو السبعة عشر عامًا لأبيه : إنهم سيقتلونني إذا لم تستسلم . وبعد أيام قليلة سقط الولد أمام فرقة إعدامٍ جمهورية ، ولكن قلعة "الكازار" صمدت وأصبح "موسكاردو" رمزًا للقتال المميت بين الإسبانيتين .. إسبانيا "فرانكو"، وإسبانيا "الجمهورية وأدرك "فرانكو" أن الحرب تحتاج إلى رموز ؛ لذلك قرر فك الحصار عن قلعة "الكازار" مهما كان الثمن قبل مهاجمة مدريد . كان الجمهوريون متلهفين لإنهاء المعركة ؛ لذلك طلبوا من عمال المناجم أن ينسفوا القلعة بالمتفجرات ، وحضر "كاباريلو" لمشاهدة الهجوم الأخير،حيث قذف انفجار هائل أحدَ الأبراج إلى نهر "التاجو ".ولكن قلعة "الكازار" غير قابلة للتدمير ، فالأساسات تبقى سليمة ، وتوقع الجمهوريون أن يعثروا على جثث ، ولكن المدافعين كانوا أحياء تحت الأنقاض ، وبقيت القلعة حصنًا منيعًا . وصل جيش "فرانكو" إلى الخطوط الخلفية للجمهوريين يوم الثامن والعشرين من أيلول ، وبعد أن أصبح الجمهوريون مهددين بالحصار من قبل جيش "فرانكو"، تخلوا عن مواقعهم وتقهقروا نحو مدريد ، وتمكنت قوات فرانكو من فك الحصار عن القلعة بعد تسعة وستين يومًا . وخاطب "موسكاردو" فرانكو قائلاً : يا جنرال ، ليس عندي ما أسلمه لك سوى الأنقاض ، ولكن قلعة "الكازار" تصبح أسطورة بالنسبة لحركة الوطنيين .

كان العالم أجمع يتجه بأنظاره نحو إسبانيا، الرجال والسلاح يصلان من كل مكان ، وكانت اسبانيا خلال شتاء عام 1936 ساحة معركة ، للأيديولوجيات المتعارضة، وميدانًا لاختبار الأسلحة الجديدة . في مساء نفس اليوم الذي بدأت فيه حركة العصيان العسكرية ، طلبت الجمهورية العون من فرنسا حيث كانت الجبهة الشعبية قد وصلت إلى السلطة أيضًا، وكان أول رد فعل لـ"ليون بلوم" رئيس الوزراء الفرنسي هو أنه سيقدم لأسبانيا مساعدة عسكرية فورية . وبسبب معلرضة الجبهة الشعبية الفرنسية قرر بلوم رسميا عدم التدخل في إسبانيا ، أما في الحقيقة فقد استمرت شحنات السلاح سرًا ، لكن هذا الموقف الدولي بعدم التدخل الرسمي طمأن الإنكليز، الذين كانوا بزعامة "تشيمبرلن" يقولون: إنهم يريدون تجنب الحرب .

كان هتلر في البداية مترددًا في إرسال مساعدات كبيرة للوطنيين الإسبان ، فالجيش الألماني لم يكن جاهزًا للزحف عبر أوروبا . وقد قرر تقديم المساعدة لفرانكو على دفعات ، وذلك حتى لا تصبح إسبانيا سببًا لإحداث انفجار قبل الأوان في أوروبا . وفي روما لم يكن "موسوليني" متحمسًا لفكرة التدخل في إسبانيا، ولكنه غيًر رأيه بسرعة ؛ حيث أعتبر إسبانيا أرضًا سهلة لتحقيق الأمجاد العسكرية ، وأرسل خمسين ألف جندي ليحاربوا مع فرانكو، أما "ستالين" فقدم المساعدة للجمهوريين. ووصلت السفن السوفيتية الأولى إلى برشلونة في نهاية تشرين الأول . لم تكن تلك المساعدة مجانية ، فقد اضطرت اسبانيا إلى نقل كل ما لديها من ذهب إلى موسكو، لدفع ثمن الدبابات والطائرات . وبدأت الآمال ترتفع داخل المعسكر الجمهوري، وصرح لارجو كاباريللو": نحن الأقوى عسكريًا . إننا حكومة النصر .

في تلك الاثناء تشكلت وحدة في ألمانيا وارسلت لغرض تعزيزصفوف الوطنيين وكانت مؤلفة من طائرات ودبابات ومدفعية ، سُميت فيلق النسر ، الذي استُخدم في اسبانيا لاختبار أفكار القيادة العسكرية الألمانية ووصل في البداية ستة آلاف جندي وخمسون طائرة ، وكان الألمان قد تقاضوا الثمن سلعًا ، حيث كانوا يحتاجون إلى بعض المواد الخام ، وفي تشرين الأول عام 1936 أصبح صوت المعركة يُسمع في مدريد . في تشرين الثاني أعلن فرانكو أنه سيدخل مدريد ، وكان المغاربة من قوات فرانكو يقفون على أبواب العاصمة تقريبًا، لكن مدريد كانت تسيطر عليها روح ثورية محمومة، وقال الجمهوريون بأنهم سيدافعون عنها حتى النهاية ، ولكن سقوط المدينة تم بعد ساعات فقط

 

 


الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس