"أنا رجل كأحدكم، مَن رأى مني حسنة فليحمد الله، وليحضّ على مثلها، ومَن رأى مني سيئة فلينكرها، فإني أُخطئ كما تُخطئون، وأُصيب كما تُصيبون، وقد أمر الأمير -أكرمه الله- لكم بعطاياكم، وتضعيفها ثلاثا، فخذوها هنيئا مريئا، ومَن كانت له حاجة فليرفعها إلينا، وله عندنا قضاؤها على ما عزّ وهان، ومع المواساة إن شاء الله".
خطبة موسى بن نصير في جنوده حين دخل القيروان سنة 85 للهجرة
حتى الآن لا يزال سؤال "كيف استطاع المسلمون الأوائل في زمن الصحابة والتابعين أن يتوغّلوا في أعظم إمبراطوريتين عرفهما العالم آنذاك، ثم يسيطرون عليهما سيطرة شاملة في زمن قياسي لم يتعدّ التسعين سنة؟" يُثير دهشة العقل الغربي وعلومه العسكرية، في حين أن هاتين الإمبراطوريتين "فارس" و"الروم" قد تصادمتا مرارا وعلى مدار قرون، ولم تستطع أيٌّ منهما السيطرة على رقعة الآخر لفترة زمنية طويلة فضلا عن أن تكون قصيرة.
وتلك حكاية تتعدى مسألة الإستراتيجية والقدرات العسكرية إلى ما هو أعمق من ذلك؛ إلى الإيمان بالفكرة الذي يحرك أصحابها ويجعلهم لا يهابون الموت والمخاطر في سبيلها، ثم في إعداد هؤلاء المحاربين، الثقافي والعقلي والبدني ومعرفتهم الدقيقة بالخصم، فضلا عن الإمكانيات المتاحة لهم